আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯২৪২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى الْخَلِيفَةِ الرَّاضِي مَكْتُوبٌ بِالرُّومِيَّةِ وَالتَّفْسِيرُ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا الرُّومِيُّ فَبِالذَّهَبِ وَالْعَرَبِيُّ بِالْفِضَّةِ، وَحَاصِلُهُ طَلَبُ الْهُدْنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَوَجَّهَ مَعَ الْكِتَابِ بِهَدَايَا وَأَلْطَافٍ كَثِيرَةٍ فَاخِرَةٍ، فَأَجَابَهُ الْخَلِيفَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَفُودِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِتَّةُ آلَافِ أَسِيرٍ، مَا بَيْنَ ذِكَرٍ وَأُنْثَى عَلَى نَهْرِ الْبَدَنْدُونِ. وَفِيهَا ارْتَحَلَ الْوَزِيرُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الشَّامِ وَتَرَكَ الْوِزَارَةَ، فَوَلِيَهَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ ضَعِيفَةً جِدًّا، لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَعَ ابْنِ رَائِقٍ وَطَلَبَ مِنَ ابْنِ رَائِقٍ أَنْ يَفْرُغَ لَهُ عَنْ أَمْلَاكِهِ، فَجَعَلَ يُمَاطِلُهُ، فَكَتَبَ إِلَى بَجْكَمَ يُطْمِعُهُ فِي بَغْدَادَ وَأَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنِ ابْنِ رَائِقٍ، وَكَتَبَ ابْنُ مُقْلَةَ أَيْضًا إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ ابْنَ رَائِقٍ وَابْنَ مُقَاتِلٍ، وَيَضْمَنَهُمْ بِأَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ رَائِقٍ، فَأَخَذَهُ، فَقَطَعَ يَدَهُ، وَقَالَ: هَذَا أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ جَعَلَ يُحَسِنُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَوْزِرَهُ، وَأَنَّ قَطْعَ يَدِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ يَشُدُّ الْقَلَمَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى الْمَقْطُوعَةِ
পৃষ্ঠা - ৯২৪৩
فَيَكْتُبُ بِهَا. ثُمَّ بَلَغَ ابْنَ رَائِقٍ أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ إِلَى بَجْكَمَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ فَقَطَعَ لِسَانَهُ، وَسَجَنَهُ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ، فَكَانَ يَسْتَقِي الْمَاءَ بِنَفْسِهِ ; يَتَنَاوَلُ الْحَبْلَ مِنَ الْبِئْرِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُمْسِكُهُ بِفِيهِ، وَلَقِيَ شِدَّةً وَعَنَاءً، وَمَاتَ فِي مَحْبِسِهِ هَذَا وَحِيدًا، فَدُفِنَ هُنَاكَ، ثُمَّ سَأَلَ أَهْلَهُ نَقْلَهُ فَدُفِنَ فِي دَارِهِ، ثُمَّ نُقِلَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَاتَّفَقَ لَهُ أَشْيَاءُ غَرِيبَةٌ ; مِنْهَا أَنَّهُ وَزَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعُزِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَوَلِيَ لِثَلَاثَةٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَدُفِنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَسَافَرَ فِي عُمْرِهِ ثَلَاثَ سَفْرَاتٍ ; مَرَّتَيْنِ مَنْفِيًّا، وَمَرَّةً فِي وِزَارَتِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهَا دَخَلَ بَجْكَمُ بَغْدَادَ فَقَلَّدَهُ الرَّاضِي إِمْرَةَ الْأُمَرَاءِ مَكَانَ ابْنِ رَائِقٍ، وَقَدْ كَانَ بَجْكَمُ هَذَا مِنْ غِلْمَانِ أَبِي عَلِيٍّ الْعَارِضِ وَزِيرِ مَاكَانَ بْنِ كَالِي الدَّيْلَمِيِّ، فَاسْتَوْهَبَهُ مَا كَانُ مِنَ الْوَزِيرِ، فَوَهَبَهُ لَهُ، ثُمَّ فَارَقَ مَا كَانَ، وَلَحِقَ بِمَرْدَاوِيجَ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَتَلَهُ فِي الْحَمَّامِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَسَكَنَ بَجْكَمُ بِدَارِ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَعَظُمَ أَمَرُهُ جِدًّا، وَانْفَصَلَ ابْنُ رَائِقٍ وَكَانَتْ أَيَّامُهُ سَنَةً وَعَشْرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَفِيهَا بَعَثَ عِمَادُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ أَخَاهُ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ، فَأَخَذَ بِلَادَ الْأَهْوَازِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِ بَجْكَمَ، وَأَعَادَهَا إِلَيْهِ. وَفِيهَا اسْتَوْلَى لَشْكَرَى أَحَدُ أُمَرَاءِ وُشْمَكِيرَ الدَّيْلَمَيِّ عَلَى بِلَادِ
পৃষ্ঠা - ৯২৪৪
أَذْرَبِيجَانَ وَانْتَزَعَهَا مِنْ رُسْتُمَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ، أَحَدِ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي السَّاجِ، بَعْدَ قِتَالٍ طَوِيلٍ. وَفِيهَا اضْطَرَبَ أَمْرُ الْقَرَامِطَةِ جِدًّا، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَانْكَفُّوا بِسَبَبِ قِلَّتِهِمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلَزِمُوا بَلَدَهُمْ هَجَرَ لَا يَرُومُونَ مِنْهُ انْتِقَالًا إِلَى غَيْرِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْدَلُسِيُّ كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ فِقْهَ مَالِكٍ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهَا فَلَمْ يَقْبَلْ.
