আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১২০১১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْمَمَالِكِ الْإِسْلَامِيَّةِ - الْمَلِكُ النَّاصِرُ حَسَنٌ ابْنُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَقُضَاتُهُ بِمِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَائِبُهُ بِدِمَشْقَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أَمِيرُ عَلِيٌّ الْمَارِدَانِيُّ، وَقُضَاةُ الشَّامِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا غَيْرَ الْمَالِكِيِّ، فَإِنَّهُ عُزِلَ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ بِالْقَاضِي شَرَفِ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ، وَحَاجِبُ الْحُجَّابِ الْأَمِيرُ شِهَابِ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ، وَخَطِيبُ الْبَلَدِ، وَكَاتِبُ سِرِّهَا الْمَذْكُورَانِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ دَخَلَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أَمِيرُ عَلِيٌّ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى دِمَشْقَ مِنْ نِيَابَةِ حَلَبَ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَتَلَقَّوْهُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَحَمَلَتْ لَهُ الْعَامَّةَ الشُّمُوعَ فِي طُرُقَاتِ الْبَلَدِ، وَلَبِسَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ خِلْعَةَ الْحِجَابَةِ الْكَبِيرَةِ بِدِمَشْقَ عِوَضًا عَنْ نِيَابَةِ صَفَدَ. ، وَوَرَدَتْ كُتُبُ الْحُجَّاجِ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْهُ مُؤَرَّخَةً سَابِعَ عِشْرِينَ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ الْعُلَا - وَذَكَرُوا أَنَّ صَاحِبَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عَدَا عَلَيْهِ فِدَاوِيَّانِ عِنْدَ
পৃষ্ঠা - ১২০১২
لُبْسِهِ خِلْعَةَ السُّلْطَانِ، وَقْتَ دُخُولِ الْمَحْمَلِ إِلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، فَقَتْلَاهُ، فَعَدَتْ عَبِيدُهُ عَلَى الْحَجِيجِ الَّذِينَ هُمْ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ، فَنَهَبُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ وَخَرَجُوا، وَكَانُوا قَدْ أَغْلَقُوا أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ دُونَ الْجَيْشِ فَأُحْرِقَ بَعْضُهَا، وَدَخَلَ الْجَيْشُ السُّلْطَانِيُّ، فَاسْتَنْقَذُوا النَّاسَ مِنْ أَيْدِي الظَّالِمِينَ. وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ السَّبْتِ الْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى عَادَتِهِ، وَبَيْنَ يَدَيِ الْمَحْمَلِ الْفِدَاوِيَّانِ اللَّذَانِ قَتَلَا صَاحِبَ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ عَنْهُ أُمُورٌ شَنِيعَةٌ بَشِعَةٌ; مِنْ غُلُوِّهِ فِي الرَّفْضِ الْمُفْرِطِ، وَمِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ لَأَخْرَجَ الشَّيْخَيْنِ مِنَ الْحُجْرَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتٍ مُؤَدِّيَةٍ لِعَدَمِ إِيمَانِهِ، إِنْ صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سَادِسِ صَفَرٍ مُسِكَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ حَاجِبُ الْحُجَّابِ، وَوَلَدَاهُ الْأَمِيرَانِ، وَحُبِسُوا فِي الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، ثُمَّ سَافَرَ بِهِ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ جَارَبِكَ بَعْدَ أَيَّامٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَفِي رِجْلِ ابْنِ صُبْحٍ قَيْدٌ، وَذُكِرَ أَنَّهُ فُكَّ مِنْ رِجْلِهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَ عَشَرَ صَفَرٍ قَدِمَ نَائِبُ طَرَابُلُسَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ عَبْدُ الْغَنِيِّ، فَأُدْخِلَ الْقَلْعَةَ، ثُمَّ سَافَرَ بِهِ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُحْتَفِظًا بِهِ مُضَيِّقًا عَلَيْهِ، وَجَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ مَنْجَكَ سَافَرَ مِنْ صَفَدَ عَلَى الْبَرِيدِ مَطْلُوبًا إِلَى السُّلْطَانِ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَزَّةَ بَرِيدٌ وَاحِدٌ دَخَلَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ خَدَمِهِ التِّيهَ فَارًّا مِنَ السُّلْطَانِ، وَحِينَ وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى نَائِبِ غَزَّةَ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهِ فَأَعْجَزَهُ، وَتَفَارَطَ الْأَمْرُ.
