আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ৯১৬১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي صَفَرٍ مِنْهَا كَانَ قُدُومُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ الْوَزِيرِ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى بَغْدَادَ وَقَدْ تَلَقَّاهُ النَّاسُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَقِيَهُ إِلَى الْأَنْبَارِ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ. وَحِينَ دَخَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِرِ خَاطَبَهُ الْخَلِيفَةُ فَأَحْسَنَ مُخَاطَبَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَعَثَ وَرَاءَهُ بِالْفَرْشِ وَالْقُمَاشِ وَعِشْرِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاسْتَدْعَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، فَأَنْشَدَ وَهُوَ فِي الْخِلْعَةِ: مَا النَّاسُ إِلَّا مَعَ الدُّنْيَا وَصَاحِبِهَا ... فَكَيْفَمَا انْقَلَبَتْ يَوْمًا بِهِ انْقَلَبُوا يُعَظِّمُونَ أَخَا الدُّنْيَا فَإِنْ وَثَبَتْ ... يَوْمًا عَلَيْهِ بِمَا لَا يَشْتَهِي وَثَبُوا وَجَاءَتِ الْكُتُبُ بِأَنَّ الرُّومَ دَخَلُوا سُمَيْسَاطَ وَأَخَذُوا جَمِيعَ مَا فِيهَا، وَنَصَبُوا فِيهَا خَيْمَةَ الْمُلْكِ، وَضَرَبُوا النَّاقُوسَ فِي الْجَامِعِ بِهَا، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ مُؤْنِسًا الْخَادِمَ بِالتَّجْهِيزِ لِلْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةً سَنِيَّةً، ثُمَّ جَاءَتِ الْكُتُبُ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَثَبُوا عَلَى الرُّومِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَغَنِمُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً جِدًّا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
পৃষ্ঠা - ৯১৬২
وَلَمَّا تَجَهَّزَ مُؤْنِسٌ لِلْمَسِيرِ جَاءَهُ بَعْضُ الْخَدَمِ، فَأَعْلَمَهُ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يُرِيدُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ إِذَا دَخَلَ لِوَدَاعِهِ، وَقَدْ حُفِرَتْ لَهُ زُبْيَةٌ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ مُغَطَّاةٌ ; لِيَتَرَدَّى فِيهَا، فَأَحْجَمَ عَنِ الذَّهَابِ، وَجَاءَتِ الْأُمَرَاءُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِيَكُونُوا مَعَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُقْتَدِرُ رُقْعَةً بِخَطِّهِ يَحْلِفُ لَهُ فِيهَا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي بَلَغَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَرَكِبَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ فِي غِلْمَانٍ قَلَائِلَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ خَاطَبَهُ مُخَاطَبَةً عَظِيمَةً، وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ طَيِّبُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَلَهُ عِنْدَهُ الصَّفَاءُ الَّذِي يَعْرِفُهُ، وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مُعَظَّمًا مُكَرَّمًا، وَرَكِبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ، وَالْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَنَصْرٌ الْحَاجِبُ فِي خِدْمَتِهِ لِتَوْدِيعِهِ، وَكِبَارُ الْأُمَرَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ الْحَجَبَةِ، وَكَانَ خُرُوجُهُ يَوْمًا مَشْهُودًا، قَاصِدًا بِلَادَ الثُّغُورِ لِقِتَالِ الرُّومِ. وَفِي جُمَادَى الْأُولَى قُبِضَ عَلَى رَجُلٍ خَنَّاقٍ، قَدْ قَتَلَ خَلْقًا مِنَ النِّسَاءِ ; لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْرِفُ الْعَطْفَ وَالتَّنْجِيمَ، فَقَصَدَهُ النِّسَاءُ لِذَلِكَ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِالْمَرْأَةِ قَامَ إِلَيْهَا، فَخَنَقَهَا بِوَتَرٍ، وَأَعَانَتْهُ امْرَأَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ حَفَرَ لَهَا فِي دَارِهِ فَدَفَنَهَا، فَإِذَا امْتَلَأَتْ تِلْكَ الدَّارُ انْتَقَلَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا. وَلَمَّا ظُهِرَ عَلَيْهِ وُجِدَ فِي دَارِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً قَدْ خَنَقَهُنَّ، ثُمَّ تُتُبِّعَتِ الدُّورُ الَّتِي سَكَنَهَا، فَوَجَدُوا شَيْئًا كَثِيرًا قَدْ قُتِلَ مِنَ النِّسَاءِ، فَضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ، ثُمَّ صُلِبَ حَيًّا حَتَّى مَاتَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ ظُهُورُ الدَّيْلَمِ بِبِلَادِ الرَّيِّ فَكَانَ فِيهِمْ مَلِكٌ غَلَبَ عَلَى أَمْرِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: مَرْدَاوِيجُ، يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيرٌ مِنْ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৩