পৃষ্ঠা - ৯২৪৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا خَرَجَ الرَّاضِي بِاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ لِمُحَارَبَةِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ نَائِبِهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَجْكَمُ أَمِيرُ الْأُمَرَاءِ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحُسَيْنِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى بَغْدَادَ وَلَدَهُ الْقَاضِي أَبَا نَصْرٍ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ، عَنْ أَمْرِ الْخَلِيفَةِ لَهُ بِذَلِكَ. وَكَانَ عَالِمًا وَفَاضِلًا، وَلَمَّا انْتَهَى بَجْكَمُ إِلَى الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ وَاقَعَ الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ، فَهَزَمَ بَجْكَمُ الْحَسَنَ بْنَ حَمْدَانَ، وَقَرَّرَ الْخَلِيفَةُ أَمْرَ الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ. وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ رَائِقٍ فَإِنَّهُ اغْتَنَمَ غَيْبَةَ الْخَلِيفَةِ عَنْ بَغْدَادَ وَاسْتَجَاشَ بِأَلْفٍ مِنَ الْقَرَامِطَةِ، وَجَاءَ فَدَخَلَ بِهِمْ بَغْدَادَ فَأَكْثَرَ فِيهَا الْفَسَادَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِدَارِ الْخِلَافَةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُصَالَحَةَ وَالْعَفْوَ عَمَّا جَنَى، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبَا الْحُسَيْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَتَرَحَّلَ ابْنُ رَائِقٍ عَنْ بَغْدَادَ وَدَخَلَهَا الْخَلِيفَةُ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ. وَنَزَلَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ آذَارَ - وَذَلِكَ فِي جُمَادَى
পৃষ্ঠা - ৯২৪৬
الْأُولَى - مَطَرٌ عَظِيمٌ وَبَرَدٌ كِبَارٌ، كُلُّ وَاحِدَةٍ نَحْوُ الْأُوقِيَّتَيْنِ، وَاسْتَمَرَّ فَسَقَطَ بِسَبَبِهِ دُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ بَغْدَادَ. وَظَهَرَ جَرَادٌ كَثِيرٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ الْحَجُّ مِنْ جِهَةِ دَرْبِ الْعِرَاقِ قَدْ تَعَطَّلَ مِنْ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ، فَشَفَعَ الشَّرِيفُ أَبُو عَلِيٍّ عُمَرُ بْنُ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ، وَكَانُوا يُحِبُّونَهُ لِشَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ، فِي أَنْ يُمَكِّنُوا الْحَجِيجَ مِنَ الْحَجِّ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَى كُلِّ جَمَلٍ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَعَلَى الْمَحْمَلِ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ، فَخَرَجَ النَّاسُ لِلْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ خَرَجَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِمْ طَالَبُوهُ بِالْخُفَارَةِ، فَثَنَى رَأْسَ رَاحِلَتِهِ وَرَجَعَ، وَقَالَ: مَا رَجَعْتُ شُحًّا، وَلَكِنْ سَقَطَ عَنِّي وُجُوبُ الْحَجِّ بِطَلَبِ هَذِهِ الْخُفَارَةِ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِالْأَنْدَلُسِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيَّ، صَاحِبَ الْأَنْدَلُسِ، الْمُلَقَّبَ بِالنَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ، قَتَلَ وَزِيرَهُ أَحْمَدَ، فَغَضِبَ لَهُ أَخُوهُ أُمَيَّةُ بْنُ إِسْحَاقَ - وَكَانَ نَائِبًا عَلَى مَدِينَةِ شَنْتَرِينَ - فَارْتَدَّ وَدَخَلَ بِلَادِ النَّصَارَى، وَاجْتَمَعَ بِمَلِكِهِمْ رُدْمِيرَ، وَدَلَّهُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فِي الْجَلَالِقَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْأُمَوِيُّ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسًا شَدِيدًا، وَقَتَلَ مِنَ الْجَلَالِقَةِ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ كَرَّ الْفِرِنْجُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا قَرِيبًا مِمَّنْ قُتِلُوا مِنْهُمْ، ثُمَّ وَالَى الْمُسْلِمُونَ الْغَارَاتِ عَلَى بِلَادِ الْجَلَالِقَةِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ أُمَمًا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، ثُمَّ نَدِمَ أُمَيَّةُ بْنُ إِسْحَاقَ عَلَى مَا صَنَعَ، وَطَلَبَ الْأَمَانَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَبَّلَهُ وَاحْتَرَمَهُ.