পৃষ্ঠা - ১২০১৩
[مَسَّكُ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ الْمَارِدَانِيِّ نَائِبِ الشَّامِ] وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، رَكِبَ الْجَيْشُ إِلَى تَحْتِ الْقَلْعَةِ مُلْبِسِينَ، وَضُرِبَتِ الْبَشَائِرُ فِي الْقَلْعَةِ فِي نَاحِيَةِ الطَّارِمَةِ، وَجَاءَ الْأُمَرَاءُ بِالطَّبْلَخَانَاهْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَالْقَائِمُ بِأَعْبَاءِ الْأَمْرِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ الْحَاجِبُ، وَنَائِبُ السَّلْطَنَةِ دَاخِلَ دَارِ السَّعَادَةِ، وَالرُّسُلُ مُرَدَّدَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَيْشِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَحُمِلَ عَلَى سُرُوجٍ يَسِيرَةٍ مُحْتَاطًا عَلَيْهِ إِلَى نَاحِيَةِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَاسْتَوْحَشَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عِنْدَ بَابِ النَّصْرِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ رَحْمَةً لَهُ، وَأَسَفَةً عَلَيْهِ; لِدِيَانَتِهِ، وَقِلَّةِ أَذِيَّتِهِ، وَأَذِيَّةِ الرَّعِيَّةِ، وَإِحْسَانِهِ إِلَى الْعُلَمَاءِ، وَالْفُقَرَاءِ، وَالْقُضَاةِ. ثُمَّ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ احْتِيطَ عَلَى الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ; وَهُمُ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَيْبُغَا حَاجِّي أَحَدُ مُقَدَّمِي الْأُلُوفِ، وَالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُطْلِيجَا الدَّوَادَارُ أَحَدُ الْمُقَدَّمَيْنِ أَيْضًا، وَالْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أَيْدُغْمُشُ الْمَارِدَانِيُّ أَحَدُ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ حَضَرَ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ الْمَذْكُورَ، وَهُمْ جُلَسَاؤُهُ وَسُمَّارُهُ، وَالَّذِينَ بِسِفَارَتِهِ أُعْطُوا الْأَخْبَازَ، وَالطَّبْلَخَانَاهْ، وَالتَّقَادُمَ، فَرُفِعُوا إِلَى الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ مُعْتَقَلِينَ بِهَا مَعَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْأَمِيرَ عَلِيًّا رُدَّ مِنَ الطَّرِيقِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ غَزَّةَ، وَأُرْسِلَ إِلَيْهِ بِتَقْلِيدِ نِيَابَةِ صَفَدَ الْمَحْرُوسَةِ، فَتَمَاثَلَ الْحَالُ، وَفَرِحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَأَحْبَابُهُ، وَقَدِمَ مُتَسَلِّمُ نَائِبِ دِمَشْقَ
পৃষ্ঠা - ১২০১৪
الَّذِي خُلِعَ عَلَيْهِ بِنِيَابَتِهَا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ سَادِسَ عَشَرَ شَهْرِ رَجَبٍ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ مِرَارًا، وَبَاسَ الْأَرْضَ مِرَارًا، فَلَمْ يُعْفِهِ السُّلْطَانُ; وَهُوَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَسَنْدَمُرُ أَخُو يَلْبُغَا الْيَحْيَاوِيِّ، الَّذِي كَانَ نَائِبَ الشَّامِ، وَبِنْتُهُ الْيَوْمَ زَوْجَةُ السُّلْطَانِ، قَدِمَ مُتَسَلِّمُهُ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الْخَمِيسَ سَلْخَ الشَّهْرِ، فَنَزَلَ فِي دَارِ السَّعَادَةِ، وَرَاحَ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَالتَّوَدُّدِ إِلَيْهِ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ الضِّيَافَاتُ، وَالتَّقَادُمُ. [كَائِنَةٌ وَقَعَتْ بِقَرْيَةِ حَوْرَانَ فَأَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسًا شَدِيدًا] فِي هَذَا الشَّهْرِ الشَّرِيفِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَشْهَرُ أَهْلِ قَرْيَةٍ بِحَوْرَانَ، وَهِيَ خَاصٌّ لِنَائِبِ الشَّامِ وَهُمْ حَلَبِيَّةُ يَمَنٍ، وَيُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَبْسَهْ، وَبَنِي نَاشِي، وَهِيَ حَصِينَةٌ مَنِيعَةٌ، يَضْوِي إِلَيْهَا كُلُّ مُفْسِدٍ، وَقَاطِعٍ، وَمَارِقٍ، وَلَجَأَ إِلَيْهِمْ أَحَدُ شَيَاطِينِ رُوسِ الْعَشِيرِ، وَهُوَ عُمَرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّنِيطِ، فَأَعَدُّوا عُدَدًا كَثِيرَةً، وَنَهَبُوا لِيَغْنَمُوا الْعَشِيرَ، وَفِي هَذَا الْحِينِ بَدَرَهُمْ وَالِي الْوُلَاةِ الْمَعْرُوفُ بِشَنْكَلَ مَنْكَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِمْ لِيَرُدَّهُمْ، وَيَهْدِيَهُمْ، وَطَلَبَ مِنْهُمْ عُمَرَ الدُّنِيطَ فَأَبَوْا عَلَيْهِ، وَرَامُوا مُقَاتَلَتَهُ، وَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، فَتَأَخَّرَ عَنْهُمْ، وَكَتَبَ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ لِيَمُدَّهُ بِجَيْشٍ عَوْنًا لَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَمْثَالِهِمْ، فَجَهَّزَ لَهُ جَمَاعَةً مِنْ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، وَالْعَشَرَاوَاتِ وَمِائَةً مِنْ جُنْدِ الْحَلْقَةِ الرُّمَاةِ، فَلَمَّا بَغَتَهُمْ فِي بَلَدِهِمْ تَجَمَّعُوا لِقِتَالِ الْعَسْكَرِ، وَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ وَالْمَقَالِيعِ، وَحَجَزُوا
পৃষ্ঠা - ১২০১৫
