আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯২৯৭
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا رَجَعَ الْخَلِيفَةُ الْمُتَّقِي إِلَى بَغْدَادَ وَخُلِعَ مِنَ الْخِلَافَةِ وَسُمِلَتْ عَيْنَاهُ. كَانَ الْمُتَّقِي وَهُوَ مُقِيمٌ بِالْمَوْصِلِ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى الْإِخْشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ طُغْجٍ صَاحِبِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ وَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَصَفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَخَضَعَ لِلْخَلِيفَةِ غَايَةَ الْخُضُوعِ، وَكَانَ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا يَقُومُ الْغِلْمَانُ، وَيَمْشِي وَالْخَلِيفَةُ رَاكِبٌ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، أَوْ يُقِيمَ بِبِلَادِ الشَّامِ فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْمُقَامِ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَا يَذْهَبُ إِلَى تُوزُونَ بِبَغْدَادَ، وَحَذَّرَهُ مِنْ تُوزُونَ وَمَكْرِهِ وَخَدِيعَتِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَكَذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الْوَزِيرِ أَبِي حُسَيْنِ بْنِ مُقْلَةَ فَلَمْ يَسْمَعْ، فَأَهْدَى ابْنُ طُغْجٍ لِلْخَلِيفَةِ هَدَايَا كَثِيرَةً فَاخِرَةً، وَكَذَلِكَ إِلَى الْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالْوَزِيرِ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى بِلَادِهِ. وَقَدِ اجْتَازَ بِحَلَبَ، فَانْحَازَ عَنْهَا صَاحِبُهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَمْدَانَ، وَكَانَ ابْنُ مُقَاتِلٍ بِهَا، فَأَرْسَلَهُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَائِبًا عَنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا.
পৃষ্ঠা - ৯২৯৮
وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ فَإِنَّهُ رَكِبَ مِنَ الرَّقَّةِ فِي دِجْلَةَ إِلَى بَغْدَادَ وَأَرْسَلَ إِلَى تُوزُونَ فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ مَا كَانَ حَلَفَ لَهُ مِنَ الْأَيْمَانِ، فَأَكَّدَهَا وَقَرَّرَهَا، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهَا خَرَجَ إِلَيْهِ تُوزُونُ وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ، فَلَمَّا رَأَى الْخَلِيفَةَ قَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَظْهَرَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ وَفَّى لَهُ بِمَا كَانَ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَأَنْزَلَهُ فِي مَضْرِبِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَاحْتَاطَ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْكُبَرَاءِ، وَأَمَرَ بِسَمْلِ عَيْنَيِ الْخَلِيفَةِ فَسُمِلَتْ عَيْنَاهُ، فَصَاحَ صَيْحَةً عَظِيمَةً سَمِعَهَا الْحُرَمُ، فَضَجَّتِ الْأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ، فَأَمَرَ تُوزُونُ بِضَرْبِ الدَّبَادِبِ ; حَتَّى لَا تُسْمَعَ أَصْوَاتُ الْحُرَمِ، ثُمَّ انْحَدَرَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَغْدَادَ فَبَايَعَ لِلْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ، فَكَانَتْ خِلَافَةُ الْمُتَّقِي لِلَّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ: وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا. وَسَتَأْتِي تَرْجَمَتُهُ عِنْدَ ذِكْرِ وَفَاتِهِ. خِلَافَةُ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُكْتَفِي بْنِ الْمُعْتَضِدِ لَمَّا رَجَعَ تُوزُونُ إِلَى بَغْدَادَ وَقَدْ خَلَعَ الْمُتَّقِيَ لِلَّهِ وَسَمَلَهُ، اسْتَدْعَى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُكْتَفِي، فَبَايَعَهُ عَلَى الْخِلَافَةِ، وَلُقِّبَ بِالْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ، وَذَلِكَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَلَسَ تُوزُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ الْمُسْتَكْفِي خِلْعَةً سَنِيَّةً، وَكَانَ الْمُسْتَكْفِي مَلِيحَ الشَّكْلِ رَبْعَةً، حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْوَجْهِ، أَبْيَضَ اللَّوْنِ
পৃষ্ঠা - ৯২৯৯
مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَكْحَلَ، أَقْنَى الْأَنْفِ، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَحْضَرَ الْمُتَّقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَايَعَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُرْدَةَ وَالْقَضِيبَ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا الْفَرَجِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ السَّامَرِّيَّ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَلَّى الْأُمُورَ ابْنُ شِيرَزَادَ، وَحَبَسَ الْمُتَّقِي فِي السِّجْنِ، وَطَلَبَ الْمُسْتَكْفِي أَبَا الْقَاسِمِ الْفَضْلَ بْنَ الْمُقْتَدِرِ - وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلُقِّبَ الْمُطِيعَ لِلَّهِ - فَاخْتَفَى مِنْهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مُدَّةَ خِلَافَةِ الْمُسْتَكْفِي، فَأَمَرَ الْمُسْتَكْفِي بِهَدْمِ دَارِهِ الَّتِي عِنْدَ دِجْلَةَ. مَوْتُ الْقَائِمِ الْفَاطِمِيِّ وَوِلَايَةُ وَلَدِهِ الْمَنْصُورِ وَفِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - وَالصَّحِيحُ فِي شَوَّالٍ مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا - تُوُفِّيَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ الْقَاسِمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ، وَقَدْ عَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْمَنْصُورِ إِسْمَاعِيلَ، فَكَتَمَ مَوْتَ أَبِيهِ مُدَّةً حَتَّى اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ، ثُمَّ أَظْهَرَهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو يَزِيدَ الْخَارِجِيُّ قَدْ حَارَبَهُمْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ مُدُنًا كِبَارًا، وَكَسَرُوهُ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً، ثُمَّ يَثُورُ عَلَيْهِمْ، وَيَجْمَعُ الرِّجَالَ وَيُقَاتِلُهُمْ بِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَانْتَدَبَ الْمَنْصُورُ لِقِتَالِ أَبِي يَزِيدَ بِنَفْسِهِ، وَرَكِبَ فِي الْجُيُوشِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَقَدْ بَسَطَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " كَامِلِهِ ". وَقَدِ انْهَزَمَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ جَيْشُ الْمَنْصُورِ عَنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا فِي عِشْرِينَ نَفْسًا، فَقَاتَلَ بِنَفْسِهِ قِتَالًا عَظِيمًا، فَهَزَمَ أَبَا يَزِيدَ بَعْدَمَا كَادَ يَقْتُلُهُ، وَثَبَتَ الْمَنْصُورُ ثَبَاتًا عَظِيمًا، فَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ
পৃষ্ঠা - ৯৩০০
النَّاسِ، وَزَادَتْ حُرْمَتُهُ وَهَيْبَتُهُ، وَاسْتَنْقَذَ بِلَادَ الْقَيْرَوَانِ مِنْهُ، وَمَا زَالَ يُحَارِبُهُ الْمَنْصُورُ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ وَقَتَلَهُ. وَلَمَّا جِيءَ بِرَأْسِهِ سَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ أَبُو يَزِيدَ هَذَا قَبِيحَ الشَّكْلِ، أَعْرَجَ، قَصِيرًا، خَارِجِيًّا شَدِيدًا، يَرَى تَكْفِيرَ أَهْلِ الْمِلَّةِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيُّ وَصُلِبَ ثُمَّ أُحْرِقَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ يَسْتَنْجِدُ بَتُوزُونَ وَأَبِي جَعْفَرِ بْنِ شِيرَزَادَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، فَوَعَدُوهُ النَّصْرَ، ثُمَّ شَرَعَ يُفْسِدُ مَا بَيْنَ تُوزُونَ وَابْنِ شِيرَزَادَ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ ابْنُ شِيرَزَادَ، فَأَمَرَ بِسَجْنِهِ وَضَرْبِهِ، وَأَحْضَرَ لَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فُتْيَا عَلَيْهَا خُطُوطُ الْفُقَهَاءِ بِإِبَاحَةِ دَمِهِ، فَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ، ثُمَّ أَحْرَقَهُ، وَانْقَضَتْ أَيَّامُ الْبَرِيدِيِّينَ وَزَالَتْ دَوْلَتُهُمْ، لَا جَمَعَ اللَّهُ بِهِمْ شَمَلًا. وَفِيهَا أَخْرَجَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ الْقَاهِرَ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ - الَّذِي كَانَ خَلِيفَةً، ثُمَّ سُمِلَتْ عَيْنَاهُ - وَأَنْزَلَهُ بِدَارِ ابْنِ طَاهِرٍ، وَقَدِ افْتَقَرَ الْقَاهِرُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنَ اللِّبَاسِ سِوَى قُطْنِ جُبَّةٍ يَلْتَفُّ بِهَا، وَفِي رِجْلِهِ قَبْقَابٌ مِنْ خَشَبٍ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ رَكِبَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ فِي رَجَبٍ مِنْهَا إِلَى وَاسِطٍ لِيُحَاصِرَهَا، فَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى تُوزُونَ فَرَكِبَ هُوَ وَالْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى بِلَادِهِ، وَتَسَلَّمَهَا الْخَلِيفَةُ، وَضَمِنَهَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
পৃষ্ঠা - ৯৩০১
فَضَمَّنَهُ تُوزُونُ ثُمَّ رَجَعَ هُوَ وَالْخَلِيفَةُ إِلَى بَغْدَادَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَفِيهَا رَكِبَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْهَيْجَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ إِلَى حَلَبَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ يَأْنَسَ الْمُؤْنِسِيِّ، ثُمَّ سَارَ إِلَى حِمْصَ لِيَأْخُذَهَا، فَجَاءَتْهُ جُيُوشُ الْإِخْشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ طُغْجٍ مَعَ مَوْلَاهُ كَافُورٍ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ كَافُورٌ الْإِخْشِيدِيُّ، وَاسْتَوْلَى سَيْفُ الدَّوْلَةِ عَلَى حِمْصَ ثُمَّ رَكِبَ إِلَى دِمَشْقَ فَحَاصَرَهَا، فَلَمْ يَفْتَحْهَا أَهْلُهَا لَهُ، فَرَجَعَ عَنْهَا، وَقَصَدَهُ الْإِخْشِيدُ بِجُيُوشٍ كَثِيفَةٍ، فَالْتَقَيَا بِقِنَّسْرِينَ، فَلَمْ يَظْفَرْ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَرَجَعَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْجَزِيرَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى حَلَبَ فَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِهَا، فَقَصَدَتْهُ الرُّومُ فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةٍ، فَالْتَقَى مَعَهُمْ، فَظَفِرَ بِهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا.