পৃষ্ঠা - ৯২৪৭
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ: الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ دُحَيْمٍ، أَبُو عَلِيٍّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَانَ أَخْبَارِيًّا، لَهُ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيِّ وَغَيْرِهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمِصْرَ فِي مُحَرَّمِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ أَنَافَ عَلَى الثَّمَانِينَ سَنَةً. الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ بِشْرٍ، أَبُو عَلِيٍّ الْكَوْكَبِيُّ الْكَاتِبُ صَاحِبُ الْأَخْبَارِ وَالْآدَابِ، رَوَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ وَأَبِي الْعَيْنَاءِ وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَرَوَى عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ. عُثْمَانُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عَمْرٍو الْبَلَوِيُّ الْمَغْرِبِيُّ الْأَشَجُّ وَيُعْرَفُ بِأَبِي الدُّنْيَا، قَدِمَ هَذَا الرَّجُلُ بَغْدَادَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ أَوَّلَ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَأَنَّهُ وَفَدَ هُوَ وَأَبَوْهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَصَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ عَطَشٌ شَدِيدٌ فَذَهَبَ
পৃষ্ঠা - ৯২৪৮
يَرْتَادُ لِأَبِيهِ مَاءً، فَرَأَى عَيْنًا، فَشَرِبَ مِنْهَا وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى أَبِيهِ لِيَسْقِيَهُ، فَمَاتَ أَبُوهُ، وَقَدِمَ هُوَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَ رُكْبَتَهُ، فَصَدَمَهُ الرِّكَابُ، فَشَجَّ رَأْسَهُ، فَكَانَ يُعْرَفُ بِالْأَشَجِّ. وَصَدَّقَهُ فِي هَذَا الزَّعْمِ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَرَوَوْا عَنْهُ نُسْخَةً فِيهَا أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ ; مِمَّنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُفِيدِ، وَرَوَاهَا عَنْهُ، وَلَكِنْ كَانَ الْمُفِيدُ مُتَّهَمًا بِالتَّشَيُّعِ، فَسُمِحَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِانْتِسَابِهِ إِلَى عَلِيٍّ، وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَكَذَّبُوهُ فِي ذَلِكَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ كَذِبَهُ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي رَوَاهَا مَوْضُوعَةٌ، مِنْهُمُ الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّلَفِيُّ، وَأَشْيَاخُنَا الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ ; شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَالْجَهْبَذُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، وَالْحَافِظُ مُؤَرِّخُ الْإِسْلَامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ، وَقَدْ حَرَّرْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي " التَّكْمِيلِ ". وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. قَالَ الْمُفِيدُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَشَجَّ هَذَا مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى بَلَدِهِ. مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ، أَصَّلُهُ مِنْ أَهْلِ سُرَّ مَنْ رَأَى، وَسَكَنَ الشَّامَ وَحَدَّثَ بِهَا عَنِ الْحَسَنِ
পৃষ্ঠা - ৯২৪৯
بْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ. وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا: الْحَافِظُ الْكَبِيرُ ابْنُ الْحَافِظِ الْكَبِيرِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ " وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَلَهُ التَّفْسِيرُ الْحَافِلُ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَى النَّقْلِ الْكَامِلِ، الَّذِي يُرْبِي فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَلَهُ كِتَابُ " الْعِلَلِ " الْمُصَنَّفَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ النَّافِعَةِ، وَكَانَ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْحِفْظِ وَالْكَرَامَاتِ الْكَثِيرَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ. وَقَدْ صَلَّى مَرَّةً، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ: لَقَدْ أَطَلْتَ عَلَيْنَا، وَقَدْ سَبَّحْتُ فِي سُجُودِي سَبْعِينَ مَرَّةً، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنِّي وَاللَّهِ مَا سَبَّحْتُ إِلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَتَهَدَّمَ سُورُ بَعْضِ بِلَادِ الثُّغُورِ فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ يَوْمًا عَلَى النَّاسِ وَحَثَّهُمْ عَلَى عِمَارَتِهِ ; فَقَالَ: مَنْ يَعْمُرُهُ وَأَضْمَنُ لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ التُّجَّارِ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي بِخَطِّكَ هَذَا الضَّمَانَ، وَهَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ لِعِمَارَتِهِ. فَكَتَبَ لَهُ رُقْعَةً بِذَلِكَ، وَعَمَرَ ذَلِكَ السُّورَ. ثُمَّ اتَّفَقَ مَوْتُ ذَلِكَ الرَّجُلِ عَمَّا قَرِيبٍ، فَلَمَّا حَضَرَ النَّاسُ جِنَازَتَهُ طَارَتْ مِنْ كَفَنِهِ رُقْعَةٌ، وَهِيَ
পৃষ্ঠা - ৯২৫০