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَلَدِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَمَتْهُمُ الْأَتْرَاكُ بِالنِّبَالِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ فَوْقَ الْمِائَةِ، فَفَرُّوا رَاجِعِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَأَسَرَ مِنْهُمْ وَالِي الْوُلَاةِ نَحَّوْا مِنْ سِتِّينَ رَجُلًا، وَأَمَرَ بِقَطْعِ رُءُوسِ الْقَتْلَى وَتَعْلِيقِهَا فِي أَعْنَاقِ هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى، وَنُهِبَتْ بُيُوتُ الْفَلَّاحِينَ كُلُّهَا، وَسُلِّمَتْ إِلَى مَمَالِيكِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ; لَمْ يَفْقِدْ مِنْهَا مَا يُسَاوِي ثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى بُصْرَى، وَشُيُوخُ الْعَشِيرَاتِ مَعَهُ، فَأَخْبَرَنِي الْأَمِيرُ صَلَاحُ الدِّينِ بْنُ خَاصَ تُرْكَ - وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ - بِمَبْسُوطِ مَا يَخُصُّهُ، وَأَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْيَا بَعْضُ أُولَئِكَ الْأَسْرَى مِنَ الْجَرْحَى أَمَرَ الْمَشَاعِلِيَّ بِذَبْحِهِ وَتَعْلِيقِ رَأْسِهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَسْرَى، وَفَعَلَ هَذَا بِهِمْ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى إِنَّهُ قَطَعَ رَأْسَ شَابٍّ مِنْهُمْ، وَعَلَّقَ رَأَّسَهُ عَلَى أَبِيهِ; شَيْخٍ كَبِيرٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، حَتَّى قَدِمَ بِهِمْ بُصْرَى فَشَكَلَ طَائِفَةً مِنْ أُولَئِكَ الْمَأْسُورِينَ، وَشَكَلَ آخَرِينَ وَوَسَّطَ الْآخَرِينَ، وَحَبَسَ بَعْضَهُمْ فِي الْقَلْعَةِ، وَعَلَّقَ الرُّءُوسَ عَلَى أَخْشَابٍ نَصَبَهَا حَوْلَ قَلْعَةِ بُصْرَى، فَحَصَلَ بِذَلِكَ تَنْكِيلٌ شَدِيدٌ لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ فِي هَذَا الْأَوَانِ بِأَهْلِ حَوْرَانَ، وَهَذَا كُلُّهُ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129] . فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. [دُخُولُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَسَنْدَمُرَ الْيَحْيَاوِيِّ] فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ حَادِيَ عَشَرَ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ دُخُولُ الْأَمِيرِ
পৃষ্ঠা - ১২০১৬
سَيْفِ الدِّينِ أَسَنْدَمُرَ الْيَحْيَاوِيِّ نَائِبًا عَلَى دِمَشْقَ مِنْ جِهَةِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، وَاحْتَفَلُوا لَهُ احْتِفَالًا زَائِدًا، وَشَاهَدْتُهُ حِينَ تَرَجَّلَ لِتَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ وَبِعَضُدِهِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ الَّذِي كَانَ حَاجِبَ الْحُجَّابِ، وَعُيِّنَ لِنِيَابَةِ حَلَبَ الْمَحْرُوسَةِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ عَلَى الْعَتَبَةِ، وَقَدْ بُسِطَ لَهُ عِنْدَهَا مَفَارِشُ وَصَمَدَةٌ هَائِلَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ فَتَعَضَّدَهُ بَيْدَمُرُ أَيْضًا، وَسَارَ نَحْوَ الْمَوْكِبِ، فَأَوْكَبَ ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ عَلَى عَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ النُّوَّابِ، وَجَاءَ تَقْلِيدُ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْدَمُرَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ لِنِيَابَةِ حَلَبَ الْمَحْرُوسَةِ. وَفِي آخِرِ نَهَارِ الثُّلَاثَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَرَدَ الْبَرِيدُ الْبَشِيرِيُّ، وَعَلَى يَدِهِ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِنَفْيِ الْقَاضِي بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْبَقَاءِ، وَأَوْلَادِهِ، وَأَهْلِهِ إِلَى طَرَابُلُسَ بِلَا وَظِيفَةٍ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِيهِ وَمَنْ يَلِيهِ، وَتَغَمَّمَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَسَافَرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي جِهَاتِهِ، فَاسْتَنَابَ، وَلَدَهُ الْكَبِيرَ وَلِيَّ الدِّينِ. وَاشْتَهَرَ فِي شَوَّالٍ أَنَّ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدِّينِ مَنْجَكَ الَّذِي كَانَ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ بِالشَّامِ وَهَرَبَ، وَلَمْ يُطَّلَعْ لَهُ عَلَى خَبَرٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ - ذُكِرَ أَنَّهُ مُسِكَ بِبَلَدٍ بِحَرَّانَ مِنْ مُعَامَلَةِ مَارِدِينَ فِي زِيِّ فَقِيرٍ، وَأَنَّهُ احْتُفِظَ عَلَيْهِ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ فَدَاوَيْهِ، وَعَجِبَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَكَانَ الَّذِينَ رَأَوْهُ ظَنُّوا أَنَّهُ هُوَ، فَإِذَا هُوَ فَقِيرٌ مِنْ جُمْلَةِ الْفُقَرَاءِ، يُشْبِهُهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ.
পৃষ্ঠা - ১২০১৭
وَاشْتَهَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَنَّ الْأَمِيرَ عِزَّ الدِّينِ فَيَّاضَ بْنَ مُهَنَّا مَلِكَ الْعَرَبِ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْعِرَاقِ، فَوَرَدَتِ الْمَرَاسِيمُ السُّلْطَانِيَّةُ لِمَنْ بِأَرْضِ الرَّحْبَةِ مِنَ الْعَسَاكِرِ الدِّمَشْقِيَّةِ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ مُقَدَّمِينَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَكَذَلِكَ جَيَّشُ حَلَبَ، وَغَيْرُهُ - بِتَطَلُّبِهِ، وَإِحْضَارِهِ إِلَى بَيْنِ يَدَيِ السُّلْطَانِ، فَسَعَوْا فِي ذَلِكَ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَعَجَزُوا عَنْ لِحَاقِهِ، وَالدُّخُولِ وَرَاءَهُ إِلَى الْبَرَارِي، وَتَفَارَطَ الْحَالُ، وَخَلَصَ إِلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ، فَضَاقَ النِّطَاقُ، وَتَعَذَّرَ اللِّحَاقُ.