পৃষ্ঠা - ৯৩০২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا زَادَ الْخَلِيفَةُ فِي لَقَبِهِ إِمَامَ الْحَقِّ، وَكَتَبَ ذَلِكَ عَلَى سِكَّةِ الْمُعَامَلَةِ، وَقَالَهُ الْخُطَبَاءُ عَلَى الْمَنَابِرِ أَيَّامَ الْجُمَعِ. وَفِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ تُوزُونُ التُّرْكِيُّ فِي دَارِهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ ابْنُ شِيرَزَادَ كَاتِبُهُ، وَكَانَ بِهِيتَ لِتَخْلِيصِ الْمَالِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَةَ لِنَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، فَاضْطَرَبَتِ الْأَجْنَادُ، وَعُقِدَتِ الرِّيَاسَةُ لِنَفْسِهِ وَدَخَلَ بَغْدَادَ فِي مُسْتَهَلِّ صَفَرٍ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ الْأَجْنَادُ كُلُّهُمْ وَحَلَفُوا لَهُ، وَحَلَفَ لَهُ الْخَلِيفَةُ وَالْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَدَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَخَاطَبَهُ بِأَمِيرِ الْأُمَرَاءِ، فَزَادَ فِي أَرْزَاقِ الْأَجْنَادِ، وَبَعَثَ إِلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ يُطَالِبُهُ بِالْخَرَاجِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِطَعَامٍ فَفَرَّقَهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَرَ وَنَهَى وَوَلَّى وَعَزَلَ وَقَطَعَ وَوَصَلَ، وَفَرِحَ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ بْنَ بُوَيْهِ قَدْ أَقْبَلَ فِي الْجُيُوشِ قَاصِدًا إِلَى بَغْدَادَ فَاخْتَفَى ابْنُ شِيرَزَادَ وَالْخَلِيفَةُ أَيْضًا، وَخَرَجَ أَكْثَرُ الْأَتْرَاكِ قَاصِدِينَ إِلَى الْمَوْصِلِ لِيَكُونُوا مَعَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ.
পৃষ্ঠা - ৯৩০৩
ذِكْرُ أَوَّلِ دَوْلَةِ بَنِي بُوَيْهِ وَحُكْمِهِمْ بِبَغْدَادَ أَقْبَلَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ بُوَيْهِ فِي جَحَافِلَ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ بَغْدَادَ بَعَثَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ الْهَدَايَا وَالْإِنْزَالَاتِ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: أَخْبِرْهُ أَنِّي مَسْرُورٌ بِهِ، وَأَنِّي إِنَّمَا اخْتَفَيْتُ مِنْ شَرِّ الْأَتْرَاكِ الَّذِينَ انْصَرَفُوا إِلَى الْمَوْصِلِ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْخِلَعِ وَالتُّحَفِ، وَدَخَلَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ بَغْدَادَ فِي حَادِي عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَنَزَلَ بِبَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ، وَدَخَلَ مِنَ الْغَدِ إِلَى الْخَلِيفَةِ فَبَايَعَهُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ الْمُسْتَكْفِي، وَلَقَّبَهُ بِمُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَلَقَّبَ أَخَاهُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيًّا بِعِمَادِ الدَّوْلَةِ، وَأَخَاهُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بِرُكْنِ الدَّوْلَةِ، وَكَتَبَ أَلْقَابَهُمْ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. وَنَزَلَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِدَارِ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَنَزَلَ أَصْحَابُهُ مِنَ الدَّيْلَمِ فِي دُورِ النَّاسِ، فَلَقِيَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ كُلْفَةً شَدِيدَةً، وَأَمَّنَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ ابْنَ شِيرَزَادَ، فَلَمَّا ظَهَرَ اسْتَكْتَبَهُ عَلَى الْخَرَاجِ، وَرَتَّبَ لِلْخَلِيفَةِ بِسَبَبِ نَفَقَاتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأُمُورُ عَلَى هَذَا النِّظَامِ ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَكْفِي وَخَلْعِهِ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ حَضَرَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى
পৃষ্ঠা - ৯৩০৪
الْحَضْرَةِ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ، وَجَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الدَّيْلَمِ، فَمَدَّا أَيْدِيَهُمَا إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَأَنْزَلَاهُ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَسَحَبَاهُ، فَتَحَزَّبَتْ عِمَامَتُهُ فِي حَلْقِهِ، وَنَهَضَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ، وَاضْطَرَبَتْ دَارُ الْخِلَافَةِ حَتَّى خُلِصَ إِلَى الْحَرِيمِ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ، وَسِيقَ الْخَلِيفَةُ مَاشِيًا إِلَى دَارِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، فَاعْتُقِلَ بِهَا، وَأُحْضِرَ أَبُو الْقَاسِمِ الْفَضْلُ بْنُ الْمُقْتَدِرِ، فَبُويِعَ بِالْخِلَافَةِ، وَسُمِلَتْ عَيْنَا الْمُسْتَكْفِي، وَأَودِعَ السِّجْنَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مَسْجُونًا حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَذِكْرُ تَرْجَمَتِهِ هُنَالِكَ. خِلَافَةُ الْمُطِيعِ لِلَّهِ لَمَّا قَدِمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ وَقَبَضَ عَلَى الْمُسْتَكْفِي وَسُمِلَتْ عَيْنَاهُ، اسْتَدْعَى بِأَبِي الْقَاسِمِ الْفَضْلِ بْنِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، وَقَدْ كَانَ مُخْتَفِيًا مِنَ الْمُسْتَكْفِي، وَهُوَ يَحُثُّ فِي طَلَبِهِ وَيَجْتَهِدُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ اجْتَمَعَ بِمُعِزِّ الدَّوْلَةِ سِرًّا، فَحَرَّضَهُ عَلَى الْمُسْتَكْفِي حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، فَأُحْضِرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ فَبُويِعَ بِالْخِلَافَةِ وَلُقِّبَ بِالْمُطِيعِ لِلَّهِ، وَبَايَعَهُ الْأُمَرَاءُ وَالْأَعْيَانُ وَمُعِزُّ الدَّوْلَةِ وَالْعَامَّةُ، وَضَعُفَ أَمْرُ الْخِلَافَةِ جِدًّا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْخَلِيفَةِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا وَزِيرٌ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ كَاتِبٌ عَلَى أَقْطَاعِهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا مَوْرِدُ أُمُورِ الْمَمْلَكَةِ وَمَصْدَرُهَا رَاجِعٌ إِلَى مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ بَنِي بُوَيْهِ وَمِنْ مَعَهُمْ مِنَ الدَّيْلَمِ فِيهِمْ تَشَيُّعٌ شَدِيدٌ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ قَدْ غَصَبُوا الْأَمْرَ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ، حَتَّى عَزَمَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ
পৃষ্ঠা - ৯৩০৫
عَلَى تَحْوِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُمْ إِلَى الْعَلَوِيِّينَ، وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّهُمْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، إِلَّا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، كَانَ سَدِيدَ الرَّأْيِ فِيهِمْ، فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: لَا أَرَى لَكَ هَذَا. قَالَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا خَلِيفَةٌ تَرَى أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحِ الْإِمَارَةِ، فَمَتَى أَمَرْتَ بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ أَصْحَابُكَ، وَلَوْ وَلَّيْتَ رَجُلًا مِنَ الْعَلَوِيِّينَ لَكُنْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ وِلَايَتِهِ، فَلَوْ أَمَرَ بِقَتْلِكَ لَقَتَلَكَ أَصْحَابُكَ. فَلَمَّا فَهِمَ ذَلِكَ صَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ الْأَوَّلِ، لِلدُّنْيَا لَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ نَشِبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ وَبَيْنَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ، فَرَكِبَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بَعْدَمَا خَرَجَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ وَالْخَلِيفَةُ الْمُطِيعُ إِلَى عُكْبَرَا فَدَخَلَ بَغْدَادَ فَأَخَذَ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ ثُمَّ الْغَرْبِيَّ، وَضَعُفَ أَمْرُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ وَالدَّيَالِمَةِ الَّذِينَ مَعَهُ، ثُمَّ مَكَرَ بِهِ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ وَخَدَعَهُ حَتَّى اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ، وَانْتَصَرَ أَصْحَابُهُ، فَنَهَبُوا بَغْدَادَ وَمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ التُّجَّارُ وَغَيْرِهِمْ، فَكَانَ قِيمَةُ مَا أَخَذَ أَصْحَابُ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ مِنَ النَّاسِ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ وَمُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَرَجَعَ ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى بَلَدِهِ الْمَوْصِلِ وَاسْتَقَرَّ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ بَغْدَادَ ثُمَّ شَرَعَ فِي اسْتِعْمَالِ السُّعَاةِ لِيُبَلِّغُوا أَخَاهُ رُكْنَ الدَّوْلَةِ أَخْبَارَهُ، فَغَوَى الْعَامَّةُ فِي ذَلِكَ، وَعَلَّمُوا أَبْنَاءَهُمْ ذَلِكَ، حَتَّى كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقْطَعُ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا فِي يَوْمٍ، وَأَعْجَبَهُ الْمُصَارِعُونَ وَالْمُلَاكِمُونَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَرْبَابِ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إِلَّا قَلِيلًا ; كَالسِّبَاحَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَانَتْ تُضْرَبُ الطُّبُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُصَارَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالْكُوسَاتُ
পৃষ্ঠা - ৯৩০৬