الَّتِي كَانَ كَتَبَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَإِذَا فِي ظَهْرِهَا مَكْتُوبٌ: قَدْ أَمْضَيْنَا لَكَ هَذَا الضَّمَانَ، وَلَا تَعُدْ إِلَى ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ৯২৫১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُنْتَظَمِهِ ": فِي غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا ظَهَرَتْ فِي الْجَوِّ حُمْرَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمَالِ وَالْمَغْرِبِ، وَفِيهَا أَعْمِدَةٌ بِيضٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ. وَفِيهَا وَصَلَ الْخَبَرُ بِأَنَّ رُكْنَ الدَّوْلَةِ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ بُوَيْهِ الدَّيْلَمِيَّ وَصَلَ إِلَى وَاسِطٍ فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ وبَجْكَمُ لِقِتَالِهِ فَانْصَرَفَ رَاجِعًا، وَرَجَعَا إِلَى بَغْدَادَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهِ مَدِينَةَ أَصْبَهَانَ أَخَذَهَا مِنْ وُشْمَكِيرَ أَخِي مَرْدَاوِيجَ ; لِقِلَّةِ جَيْشِهِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ. وَفِي شَعْبَانَ زَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَانْتَشَرَتْ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَسَقَطَتْ دَوْرٌ كَثِيرَةٌ، وَانْبَثَقَ بَثْقٌ مِنْ نَوَاحِي الْأَنْبَارِ فَغَرَّقَ قُرًى كَثِيرَةً، وَهَلَكَ بِسَبَبِهِ حَيَوَانَاتٌ وَسِبَاعٌ كَثِيرَةٌ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَفِيهَا تَزَوَّجَ بَجْكَمُ بِسَارَةَ بِنْتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ الْوَزِيرُ يَوْمَئِذٍ بِبَغْدَادَ، ثُمَّ صُرِفَ عَنِ الْوِزَارَةِ بِسُلَيْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ، وَضَمِنَ الْبَرِيدِيُّ بِلَادَ وَاسِطٍ وَأَعْمَالَهَا بِسِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ.
পৃষ্ঠা - ৯২৫২
وَفِيهَا تُوُفِّيَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحُسَيْنِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَتَوَلَّى مَكَانَهُ وَلَدُهُ أَبُو نَصْرٍ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ الرَّاضِي يَوْمَ الْخَمِيسِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْهَا. وَلَمَّا خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ إِلَى وَاسِطٍ كَتَبَ إِلَى بَجْكَمَ يَحُثُّهُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى بِلَادِ الْجَبَلِ ; لِيَفْتَحَهَا وَيُسَاعِدُهُ هُوَ عَلَى أَخْذِ الْأَهْوَازِ مِنْ يَدِ عِمَادِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَسْتَغْيِبَهُ عَنْ بَغْدَادَ لِيَأْخُذَهَا، فَلَمَّا انْفَصَلَ بَجْكَمُ بِالْجُنُودِ بَلَغَهُ مَا يُؤَمِّلُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيُّ مِنَ الْمَكِيدَةِ، فَرَجَعَ سَرِيعًا إِلَى بَغْدَادَ وَرَكِبَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ إِلَيْهِ، وَأَخَذَ الطُّرُقَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; لِئَلَّا يَشْعُرَ بِهِ إِلَّا وَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى حَافَّةِ السَّفِينَةِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا فِي زَوْرَقٍ، وَعِنْدَهُ كَاتِبٌ لَهُ، إِذْ سَقَطَتْ حَمَامَةٌ عَلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ فِي ذَنَبِهَا كِتَابٌ، فَأَخَذَهُ بَجْكَمُ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ كِتَابٌ مِنْ هَذَا الْكَاتِبِ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِ الْبَرِيدِيِّ يُعْلِمُهُمْ بِخَبَرِ بَجْكَمَ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! أَهَذَا خَطُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْكَارِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ، وَأُلْقِيَ فِي دِجْلَةَ، وَحِينَ أَحَسَّ الْبَرِيدِيُّ بِقُدُومِ بَجْكَمَ هَرَبَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَلَمْ يُقِمْ بِهَا أَيْضًا، فَاسْتَوْلَى بَجْكَمُ عَلَى بِلَادِ وَاسِطٍ وَتَسَلَّطَ الدَّيْلَمُ عَلَى جَيْشِهِ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ بِالْجَبَلِ، فَفَرُّوا سِرَاعًا إِلَى بَغْدَادَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَوْلَى مُحَمَّدُ بْنُ رَائِقٍ عَلَى بِلَادِ الشَّامِ فَدَخَلَ حِمْصَ أَوَّلًا
পৃষ্ঠা - ৯২৫৩
فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ وَعَلَيْهَا بَدْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْإِخْشِيدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِبُدَيْرٍ، مِنْ جِهَةِ الْإِخْشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ طُغْجٍ، فَأَخْرَجَهُ ابْنُ رَائِقٍ مِنْهَا قَهْرًا، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا. ثُمَّ رَكِبَ فِي جَيْشٍ إِلَى الرَّمْلَةِ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ قَصَدَ عَرِيشَ مِصْرَ ; لِيَدْخُلَهَا، فَلَقِيَهُ مُحَمَّدُ بْنُ طُغْجٍ، فَاقْتَتَلَا هُنَاكَ، فَهَزَمَهُ ابْنُ رَائِقٍ وَاشْتَغَلَ أَصْحَابُهُ بِالنَّهْبِ، وَنَزَلُوا فِي خِيَامِ الْمِصْرِيِّينَ، فَكَرَّ عَلَيْهِمُ الْمِصْرِيُّونَ، فَقَتَلُوهُمْ قَتْلًا عَظِيمًا، وَهَرَبَ مُحَمَّدُ بْنُ رَائِقٍ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ دِمَشْقَ فِي أَسْوَأِ حَالَةٍ وَشَرِّهَا، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ طُغْجٍ أَخَاهُ نَصْرَ بْنَ طُغْجٍ فِي جَيْشٍ، فَاقْتَتَلُوا عِنْدَ اللَّجُّونِ فِي رَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ، فَهُزِمَ الْمِصْرِيُّونَ وَقُتِلَ أَخُو الْإِخْشِيدِ فِيمَنْ قُتِلَ، فَغَسَّلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ رَائِقٍ وَكَفَّنَهُ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَخِيهِ بِمِصْرَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ وَلَدَهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَحْلِفُ لَهُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَتْلَهُ، وَهَذَا وَلَدِي فَاقْتَدْ مِنْهُ. فَأَكْرَمَ الْإِخْشِيدُ وَلَدَ مُحَمَّدِ بْنِ رَائِقٍ، وَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الرَّمْلَةُ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى دِيَارِ مِصْرَ لِلْإِخْشِيدِ، وَيَحْمِلَ إِلَيْهِ الْإِخْشِيدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمَا بَعْدَ الرَّمْلَةِ يَكُونُ لِمُحَمَّدِ بْنِ رَائِقٍ. وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ: جَعْفَرُ الْمُرْتَعِشُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَحَدُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ،
পৃষ্ঠা - ৯২৫৪
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ كَانَ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ، فَتَخَلَّى عَنْهَا، وَصَحِبَ الْجُنَيْدَ وَأَبَا حَفْصٍ وَأَبَا عُثْمَانَ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ حَتَّى صَارَ شَيْخَ الصُّوفِيَّةِ، فَكَانَ يُقَالُ: عَجَائِبُ بَغْدَادَ ثَلَاثٌ: إِشَارَاتُ الشِّبْلِيِّ، وَنُكَتُ الْمُرْتَعِشِ، وَحِكَايَاتُ جَعْفَرٍ الْخَوَّاصِ سَمِعْتُ أَبَا الْفَرَجِ الصَّائِغِ يَقُولُ: قَالَ الْمُرْتَعِشُ: مَنْ ظَنَّ أَنَّ أَفْعَالَهُ تُنْجِيهِ مِنَ النَّارِ أَوْ تُبَلِّغُهُ الرِّضْوَانَ، فَقَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ وَلِفِعْلِهِ خَطَرًا، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ أَقْصَى مَنَازِلِ الرِّضْوَانِ. وَقِيلَ لِلْمُرْتَعِشِ: إِنْ فُلَانًا يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ. فَقَالَ: إِنَّ مُخَالَفَةَ الْهَوَى أَعْظَمُ مِنَ الْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ بِمَسْجِدِ الشُّونِيزِيَّةِ، حَسِبُوا مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِذَا عَلَيْهِ سَبْعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: بِيعُوا خُرَيْقَاتِي هَذِهِ وَاقْضُوا بِهَا دَيْنِي، وَأَرْجُو أَنْ يَرْزُقَنِي اللَّهُ كَفَنًا، وَقَدْ سَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا ; سَأَلْتُهُ أَنْ يُمِيتَنِي وَأَنَا فَقِيرٌ، وَأَنْ يَجْعَلَ وَفَاتِي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي صَحِبْتُ فِيهِ أَقْوَامًا، وَأَنْ يَجْعَلَ عِنْدِي مَنْ آنَسُ بِهِ وَأُحِبُّهُ. ثُمَّ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ وَمَاتَ. أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عِيسَى بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَشَّارٍ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَانَ زَاهِدًا
পৃষ্ঠা - ৯২৫৫
وَرِعًا نَاسِكًا عَابِدًا، وَلِيَ الْقَضَاءَ بِقُمَّ، ثُمَّ حِسْبَةَ بَغْدَادَ فَكَانَ يَدُورُ بِهَا وَيُصَلِّي عَلَى بَغْلَتِهِ وَهُوَ سَائِرٌ بَيْنَ الْأَزِقَّةِ، وَكَانَ مُتَقَلِّلًا جِدًّا. وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَتَهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلَهُ كِتَابُ " الْقَضَاءِ " لَمْ يُصَنَّفْ مِثْلُهُ فِي بَابِهِ. تُوُفِّيَ وَقَدْ قَارَبَ التِّسْعِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو الْحَسَنِ الْمُزَيِّنُ الصَّغِيرُ أَحَدُ مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ، أَصْلُهُ مِنْ بَغْدَادَ وَصَحِبَ الْجُنَيْدَ وَسَهْلًا التُّسْتَرِيَّ، وَجَاوَرَ بِمَكَّةَ حَتَّى تُوفِّيَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَالَ، وَيَحْكِي عَنْ نَفْسِهِ: وَرَدْتُ بِئْرًا فِي أَرْضِ تَبُوكَ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا زَلِقْتُ فَسَقَطْتُ فِي الْبِئْرِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَرَانِي، فَلَمَّا كُنْتُ فِي أَسْفَلِهِ إِذَا فِيهَا مِصْطَبَةٌ فَعَلَوْتُهَا، وَقُلْتُ: إِنْ مُتُّ لَا أُفْسِدُ عَلَى النَّاسِ الْمَاءَ، وَسَكَنَتْ نَفْسِي وَطَابَتْ لِلْمَوْتِ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا أَفْعَى قَدْ تَدَلَّتْ عَلَيَّ فَلَفَّتْ عَلَيَّ ذَنَبَهَا، ثُمَّ رَفَعَتْنِي حَتَّى أَخْرَجَتْنِي إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَانْسَابَتْ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ، وَلَا مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ. وَفِي مَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو جَعْفَرٍ الْمُزَيِّنُ الْكَبِيرُ، جَاوَرَ بِمَكَّةَ، وَمَاتَ بِهَا أَيْضًا، وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ.