পৃষ্ঠা - ১২০১৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ وَسُلْطَانُ الْمُسْلِمِينَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ حَسَنٌ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَقُضَاةُ مِصْرَ وَالشَّامِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَائِبُ الشَّامِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَسَنْدَمُرُ أَخُو يَلْبُغَا الْيَحْيَاوِيِّ، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي أَمِينُ الدِّينِ بْنُ الْقَلَانِسِيِّ. وَفِي مُسْتَهَلِّ الْمُحَرَّمِ جَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ الشَّيْخِ صَلَاحِ الدِّينِ الْعَلَائِيِّ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَ الْمُحَرَّمِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ بَابِ الرَّحْمَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتٌّ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَكَانَ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِالْقُدْسِ مُدَرِّسًا بِالْمَدْرَسَةِ الصَّلَاحِيَّةِ وَشَيْخًا بِدَارِ الْحَدِيثِ السُّكَّرِيَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَدْ صَنَّفَ، وَأَلَّفَ، وَجَمَعَ، وَخَرَّجَ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي مَعْرِفَتِهِ الْعَالِيَ، وَالنَّازِلَ، وَتَخْرِيجِ الْأَجْزَاءِ وَالْفَوَائِدِ، وَلَهُ مُشَارَكَةٌ قَوِيَّةٌ فِي الْفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَالْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَدَبِ، وَفِي كِتَابَتِهِ ضَعْفٌ لَكِنْ مَعَ صِحَّةٍ وَضَبْطٍ لِمَا يُشْكِلُ، وَلَهُ عِدَّةُ مُصَنَّفَاتٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ وَقَفَهَا عَلَى الْخَانِقَاهْ السُّمَيْسَاطِيَّةِ
পৃষ্ঠা - ১২০১৯
بِدِمَشْقَ، وَقَدْ وَلِيَ بَعْدُهُ التَّدْرِيسَ بِالصَّلَاحِيَّةِ الْخَطِيبُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ وَالنَّظَرَ بِهَا، وَكَانَ مَعَهُ تَفْوِيضٌ مِنْهُ مُتَقَدِّمُ التَّارِيخِ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ السَّادِسِ مِنْ مُحَرَّمٍ احْتِيطَ عَلَى مُتَوَلِّي الْبَرِّ ابْنِ بَهَادُرَ السَّنْجَرِيِّ، وَرُسِمَ عَلَيْهِ بِالْعَذْرَاوِيَّةِ; بِسَبَبِ أَنَّهُ اتُّهِمَ بِأَخْذِ مَطْلَبٍ مِنْ نُعْمَانِ الْبَلْقَاءِ هُوَ وَكُجْكُنُ الْحَاجِبُ، وَقَاضِي حَسَّانَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ مُرَافَعَةٌ مِنْ خَصْمٍ عَدُوٍّ لَهُمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى رَجُلٍ يُزَوِّرُ الْمَرَاسِيمَ الشَّرِيفَةَ، وَأُخِذَ بِسَبَبِهِ مُدَرِّسُ الصَّارِمِيَّةِ; لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ زَيْدٍ الْمَغْرِبِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ مَرْسُومًا لِمَدْرَسَةِ الْأَكْزِيَّةِ، وَضُرِبَ أَيْضًا، وَرُسِمَ عَلَيْهِ فِي حَبْسِ السَّدِّ، وَكَذَلِكَ حُبِسَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّيَ الْبَلَدِ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ كَتَبَ لَهُ مَرْسُومٌ شَرِيفٌ بِالْوِلَايَةِ، فَلَمَّا فَهِمَ ذَلِكَ كَاتِبُ السِّرِّ أَطْلَعَ عَلَيْهِ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ، فَانْفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابُ، وَحُبِسُوا كُلُّهُمْ بِالسَّدِّ، وَجَاءَتْ كُتُبُ الْحُجَّاجِ لَيْلَةَ السَّبْتِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَأَخْبَرَتْ بِالْخِصْبِ، وَالرُّخْصِ، وَالْأَمْنِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ السَّبْتِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ
পৃষ্ঠা - ১২০২০
الْحَجِيجُ بَعْدَهُ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ، وَقَدْ لَقُوا مِنْ ذَلِكَ مِنْ بِلَادِ حَوْرَانَ عَنَاءً وَشِدَّةً، وَوَقَعَتْ جِمَالَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَسُبِيَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَحَصَلَ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ تَعَبٌ شَدِيدٌ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ قُطِعَتْ يَدُ الَّذِي زَوَّرَ الْمَرَاسِيمَ، وَاسْمُهُ السَّرَّاجُ عُمَرُ الْقِفْطِيُّ الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ شَابٌّ كَاتِبٌ مِنْطِيقٌ - عَلَى مَا ذُكِرَ - وَحُمِلَ فِي قَفَصٍ عَلَى جَمَلٍ، وَهُوَ مَقْطُوعُ الْيَدِ، وَلَمْ يُحْسَمْ بَعْدُ وَالدَّمُ يَنْصَبُّ مِنْهَا، وَأُرْكِبَ مَعَهُ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ زِيدٌ عَلَى جَمَلٍ، وَهُوَ مَنْكُوسٌ وَجْهُهُ إِلَى نَاحِيَةِ دُبُرِ الْجَمَلِ، وَهُوَ عُرْيَانُ مَكْشُوفُ الرَّأْسِ، وَكَذَلِكَ الْبَدْرُ الْحِمْصِيُّ عَلَى جَمَلٍ آخَرَ، وَأُرْكِبَ الْوَالِي شِهَابُ الدِّينِ عَلَى جَمَلٍ آخَرَ، وَعَلَيْهِ تَخْفِيفَةٌ صَغِيرَةٌ، وَخُفٌّ، وَقَبَاءٌ، وَطِيفَ بِهِمْ فِي مَحَالِّ الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يُزَوِّرُ عَلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ أُوْدِعُوا حَبْسَ الْبَابِ الصَّغِيرِ، وَكَانُوا قَبْلَ هَذَا التَّعْزِيرِ فِي حَبْسِ السُّدِّ، وَمِنْهُ أُخِذُوا وَأُشْهِرُوا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. مَسْكُ مَنْجَكَ، وَصِفَةُ الظُّهُورِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِدِمَشْقَ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ. لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، جَاءَ نَاصِحٌ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَسَنْدَمُرَ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّ مَنْجَكَ فِي دَارٍ بِالشَّرَفِ الْأَعْلَى، فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بَعْضَ الْحَجَبَةِ، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ
পৃষ্ঠা - ১২০২১
خَوَاصِّهِ - فَأُحْضِرُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ مُحْتَفَظًا عَلَيْهِ جَدًّا، بِحَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُمْ رَدَفَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَاحْتَضَنَهُ، فَلَمَّا وَاجَهَهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَكْرَمَهُ، وَتَلَقَّاهُ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى مِقْعَدَتِهِ، وَتَلَطُّفَ بِهِ، وَسَقَاهُ، وَأَضَافَهُ - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ صَائِمًا فَأَفْطَرَ عِنْدَهُ - وَأَعْطَاهُ مِنْ مَلَابِسِهِ، وَقَيَّدَهُ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى السُّلْطَانِ مِنْ لَيْلَتِهِ - لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ - مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجُنْدِ وَبَعْضِ الْأُمَرَاءِ; مِنْهُمْ حُسَامُ الدِّينِ أَمِيرُ حَاجِبِ، وَقَدْ كَانَ أَرْسَلَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَلَدَهُ بِسَيْفِ مَنْجَكَ مِنْ أَوَائِلِ النَّهَارِ، وَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ جَدًّا، وَمَا كَانَ يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ عُدِمَ بِاغْتِيَالٍ أَوْ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ، وَلَمْ يَشْعُرِ النَّاسُ أَنَّهُ فِي وَسَطِ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ يَمْشِي بَيْنَهُمْ مُتَنَكِّرًا، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ الْجُمُعَاتِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَيَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ مُتَنَكِّرًا فِي لُبْسِهِ وَهَيْئَتِهِ، وَمَعَ هَذَا لَنْ يُغْنِيَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، وَأُرْسِلَ وَلَدُ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ بِالسَّيْفِ وَبِمَلَابِسِهِ الَّتِي كَانَ يَتَنَكَّرُ بِهَا، وَبُعِثَ هُوَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْحَجَبَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَيْشٍ كَثِيفٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُقَيَّدًا مُحْتَفَظًا عَلَيْهِ، وَرَجَعَ ابْنُ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ بِالتُّحَفِ، وَالْهَدَايَا، وَالْخِلَعِ، وَالْأَنْعَامِ لِوَالِدِهِ، وَلِحَاجِبِ الْحُجَّابِ، وَلَبِسَ ذَلِكَ الْأُمَرَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاحْتَفَلَ النَّاسُ بِالشُّمُوعِ، وَغَيْرِهَا، ثُمَّ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِدُخُولِ مَنْجَكَ إِلَى السُّلْطَانِ، وَعَفْوِهِ عَنْهُ، وَخِلْعَتِهِ الْكَامِلَةِ عَلَيْهِ، وَإِطْلَاقِهِ لَهُ الْحُسَامَ، وَالْخُيُولَ الْمُسَوَّمَةَ، وَالْأَلْبِسَةَ الْمُفْتَخَرَةَ، وَالْأَمْوَالَ، وَالْأَمَانَ، وَتَقْدِيمِ الْأُمَرَاءِ وَالْأَكَابِرِ لَهُ مِنْ سَائِرِ صُنُوفِ التُّحَفِ، وَقَدِمَ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ مِنْ صَفَدَ قَاصِدًا إِلَى حَمَاةَ لِنِيَابَتِهَا، فَنَزَلَ الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ رَابِعَ صَفَرٍ،
পৃষ্ঠা - ১২০২২
وَتَوَجَّهَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ سَابِعَهُ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ قَدِمَ الْقَاضِي بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ مِنْ طَرَابُلُسَ بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ أَنْ يَعُودَ إِلَى دِمَشْقَ عَلَى وَظَائِفِهِ الْمُبْقَاةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ وَلَدُهُ وَلِيُّ الدِّينِ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا، فَتَلَقَّاهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ إِلَى حَرَسْتَا، وَرَاحَ النَّاسُ إِلَى تَهْنِئَتِهِ إِلَى دَارِهِ، وَفَرِحُوا بِرُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ. وَوَقَعَ مَطَرٌ عَظِيمٌ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّهْرِ - وَهُوَ أَثْنَاءُ شَهْرِ شُبَاطَ - وَثَلْجٌ عَظِيمٌ جِدًّا، فَرَوِيَتِ الْبَسَاتِينُ الَّتِي كَانَتْ لَهَا عَنِ الْمَاءِ عِدَّةُ شُهُورٍ، وَلَا يَحْصُلُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ سَقْيٌ إِلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَمَبْلَغٍ كَثِيرٍ، حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ بِالْأَيْدِي، وَالدَّبَابِيسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبَذْلِ الْكَثِيرِ، وَذَلِكَ فِي شُهُورِ كَانُونَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَأَوَّلِ شُبَاطَ; وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مِيَاهِ الْأَنْهَارِ وَضَعْفِهَا، وَكَذَلِكَ بِلَادُ حَوْرَانَ أَكْثَرُهُمْ يَرْوُونَ مِنْ أَمَاكِنَ بَعِيدَةٍ فِي هَذِهِ الشُّهُورِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى فَجَرَتِ الْأَوْدِيَةُ، وَكَثُرَتِ الْأَمْطَارُ، وَالثُّلُوجُ، وَغَزُرَتِ الْأَنْهَارُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَتَوَالَتِ الْأَمْطَارُ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ السَّيْلُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ كَانُونَ إِلَى شُبَاطَ، فَكَأَنَّ شُبَاطَ هُوَ كَانُونُ، وَكَانُونَ لَمْ يَسِلْ فِيهِ مِيزَابٌ وَاحِدٌ. وَوَصَلَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْجَكَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ; لِيَبْتَنِيَ لِلسُّلْطَانِ مَدْرَسَةً وَخَانَقَاهْ غَرْبِيَّ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ، وَأُحْضِرَ الطَّرْخَانُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ بِمَاءِ الذَّهَبِ إِلَى دِمَشْقَ، وَشَاهَدَهُ النَّاسُ، وَوَقَعْتُ عَلَى نُسْخَتِهِ وَفِيهَا تَعْظِيمٌ زَائِدٌ وَمَدْحٌ
পৃষ্ঠা - ১২০২৩
وَثَنَاءٌ لَهُ، وَشُكْرٌ عَلَى مُتَقَدَّمِ خِدَمِهِ لِهَذِهِ الدَّوْلَةِ، وَالْعَفْوُ عَمَّا مَضَى مِنْ زَلَّاتِهِ، وَذِكْرُ سِيرَتِهِ بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ. وَفِي أَوَائِلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ رُسِمَ عَلَى الْمُعَلِّمِ سَنْجَرَ مَمْلُوكِ ابْنِ هِلَالٍ صَاحِبِ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ بِمَرْسُومٍ شَرِيفٍ قَدِمَ مَعَ الْبَرِيدِ، وَطُلِبَ مِنْهُ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَاحْتِيطَ عَلَى الْعِمَارَةِ الَّتِي أَنْشَاهَا عِنْدَ بَابِ النَّاطِفَانِيِّينَ لِيَجْعَلَهَا مَدْرَسَةً، وَرُسِمَ بِأَنْ يُعْمَرَ مَكَانَهَا مَكْتَبٌ لِلْأَيْتَامِ، وَأَنْ يُوقَفَ عَلَيْهِمْ كِفَايَتُهُمْ جَارِيَةً عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ رُسِمَ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي كُلِّ مَدْرَسَةٍ مِنْ مَدَارِسِ الْمَمْلَكَةِ الْكِبَارِ، وَهَذَا مَقْصِدٌ جَيِّدٌ، وَسُلِّمَ الْمُعَلِّمُ سَنْجَرُ إِلَى شَادِّ الدَّوَاوِينِ يَسْتَخْلِصُ مِنْهُ الْمَبْلَغَ الْمَذْكُورَ سَرِيعًا، فَعَاجَلَ بِحَمْلِ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَسُيِّرَتْ مَعَ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. [الِاحْتِيَاطُ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالدَّوَاوِينِ] وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ خَامِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَرَدَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَمِيرٌ مَعَهُ مَرْسُومٌ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَى دَوَاوِينِ السُّلْطَانِ; بِسَبَبِ مَا أَكَلُوا مِنَ الْأَمْوَالِ الْمُرَتَّبَةِ لِلنَّاسِ مِنَ الصَّدَقَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَرُسِمَ عَلَيْهِمْ بِدَارِ الْعَدْلِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَأُلْزِمُوا بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ كَثِيرَةٍ، بِحَيْثُ احْتَاجُوا إِلَى بَيْعِ أَثَاثِهِمْ، وَأَقْمِشَتِهِمْ، وَفُرُشِهِمْ، وَأَمْتِعَتِهِمْ، وَغَيْرِهَا، حَتَّى ذُكِرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُعْطِيهِ، فَأَحْضَرَ بَنَاتَهُ إِلَى الدَّكَّةِ لِيَبِيعَهُنَّ، فَتَابَكَى النَّاسُ وَانْتَحَبُوا; رَحْمَةً وَرِقَّةً لِأَبِيهِنَّ. ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْضُهُمْ، وَهُمُ الضُّعَفَاءُ مِنْهُمْ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا شَيْءَ مَعَهُمْ، وَبَقِيَتِ الْغَرَامَةُ عَلَى الْكُبَرَاءِ مِنْهُمْ كَالصَّاحِبِ، وَالْمُسْتَوْفِينَ، ثُمَّ شُدِّدَتْ عَلَيْهِمُ الْمُطَالَبَةُ، وَضُرِبُوا ضَرْبًا مُبَرِّحًا،
পৃষ্ঠা - ১২০২৪
وَأَلْزَمُوا الصَّاحِبَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، بِحَيْثُ إِنَّهُ احْتَاجَ إِلَى أَنْ سَأَلَ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَكَابِرِ وَالتُّجَّارِ بِنَفْسِهِ وَبِأَوْرَاقِهِ، فَأَسْعَفُوهُ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ يُقَارِبُ مَا أُلْزِمَ بِهِ، بَعْدَ أَنْ عُرِّيَ لِيُضْرَبَ، وَلَكِنْ تُرِكَ، وَاشْتَهَرَ أَنَّهُ قَدْ عُيِّنَ عِوَضُهُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. مَوْتُ فَيَّاضِ بْنِ مُهَنَّا: وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْهُ، فَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَأُرْسِلَ إِلَى السُّلْطَانِ مُبَشِّرُونَ بِذَلِكَ; لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، أَرْضِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ عَنْ هَذَا الْمَذْكُورِ أَشْيَاءٌ صَدَرَتْ عَنْهُ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ، وَالْإِفْطَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ، وَأَمْرِهِ أَصْحَابَهُ وَذَوِيهِ بِذَلِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمَاضِي، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. جَاوَزَ السَّبْعِينَ. [كَائِنَةٌ عَجِيبَةٌ جِدًّا] ، وَهِيَ هَدْمُ الْمُعَلِّمِ سِنْجِرِ مَمْلُوكِ ابْنِ هِلَالٍ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ أُطْلِقَ الْمُعَلِّمُ الْهِلَالِيُّ بَعْدَ أَنِ اسْتَوْفَوْا مِنْهُ تَكْمِيلَ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاتَ فِي مَنْزِلِهِ عِنْدَ بَابِ النَّاطِفَانِيِّينَ سُرُورًا بِالْخَلَاصِ، وَلَمَّا أَصْبَحَ ذَهَبَ إِلَى الْحَمَّامِ، وَقَدْ وَرَدَ الْبَرِيدُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، فَأَقْبَلَتِ الْحَجَبَةُ، وَنُقَبَاءُ النَّقَبَةِ، وَالْأَعْوَانُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَقَصَدُوا دَارَهُ، فَاحْتَاطُوا بِهَا وَعَلَيْهَا بِمَا فِيهَا، وَرُسِمَ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدَيْهِ، وَأُخْرِجَتْ نِسَاؤُهُ مِنَ الْمَنْزِلِ فِي حَالَةٍ صَعْبَةٍ، وَفَتَّشُوا النِّسَاءَ، وَانْتَزَعُوا