تُدَقُّ حَوْلَ سُورِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَهَذِهِ رُعُونَةٌ شَدِيدَةٌ وَسَخَافَةُ عَقْلٍ مِنْهُ وَمِمَّنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ احْتَاجَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ إِلَى صَرْفِ أَمْوَالٍ فِي أَرْزَاقِ الْأَجْنَادِ، فَأَقْطَعَهُمُ الْبِلَادَ عِوَضًا عَنْ أَرْزَاقِهِمْ، فَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيبِهَا وَتَرْكِ عِمَارَتِهَا، إِلَّا الْأَرَاضِيَ الَّتِي بِأَيْدِي أَصْحَابِ الْجَاهَاتِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ بِبَغْدَادَ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْكِلَابَ وَالسَّنَانِيرَ، وَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْرِقُ الْأَوْلَادَ فَيَشْوِيهِمْ وَيَأْكُلُهُمْ، وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي النَّاسِ حَتَّى كَانَ لَا يَدْفِنُ أَحَدٌ أَحَدًا، بَلْ يُتْرَكُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَيَأْكُلُ كَثِيرًا مِنْهُمُ الْكِلَابُ، وَبِيعَتِ الدُّورُ وَالْعَقَارُ بِالْخُبْزِ، وَانْتَجَعَ النَّاسُ الْبَصْرَةَ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ فِي الطَّرِيقِ، وَمَنْ وَصَلَ مِنْهُمْ مَاتَ بَعْدَ مُدَيْدَةٍ. وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَهْدِيِّ، وَوَلِيَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ الْمَنْصُورُ إِسْمَاعِيلُ، وَكَانَ حَازِمَ الرَّأْيِ شَدِيدًا شُجَاعًا، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْإِخْشِيدُ مُحَمَّدُ بْنُ طُغْجٍ صَاحِبُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَأُقِيمَ وَلَدُهُ أَبُو الْقَاسِمِ أَنُوجُورُ - وَكَانَ صَغِيرًا - وَأُقِيمَ كَافُورٌ الْإِخْشِيدِيُّ أَتَابِكَهُ، فَكَانَ
পৃষ্ঠা - ৯৩০৭
يُدَبِّرُ الْمَمَالِكَ بِالْبِلَادِ كُلِّهَا، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، فَقَصَدَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ دِمَشْقَ فَأَخَذَهَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِخْشِيدِ فَفَرِحَ بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَاجْتَمَعَ بِمُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْفَارَابِيِّ التُّرْكِيِّ الْفَيْلَسُوفِ بِهَا، وَرَكِبَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ يَوْمًا مَعَ الشَّرِيفِ الْعَقِيقِيِّ فِي بَعْضِ نَوَاحِي دِمَشْقَ فَنَظَرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْغُوطَةِ فَأَعْجَبَتْهُ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ كُلُّهَا لِدِيوَانِ السُّلْطَانِ، كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِأَخْذِهَا مِنْ مُلَّاكِهَا، فَأَوْغَرَ ذَلِكَ الْعَقِيقِيَّ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ فَكَتَبُوا إِلَى كَافُورٍ الْإِخْشِيدِيِّ يَسْتَنْجِدُونَهُ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فِي جُيُوشٍ كَثِيرَةٍ كَثِيفَةٍ، فَأَجْلَى عَنْهُمْ سَيْفَ الدَّوْلَةِ وَطَرَدَهُ عَنْ حَلَبَ أَيْضًا، وَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا فَاسْتَنَابَ عَلَى دِمَشْقَ بَدْرًا الْإِخْشِيدِيَّ - وَيُعْرَفُ بِبُدَيْرٍ - فَلَمَّا صَارَ كَافُورٌ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ رَجَعَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى حَلَبَ فَأَخَذَهَا كَمَا كَانَتْ أَوَّلًا لَهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي دِمَشْقَ شَيْءٌ. وَكَافُورٌ هَذَا هُوَ الَّذِي هَجَاهُ الْمُتَنَبِّي، وَمَدَحَهُ أَيْضًا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْخِرَقِيُّ صَاحِبُ " الْمُخْتَصَرِ " الْمَشْهُورِ فِي الْفِقْهِ، عُمَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ صَاحِبُ " الْمُخْتَصَرِ " فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ شَرَحَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ، وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ، وَقَدْ كَانَ الْخِرَقِيُّ هَذَا مِنْ سَادَاتِ الْفُقَهَاءِ وَالْعُبَّادِ، كَثِيرَ الْفَضَائِلِ
পৃষ্ঠা - ৯৩০৮
وَالْعِبَادَةِ، خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ لَمَّا كَثُرَ بِهَا السَّبُّ لِلصَّحَابَةِ، وَأَوْدَعَ كُتُبَهُ بِبَغْدَادَ، فَاحْتَرَقَتِ الدَّارُ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَعُدِمَتْ مُصَنَّفَاتُهُ، وَقَصَدَ دِمَشْقَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَبْرُهُ بِبَابِ الصَّغِيرِ يُزَارُ قَرِيبًا مِنْ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ. وَفِي مُصَنَّفِهِ هَذَا " الْمُخْتَصَرِ " فِي كِتَابِ الْحَجِّ: وَيَأْتِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيُقَبِّلُهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ تَصْنِيفَهُ لِهَذَا الْكِتَابِ كَانَ حَالَ كَوْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِأَيْدِي الْقَرَامِطَةِ حِينَ أَخَذُوهُ مِنْ مَكَانِهِ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَرُدُّوهُ إِلَّا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ الْخَطِيبُ: قَالَ لِي الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: كَانَتْ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ وَتَخْرِيجَاتٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لَمْ تَظْهَرْ; لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ لَمَّا ظَهَرَ سَبُّ الصَّحَابَةِ، وَأَوْدَعَ كُتُبَهُ، فَاحْتَرَقَتِ الدَّارُ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَاحْتَرَقَتِ الْكُتُبُ فِيهَا وَلَمْ تَكُنْ قَدِ انْتَشَرَتْ ; لِبُعْدِهِ عَنِ الْبَلَدِ. ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِهِ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ السَّمِيعِ الْهَاشِمِيِّ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ شُخْرُفٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
পৃষ্ঠা - ৯৩০৯
فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِي: مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ! قَالَ: قُلْتُ: زِدْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ تِيهُ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. قَالَ: وَرَفَعَ لِي كَفَّهُ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ: قَدْ كُنْتَ مَيْتًا فَصِرْتَ حَيًّا ... وَعَنْ قَلِيلٍ تَصِيرُ مَيْتَا فَابْنِ بِدَارِ الْبَقَاءِ بَيْتًا ... وَدَعْ بِدَارِ الْفَنَاءِ بَيْتَا قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: مَاتَ الْخِرَقِيُّ بِدِمَشْقَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَزُرْتُ قَبْرَهُ. مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْفَقِيهُ الْحَنَفِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي زَمَانِهِ، وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بِبَغْدَادَ لِلْمُتَّقِي، ثُمَّ لِلْمُسْتَكْفِي، وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا، كَبَسَتِ اللُّصُوصُ دَارَهُ فَظَنُّوهُ أَنَّهُ ذُو مَالٍ، فَضَرَبَهُ بَعْضُهُمْ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى السُّطُوحِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ إِلَى الْأَرْضِ، فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْفَضْلِ السُّلَمِيُّ، الْوَزِيرُ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ الشَّاعِرُ، سَمِعَ الْكَثِيرَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ وَلَا يَدَعُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالتَّصْنِيفَ، وَكَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ الشَّهَادَةَ كَثِيرًا،
পৃষ্ঠা - ৯৩১০
فَوَلِيَ الْوِزَارَةَ لِلسُّلْطَانِ، فَقَصَدَهُ الْأَجْنَادُ يُطَالِبُونَهُ بِأَرْزَاقِهِمْ، وَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ بِبَابِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَاسْتَدْعَى بِحَلَّاقٍ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَتَنَوَّرَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ كَفَنَهُ، وَقَامَ يُصَلِّي، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ سَاجِدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الْإِخْشِيدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طُغْجِ بْنِ جُفَّ أَبُو بَكْرٍ الْمُلَقَّبَ بِالْإِخْشِيدِ، وَمَعْنَاهُ مَلِكُ الْمُلُوكِ، لَقَّبَهُ بِذَلِكَ الرَّاضِي ; لِأَنَّهُ كَانَ مَلِكَ فَرْغَانَةَ وَكُلُّ مَنْ مَلَكَهَا كَانَ يُسَمَّى الْإِخْشِيدَ كَمَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أُشْرُوسَنَةَ يُسَمَّى الْإِفْشِينَ، وَمَنْ مَلَكَ خُوَارِزْمَ يُسَمَّى خَوَارِزْمَ شَاهَ، وَمَنْ مَلَكَ جُرْجَانَ يُسَمَّى صُولَ، وَمَنْ مَلَكَ أَذْرَبِيجَانَ يُسَمَّى إِصْبَهْبَذَ، وَمَنْ مَلَكَ طَبَرِسْتَانَ يُسَمَّى سَالَارَ. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ ". قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي مَنْ مَلَكَ الشَّامَ مَعَ الْجَزِيرَةِ كَافِرًا قَيْصَرَ، وَمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ يُسَمَّى كِسْرَى، وَمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ يُسَمَّى تُبَّعًا، وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ النَّجَاشِيَّ وَمَنْ مَلَكَ الْهِنْدَ بَطْلَيْمُوسَ، وَمَنْ مَلَكَ
পৃষ্ঠা - ৯৩১১