পৃষ্ঠা - ৯২৫৬
رَوَى الْخَطِيبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيَّ، عَنْ جَعْفَرٍ الْخُلْدِيِّ، قَالَ: وَدَّعْتُ فِي بَعْضِ حَجَّاتِي الْمُزَيِّنَ الْكَبِيرَ، فَقُلْتُ لَهُ: زَوِّدْنِي. فَقَالَ لِي: إِذَا فَقَدْتَ شَيْئًا، فَقُلْ: يَا جَامِعَ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ كَذَا. فَإِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى الْكَتَّانِيِّ، فَوَدَّعْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُزَوِّدَنِي، فَأَعْطَانِي خَاتَمًا عَلَى فَصِّهِ نَقْشٌ، فَقَالَ: إِذَا اغْتَمَمْتَ فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْفَصِّ يَزُلْ غَمُّكَ، قَالَ: فَكُنْتُ لَا أَدْعُو بِذَلِكَ الدُّعَاءِ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي وَلَا أَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ الْفَصِّ إِلَّا زَالَ عَنِّي مَا أَجِدُهُ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فِي سُمَيْرِيَّةٍ إِذْ هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَأَخْرَجْتُ الْخَاتَمَ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ ذَهَبَ، فَجَعَلْتُ أَدْعُو بِذَلِكَ الدُّعَاءِ يَوْمِي كُلَّهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَتَّشْتُ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الْمَنْزِلِ، فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي بَعْضِ ثِيَابِي الَّتِي كَانَتْ بِالْمَنْزِلِ. صَاحِبُ كِتَابِ " الْعِقْدِ الْفَرِيدِ " أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ حُدَيْرِ بْنِ سَالِمٍ، أَبُو عُمَرُ الْقُرْطُبِيُّ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيِّ، كَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ الْمُكْثِرِينَ، وَالْعُلَمَاءِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَكِتَابُهُ " الْعِقْدُ " يَدُلُّ عَلَى فَضَائِلَ جَمَّةٍ،
পৃষ্ঠা - ৯২৫৭
وَعُلُومٍ كَثِيرَةٍ مُهِمَّةٍ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى تَشَيُّعٍ فِيهِ، وَمَيْلٍ إِلَى الْحَطِّ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ مَوَالِيهِمْ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُوَالِيهِمْ لَا مِمَّنْ يُعَادِيهِمْ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ حَسَنٍ. ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْهُ أَشْعَارًا فِي التَّغَزُّلِ فِي الْمُرْدَانِ وَالنِّسْوَانِ أَيْضًا، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ بِقُرْطُبَةَ يَوْمَ الْأَحَدِ ثَامِنَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، أَبُو الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ الْقَاضِي ابْنُ الْقَاضِي، نَابَ عَنْ أَبِيهِ وَعُمْرُهُ عِشْرُونَ سَنَةً، وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ وَاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالشِّعْرِ. وَصَنَّفَ مُسْنَدًا، وَرُزِقَ قُوَّةَ الْفَهْمِ وَجَوْدَةَ الْقَرِيحَةِ، وَشَرَفَ الْأَخْلَاقِ، وَلَهُ الشِّعْرُ الرَّائِقُ الْحَسَنُ، وَكَانَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ فِي الْقَضَاءِ، عَدْلًا ثِقَةً إِمَامًا. قَالَ الْخَطِيبُ: أَخْبَرْنَا أَبُو الطِّيبِ الطَّبَرَيُّ: سَمِعْتُ الْمُعَافَى بْنَ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَجْلِسُ فِي حَضْرَةِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، فَجِئْنَا يَوْمًا نَنْتَظِرُهُ عَلَى الْعَادَةِ، فَجَلَسْنَا عِنْدَ بَابِهِ، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ كَأَنَّ لَهُ حَاجَةً، إِذْ وَقَعَ غُرَابٌ عَلَى نَخْلَةٍ فِي الدَّارِ، فَصَرَخَ ثُمَّ طَارَ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَذَا الْغُرَابُ يَقُولُ إِنَّ
পৃষ্ঠা - ৯২৫৮