فِضَّةٍ، وَيَقُولُ: أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. وَقَدْ سَارَ فِي أَهْلِ الرَّيِّ وَقَزْوِينَ وَأَصْبَهَانَ سِيرَةً قَبِيحَةً جِدًّا، فَكَانَ يَقْتُلُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ فِي الْمُهُودِ، وَيَأْخُذُ أَمْوَالَ النَّاسِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْجَبَرُوتِ وَالشِّدَّةِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَتَلَهُ الْأَتْرَاكُ، وَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ يُوسُفَ بْنِ أَبِي السَّاجِ وَبَيْنَ أَبِي طَاهِرٍ الْقِرْمِطِيِّ عِنْدَ الْكُوفَةِ ; سَبَقَهُ إِلَيْهَا أَبُو طَاهِرٍ، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يُوسُفُ بْنُ أَبِي السَّاجِ: اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَإِلَّا فَاسْتَعِدَّ لِلْقِتَالِ يَوْمَ السَّبْتِ تَاسِعَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. فَقَالَ: هَلُمَّ. فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ، اسْتَقَلَّ يُوسُفُ بْنُ أَبِي السَّاجِ، وَكَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ أَلْفًا جَيْشُ الْقِرْمِطِيِّ، وَكَانَ مَعَهُ أَلْفُ فَارِسٍ وَخَمْسُمِائَةِ رَاجِلٍ، فَقَالَ: وَمَا قِيمَةُ هَؤُلَاءِ الْكِلَابِ؟ وَأَمَرَ الْكَاتِبَ أَنْ يَكْتُبَ بِالْفَتْحِ قَبْلَ اللِّقَاءِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَلَمَّا اقْتَتَلُوا ثَبَتَتِ الْقَرَامِطَةُ ثَبَاتًا عَظِيمًا، وَنَزَلَ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَحَرَّضَ أَصْحَابَهُ، وَحَمَلَ بِهِمْ حَمْلَةً صَادِقَةً، فَهَزَمُوا جُنْدَ الْخَلِيفَةِ، وَأَسَرُوا يُوسُفَ بْنَ أَبِي السَّاجِ وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ جُنْدِ الْخَلِيفَةِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْكُوفَةِ وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْقِرْمِطِيَّ يُرِيدُ أَنْ يَقْصِدَ بَغْدَادَ لِيَأْخُذَهَا، فَانْزَعَجَ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ، وَظَنُّوا صِدْقَهُ، فَاجْتَمَعَ الْوَزِيرُ بِالْخَلِيفَةِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْأَمْوَالَ إِنَّمَا تُدَّخَرُ لِتَكَوُّنَ عَوْنًا عَلَى قِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَقَعْ بَعْدَ زَمَنِ الصَّحَابَةِ أَفْظَعُ مِنْهُ، قَدْ قَطَعَ هَذَا الْكَافِرُ طَرِيقَ الْحَجِّ عَلَى النَّاسِ، وَفَتَكَ فِي الْمُسْلِمِينَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَإِنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَخَاطِبِ السَّيِّدَةَ - يَعْنِي أُمَّهُ - فَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا مَالٌ قَدِ ادَّخَرَتْهُ لِشِدَّةٍ، فَهَذَا وَقْتُهُ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ فَكَانَتْ هِيَ الَّتِي ابْتَدَأَتْهُ بِذَلِكَ، وَبَذَلَتْ لَهُ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৪
دِينَارٍ، وَكَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِثْلُهَا فَسَلَّمَهَا الْخَلِيفَةُ إِلَى الْوَزِيرِ لِيَصْرِفَهَا فِي تَنْفِيذِ الْجُيُوشِ نَحْوَ الْقَرَامِطَةِ، فَجَهَّزَ الْوَزِيرُ جَيْشًا ; أَرْبَعِينَ أَلْفًا مَعَ أَمِيرٍ، يُقَالُ لَهُ: يَلْبَقُ، فَأَخَذُوا عَلَيْهِ الطُّرُقَاتِ وَكَانَ يُرِيدُ دُخُولَ بَغْدَادَ ثُمَّ الْتَقَوْا مَعَهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ جَيْشُ الْخَلِيفَةِ أَنِ انْهَزَمَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَكَانَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي السَّاجِ مَعَهُمْ مُقَيَّدًا فِي خَيْمَةٍ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى مَحَلِّ الْوَقْعَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ الْقِرْمِطِيُّ قَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَهْرُبَ؟! ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَرَجَعَ الْقِرْمِطِيُّ مِنْ نَاحِيَةِ بَغْدَادَ إِلَى الْأَنْبَارِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى هِيتَ فَأَكْثَرَ أَهْلُ بَغْدَادَ الصَّدَقَةَ، وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ وَأُمُّهُ وَالْوَزِيرُ ; شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صَرْفِهِ عَنْهُمْ هَذَا الْخَبِيثَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ الْمَهْدِيُّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فَاطِمِيٌّ - الَّذِي ظَهَرَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ - وَلَدَهُ أَبَا الْقَاسِمِ فِي جَيْشٍ، فَانْهَزَمَ جَيْشُهُ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ خُلْقٌ كَثِيرٌ. وَاخْتُطَّتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمَدِينَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ. وَفِيهَا حَاصَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الدَّاخِلِ الْأُمَوِيُّ مَدِينَةَ طُلَيْطُلَةَ وَكَانُوا مُسْلِمِينَ، لَكِنَّهُمْ نَقَضُوا مَا كَانُوا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ، فَفَتَحَهَا قَهْرًا، وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ أَهْلِهَا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: ابْنُ الْجَصَّاصِ الْجَوْهَرِيُّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَصَّاصِ الْجَوْهَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ، كَانَ ذَا مَالٍ عَظِيمٍ وَثَرْوَةٍ مُتَّسِعَةٍ جِدًّا، وَكَانَ أَصْلُ نِعْمَتِهِ مِنْ بَيْتِ أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ كَانَ قَدْ جَعَلَهُ جَوْهَرِيًّا لَهُ يَتَسَوَّقُ لَهُ مَا يَقَعُ مِنْ نَفَائِسِ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৫