পৃষ্ঠা - ১২০২৫
عَنْهُنَّ الْحُلِيَّ وَالْجَوَاهِرَ وَالنَّفَائِسَ، وَاجْتَمَعَتِ الْعَامَّةُ وَالْغَوْغَاءُ، وَحَضَرَ بَعْضُ الْقُضَاةِ، وَمَعَهُ الشُّهُودُ بِضَبْطِ الْأَمْوَالِ، وَالْحُجَجِ، وَالرُّهُونِ، وَأَحْضَرُوا الْمُعَلِّمَ لِيَسْتَعْلِمُوا مِنْهُ جَلِيَّةَ ذَلِكَ، فَوَجَدُوا مِنْ حَاصِلِ الْفِضَّةِ أَوَّلَ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ صَنَادِيقَ أُخْرَى لَمْ تُفْتَحْ، وَحَوَاصِلَ لَمْ يَصِلُوا إِلَيْهَا; لِضِيقِ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَصْبَحُوا يَوْمَ الْأَحَدِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَقَدْ بَاتَ الْحَرَسُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْأَسْطُحَةِ لِئَلَّا يُعْدَى عَلَيْهَا فِي اللَّيْلِ، وَبَاتَ هُوَ وَأَوْلَادُهُ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ مُحْتَفَظًا عَلَيْهِمْ، وَقَدْ رَقَّ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْمُصِيبَةِ الْعَظِيمَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا سَرِيعًا. وَفِي أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الدَّوَادَارُ السُّكَّرِيُّ، كَانَ ذَا مَكَانَةٍ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ وَمَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ، وَنَالَ مِنَ السَّعَادَةِ فِي وَظِيفَتِهِ أَقْصَاهَا، ثُمَّ قَلَبَ اللَّهُ قَلْبَ أُسْتَاذِهِ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ، وَصَادَرَهُ، وَعَزَلَهُ، وَسَجَنَهُ، وَنَزَلَ قَدْرُهُ عِنْدَ النَّاسِ، وَآلَ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنْ كَانَ يَقِفُ عَلَى الْبَاعَةِ بِفَرَسِهِ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ، وَيُحَاكِكُهُمْ، وَيَحْمِلُ حَاجَتَهُ مَعَهُ فِي سَرْجِهِ، وَصَارَ مُثْلَةً بَيْنَ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ فِيهِ الدُّوَادَرِيَّةُ مِنَ الْعِزِّ، وَالْجَاهِ، وَالْمَالِ، وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُرْفَعَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ سَابِعَ عَشَرَهُ أُفْرِجَ عَنِ الْمُعَلِّمِ الْهِلَالِيِّ وَعَنْ وَلَدَيْهِ، وَكَانُوا مُعْتَقَلِينَ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِمْ دُورُهُمْ وَحَوَاصِلُهُمْ، وَلَكِنْ أُخِذَ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي دَارِهِ، وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَخُتِمَ عَلَى حُجَجِهِ لِيُعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسٌ لِيَرْجِعَ رَأْسُ مَالِهِ مِنْهَا; عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
পৃষ্ঠা - ১২০২৬
{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] . وَنُودِيَ عَلَيْهِ فِي الْبَلَدِ: إِنَّمَا فَعَلْنَا بِهِ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَيُعَامِلُ بِالرِّبَا، وَحَاجِبُ السُّلْطَانِ وَمُتَوَلِّي الْبَلَدِ وَبَقِيَّةُ الْمُتَعَمِّمِينَ وَالْمَشَاعِلِيَّةُ تُنَادِي عَلَيْهِ فِي أَسْوَاقِ الْبَلَدِ وَأَرْجَائِهَا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ وَرَدَ الْمَرْسُومُ السُّلْطَانِيُّ الشَّرِيفُ بِإِطْلَاقِ الدَّوَاوِينِ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِخَلَاصِهِمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْمُصَادَرَةِ الْبَلِيغَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ بِهِمْ فِي مُبَاشَرَاتِهِمْ. وَفِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ الْوَاعِظُ، قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ تُجَاهَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَحَضَرَ مِنْ قُضَاةِ الْقُضَاةِ: الشَّافِعِيُّ وَالْمَالِكِيُّ، فَتَكَلَّمَ عَلَى تَفْسِيرِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَأَشَارَ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ إِشَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ بِعِبَارَاتٍ طَلْقَةٍ مُعْرَبَةٍ حُلْوَةٍ صَادِعَةٍ لِلْقُلُوبِ، فَأَفَادَ، وَأَجَادَ، وَوَدَّعَ النَّاسَ بِعَوْدِهِ إِلَى بَلَدِهِ، وَلَمَّا دَعَا اسْتَنْهَضَ النَّاسَ لِلْقِيَامِ، فَقَامُوا فِي حَالِ الدُّعَاءِ، وَقَدِ اجْتَمَعْتُ بِهِ بِالْمَجْلِسِ، فَرَأَيْتُهُ حَسَنَ الْهَيْئَةِ وَالْكَلَامِ وَالتَّأَدُّبِ، فَاللَّهُ يُصْلِحُهُ وَإِيَّانَا. آمِينَ. وَفِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْآخِرَةِ رَكِبَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ نَائِبُ حَلَبَ لِقَصْدِ غَزْوِ بِلَادِ سِيسَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، لَقَّاهُ اللَّهُ النَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ. وَفِي مُسْتَهَلِّ هَذَا الشَّهْرِ أَصْبَحَ أَهْلُ الْقَلْعَةِ وَقَدْ نَزَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَعْرَابِ مِنْ أَعَالِي مَحْبَسِهِمْ - فِي عَمَائِمَ وَحِبَالٍ - إِلَى الْخَنْدَقِ، وَخَاضُوهُ، وَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِ
পৃষ্ঠা - ১২০২৭