صَاحِبَ هَذِهِ الدَّارِ يَمُوتُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ. قَالَ: فَزَبَرْنَاهُ، فَقَامَ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ خَرَجَ الْإِذْنُ مِنَ الْقَاضِي إِلَيْنَا أَنْ هَلُمُّوا فَادْخُلُوا، فَدَخَلْنَا، فَإِذَا بِهِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ مُغْتَمٌّ، فَقُلْنَا: مَا الْخَبَرُ؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ شَخْصًا يَقُولُ: مَنَازِلَ آلِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ... عَلَى أَهْلِيكِ وَالنِّعَمِ السَّلَامُ وَقَدْ ضَاقَ لِذَلِكَ صَدْرِي. قَالَ: فَدَعَوْنَا لَهُ وَانْصَرَفْنَا. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ دُفِنَ. وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ لِيَوْمِ الْخَمِيسِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو نَصْرٍ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ الْقَضَاءَ. قَالَ الصُّولِيُّ: بَلَغَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ مَبْلَغًا عَظِيمًا مَعَ حَدَاثَةِ السِّنِّ، وَحِينَ تُوُفِّيَ كَانَ الرَّاضِي يَبْكِي عَلَيْهِ بِحَضْرَتِنَا وَيَقُولُ: كُنْتُ أَضِيقُ بِالشَّيْءِ ذَرْعًا فَيُوَسِّعُهُ عَلَيَّ. ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا بَقِيتُ بَعْدَهُ. ابْنُ شَنَبُوذَ الْمُقْرِئُ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ الصَّلْتِ، أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ شَنَبُوذَ، رَوَى عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ، وَبِشْرِ بْنِ مُوسَى وَخَلْقٍ، وَكَانَ يَخْتَارُ حُرُوفًا أَنْكَرَهَا أَهْلُ زَمَانِهِ عَلَيْهِ، وَصَنَّفَ أَبُو بَكْرِ بْنُ
পৃষ্ঠা - ৯২৫৯
الْأَنْبَارِيِّ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، كَيْفَ أَنَّهُ عُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ فِي دَارِ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ، وَأَنَّهُ ضُرِبَ حَتَّى رَجَعَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْقُرَّاءُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ عَلَيْهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي صَفَرٍ مِنْهَا، وَقَدْ دَعَا ابْنُ شَنَبُوذَ عَلَى ابْنِ مُقْلَةَ حِينَ أَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَلَمْ يُفْلِحِ ابْنُ مُقْلَةَ بَعْدَهَا. ابْنُ مُقْلَةَ الْوَزِيرُ أَحَدُ الْكُتَّابِ الْمَشَاهِيرِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَلِيٍّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُقْلَةَ الْوَزِيرِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ ضَعِيفَ الْحَالِ، ثُمَّ آلَ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنْ وَلِيَ الْوِزَارَةَ لِثَلَاثَةٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَهُمُ الْمُقْتَدِرُ، وَالْقَاهِرُ، وَالرَّاضِي، وَعُزِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ وَلِسَانُهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَحُبِسَ، فَكَانَ يَسْتَقِي الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَأَسْنَانِهِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَكْتُبُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى بَعْدَ قَطْعِهَا، كَمَا كَانَ يَكْتُبُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ كَانَ خَطُّهُ مِنْ أَقْوَى الْخُطُوطِ، كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ، وَقَدْ بَنَى لَهُ دَارًا فِي زَمَانِ وِزَارَتِهِ، فَجَمَعَ عِنْدَ بِنَائِهَا خَلْقًا مِنَ الْمُنَجِّمِينَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ تُبْنَى فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ، فَأَسَّسَ جُدْرَانَهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، كَمَا أَشَارُوا، فَمَا لَبِثَ بَعْدَ اسْتِتْمَامِهَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى خُرِّبَتْ وَصَارَتْ كَوْمًا، كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَذَكَرْنَا مَا كَتَبُوا عَلَى جُدْرَانِهَا، وَقَدْ
পৃষ্ঠা - ৯২৬০