مِصْرَ كَافِرًا يُسَمَّى فِرْعَوْنُ، وَمَنْ مَلَكَ إِسْكَنْدَرِيَّةَ يُسَمَّى الْمُقَوْقِسَ وَذَكَرَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ، وَنُقِلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَدُفِنَ هُنَاكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. أَبُو بَكْرٍ الشَّبْلِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ، اخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: دُلَفُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَيُقَالُ: دُلَفُ بْنُ جَحْدَرٍ، وَقِيلَ: جَعْفَرُ بْنُ يُونُسَ. أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: شِبْلِيَّةُ. مِنْ بِلَادِ أُشْرُوسَنَةَ مِنْ خُرَاسَانَ وَوُلِدَ بِسَامَرَّاءَ، وَكَانَ أَبُوهُ حَاجِبَ الْحُجَّابِ لِلْمُوَفَّقِ، وَكَانَ خَالُهُ نَائِبَ إِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَكَانَتْ تَوْبَةُ الشِّبْلِيِّ عَلَى يَدَيْ خَيْرٍ النَّسَّاجِ، سَمِعَهُ يَعِظُ، فَوَقَعَ كَلَامُهُ فِي قَلْبِهِ، فَتَابَ مِنْ فَوْرِهِ، ثُمَّ صَحِبَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَشَايِخَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقَوْمِ.
পৃষ্ঠা - ৯৩১২
قَالَ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ الشِّبْلِيُّ تَاجَ هَؤُلَاءِ. وَقَالَ الْخَطِيبُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مَحْمُودٍ الزَّوْزَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمُثَنَّى التَّمِيمِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى الشِّبْلِيِّ فِي دَارِهِ، وَهُوَ يَهِيجُ وَيَقُولُ: عَلَى بُعْدِكَ لَا يَصْبِ ... رُ مَنْ عَادَتُهُ الْقُرْبُ وَلَا يَقْوَى عَلَى حَجْبِ ... كَ مَنْ تَيَّمَهُ الْحُبُّ فَإِنْ لَمْ تَرَكَ الْعَيْنُ ... فَقَدْ يُبْصِرُكَ الْقَلْبُ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِمَّنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَلَّاجِ وَوَافَقَهُ فِي بَعْضِ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَقْوَالِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِمَا تَحْتَهَا، مِمَّا كَانَ الْحَلَّاجُ يُحَاوِلُهُ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالِاتِّحَادِ. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِخَادِمِهِ: قَدْ كَانَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مِنْ مَظْلِمَةٍ، فَتَصَدَّقْتُ عَنْ صَاحِبِهِ بِأُلُوفٍ، وَمَعَ هَذَا مَا عَلَى قَلْبِي شُغُلٌ أَعْظَمَ مِنْهُ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يُوَضِّئَهُ، فَوَضَّأَهُ وَتَرَكَ تَخْلِيلَ لِحْيَتِهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ - وَكَانَ قَدِ اعْتُقِلَ
পৃষ্ঠা - ৯৩১৩
لِسَانُهُ - فَجَعَلَ يُخَلِّلُ لِحْيَةَ نَفْسِهِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفَيَاتِ " وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ يَوْمًا عَلَى الْجُنَيْدِ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَصَفَّقَ وَأَنْشَدَ: عَوَّدُونِي الْوِصَالَ وَالْوَصْلُ عَذْبٌ ... وَرَمَوْنِي بِالصَّدِّ وَالصَّدُّ صَعْبُ زَعَمُوا حِينَ أَزْمَعُوا أَنَّ ذَنْبِي ... فَرْطُ حُبِّي لَهُمْ وَمَا ذَاكَ ذَنْبُ لَا وَحَقِّ الْخُضُوعِ عِنْدَ التَّلَاقِي ... مَا جَزَا مَنْ يُحِبُّ إِلَّا يُحَبُّ وَمِمَّا كَانَ يُنْشِدُهُ الشِّبْلِيُّ مِنَ الْأَشْعَارِ الرَّقِيقَةِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ " تَارِيخِهِ ": أُسَائِلُكُمْ عَنْهَا فَهَلْ مِنْ مُخَبِّرٍ ... فَمَا لِي بِنُعْمَى بَعْدَ مُكْثَتِنَا عِلْمُ فَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي أَيْنَ خَيَّمَ أَهْلُهَا ... وَأَيَّ بِلَادِ اللَّهِ إِذْ ظَعَنُوا أَمُّوا إِذًا لَسَلَكْنَا مَسْلَكَ الرِّيحِ خَلْفَهَا ... وَلَوْ أَصْبَحَتْ نُعْمَى وَمِنْ دُونِهَا النَّجْمُ وَمِنْ ذَلِكَ: أُسَائِلُ عَنْ سَلْمَى فَهَلْ مِنْ مُخَبِّرٍ ... بِأَنَّ لَهُ عِلْمًا بِهَا أَيْنَ تَنْزِلُ ثُمَّ يَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، وَمَا فِي الدَّارَيْنِ عَنْكَ مُخْبِرٌ. قُلْتُ: وَفِي هَذَا شَطْحٌ ; فَقَدْ خَبَّرَتْ عَنْهُ تَعَالَى الرُّسُلُ بِالْحَقِّ وَنَطَقُوا
পৃষ্ঠা - ৯৩১৪
بِالصِّدْقِ. وَكَانَ يَقُولُ: لَيْسَ لِعَارِفٍ عَلَامَةٌ، وَلَا لِمُحِبٍّ شَكْوَى، وَلَا لِعَبْدٍ دَعْوَى، وَلَا لِخَائِفٍ قَرَارٌ، وَلَا مِنَ اللَّهِ فِرَارٌ. وَكَانَ الشِّبْلِيُّ يَقُولُ: الْعَارِفُ صَدْرُهُ مَشْرُوحٌ، وَقَلْبُهُ مَجْرُوحٌ، وَجَسَدُهُ مَطْرُوحٌ، وَالْعَارِفُ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ، وَعَرَفَ مُرَادَ اللَّهِ، وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَأَعْرَضَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ، وَدَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَالصُّوفِيُّ مَنْ صَفَّى قَلْبَهُ مِنَ الْكَدَرِ فَصَفَا، وَسَلَكَ طَرِيقَ الْمُصْطَفَى، وَرَمَى الدُّنْيَا خَلْفَ الْقَفَا، وَأَذَاقَ الْهَوَى طَعْمَ الْجَفَا. وَقَالَ أَيْضًا: الصُّوفِيُّ مَنْ صَفَا مِنَ الْكَدَرِ، وَخَلَصَ مِنَ الْغِيَرِ، وَامْتَلَأَ مِنَ الْفِكَرِ، وَتَسَاوَى عِنْدَهُ الذَّهَبُ وَالْمَدَرُ. وَمِمَّا كَانَ يُنْشِدُهُ: أَظَلَّتْ عَلَيْنَا مِنْكِ يَوْمًا سَحَابَةٌ ... أَضَاءَتْ لَنَا بَرْقًا وَأَبْطَا رَشَاشُهَا فَلَا غَيْمُهَا يَجْلُو فَيَيْأَسَ طَامِعٌ ... وَلَا غَيْثُهَا يَأْتِي فَيَرْوَى عِطَاشُهَا وَسُئِلَ: هَلْ يَتَحَقَّقُ الْعَارِفُ بِمَا يَبْدُو لَهُ مِنَ الْآثَارِ؟ فَقَالَ: كَيْفَ يَتَحَقَّقُ بِمَا لَا يَثْبُتُ؟ وَكَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَى مَا لَا يَظْهَرُ؟ وَكَيْفَ يَأْنَسُ بِمَا يَخْفَى؟ فَهُوَ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَمَنْ كَانَ فِي طُولِ الْهَوَى ذَاقَ سَلْوَةً ... فَإِنِّي مَنْ لَيْلَى لَهَا غَيْرُ ذَائِقِ