الْجَوَاهِرِ بِمِصْرَ، فَاكْتَسَبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا. قَالَ ابْنُ الْجَصَّاصِ: كُنْتُ يَوْمًا بِبَابِ ابْنِ طُولُونَ إِذْ خَرَجَتِ الْقَهْرَمَانَةُ، وَبِيَدِهَا عِقْدٌ فِيهِ مِائَةُ حَبَّةٍ مِنَ الْجَوْهَرِ، تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ هَذَا فَتَخْرُطَهُ حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ هَذَا الْحَجْمِ، فَإِنَّ هَذَا نَافِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ. فَأَخَذْتُهُ مِنْهَا، وَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ وَحَصَّلْتُ جَوَاهِرَ أَصْغَرَ مِنْهَا تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ عُشْرِ قِيمَةِ تِلْكَ الْجَوَاهِرِ بِكَثِيرٍ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، وَفُزْتُ أَنَا بِذَلِكَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ، فَكَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَنَّهُ صُودِرَ فِي زَمَانِ الْمُقْتَدِرِ مُصَادَرَةً عَظِيمَةً، أُخِذَ مِنْهُ مَا يُقَاوِمُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَبَقِيَ مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا. قَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَرَدَّدُ فِي مَنْزِلِهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا لَكَ؟! فَقَالَ: وَيْحَكَ! أُخِذَ مِنِّي كَذَا وَكَذَا، فَأَنَا أُحِسُّ أَنَّ رُوحِي سَتَخْرُجُ. فَعَذَرْتُهُ ثُمَّ أَخَذْتُ فِي تَسْلِيَتِهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ دَارَكَ وَبَسَاتِينَكَ وَضِيَاعَكَ الْبَاقِيَةَ لَكَ تُسَاوِي سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاصْدُقْنِي كَمْ بَقِيَ عِنْدَكَ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْمَتَاعِ، فَإِذَا هُوَ يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُشَارِكُكَ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ التُّجَّارِ بِبَغْدَادَ، مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْوَجَاهَةِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ وَالنَّاسِ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَتَسَلَّى عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَأَكَلَ، وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا، وَلَمَّا خَلَصَ مِنْ مُصَادَرَةِ الْمُقْتَدِرِ بِشَفَاعَةِ أُمِّهِ السَّيِّدَةِ فِيهِ، حَكَى عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: نَظَرْتُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى مِائَةِ خَيْشَةٍ، فِيهَا مَتَاعٌ رَثٌّ مِمَّا حُمِلَ إِلَيَّ مِنْ مِصْرَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ بِدَارِ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৬
مَضِيعَةٍ، وَكَانَ لِي فِي كُلِّ حِمْلِ أَلْفُ دِينَارٍ مَوْضُوعَةٌ فِيهِ مِنْ مِصْرَ لَا يَشْعُرُ بِهَا أَحَدٌ، فَاسْتَوْهَبْتُ ذَلِكَ مِنْ أُمِّ الْمُقْتَدِرِ، فَكَلَّمَتْ فِي ذَلِكَ وَلَدَهَا، فَأَطْلَقَهُ لِي فَتَسَلَّمْتُهُ، فَإِذَا الذَّهَبُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ مُغَفَّلًا شَدِيدَ التَّغَفُّلِ فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَشْيَاءُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُظْهِرَ أَنَّهُ مُغَفَّلٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْبَسْطِ وَالدُّعَابَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَزْوِينِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْفَضْلِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ، رَوَى عَنِ الْمُبَرِّدِ وَثَعْلَبٍ وَالْيَزِيدِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ الْمَرْزُبَانِيُّ وَالْمُعَافَى وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ ثِقَةً فِي نَقْلِهِ فَقِيرًا فِي ذَاتِ يَدِهِ، تَوَصَّلَ إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ حَتَّى كَلَّمَ فِيهِ الْوَزِيرَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى فِي أَنْ يُرَتَّبَ لَهُ شَيْءٌ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَضَاقَ بِهِ الْحَالُ حَتَّى كَانَ يَأْكُلُ اللِّفْتَ النَّيِّئَ، فَمَاتَ فَجْأَةً مِنْ كَثْرَةِ أَكْلِهِ، وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالْأَوْسَطُ هُوَ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ تِلْمِيذُ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৭
سِيبَوَيْهِ، وَأَمَّا الْأَكْبَرُ فَهُوَ أَبُو الْخَطَّابِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، مِنْ أَهْلِ هَجَرَ وَهُوَ شَيْخُ سِيبَوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ السَّرَّاجُ النَّحْوِيُّ صَاحِبُ " الْأُصُولِ " فِي النَّحْوِ. قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْأَرْغِيَانِيُّ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا عَاثَ الْقِرْمِطِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ - فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، حَاصَرَ الرَّحْبَةَ، فَدَخَلَهَا قَهْرًا، وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا كَثِيرًا، وَطَلَبَ مِنْهُ أَهْلُ قِرْقِيسِيَا الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، وَبَعَثَ سَرَايَا إِلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا أَيْضًا، حَتَّى صَارَ النَّاسُ إِذَا سَمِعُوا بِذِكْرِهِ يَهْرُبُونَ مِنْ سَمَاعِ اسْمِهِ، وَقَرَّرَ عَلَى الْأَعْرَابِ إِتَاوَةً يَحْمِلُونَهَا إِلَى هَجَرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، عَنْ كُلِّ رَأْسٍ دِينَارَانِ، وَعَاثَ فِي نُوَاحِي الْمَوْصِلِ وَسِنْجَارَ وَتِلْكَ الدِّيَارِ، وَقَتَلَ وَسَلَبَ وَنَهَبَ، فَقَصَدَهُ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ فَلَمْ يَتَوَاجَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ فَابْتَنَى بِهَا دَارًا سَمَّاهَا دَارَ الْهِجْرَةِ، وَدَعَا إِلَى الْمَهْدِيِّ الَّذِي بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ بَانِي الْمَهْدِيَّةِ وَتَفَاقَمَ أَمَرُهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ، وَصَارُوا يَكْبِسُونَ الْقَرْيَةَ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ، فَيَقْتُلُونَ أَهْلَهَا، وَيَنْهَبُونَ أَمْوَالَهَا، وَرَامَ فِي نَفْسِهِ دُخُولَ الْكُوفَةِ وَأَخْذَهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَعَصَمَهَا اللَّهُ مِنْهُ. وَلَمَّا رَأَى الْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى مَا يَفْعَلُ هَذَا الْهَجَرِيُّ الْقِرْمِطِيُّ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْخَلِيفَةُ وَجَيْشُهُ ضُعَفَاءُ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ، اسْتَعْفَى مِنَ الْوِزَارَةِ وَعَزَلَ نَفْسَهُ عَنْهَا، فَسَعَى فِيهَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ الْكَاتِبُ الْمَشْهُورُ، فَوَلِيَهَا بِسِفَارَةِ نَصْرٍ
পৃষ্ঠা - ৯১৬৯
الْحَاجِبِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْبَرِيدِ - وَيُقَالُ: الْيَزِيدِيُّ. لِخِدْمَةِ جَدِّهِ يَزِيدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْحِمْيَرِيِّ. ثُمَّ جَهَّزَ الْخَلِيفَةُ جَيْشًا كَثِيفًا مَعَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ، فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْقَرَامِطَةِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْقَرَامِطَةِ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرُوا مِنْهُمْ طَائِفَةً كَثِيرَةً مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَدَخَلُوا مَعَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ إِلَى بَغْدَادَ وَالْأَسَارَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَعْلَامٌ مِنْ أَعْلَامِهِمْ بِيضٌ مُنَكَّسَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا وَطَابَتْ أَنْفُسُ أَهْلِ بَغْدَادَ وَانْكَسَرَ شَرُّ الْقَرَامِطَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ نَشَأُوا وَكَثُرُوا وَأَظْهَرُوا رُءُوسَهُمْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَنَهَبُوا كَثِيرًا مِنَ الْقُرَى، وَفَوَّضُوا أَمْرَهُمْ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: حُرَيْثُ بْنُ مَسْعُودٍ - لَا أَسْعَدَهُ اللَّهُ - وَدَعَوْا إِلَى الْمَهْدِيِّ الَّذِي ظَهَرَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ وَبَنَى الْمَهْدِيَّةَ جَدِّ الْخُلَفَاءِ الْفَاطِمِيِّينَ وَهُمْ أَدْعِيَاءُ فِيمَا ذَكَرُوا لَهُمْ مِنَ النَّسَبِ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِيهَا وَقَعَتْ وَحْشَةٌ بَيْنَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَالْمُقْتَدِرِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نَازُوكَ أَمِيرَ الشُّرْطَةِ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَارُونَ بْنِ غَرِيبٍ - وَهُوَ ابْنُ خَالِ الْمُقْتَدِرِ - فَانْتَصَرَ هَارُونُ عَلَى نَازُوكَ، وَشَاعَ بَيْنَ الْعَامَّةِ أَنَّ هَارُونَ سَيَصِيرُ أَمِيرَ الْأُمَرَاءِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُؤْنِسًا الْخَادِمَ وَهُوَ بِالرَّقَّةِ، فَأَسْرَعَ الْأَوْبَةَ إِلَى بَغْدَادَ وَاجْتَمَعَ بِالْخَلِيفَةِ فَتَصَالَحَا، ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ نَقَلَ هَارُونَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَقَوِيَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُمَا، وَانْضَمَّ إِلَى مُؤْنِسٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا، وَانْقَضَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ضَعْفِ الْأُمُورِ وَاضْطِرَابِهَا، وَكَثْرَةِ الْفِتَنِ
পৃষ্ঠা - ৯১৭০
وَانْتِشَارِهَا. وَفِيهَا كَانَ مَقْتَلُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الدَّاعِي الْعَلَوِيِّ صَاحِبِ الرَّيِّ عَلَى يَدِ صَاحِبِ الدَّيْلَمِ وَسُلْطَانِهِمْ مَرْدَاوِيجَ الْمُجْرِمِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: بُنَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو الْحَسَنِ الزَّاهِدِ وَيُعْرَفُ بِالْحَمَّالِ، رَوَى الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِزُهْدِهِ الْمَثَلُ، وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَمَنْزِلَةٌ كَبِيرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنَ السُّلْطَانِ شَيْئًا، وَقَدْ أَنْكَرَ يَوْمًا عَلَى ابْنِ طُولُونَ شَيْئًا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُلْقِي بَيْنَ يَدَيِ الْأَسَدِ، فَكَانَ الْأَسَدُ يَشُمُّهُ وَيُحْجِمُ عَنْهُ، فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَعَظَّمَهُ النَّاسُ جِدًّا. وَقَدْ سَأَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ: كَيْفَ كَانَ حَالُكَ وَأَنْتَ بَيْنَ يَدَيِ الْأَسَدِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ بَأْسٌ، قَدْ كُنْتُ أُفَكِّرُ فِي سُؤْرِ السِّبَاعِ، أَهْوَ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟ قَالُوا: وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَدْ ذَهَبَتِ
পৃষ্ঠা - ৯১৭১
الْوَثِيقَةُ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ يُنْكِرَ الرَّجُلُ، فَأَسْأَلُكَ الدُّعَاءَ. فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَجُلٌ قَدْ كَبُرْتُ، وَأَنَا أُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، فَاذْهَبْ فَاشْتَرِ لِي مِنْهَا رَطْلًا، وَأْتِنِي بِهِ حَتَّى أَدْعُوَ لَكَ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَاشْتَرَى، ثُمَّ جَاءَ فَفَتَحَ الْوَرَقَةَ الَّتِي فِيهَا الْحَلْوَاءَ، فَإِذَا هِيَ حُجَّتُهُ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: أَهَذِهِ حُجَّتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: خُذْهَا وَخُذِ الْحَلْوَاءَ فَأَطْعِمْهَا صِبْيَانَكَ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ خَرَجَ أَهْلُ مِصْرَ فِي جِنَازَتِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَإِكْرَامًا لَهُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ خُرَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَقِيلٍ الْبَلْخِيُّ. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ الْحَافِظُ ابْنُ الْحَافِظِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَأَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، صَاحِبُ " الصَّحِيحِ " الْمُخَرَّجِ عَلَى " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " وَقَدْ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ. وَنَصْرٌ الْحَاجِبُ لِلْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِرِ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ، دَيِّنًا عَاقِلًا، أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ فِي حَرْبِ الْقَرَامِطَةِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ مُحْتَسِبًا، فَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
পৃষ্ঠা - ৯১৭২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَ خَلْعُ الْمُقْتَدِرِ وَتَوْلِيَةُ الْقَاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَخِي الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ. فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَ مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَالْخَلِيفَةِ، فَالْتَفَّ الْأُمَرَاءُ عَلَى مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَتَفَاقَمَ الْحَالُ وَآلَ إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى خَلْعِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ وَتَوْلِيَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعْتَضِدِ، فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِهَا، وَلَقَّبُوهُ الْقَاهِرَ بِاللَّهِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقُلِّدَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ وِزَارَتَهُ، وَنُهِبَتْ دَارُ الْمُقْتَدِرِ، وَأَخَذُوا مِنْهَا شَيْئًا كَثِيرًا، وَوُجِدَ لِأُمِّ الْمُقْتَدِرِ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ قَدْ دَفَنَتْهَا فِي قَبْرٍ بِتُرْبَتِهَا، فَحُمِلَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأُخْرِجَ الْمُقْتَدِرُ وَأُمُّهُ وَخَالَتُهُ وَخَوَاصُّ جَوَارِيهِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُحَاصَرَةِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَهَرَبِ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْحَجَبَةِ وَالْخَدَمِ مِنْهَا، وَوَلِيَ نَازُوكُ الْحُجُوبَةَ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الشُّرْطَةِ، وَأُلْزِمَ الْمُقْتَدِرَ بِأَنْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كِتَابًا بِالْخَلْعِ مِنَ الْخِلَافَةِ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ وَسَلَّمَ الْكِتَابَ إِلَى الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، فَقَالَ لِوَلَدِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ: احْتَفِظْ بِهَذَا الْكِتَابِ، فَلَا يَرَيَنَّهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. فَلَمَّا أُعِيدَ الْمُقْتَدِرُ إِلَى الْخِلَافَةِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَشَكَرَهُ عَلَى ذَلِكَ جِدًّا وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْقُضَاةِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ جَلَسَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ فِي مَنْصِبِ الْخِلَافَةِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৩
بْنُ مُقْلَةَ، وَكَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ بِالْآفَاقِ يُخْبِرُهُمْ بِوِلَايَةِ الْقَاهِرِ بِالْخِلَافَةِ عِوَضًا عَنِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَطْلَقَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى مِنَ السِّجْنِ، وَزَادَ فِي أَقْطَاعِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ قَامُوا بِنَصْرِهِ، مِنْهُمْ أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ جَاءَ الْجُنْدُ فَطَلَبُوا أَرْزَاقَهُمْ وَشَغَبُوا، وَسَارَعُوا إِلَى نَازُوكَ فَقَتَلُوهُ - وَكَانَ مَخْمُورًا - ثُمَّ صَلَبُوهُ، وَهَرَبَ الْوَزِيرُ ابْنُ مُقْلَةَ وَالْحَجَبَةُ، وَنَادَوْا: يَا مُقْتَدِرُ يَا مَنْصُورُ. وَلَمْ يَكُنْ مُؤْنِسٌ يَوْمَئِذٍ حَاضِرًا، وَجَاءَتِ الْجُنُودُ إِلَى بَابِهِ يُطَالِبُونَهُ بِالْمُقْتَدِرِ، فَأَغْلَقَ بَابَهُ، وَحَاجَفَ دُونَهُ خَدَمُهُ، فَلَمَّا رَأَى مُؤْنِسٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمُقْتَدِرِ إِلَيْهِمْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ تَجَاسَرَ فَخَرَجَ، فَحَمَلَهُ الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَسَأَلَ عَنْ أَخِيهِ الْقَاهِرِ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ لِيَكْتُبَ لَهُمَا أَمَانًا، فَمَا كَانَ عَنْ قَرِيبٍ حَتَّى جَاءَهُ خَادِمٌ وَمَعَهُ رَأْسُ أَبِي الْهَيْجَاءِ قَدِ احْتَزَّهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَجَاءَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ فَجَلَسَ فِي الدَّسْتِ، وَاسْتَدْعَى بِالْقَاهِرِ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَدْنَاهُ إِلَيْهِ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَخِي، أَنْتَ لَا ذَنْبَ لَكَ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ قُهِرْتَ. وَالْقَاهِرُ يَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ، نَفْسِي نَفْسِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا جَرَى عَلَيْكَ مِنِّي سُوءٌ أَبَدًا. وَعَادَ ابْنُ مُقْلَةَ، فَكَتَبَ إِلَى الْآفَاقِ يُعْلِمُهُمْ بِعَوْدِ الْمُقْتَدِرِ، وَتَرَاجَعَتِ الْأُمُورُ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ بِبَغْدَادَ، وَاسْتَقَرَّ الْمُقْتَدِرُ فِي الْخِلَافَةِ كَمَا كَانَ، وَحُمِلَ رَأْسُ نَازُوكَ وَأَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ، فَنُودِيَ عَلَيْهِمَا: هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ. وَهَرَبَ أَبُو السَّرَايَا بْنُ حَمْدَانَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَكَانَ ابْنُ نَفِيسٍ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ خَرَجَ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৪
مِنْ بَغْدَادَ مُتَنَكِّرًا، فَدَخَلَ الْمَوْصِلَ ثُمَّ صَارَ إِلَى أَرْمِينِيَةَ ثُمَّ لَحِقَ بِمَدِينَةِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَتَنَصَّرَ مَعَ أَهْلِهَا، لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ. وَأَمَّا مُؤْنِسٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ وَإِنَّمَا وَافَقَ جَمَاعَةَ الْأُمَرَاءِ مُكْرَهًا، وَلِهَذَا لَمَّا أُودِعَ الْمُقْتَدِرُ فِي دَارِهِ لَمْ يَنَلْهُ مِنْهُ سُوءٌ، بَلْ كَانَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، وَلَوْ شَاءَ لَقَتَلَهُ لَمَّا طُلِبَ مِنْ دَارِهِ، فَلِهَذَا لَمَّا عَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ رَجَعَ إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ، فَبَاتَ بِهَا عِنْدَهُ لِثِقَتِهِ بِهِ. وَقَرَّرَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ عَلَى الْوِزَارَةِ، وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ أَبَا عُمَرَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا أَخَاهُ - وَهُوَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ - عِنْدَ وَالِدَتِهِ بِصِفَةِ مُحْتَبَسٍ عِنْدَهَا، فَكَانَتْ تُحْسِنُ إِلَيْهِ غَايَةَ الْإِحْسَانِ، وَتَشْتَرِي لَهُ السَّرَارِي وَتُكْرِمُهُ غَايَةَ الْإِكْرَامِ. ذِكْرُ أَخْذِ الْقَرَامِطَةِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى الْحَجِيجِ، لَعَنَ اللَّهُ الْقَرَامِطَةَ فِيهَا خَرَجَ رَكْبُ الْعِرَاقِ وَأَمِيرُهُمْ مَنْصُورٌ الدَّيْلَمِيُّ، فَوَصَلُوا إِلَى مَكَّةَ سَالِمِينَ، وَتَوَافَتِ الرُّكُوبُ هُنَاكَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقِرْمِطِيِّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَتِهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَانْتَهَبَ أَمْوَالَهُمْ، وَاسْتَبَاحَ قِتَالَهُمْ، فَقَتَلَ النَّاسَ فِي رِحَابِ مَكَّةَ وَشِعَابِهَا حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَجَلَسَ أَمِيرُهُمْ أَبُو طَاهِرٍ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجَنَّابِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، وَالرِّجَالُ تُصْرَعُ حَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، الَّذِي هُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَيَّامِ، وَهُوَ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৫
يَقُولُ: أَنَا بِاللَّهِ وَبِاللَّهِ أَنَا ... يَخْلُقُ الْخَلْقَ وَأُفْنِيهِمْ أَنَا فَكَانَ النَّاسُ يَفِرُّونَ فَيَتَعَلَّقُونَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَلَا يُجْدِي ذَلِكَ عَنْهُمْ شَيْئًا، بَلْ يُقْتَلُونَ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَطُوفُونَ فَيُقْتَلُونَ فِي الطَّوَافِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَوْمَئِذٍ يَطُوفُ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ أَخَذَتْهُ السُّيُوفُ، فَلَمَّا وَجَبَ، أَنْشَدَ وَهُوَ كَذَلِكَ: تَرَى الْمُحِبِّينَ صَرْعَى فِي دِيَارِهِمُ ... كَفِتْيَةِ الْكَهْفِ لَا يَدْرُونَ كَمْ لَبِثُوا ثُمَّ أَمَرَ الْقِرْمِطِيُّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - أَنْ تُدْفَنَ الْقَتْلَى بِبِئْرِ زَمْزَمَ، وَدَفَنَ كَثِيرًا مِنْهُمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَحَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - وَيَا حَبَّذَا تِلْكَ الْقِتْلَةُ وَتِلْكَ الضِّجْعَةُ - وَلَمْ يُغَسَّلُوا، وَلَمْ يُكَفَّنُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ شُهَدَاءُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ مِنْ خِيَارِ الشُّهَدَاءِ، وَهَدَمَ قُبَّةَ زَمْزَمَ، وَأَمَرَ بِقَلْعِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَنَزَعَ كُسْوَتَهَا عَنْهَا، وَشَقَّقَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَصْعَدَ إِلَى مِيزَابِ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْتَلِعَهُ، فَسَقَطَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، فَمَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَصَارَ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَانْكَفَّ اللَّعِينُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنِ الْمِيزَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقْلَعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَضَرَبَ الْحَجَرَ بِمُثْقَلٍ فِي يَدِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ الطَّيْرُ الْأَبَابِيلُ؟
পৃষ্ঠা - ৯১৭৬
أَيْنَ الْحِجَارَةُ مِنْ سِجِّيلٍ؟ ثُمَّ قَلَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ - شَرَّفَهُ اللَّهُ وَكَرَّمَهُ وَعَظَّمَهُ - وَأَخَذُوهُ مَعَهُمْ حِينَ رَاحُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى رَدُّوهُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلَمَّا رَجَعَ الْقِرْمِطِيُّ إِلَى بِلَادِهِ، تَبِعَهُ أَمِيرُ مَكَّةَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَجُنْدُهُ وَسَأَلَهُ وَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَرُدَّ الْحَجَرَ لِيُوضَعَ فِي مَكَانِهِ، وَبَذَلَ لَهُ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَلَمْ يَفْعَلْ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَقَاتَلَهُ أَمِيرُ مَكَّةَ فَقَتَلَهُ الْقِرْمِطِيُّ، وَقَتَلَ أَكْثَرَ أَهْلِهِ وَجُنْدِهِ، وَاسْتَمَرَّ ذَاهِبًا إِلَى بِلَادِهِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَأَمْوَالُ الْحَجِيجِ. وَقَدْ أَلْحَدَ هَذَا اللَّعِينُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَوْثِقُ وِثَاقَهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا حَمَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ ; أَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا زَنَادِقَةً، وَقَدْ كَانُوا مُمَالِئِينِ لِلْفَاطِمِيِّينَ الَّذِينَ نَبَغُوا فِي هَذِهِ السِّنِينَ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ، وَيُلَقَّبُ أَمِيرُهُمْ بِالْمَهْدِيِّ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبِيدُ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ، وَقَدْ كَانَ صَبَّاغًا بِسَلَمْيَةَ يَهُودِيًّا، فَادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيفٌ فَاطِمِيٌّ، فَصَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْجَهَلَةِ، وَصَارَتْ لَهُ دَوْلَةٌ فَمَلَكَ مَدِينَةَ سِجِلْمَاسَةَ ثُمَّ ابْتَنَى مَدِينَةً وَسَمَّاهَا الْمَهْدِيَّةَ وَكَانَ قَرَارُ مُلْكِهِ بِهَا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَرَامِطَةُ يُرَاسِلُونَهُ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ وَيَتَرَامَوْنَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سِيَاسَةً وَدَوْلَةً لَا حَقِيقَةَ لَهُ.
পৃষ্ঠা - ৯১৭৭
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمَهْدِيَّ هَذَا كَتَبَ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ الْقِرْمِطِيِّ يَلُومُهُ عَلَى فِعْلِهِ بِمَكَّةَ، حَيْثُ سَلَّطَ النَّاسَ عَلَى الْكَلَامِ فِي عِرْضِهِمْ، وَانْكَشَفَتْ أَسْرَارُهُمُ الَّتِي كَانُوا يُبْطِنُونَهَا بِمَا ظَهَرَ مِنْ صَنِيعِهِمْ هَذَا الْقَبِيحَ، وَأَمَرَهُ بِرَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنْهَا، وَعَوْدِهِ إِلَيْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أُسِرَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَيْدِي الْقَرَامِطَةِ، فَمَكَثَ فِي أَيْدِيهِمْ مُدَّةً، ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَحْكِي أَنَّ الَّذِي أَسَرَهُ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فِي أَشَقِّ الْخِدْمَةِ وَأَشَدِّهَا، وَكَانَ يُعَرْبِدُ عَلَيْهِ إِذَا سَكِرَ، فَقَالَ لِي ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ سَكْرَانُ: مَا تَقَولُ فِي مُحَمَّدِكُمْ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ: كَانَ رَجُلًا سَائِسًا. ثُمَّ قَالَ: مَا تَقَولُ فِي أَبِي بَكْرٍ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: كَانَ ضَعِيفًا مَهِينًا، وَكَانَ عُمَرُ فَظًّا غَلِيظًا، وَكَانَ عُثْمَانُ جَاهِلًا أَحْمَقَ، وَكَانَ عَلِيٌّ مُمَخْرَقًا، أَلَيْسَ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يُعَلِّمُهُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ فِي صَدْرِهِ مِنَ الْعِلْمِ؟ أَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّمَ هَذَا كَلِمَةً وَهَذَا كَلِمَةً؟ ثُمَّ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ مَخْرَقَةٌ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ لِي: لَا تُخْبِرْ بِهَذَا الَّذِي قُلْتُهُ لَكَ أَحَدًا. رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُنْتَظَمِهِ ". وَرَوَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَوْمَ اقْتُلِعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ وَهُوَ سَكْرَانُ، رَاكِبٌ عَلَى فَرَسِهِ، فَصَفَّرَ لَهَا حَتَّى بَالَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي مَكَانِ الطَّوَافِ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَ إِلَى جَانِبِي فَقَتَلَهُ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৮
ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا حَمِيرُ، أَلَيْسَ قُلْتُمْ فِي بَيْتِكُمْ هَذَا {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] فَأَيْنَ الْأَمْنُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَتَسْمَعُ جَوَابًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ: فَأَمِّنُوهُ. قَالَ: فَثَنَى رَأْسَ فَرَسِهِ وَانْصَرَفَ. وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُهُمْ هَاهُنَا سُؤَالًا فَقَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - وَكَانُوا نَصَارَى، وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْهُمْ - مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حَيْثُ يَقُولُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 1] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، بَلْ وَمِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، فَهَلَّا عُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا عُوجِلَ أَصْحَابُ الْفِيلِ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ إِنَّمَا عُوقِبُوا إِظْهَارًا لِشَرَفِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَلِمَا يُرَادُ بِهِ مِنَ التَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ بِإِرْسَالِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ هَذَا الْبَيْتُ فِيهِ ; لِيُعْلَمَ شَرَفُ هَذَا الرَّسُولِ الْكَرِيمِ الَّذِي هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ هَؤُلَاءِ إِهَانَةَ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرَادُ تَشْرِيفُهَا عَمَّا قَرِيبٍ، أَهْلَكَهُمْ سَرِيعًا عَاجِلًا، غَيْرَ آجِلٍ، كَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَالْعِلْمِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ اللَّهِ بِشَرَفِ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَكْبَرِ الْمُلْحِدِينَ الْكَافِرِينَ ; بِمَا تَبَيَّنَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ
পৃষ্ঠা - ৯১৭৯
رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجِ الْحَالُ إِلَى مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ، بَلْ أَخَّرَهُمُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُمْهِلُ وَيُمْلِي وَيَسْتَدْرِجُ، ثُمَّ يَأْخُذُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لِيُمْلِيَ لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ; إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42] وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196] [لُقْمَانَ: 24] وَقَالَ: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 70] . وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبَغْدَادَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْحَنْبَلِيِّ وَبَيْنَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَامَّةِ، اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] فَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى، فَاقْتَتَلُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَقُتِلَ بَيْنَهُمْ
পৃষ্ঠা - ৯১৮০
قَتْلَى، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى، يُشَفَّعُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ يَأْتِيَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِالْمَوْصِلِ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاشِ، وَانْتَشَرَتْ، وَكَثُرَ أَهْلُ الشَّرِّ فِيهَا وَاسْتَظْهَرُوا، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ شُرُورٌ، ثُمَّ سَكَنَتْ. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ بَيْنَ بَنِي سَامَانَ وَأَمِيرِهِمْ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُلَقَّبِ بِالسَّعِيدِ. وَخَرَجَ فِي شَعْبَانَ خَارِجِيٌّ بِالْمَوْصِلِ، وَخَرَجَ آخَرُ بِالْبَوَازِيجِ، فَقَاتَلَهُمْ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَتَّى سَكَنَ شَرُّهُمْ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُمْ. وَفِيهَا الْتَقَى مُفْلِحٌ السَّاجِيُّ وَمَلِكُ الرُّومِ الدُّمُسْتُقُ، فَهَزَمَهُ مُفْلِحٌ وَطَرَدَ وَرَاءَهُ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ بِبَغْدَادَ، تَحْمِلُ رَمْلًا أَحْمَرَ يُشْبِهُ رَمْلَ أَرْضِ الْحِجَازِ، فَامْتَلَأَتْ مِنْهُ الْبُيُوتُ.
পৃষ্ঠা - ৯১৮১
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ شُقَيْرٍ أَبُو بَكْرٍ النَّحْوِيُّ كَانَ عَالِمًا بِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَلَهُ فِيهِ تَصَانِيفُ. أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمَ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ، أَنْفَقَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْوِي إِلَى فِرَاشٍ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِسَنَدِهِ عَنْهُ، أَنَّهُ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي قَدِ امْتُحِنْتُ بِمِحْنَةٍ، أُكْرِهْتُ عَلَى الزِّنَى وَأَنَا حُبْلَى مِنْهُ، وَقَدْ تَسَتَّرْتُ بِكَ وَزَعَمْتُ أَنَّكَ زَوْجِي، وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْكَ، فَاسْتُرْنِي سَتَرَكَ اللَّهُ وَلَا تَفْضَحْنِي. فَسَكَتَ عَنْهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَنِي أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَإِمَامُ مَسْجِدِهِمْ يُهَنِّئُونَنِي بِالْوَلَدِ، فَأَظْهَرْتُ الْبِشْرَ، وَبَعَثْتُ فَاشْتَرَيْتُ بِدِينَارَيْنِ شَيْئًا حُلْوًا وَجَعَلْتُ أُرْسِلُ إِلَيْهَا مَعَ إِمَامِ الْمَسْجِدِ كُلَّ شَهْرٍ دِينَارَيْنِ صِفَةَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَأَقُولُ: أَقْرِئْهَا مِنِّي السَّلَامَ، فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي مَا فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا. فَمَكَثَتْ كَذَلِكَ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلُودُ، فَجَاءُونِي يُعَزُّونَنِي فِيهِ، فَأَظْهَرْتُ التَّغَمُّمَ وَالْحُزْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَتْنِي الْمَرْأَةُ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي كُنْتُ أُرْسِلُ بِهَا إِلَيْهَا قَدْ جَعَلَتْهَا عِنْدَهَا، فَقَالَتْ لِي: سَتَرَكَ اللَّهُ وَجَزَاكَ خَيْرًا، وَهَذِهِ الدَّنَانِيرُ الَّتِي كُنْتَ تُرْسِلُ بِهَا. فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ، إِنِّي إِنَّمَا كُنْتُ