كَانَ لَهُ بُسْتَانٌ كَبِيرٌ جِدًّا، فِيهِ عِدَّةُ أَجْرِبَةٍ - أَيْ فَدَادِينَ - وَعَلَيْهِ جَمِيعِهِ شَبَكَةٌ مِنْ إِبْرَيْسَمٍ، وَفِيهِ مِنَ الطُّيُورِ الْقَمَارِيِّ وَالْهَزَارِ وَالْبَبْغِ وَالْبَلَابِلِ وَالطَّوَاوِيسِ وَالْقَبْجِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَفِي أَرْضِهِ مِنَ الْغِزْلَانِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحَمِيرِهِ، وَالنَّعَامِ وَالْإِبِلِ شَيْءٌ كَثِيرٌ أَيْضًا. ثُمَّ صَارَ هَذَا كُلُّهُ عَمَّا قَرِيبٍ بَعْدَ النُّضْرَةِ وَالْبَهَاءِ إِلَى الْهَلَاكِ وَالْفَنَاءِ. وَقَدْ أَنْشَدَ فِيهِ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ حِينَ بَنَى دَارَهُ: قُلْ لِابْنِ مُقْلَةَ مَهْلًا لَا تَكُنْ عَجِلًا ... وَاصْبِرْ فَإِنَّكَ فِي أَضْغَاثِ أَحْلَامِ تَبْنِي بِأَنْقَاضِ دُورِ النَّاسِ مُجْتَهِدًا ... دَارًا سَتُنْقَضُ أَيْضًا بَعْدَ أَيَّامِ مَا زِلْتَ تَخْتَارُ سَعْدَ الْمُشْتَرِيِّ لَهَا ... فَلَمْ تُوَقَّ بِهِ مِنْ نَحْسِ بَهْرَامِ إِنَّ الْقُرَانَ وَبَطْلَيْمُوسَ مَا اجْتَمَعَا ... فِي حَالِ نَقْضٍ وَلَا فِي حَالِ إِبْرَامِ فَعُزِلَ ابْنُ مُقْلَةَ عَنْ وِزَارَتِهِ، وَخُرِّبَتْ دَارُهُ، وَأُتْلِفَتْ أَشْجَارُهُ، وَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ قُطِعَ لِسَانُهُ، وَأُغْرِمَ بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ سُجِنَ وَحْدَهُ، مَعَ الْكِبَرِ وَالضَّعْفِ وَالضَّرُورَةِ، فَكَانَ يَسْتَقِي الْمَاءَ لِنَفْسِهِ مِنْ بِئْرٍ عَمِيقٍ، فَكَانَ يَمُدُّ الْحَبْلَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَيُمْسِكُهُ بِفِيهِ. وَقَاسَى جَهْدًا جَهِيدًا، بَعْدَمَا ذَاقَ عَيْشًا رَغِيدًا، وَمِنْ شِعْرِهِ حِينَ قُطِعَتْ يَدُهُ: مَا سَئمْتُ الْحَيَاةَ لَكَنْ تَوَثَّقْتُ ... بِأَيْمَانِهِمْ فَبَانَتْ يَمِينِي بِعْتُ دِينِي لَهُمْ بِدُنْيَايَ حَتَّى ... حَرَمُونِي دُنْيَاهُمْ بَعْدَ دِينِي
পৃষ্ঠা - ৯২৬১
وَلَقَدْ حُطْتُ مَا اسْتَطَعْتُ بِجَهْدِي ... حِفْظَ أَرْوَاحِهِمْ فَمَا حَفَظُونِي لَيْسَ بَعْدَ الْيَمِينِ لَذَّةُ عَيْشٍ ... يَا حَيَاتِي بَانَتْ يَمِينِي فَبِينِي وَكَانَ يَبْكِي عَلَى يَدِهِ كَثِيرًا، وَيَقُولُ: بَعْدَمَا خَدَمْتُ بِهَا ثَلَاثَةً مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَكَتَبْتُ بِهَا الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ، تُقْطَعُ كَمَا تُقْطَعُ أَيْدِيَ اللُّصُوصِ! ثُمَّ يُنْشِدُ: إِذَا مَا مَاتَ بَعْضُكَ فَابْكِ بَعْضًا ... فَإِنَّ الْبَعْضَ مِنْ بَعْضٍ قَرِيبُ وَقَدْ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَحْبِسِهِ هَذَا، وَدُفِنَ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ سَأَلَ وَلَدَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَنْ يُحَوَّلَ فَأُجِيبَ، فَنَبَشُوهُ وَدَفَنَهُ وَلَدُهُ عِنْدَهُ فِي دَارِهِ، ثُمَّ سَأَلَتْ زَوْجَتُهُ الْمَعْرُوفَةُ بِالدِّينَارِيَّةِ أَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهَا، فَنُبِشَ وَدُفِنَ عِنْدَهَا، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَيْضًا. مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتٌّ وَخَمْسُونَ سَنَةً. أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بَيَانِ بْنِ سَمَاعَةَ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ قَطَنِ بْنِ دِعَامَةَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ، وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ فِي اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. سَمِعَ الْكَدِيمِيَّ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَثَعْلَبًا وَغَيْرَهُمْ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا أَدِيبًا، دَيِّنًا فَاضِلًا، مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالنَّحْوِ وَالْأَدَبِ وَأَكْثَرِهِمْ حِفْظًا لَهُ، وَكَانَتْ لَهُ مِنَ الْمَحَافِيظِ مُجَلَّدَاتٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ
পৃষ্ঠা - ৯২৬২
أَحْمَالُ أَجْمَالٍ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا التَّقَالِيَ، وَلَا يَشْرَبُ مَاءً إِلَى قَرِيبِ الْعَصْرِ ; مُرَاعَاةً لِحِفْظِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ مِائَةً وَعِشْرِينَ تَفْسِيرًا. وَحَفِظَ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا فِي لَيْلَةٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ عَشْرَةَ آلَافِ وَرَقَةٍ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ عِيدِ النَّحْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. أُمُّ عِيسَى بِنْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ كَانَتْ عَالِمَةً فَاضِلَةً، تُفْتِي فِي الْفِقْهِ. تُوُفِّيَتْ فِي رَجَبٍ مِنْهَا، وَدُفِنَتْ إِلَى جَانِبِ أَبِيهَا، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.