পৃষ্ঠা - ৯৩১৫
وَأَكْثَرُ شَيْءٍ نِلْتُهُ مِنْ وِصَالِهَا ... أَمَانِيُّ لَمْ تَصْدُقْ كَلَمْحَةِ بَارِقِ وَكَانَ يَقُولُ: الدُّنْيَا خَيَالٌ، وَظِلُّهَا وَبَالٌ، وَتَرْكُهَا جَمَالٌ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا كَمَالٌ، وَالْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ اتِّصَالٌ: لَتُحْشَرَنَّ عِظَامِي بَعْدَ إِذْ بَلِيتُ ... يَوْمَ الْحِسَابِ وَفِيهَا حُبُّكُمْ عَلِقُ وَسُئِلَ الشِّبْلِيُّ: هَلْ يَتَسَلَّى الْحَبِيبُ بِشَيْءٍ مِنْ حَبِيبِهِ دُونَ مُشَاهَدَتِهِ؟ فَأَنْشَدَ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّكَ تَوَّجْتَنِي ... بِتَاجِ كِسْرَى مَلِكِ الْمَشْرِقِ وَلَوْ بِأَمْوَالِ الْوَرَى جُدْتَ لِي ... أَمْوَالِ مَنْ بَادَ وَمَنْ قَدْ بَقِي وَقُلْتَ لَا نَلْتَقِي سَاعَةً ... اخْتَرْتُ يَا مَوُلَايَ أَنْ نَلْتَقِي وَكَانَ يُنْشِدُ أَيْضًا: إِذَا نَحْنُ أَدْلَجْنَا وَأَنْتَ أَمَامَنَا ... كَفَى لِمَطَايَانَا بِذِكْرِكَ هَادِيًا وَكَانَ يُنْشِدُ أَيْضًا: وَلَوْ أَنَّ رَكْبًا أَمَّمُوكَ لَقَادَهُمْ ... نَسِيمُكَ حَتَّى يَسْتَدِلَّ بِكَ الرَّكْبُ إِذَا أَبْصَرَتْكَ الْعَيْنُ مِنْ بَعْدِ غَايَةٍ ... وَعَارَضَ فِيكَ الشَّكُّ أَثْبَتَكَ الْقَلْبُ
পৃষ্ঠা - ৯৩১৬
وَكَانَ يُنْشِدُ أَيْضًا: لَيْسَ تَخْلُو جَوَارِحِي مِنْكَ وَقْتًا ... هِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَمْلِ هَوَاكَا لَيْسَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِي شَيْءٌ ... عَلِمَ اللَّهُ ذَا سِوَى ذِكْرَاكَا وَتَمَثَّلْتَ حَيْثُ كُنْتَ بِعَيْنِي ... فَهِيَ إِنْ غِبْتَ أَوْ حَضَرْتَ تَرَاكَا وَكَانَ يُنْشِدُ أَيْضًا: عَجِبْتُ لِمَنْ يَقُولُ نَسِيتُ إِلْفِي ... وَهَلْ أَنْسَى فَأَذْكُرُ مَنْ هَوِيتُ أَمُوتُ إِذَا ذَكَرْتُكَ ثُمَّ أَحْيَا ... وَلَوْلَا مَا أُؤَمِّلُ مَا حَيِيتُ فَأَحْيَا بِالْمُنَى وَأَمُوتُ شَوْقًا ... فَكَمْ أَحْيَا عَلَيْكَ وَكَمْ أَمُوتُ جَعَلْتُ الصَّمْتَ سِتْرَ الْحُبِّ حَتَّى ... تَكَلَّمَتِ الْجُفُونُ بِمَا لَقِيتُ شَرِبْتُ الْحُبَّ كَأْسًا بَعْدَ كَأْسٍ ... فَمَا نَفِدَ الشَّرَابُ وَمَا رَوِيتُ وَقَالَ أَيْضًا: التَّصَوُّفُ تَرْوِيحُ الْقَلْبِ بِمَرَاوِحِ الصَّفَاءِ، وَتَجْلِيلُ الْخَوَاطِرِ بِأَرْدِيَةِ الْوَفَاءِ، وَالتَّخَلُّقُ بِالسَّخَاءِ، وَالْبِشْرُ فِي اللِّقَاءِ. وَنَظَرَ يَوْمًا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ فَأَنْشَأَ: أَمَّا الْخِيَامُ فَإِنَّهَا كَخِيَامِهِمْ ... وَأَرَى نِسَاءَ الْحَيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا وَقَالَ أَيْضًا:
পৃষ্ঠা - ৯৩১৭
إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، فَانْظُرْ إِلَى الْمَزْبَلَةِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى نَفْسِكَ فَخُذْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ ; فَإِنَّكَ مِنْهَا خُلِقْتَ، وَفِيهَا تَعَودُ، وَمِنْهَا تَخْرُجُ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَا أَنْتَ، فَانْظُرْ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْكَ عِنْدَ الْخَلَاءِ، فَلَا تَتَطَاوَلْ وَلَا تَتَكَبَّرْ عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُكَ. وَكَانَ يُنْشِدُ: وَتَحْسَبُنِي حَيًّا وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ... وَبَعْضِي مِنَ الْهِجْرَانِ يَبْكِي عَلَى بَعْضِ وَأَنْشَدَ أَيْضًا: وَكَذَّبْتُ طَرَفِي فِيكَ وَالطَّرْفُ صَادِقٌ ... وَأَسْمَعْتُ أُذْنِي فِيكَ مَا لَيْسَ تَسَمَعُ وَلَمْ أَسْكُنِ الْأَرْضَ الَّتِي تَسْكُنُونَهَا ... لِكَيْ لَا يَقُولُوا إِنَّنِي بِكَ مُولَعُ فَلَا كَبِدِي تَهْدَا وَلَا فِيكَ رَحْمَةٌ ... وَلَا عَنْكَ إِقْصَارٌ وَلَا فِيكَ مَطْمَعُ وَأَنْشَدَ أَيْضًا: فَيَا سَاقِيَ الْقَوْمِ لَا تَنْسَنِي ... وَيَا رَبَّةَ الْخِدْرِ غَنِّي رَمَلْ خَلِيلَيَّ إِنْ دَامَ هَذَا الصُّدُودُ ... عَلَى مَا أَرَاهُ سَرِيعًا قَتَلْ وَقَدْ كَانَ شَيْئًا يُسَمَّى السُّرُورَ ... قَدِيمًا سَمِعْنَا بِهِ مَا فَعَلْ وَسُئِلَ الشِّبْلِيُّ عَنِ الرَّجُلِ يَسْمَعُ الشَّيْءَ فَلَا يَفْهَمُهُ، وَيَتَوَاجَدُ مَعَ ذَلِكَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ: