পৃষ্ঠা - ৯০৪০
[سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُوَّادِ وَالْجُنْدِ عَلَى خَلْعِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ وَتَوْلِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ الْخِلَافَةَ عِوَضًا عَنْهُ، فَأَجَابَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْفَكُ بِسَبَبِهِ دَمٌ، وَكَانَ الْمُقْتَدِرُ قَدْ خَرَجَ لِلَّعِبِ بِالصَّوَالِجَةِ فَقَصَدَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ، يُرِيدُ أَنْ يَفْتِكَ بِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُقْتَدِرُ الضَّجَّةَ بَادَرَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ فَأَغْلَقَهَا دُونَ الْجَيْشِ، وَاجْتَمَعَ الْقُوَّادُ وَالْأَعْيَانُ وَالْقُضَاةُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ، فَبَايَعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُعْتَزِّ وَخُوطِبَ بِالْخِلَافَةِ وَلُقِّبَ بِالْمُرْتَضِي بِاللَّهِ، وَقَالَ الصُّولِيُّ: إِنَّمَا لَقَّبُوهُ الْمُنْتَصِفَ بِاللَّهِ وَاسْتَوْزَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ دَاوُدَ وَبَعَثَ إِلَى الْمُقْتَدِرِ يَأْمُرُهُ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ لِيَنْتَقِلَ هُوَ إِلَيْهَا، فَأُجِيبَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَرَكِبَ الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ مِنَ الْغَدِ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ لِيَتَسَلَّمَهَا فَقَاتَلَهُ الْخَدَمُ وَمَنْ فِيهَا وَلَمْ يُسَلِّمُوهَا إِلَيْهِ وَهَزَمُوهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِ أَهْلِهِ وَبَعْضِ مَالِهِ إِلَّا بِالْجَهْدِ الْجَهِيدِ، فَلَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِمُ ارْتَحَلَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ فَتَفَرَّقَ نِظَامُ ابْنِ الْمُعْتَزِّ وَجَمَاعَتِهِ فَأَرَادَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى سَامَرَّا
পৃষ্ঠা - ৯০৪১
لِيَنْزِلَهَا فَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ فَدَخَلَ دَارَ ابْنِ الْجَصَّاصِ فَاسْتَجَارَ بِهِ، وَوَقَعَ النَّهْبُ فِي الْبَلَدِ وَاخْتَبَطَ النَّاسُ وَبَعَثَ الْمُقْتَدِرُ إِلَى أَصْحَابِ ابْنِ الْمُعْتَزِّ فَقَبَضَ عَلَيْهِمْ وَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ وَأَعَادَ ابْنَ الْفُرَاتِ إِلَى الْوِزَارَةِ فَجَدَّدَ الْبَيْعَةَ لِلْمُقْتَدِرِ وَأَرْسَلَ إِلَى دَارِ ابْنِ الْجَصَّاصِ فَكَبَسهَا وَأَحْضَرَ ابْنَ الْمُعْتَزِّ وَابْنَ الْجَصَّاصِ فَصَادَرَ ابْنَ الْجَصَّاصِ بِمَالٍ جَزِيلٍ جِدًّا، يُقَالُ: إِنَّهُ وَزَنَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَاعْتَقَلَ ابْنَ الْمُعْتَزِّ فَلَمَّا دَخَلَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ لَيْلَتَانِ ظَهَرَ لِلنَّاسِ مَوْتُهُ وَأُخْرِجَتْ جُثَّتُهُ فَسُلِّمَتْ إِلَى أَهْلِهِ فَدُفِنَ، وَصَفَحَ الْمُقْتَدِرُ عَنْ بَقِيَّةِ مَنْ بَقِيَ فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ حَتَّى لَا تَفْسَدَ نِيَّاتُ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يُعْرَفُ خَلِيفَةٌ خُلِعَ ثُمَّ أُعِيدَ سِوَى الْأَمِينِ وَالْمُقْتَدِرِ.
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَقَطَ بِبَغْدَادَ ثَلْجٌ عَظِيمٌ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى الْأَسْطِحَةِ مِنْهُ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَهَذَا يُسْتَغْرَبُ فِي بَغْدَادَ جِدًّا وَلَمْ تَخْرُجِ السَّنَةُ حَتَّى خَرَجَ النَّاسُ لِلِاسْتِسْقَاءِ مِنْ تَأَخُّرِ الْمَطَرِ عَنْ أَيَّامِهِ.
وَفِي شَعْبَانَ مِنْهَا خُلِعَ عَلَى مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ وَأُمِرَ بِالْمَسِيرِ إِلَى طَرَسُوسَ لِغَزْوِ الرُّومِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمَرَ الْمُقْتَدِرُ بِأَنْ لَا يُسْتَخْدَمَ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي الدَّوَاوِينِ وَأُلْزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَأُمِرُوا بِلُبْسِ الْعَسَلِيِّ وَجَعْلِ الرِّقَاعِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
পৃষ্ঠা - ৯০৪২
لِيُعْرَفُوا بِهَا وَأَلْزِمُوا بِالذُّلِّ حَيْثُ كَانُوا.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيُّ وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ بِالطَّرِيقِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي عَتَّابٍ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ.
وَيُعَرَفُ بِأَخِي مَيْمُونٍ رَوَى عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ الطَّبَرَانِيُّ وَكَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ أَنْ يُحَدِّثَ وَإِنَّمَا يُسْمَعُ مِنْهُ فِي الْمُذَاكَرَاتِ، تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا.
أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ.
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ أَبُو بَكْرٍ الطَّائِيُّ الْأَثْرَمُ، تِلْمِيذُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، سَمِعَ عَفَّانَ وَأَبَا الْوَلِيدِ وَالْقَعْنَبِيَّ وَأَبَا نُعَيْمٍ وَخَلْقًا كَثِيرًا وَكَانَ حَاذِقًا صَادِقًا قَوِيَّ الذَّاكِرَةِ، كَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَقُولُ عَنْهُ: كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ جِنِّيًّا. لِسُرْعَةِ فَهْمِهِ وَحِفْظِهِ وَحِذْقِهِ، وَلَهُ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ فِي الْعِلَلِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ.
পৃষ্ঠা - ৯০৪৩
خَلَفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى.
أَبُو مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَكَانَ ظَرِيفًا، لَهُ ثَلَاثُونَ خَاتَمًا وَثَلَاثُونَ عُكَّازًا يَلْبَسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ خَاتَمًا وَيَأْخُذُ فِي يَدِهِ عُكَّازًا ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَكَانَ لَهُ سَوْطٌ مُعَلَّقٌ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، يَقُولُ: لِيَرْهَبَ الْعِيَالُ مِنْهُ
ابْنُ الْمُعْتَزِّ الشَّاعِرُ الَّذِي بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ بِاللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُعْتَصِمِ بِاللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّشِيدِ هَارُونَ، يُكَنَّى ابْنَ الْمُعْتَزِّ أَبَا الْعَبَّاسِ، الشَّاعِرُ الْهَاشِمِيُّ الْعَبَّاسِيُّ الْفَصِيحُ الْبَلِيغُ الْمُطْبِقُ، وَقُرَيْشٌ قَادَةُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ، وَقَدْ سَمِعَ الْمُبَرِّدَ وَثَعْلَبًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْحَكَمِ وَالْآدَابِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَنْفَاسُ الْحَيِّ خُطَاهُ. أَهْلُ الدُّنْيَا رَكْبٌ يُسَارُ بِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ. رُبَّمَا أَوْرَدَ الطَّمَعُ وَلَمْ يُصْدِرْ. رُبَّمَا شَرِقَ شَارِبُ الْمَاءِ قَبْلَ رِيِّهِ. مَنْ تَجَاوَزَ الْكَفَافَ لَمْ يُغْنِهِ الْإِكْثَارُ، كُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الْمُنَافَسِ فِيهِ عَظُمَتِ الْفَجِيعَةُ بِهِ. مَنِ ارْتَحَلَهُ الْحِرْصُ أَضْنَاهُ الطَّلَبُ. الْحِرْصُ يُنْقِصُ مِنْ قَدْرِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَزِيدُ فِي حَظِّهِ. أَشْقَى النَّاسِ أَقْرَبُهُمْ مِنَ
পৃষ্ঠা - ৯০৪৪
السُّلْطَانِ كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ إِلَى النَّارِ أَسْرَعُهَا احْتِرَاقًا. مَنْ شَارَكَ السُّلْطَانَ فِي عِزِّ الدُّنْيَا شَارَكَهُ فِي ذُلِّ الْآخِرَةِ. يَكْفِيكَ مِنَ الْحَاسِدِ أَنَّهُ يَغْتَمُّ وَقْتَ سُرُورِكَ. الْفُرْصَةُ سَرِيعَةُ الْفَوْتِ بَعِيدَةُ الْعَوْدِ. الْأَسْرَارُ إِذَا كَثُرَ خُزَّانُهَا ازْدَادَتْ ضَيَاعًا. الْعَزْلُ يَضْحَكُ مِنْ تِيهِ الْوِلَايَةِ. الْجَزَعُ أَتَعَبُ مِنَ الصَّبْرِ. لَا تَشِنْ وَجْهَ الْعَفْوِ بِالتَّقْرِيعِ. تَرِكَةُ الْمَيِّتِ عِزٌّ لِلْوَرَثَةِ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ وَحِكَمِهِ.
وَمِنْ شِعْرِهِ فِي الْحِكَمِ مِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرَ قَوْلُهُ
سَابِقْ إِلَى مَالِكَ وُرَّاثَّهُ ... مَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا بِلَبَّاثِ
كَمْ صَامِتٍ يَخْنُقُ أَكْيَاسَهُ ... قَدْ صَاحَ فِي مِيزَانِ مِيرَاثِ
وَلَهُ أَيْضًا:
يا ذَا الْغِنَى وَالسَّطْوَةِ الْقَاهِرَهْ ... وَالدَّوْلَةِ النَّاهِيَةِ الْآمِرَهْ
وَيَا شَيَاطِينَ بَنِي آدَمَ ... وَيَا عَبِيدَ الشَّهْوَةِ الْفَاجِرَهْ
انْتَظِرُوا الدُّنْيَا فَقَدِ أَقْرَبَتْ ... وَعَنْ قَلِيلٍ تَلِدُ الْآخِرَهْ
وَلَهُ أَيْضًا:
পৃষ্ঠা - ৯০৪৫
ابْكِ يا نَفْسُ وَهَاتِي ... تَوْبَةً قَبْلَ الْمَمَاتِ
قَبْلَ أَنْ يَفْجَعَنَا الدَّهْ ... رُ بِبَيْنٍ وَشَتَاتِ
لَا تَخُونِينِي إِذَا مِ ... تُّ وَقَامَتْ بِي نُعَاتِي
إِنَّمَا الْوَافِي بِعَهْدِي ... مَنْ وَفَى بَعْدَ وَفَاتِي
قَالَ الصُّولِيُّ: نَظَرَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ الْخَلِيفَةِ إِلَى جَارِيَةٍ فَأَعْجَبَتْهُ فَمَرِضَ مِنْ حُبِّهَا فَدَخَلَ أَبُوهُ عَلَيْهِ عَائِدًا، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَيُّهَا الْعَاذِلُونَ لَا تَعْذِلُونِي ... وَانْظُرُوا حُسْنَ وَجْهِهَا تَعْذُرُونِي
وَانْظُرُوا هَلْ تَرَوُنَ أَحْسَنَ مِنْهَا ... إِنْ رَأَيْتُمْ شَبِيهَهَا فَاعْذِلُونِي
قَالَ: فَفَحَصَ أَبُوهُ عَنِ الْقَضِيَّةِ وَاسْتَعْلَمَ خَبَرَ الْجَارِيَةِ ثُمَّ بَعَثَ إِلَى سَيِّدِهَا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بِسَبْعَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَبَعَثَهَا إِلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اجْتَمَعَ الْقُوَّادُ وَالْأَعْيَانُ وَالْقُضَاةُ عَلَى خَلْعِ الْمُقْتَدِرِ وَتَوْلِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُعْتَزِّ هَذَا، وَلُقِّبَ بِالْمُرْتَضِي وَالْمُنْتَصِفِ بِاللَّهِ فَمَا مَكَثَ فِي الْخِلَافَةِ إِلَّا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ غَالَبَ الْمُقْتَدِرُ وَقَتَلَ عَامَّةَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَاعْتَقَلَهُ فِي دَارِ السُّلْطَانِ، وَوَكَلَ بِهِ يُونُسَ الْخَادِمَ، فَقُتِلَ فِي أَوَائِلِ رَبِيعٍ الْآخَرِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أَنْشَدَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ حَيَاتِهِ:
পৃষ্ঠা - ৯০৪৬
يَا نَفْسُ صَبْرًا لَعَلَّ الْخَيْرَ عُقْبَاكِ ... خَانَتْكَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْأَمْنِ دُنْيَاكِ
مَرَّتْ بِنَا سَحَرًا طَيْرٌ فَقُلْتُ لَهَا ... طُوبَاكِ يَا لَيْتَنِي إِيَّاكِ طُوبَاكِ
إِنْ كَانَ قَصْدُكِ شَرْقًا فَالسَّلَامُ عَلَى ... شَاطِي الصَّرَاةِ ابْلِغِي إِنْ كَانَ مَسْرَاكِ
مِنْ مُوثَقٍ بِالْمَنَايَا لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَبْكِي الدِّمَاءَ عَلَى إِلْفٍ لَهُ بَاكِي
فَرُبَّ آمِنَةٍ جَاءَتْ مَنِيَّتُهَا ... وَرُبَّ مُفْلِتَةٍ مِنْ بَيْنِ أَشْرَاكِ
أَظُنُّهُ آخِرَ الْأَيَّامِ مِنْ عُمُرِي ... وَأَوْشَكَ الْيَوْمَ أَنْ يَبْكِي لِيَ الْبَاكِي
وَلَمَّا قُدِّمَ لِيُقْتَلَ أَنْشَأَ يَقُولُ:
فَقُلْ لْلشَّامِتِينَ بِنَا رُوَيْدًا ... أَمَامَكُمُ الْمَصَائِبُ وَالْخُطُوبُ
هُوَ الدَّهْرُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ أَنْ ... يَكُونَ إِلَيْكُمُ مِنْهُ ذُنُوبُ
ثُمَّ كَانَ ظُهُورُ قَتْلِهِ لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً، مِنْهَا: " طَبَقَاتُ الشُّعَرَاءِ " وَكِتَابُ " أَشْعَارِ الْمُلُوكِ " وَكِتَابُ " الْآدَابِ " وَكِتَابُ " الْبَدِيعِ " وَكِتَابٌ فِي الْغِنَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ خَلَعُوا الْمُقْتَدِرَ وَبَايَعُوهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَمَزَّقَ شَمْلُهُ وَاخْتَفَى فِي بَيْتِ ابْنِ الْجَصَّاصِ الْجَوْهَرِىِّ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِ فَقُتِلَ وَصُودِرَ ابْنُ الْجَصَّاصِ بِأَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ وَبَقِيَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ.
قِيلَ: وَكَانَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ مَسْنُونَ الْوَجْهِ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ عَاشَ خَمْسِينَ
পৃষ্ঠা - ৯০৪৭
سَنَةً وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ وَأَشْعَارِهِ رَحِمَهُ اللِّهُ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَبِيبٍ.
أَبُو حُصَيْنٍ الْوَادِعِيُّ الْقَاضِي صَاحِبُ " الْمُسْنَدِ " مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَدِمَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الْيَرْبُوعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَجَنْدَلِ بْنِ وَالِقٍ، وَعَنْهُ ابْنُ صَاعِدٍ وَالنَّجَّادُ وَالْمَحَامِلِيُّ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ثِقَةً تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَاتِبُ عَمُّ الْوَزِيرِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ الْخُلَفَاءِ، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي ذَلِكَ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ وَغَيْرِهِ. كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا عَنْ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ৯০৪৮
[سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا غَزَا الْقَاسِمُ بْنُ سِيمَا الصَّائِفَةَ وَفَادَى مُؤْنِسٌ الْخَادِمٌ الْأُسَارَى الَّذِينَ بِأَيْدِي الرُّومِ.
وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ رَأَى فِي أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ بِبَغْدَادَ امْرَأَةً بِلَا ذِرَاعَيْنِ وَلَا عَضُدَيْنِ وَإِنَّمَا كَفَّاهَا مُلْصَقَانِ بِكَتِفَيْهَا لَكِنْ لَا تَعْمَلُ بِهِمَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِرِجْلَيْهَا مَا تَعْمَلُهُ النِّسَاءُ بِأَيْدِيهنَّ مِنَ الْغَزَلِ وَمَشْطِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَتَأَخَّرَتِ الْأَمْطَارُ عَنْ بَغْدَادَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَارْتَفَعَتِ الْأَسْعَارُ بِهَا وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى جَاءَهَا سَيْلٌ عَظِيمٌ بِحَيْثُ إِنَّ أَرْكَانَ الْبَيْتِ غَرِقَتْ مِنَ السُّيُولِ، وَإِنَّ زَمْزَمَ فَاضَتْ وَلَمْ يُرَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيُّ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفَّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ.
أَبُو بَكْرٍ الْفَقِيهُ ابْنُ الْفَقِيهِ الظَّاهِرِيُّ ابْنُ
পৃষ্ঠা - ৯০৪৯
الظَّاهِرِيِّ كَانَ عَالِمًا بَارِعًا أَدِيبًا شَاعِرًا فَقِيهًا مَاهِرًا، وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ " الزُّهَرَةِ " اشْتَغَلَ عَلَى أَبِيهِ وَتَبِعَهُ فِي مَذْهَبِهِ وَمَا كَانَ يَسْلُكُهُ يَخْتَارُهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَيَرْتَضِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ وَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ.
قَالَ رُوَيْمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ دَاوُدَ إِذْ دَخَلَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ بَاكِيًا، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الصِّبْيَانَ يُلَقِّبُونَنِي عُصْفُورَ الشَّوْكِ، فَضَحِكَ أَبُوهُ فَاشْتَدَّ غَضَبُ وَلَدِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ أَضَرُّ عَلَيَّ مِنْهُمْ، فَضَمَّهُ أَبَوْهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا الْأَلْقَابُ إِلَّا مِنَ السَّمَاءِ مَا أَنْتَ يَا بُنَيَّ إِلَّا عُصْفُورُ الشَّوْكِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ أُجْلِسَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي مَكَانِهِ فِي الْحَلْقَةِ فَاسْتَصْغَرَهُ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ يَوْمًا عَنْ حَدِّ السُّكْرِ فَقَالَ: إِذَا عَزَبَتْ عَنْهُ الْهُمُومُ وَبَاحَ بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ. فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ ": وَقَدِ ابْتُلِيَ بِحُبِّ صَبِيٍّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَامِعٍ وَيُقَالُ مُحَمَّدُ بْنُ زُخْرُفٍ، فَاسْتَعْمَلَ الْعَفَافَ وَالدِّينَ فِي حُبِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ سَبَبُ وَفَاتِهِ فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا عَنْهُ:
পৃষ্ঠা - ৯০৫০
" «مَنْ عَشِقَ فَكَتَمَ فَعَفَّ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» " وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ كَانَ يُبِيحُ الْعِشْقَ بِشَرْطِ الْعَفَافِ.
وَحَكَى هُوَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَتَعَشَّقُ مُنْذُ كَانَ فِي الْكُتَّابِ وَأَنَّهُ صَنَّفَ كِتَابَ " الزُّهَرَةِ " فِي ذَلِكَ مِنْ صِغَرِهِ، وَرُبَّمَا وَقَفَ أَبُوهُ دَاوُدُ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ، وَكَانَ يَتَنَاظَرُ هُوَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ كَثِيرًا بِحَضْرَةِ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَيَعْجَبُ النَّاسُ مِنْ مُنَاظَرَتِهِمَا وَحُسْنِهَا. وَقَدْ قَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ يَوْمًا فِي مُنَاظَرَتِهِ: أَنْتَ بِكِتَابِ " الزُّهَرَةِ " أَشْهَرُ مِنْكَ بِهَذَا. فَقَالَ لَهُ: تُعَيِّرُنِي بِكِتَابِ " الزُّهَرَةِ " وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءَتَهُ وَهُوَ كِتَابٌ جَمَعْنَاهُ هَزْلًا فَاجْمَعْ أَنْتَ مِثْلَهُ جِدًّا.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: كُنْتُ يَوْمًا أَنَا وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ رَاكِبَيْنَ: فَإِذَا جَارِيَةٌ تُغَنِّي بِشَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ:
أَشْكُو عَلِيلَ فُؤَادٍ أَنْتَ مُتْلِفَهُ ... شَكْوَى عَلِيلٍ إِلَى إِلْفٍ يُعَلِّلُهُ
سُقْمِي تَزِيدُ عَلَى الْأَيَّامِ كَثْرَتُهُ ... وَأَنْتَ فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تُقَلِّلُهُ
اللَّهُ حَرَّمَ قَتْلِي فِي الْهَوَى أَسَفًا ... وَأَنْتَ يَا قَاتِلِي ظُلْمًا تُحَلِّلُهُ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ: كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى اسْتِرْجَاعِ هَذَا؟ فَقُلْتُ:
পৃষ্ঠা - ৯০৫১
هَيْهَاتَ سَارَتْ بِهِ الرُّكْبَانُ.
كَانَتْ وَفَاةُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَجَلَسَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَعَزَاهُ وَقَالَ: مَا آسَى إِلَّا عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أَكَلَ لِسَانَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ ابْنُ صَاعِدٍ وَالْخُلْدِيُّ وَالْبَاغَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ كِتَابٌ فِي التَّارِيخِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ وَقَدْ وَثَّقَهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ وَغَيْرُهُ وَكَذَّبَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَقَالَ: هُوَ كَذَّابٌ بَيِّنُ الْأَمْرِ. وَتَعَجَّبَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْهُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ مِنْ بَيْتِ الْإِمَارَةِ وَالْحِشْمَةِ، بَاشَرَ نِيَابَةَ الْعِرَاقِ مُدَّةً ثُمَّ خُرَاسَانَ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ يَعْقُوبُ بْنُ اللَّيْثِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ فَأَسَرَهُ، وَبَقِيَ مَعَهُ يَطُوفُ بِهِ فِي الْآفَاقِ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ نَجَا فِي بَعْضِ الْوَقَعَاتِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِبَغْدَادَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
পৃষ্ঠা - ৯০৫২
مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْصَارِىُّ الْخَطْمِىُّ مَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ سَمِعَ أَبَاهُ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْجَعْدِ وَغَيْرَهُمْ وَحَدَّثَ عَنْهُ النَّاسُ وَهُوَ شَابٌّ، وَقَرَءُوا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَكَانَ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَوَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ وَالْأَهْوَازِ، وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا نَبِيلًا عَفِيفًا فَصِيحًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ، تُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالِدُ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ، مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، قَاتِلِ الْحَلَّاجِ وَكَانَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ هَذَا مِنْ أَكَابِرِ الْقُضَاةِ وَأَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ وَسَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ وَعَمْرَو بْنَ مَرْزُوقٍ وَهُدْبَةَ وَمُسَدَّدًا، وَغَيْرَهُمْ. وَكَانَ ثِقَةً، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَوَاسِطَ وَالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ وَكَانَ ثِقَةً نَزِهًا عَفِيفًا شَدِيدَ الْحُرْمَةِ جَاءَهُ يَوْمًا بَعْضُ خَدَمِ الْخَلِيفَةِ الْمُعْتَضِدِ فَرُفِعَ فِي الْمَجْلِسِ، فَأَمَرَهُ حَاجِبُ الْقَاضِي أَنْ يُسَاوِيَ خَصْمَهُ، فَامْتَنَعَ إِدْلَالًا بِجَاهِهِ عِنْدَهُ فَنَهَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ: ائْتُونِي بِدَلَّالِ النَّخْسِ حَتَّى أَبِيعَ هَذَا الْعَبْدَ وَأَبْعَثَ بِثَمَنِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَجَاءَ حَاجِبُ الْقَاضِي، فَأَخْذَهُ بِيَدِهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَ خَصْمِهِ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْحُكُومَةُ
পৃষ্ঠা - ৯০৫৩
رَجَعَ الْخَادِمُ إِلَى الْمُعْتَضِدِ فَبَكَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْقَاضِي فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ بَاعَكَ لَأَجَزْتُ بَيْعَهُ وَلَمَا اسْتَرْجَعْتُكَ أَبَدًا، فَلَيْسَ خُصُوصِيَّتُكَ عِنْدِي تُزِيلُ مَرْتَبَةَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ عَمُودُ السُّلْطَانِ وَقِوَامُ الْأَدْيَانِ. كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
পৃষ্ঠা - ৯০৫৪
[سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا قَدِمَ الْقَاسِمُ بْنُ سِيمَا مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَالْعُلُوجُ بِأَيْدِيهِمْ أَعْلَامٌ عَلَيْهَا صُلْبَانٌ مِنْ ذَهَبٍ وَخَلْقٌ مِنَ الْأُسَارَى.
وَفِيهَا قَدِمَتْ هَدَايَا مِنْ نَائِبِ خُرَاسَانَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ السَّامَانِىِّ مِنْ ذَلِكَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ غُلَامًا بِمَرَاكِبِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَخَمْسُونَ بَازِيًّا وَخَمْسُونَ جَمَلًا تَحْمِلُ مِنْ مُرْتَفِعِ الثِّيَابَ وَخَمْسُونَ رِطْلًا مِنْ مِسْكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِيهَا فُلِجَ الْقَاضِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، فَقُلِّدَ مَكَانَهُ عَلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَالْكَرْخِ ابْنَهُ مُحَمَّدٌ.
وَفِي شَعْبَانَ مِنْهَا أُخِذَ رَجُلَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا أَبُو كَثِيرَةَ وَالْآخَرُ يُعْرَفُ بِالشِّمْرِيِّ فَذَكَرَا أَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَنَّهُ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ.
وَفِيهَا وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الرُّومَ قَصَدَتِ اللَّاذِقِيَّةَ.
পৃষ্ঠা - ৯০৫৫
وَفِيهَا وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ رِيحًا صَفْرَاءَ هَبَّتْ بِحَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ فَمَاتَ مِنْ حَرِّهَا بِشَرٌ كَثِيرٌ.
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ الْفَضْلُ الْهَاشِمِيُّ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ:
ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ.
الزِّنْدِيقُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ، أَحَدُ مَشَاهِيرِ الزَّنَادِقَةِ الْمُلْحِدِينَ - عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ - كَانَ أَبُوهُ يَهُودِيًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ حَرَّفَ فِي التَّوْرَاةِ كَمَا عَادَى ابْنُهُ الْقُرْآنَ بِالْقُرْآنِ وَأَلْحَدَ فِيهِ، وَصَنَّفَ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى الْقُرْآنِ سَمَّاهُ " الدَّامِغَ " وَكِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا سَمَّاهُ " الزُّمُرُّدَ " وَلَهُ كِتَابُ " التَّاجِ " فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَلَهُ كِتَابُ " الْفَرِيدِ " وَكِتَابُ " إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ ".
وَقَدِ انْتَصَبَ لِلرَّدِّ عَلَى كُتُبِهِ هَذِهِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْجُبَّائِيُّ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي زَمَانِهِ وَقَدْ أَجَادَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ
পৃষ্ঠা - ৯০৫৬
أَبُو هَاشِمٍ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ: قَرَأْتُ كِتَابَ الْمُلْحِدِ الْجَاهِلِ السَّفِيهِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ فِلْمْ أَجِدْ فِيهِ إِلَّا السَّفَهَ وَالْكَذِبَ وَالِافْتِرَاءَ.
قَالَ: وَقَدْ وَضَعَ كِتَابًا فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَنَفْيِ الصَّانِعِ وَتَصْحِيحِ مَذْهَبِ الدَّهْرِيَّةِ وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَوَضَعَ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ، وَطَعَنَ عَلَى الْقُرْآنِ وَوَضَعَ كِتَابًا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَفَضَّلَ دِينَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، يَحْتَجُّ لَهُمْ فِيهَا عَلَى إِبْطَالِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي تُبَيِّنُ خُرُوجَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، نَقَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْهُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " مُنْتَظَمِهِ " طَرَفًا مِنْ كَلَامِهِ وَزَنْدَقَتِهِ وَطَعْنِهِ عَلَى الْآيَاتِ وَالشَّرِيعَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَقَلُّ وَأَخَسُّ وَأَذَلُّ مِنْ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ وَإِلَى جَهْلِهِ وَكَلَامِهِ وَهَذَيَانِهِ وَسَفَهِهِ وَخِذْلَانِهِ وَتَمْوِيهِهِ وَتَرْوِيجِهِ وَطُغْيَانِهِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ حِكَايَاتٍ مِنَ الْمَسْخَرَةِ وَالِاسْتِهْتَارِ وَالْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ، مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُفْتَعَلٌ عَلَيْهِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ وَعَلَى طَرِيقِهِ وَمَسْلَكِهِ
পৃষ্ঠা - ৯০৫৭
فِي الْكُفْرِ وَالتَّسَتُّرِ بِالْمَسْخَرَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65]
[التَّوْبَةِ: 65، 66] .
وَقَدْ كَانَ أَبُو عِيسَى الْوَرَّاقُ مُصَاحِبًا لِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ - قَبَّحَهُمَا اللَّهُ - فَلَمَّا عَلِمَ النَّاسُ بِأَمْرِهِمَا طَلَبَ السُّلْطَانُ أَبَا عِيسَى، فَأُودِعَ السِّجْنَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَأَمَّا ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ فَهَرَبَ وَلَجَأَ إِلَى ابْنِ لَاوِي الْيَهُودِيِّ وَصَنَّفَ لَهُ فِي مُدَّةِ مُقَامِهِ عَنْهُ كِتَابَهُ الَّذِي سَمَّاهُ " الدَّامِغَ لِلْقُرْآنِ " فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً حَتَّى مَاتَ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ أُخِذَ وَصُلِبَ.
قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ: وَرَأَيْتُ فِي كِتَابٍ مُحَقَّقٍ أَنَّهُ عَاشَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً مَعَ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنَ التَّوَغُّلِ فِي الْمَخَازِي، لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُ وَلَا رَحِمَ عِظَامَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " الْوَفَيَاتِ " وَدَلَّسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِشَيْءٍ وَلَا كَأَنَّ الْكَلْبَ أَكَلَ لَهُ عَجِينًا عَلَى عَادَتِهِ فِي الْعُلَمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ، فَالشُّعَرَاءُ يُطِيلُ تَرَاجِمَهُمْ، وَالْعُلَمَاءُ يَذْكُرُ لَهُمْ تَرْجَمَةً يَسِيرَةً،
পৃষ্ঠা - ৯০৫৮
وَالزَّنَادِقَةُ يَتْرُكُ ذِكْرَ زَنْدَقَتِهِمْ وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَدْ وَهِمَ وَهْمًا فَاحِشًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَوَفَّى فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا أَرَّخَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ.
الْجُنَيْدُ شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ أَبُو الْقَاسِمِ الْخَزَّازُ وَيُقَالُ الْقَوَارِيرِيُّ أَصْلُهُ مِنْ نَهَاوَنْدَ وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَنَشَأَ بِهَا وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ وَتَفَقَّهَ بِأَبَى ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الْكَلْبِيٍّ وَكَانَ يُفْتِي بِحَضْرَتِهِ وَعُمُرُهُ عِشْرُونَ سَنَةً وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " وَاشْتُهِرَ بِصُحْبَةِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيِّ وَخَالِهِ سَرِيٍّ السَّقَطِيِّ وَلَازَمَ التَّعَبُّدَ، وَتَكَلَّمَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّصَوُّفِ وَكَانَ وِرْدُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةِ رَكْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ وَمَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَأْوِي إِلَى فِرَاشٍ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَعْرِفُ سَائِرَ فُنُونِ الْعِلْمِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ৯০৫৯
وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ رَفَقْتَ بِنَفْسِكَ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ إِلَى ذَلِكَ مِنِّي الْآنَ وَهَذَا أَوَانُ طَيِّ صَحِيفَتِي.
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ، وَيُقَالُ: كَانَ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَصْحَبُهُ وَيُلَازِمُهُ.
قَالَ: وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ عَنِ الْعَارِفِ، فَقَالَ: مِنْ نَطَقَ عَنْ سِرِّكَ وَأَنْتَ سَاكِتٌ وَكَانَ يَقُولُ: مَذْهَبُنَا هَذَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ وَيَكْتُبِ الْحَدِيثَ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي مَذْهَبِنَا وَطَرِيقَتِنَا. وَرَأَى بَعْضُهُمْ مَعَهُ سُبْحَةً، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مَعَ شَرَفِكَ تَتَّخِذُ سُبْحَةً؟ فَقَالَ: طَرِيقٌ وَصَلْتُ بِهِ إِلَى اللَّهِ لَا أُفَارِقُهُ.
পৃষ্ঠা - ৯০৬০
وَقَالَ لَهُ خَالُهُ السِّرِيُّ السَّقَطِيُّ: تَكَلَّمْ عَلَى النَّاسِ فَلَمْ يَرَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ مَوْضِعًا، فَرَأَى فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: تَكَلَّمْ عَلَى النَّاسِ، فَغَدَا عَلَى خَالِهِ فَقَالَ لَهُ خَالُهُ: لَمْ تُصَدِّقْنَا حَتَّى قِيلَ لَكَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَجَاءَهُ يَوْمًا شَابٌّ نَصْرَانِيٌّ فِي صُورَةِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» ؟ قَالَ: فَأَطْرَقْتُ ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: أَسْلِمْ فَقَدْ آنَ وَقْتُ إِسْلَامِكَ. قَالَ: فَأَسْلَمَ الْغُلَامُ.
وَقَالَ الْجُنَيْدُ: مَا انْتَفَعْتُ بِشَيْءٍ انْتِفَاعِي بِأَبْيَاتٍ سَمِعْتُهَا مِنْ جَارِيَةٍ تُغَنِّي بِهَا فِي غُرْفَةٍ وَهِيَ تَقُولُ:
إِذَا قُلْتُ أَهْدَى الْهَجْرُ لِي حُلَلَ الْبِلَى ... تَقُولِينَ لَوْلَا الْهَجْرُ لَمْ يَطِبِ الْحُبُّ
وَإِنْ قُلْتُ هَذَا الْقَلْبُ أَحْرَقَهُ الْجَوَى ... تَقُولِي بِنِيرَانِ الْجَوَى شَرُفَ الْقَلْبُ
وَإِنْ قُلْتُ مَا أَذْنَبْتُ قَالَتْ مُجِيبَةً ... حَيَاتُكَ ذَنْبٌ لَا يُقَاسُ بِهِ ذَنْبُ
قَالَ: فَصُعِقْتُ وَصِحْتُ فَخَرَجَ صَاحِبُ الدَّارِ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي مَا لَكَ؟ قُلْتُ: مِمَّا سَمِعْتُ.
فَقَالَ: هِيَ هِبَةٌ مِنِّي إِلَيْكَ، فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ، ثُمَّ زَوَّجْتُهَا لِرَجُلٍ، فَأَوْلَدَهَا وَلَدًا صَالِحًا حَجَّ عَلَى قَدَمَيْهِ ثَلَاثِينَ حِجَّةً.