جِسْرِ الزَّلَابِيَّةِ، فَانْطَلَقَ اثْنَانِ، وَأُمْسِكَ الثَّالِثُ الَّذِي تَبَقَّى فِي السَّجْنِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ لَهُمُ الْحِبَالَ حَتَّى تَدَلَّوْا فِيهَا، فَاشْتَدَّ نَكِيرُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ عَلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ، وَضَرَبَ ابْنَيْهِ النَّقِيبَ وَأَخَاهُ وَسَجَنَهُمَا، وَكَاتَبَ فِي هَذِهِ الْكَائِنَةِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَوَرَدَ الْمَرْسُومُ بِعَزْلِ نَائِبِ الْقَلْعَةِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهَا، وَطَلَبِهِ لِمُحَاسَبَةِ مَا قَبَضَ مِنَ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي مُدَّةِ سِتِّ سِنِينَ مُبَاشَرَتِهِ، وَعَزْلِ ابْنِهِ عَنِ النِّقَابَةِ، وَابْنِهِ الْآخَرِ عَنِ اسْتَادَّارِيَّةِ السُّلْطَانِ، فَنَزَلُوا مِنْ عِزِّهِمْ إِلَى عَزْلِهِمْ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعَ عَشْرِهِ جَاءَ الْأَمِيرُ تَاجُ الدِّينِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْدَمُرَ نَائِبِ حَلَبَ، وَقَدْ فَتَحَ بَلَدَيْنِ مِنْ بِلَادِ سِيسَ، وَهُمَا طَرَسُوسُ، وَأَذَنَةُ، وَأَرْسَلَ مَفَاتِيحَهُمَا صُحْبَةَ جِبْرِيلَ الْمَذْكُورِ إِلَى السُّلْطَانِ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - ثُمَّ افْتَتَحَ حُصُونًا أُخَرَ كَثِيرَةً فِي أَسْرَعِ مُدَّةٍ، وَأَيْسَرِ كُلْفَةٍ، وَخَطَبَ هُنَاكَ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ كَاتِبُ السِّرِّ خُطْبَةً بَلِيغَةً حَسَنَةً، وَبَلَغَنِي فِي كِتَابٍ أَنَّ أَبْوَابَ كَنِيسَةِ أَذَنَةَ حُمِلَتْ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْمَرَاكِبِ، قُلْتُ: وَهَذِهِ هِيَ أَبْوَابُ النَّاصِرِيَّةِ الَّتِي بِالسَّفْحِ، أَخَذَهَا صَاحِبُ سِيسَ عَامَ قَازَانَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَاسْتُنْفِذَتْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَفِي أَوَاخِرِ هَذَا الشَّهْرِ بَلَغَنَا أَنَّ الشَّيْخَ قُطْبَ الدِّينِ هِرْمَاسَ الَّذِي كَانَ شَيْخَ السُّلْطَانِ طُرِدَ عَنْ جَنَابِ مَخْدُومِهِ، وَضُرِبَ، وَصُودِرَ، وَخُرِّبَتْ دَارُهُ إِلَى الْأَسَاسِ، وَنُفِيَ إِلَى مِصْيَافٍ، فَاجْتَازَ بِدِمَشْقَ، وَنَزَلَ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَبِيَّةِ ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ،
পৃষ্ঠা - ১২০২৮
وَزُرْتُهُ فِي مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعْتُ بِهِ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ حَسَنٌ عِنْدَهُ مَا يُقَالُ، وَيُتَلَفَّظُ مُعْرِبًا جَيِّدًا، وَلَدَيْهِ فَضِيلَةٌ، وَعِنْدَهُ تَوَاضُعٌ وَتَصَوُّفٌ، فَاللَّهُ يُحْسِنُ عَاقِبَتَهُ. ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْعَذْرَاوِيَّةِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ سَابِعَ شَهْرِ رَجَبٍ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَطْلُوبًا عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى السُّلْطَانِ; لِتَدْرِيسِ الطَّائِفَةِ الْحَنْبَلِيَّةِ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَاهَا السُّلْطَانُ بِالْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ، وَخَرَجَ لِتَوْدِيعِهِ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ إِلَى أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، كَتَبَ اللَّهُ سَلَامَتَهُ. [مَسْكُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ أَسَنْدَمُرَ الْيَحْيَاوِيُّ] وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ قُبِضَ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَسَنْدَمُرَ أَخِي يَلْبُغَا الْيَحْيَاوِيِّ، عَنْ كِتَابٍ وَرَدَ مِنَ السُّلْطَانِ صُحْبَةَ الدَّوَادَارِ الصَّغِيرِ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ رَاكِبًا بِنَاحِيَةِ مَيْدَانِ ابْنِ أَتَابِكَ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى عِنْدِ مَقَابِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، احْتَاطَ عَلَيْهِ الْحَاجِبُ الْكَبِيرُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ، وَأَلْزَمُوهُ بِالذَّهَابِ إِلَى نَاحِيَةِ طَرَابُلُسَ، فَذَهَبَ مِنْ عَلَى طَرِيقِ الشَّيْخِ رَسْلَانَ، وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنَ الْمَسِيرِ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، وَرُسِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْجُنْدِ مَنْ أَوْصَلَهُ إِلَى طَرَابُلُسَ مُقِيمًا بِهَا بَطَّالًا، فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. وَبَقِيَ الْبَلَدُ بِلَا نَائِبٍ، يَحْكُمُ فِيهِ الْحَاجِبُ الْكَبِيرُ عَنْ مَرْسُومِ
পৃষ্ঠা - ১২০২৯
السُّلْطَانِ، وَعُيِّنَ لِلنِّيَابَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْدَمُرُ النَّائِبُ بِحَلَبَ. وَفِي شَعْبَانَ وَصَلَ تَقْلِيدُ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْدَمُرَ بِنِيَابَةِ دِمَشْقَ، وَرُسِمَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ جَيْشِ حَلَبَ، وَيَقْصِدَ الْأَمِيرَ حَيَّارَ بْنَ مُهَنَّا; لِيُحْضِرَهُ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ رُسِمَ لِنَائِبَيْ حَمَاةَ وَحِمْصَ أَنْ يَكُونَا عَوْنًا لِلْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْدَمُرَ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ رَابِعَهُ الْتَقَوْا مَعَ حَيَّارٍ عِنْدَ سَلَمْيَةَ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مُنَاوَشَاتٌ، فَأَخْبَرَنِي الْأَمِيرُ تَاجُ الدِّينِ إِسْرَائِيلُ الدَّوَادَارَ - وَكَانَ مُشَاهِدَ الْوَقْعَةِ - أَنَّ الْأَعْرَابَ أَحَاطُوا بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْعَرَبِ، وَكَانُوا نَحْوَ الثَّمَانِمِائَةٍ، وَكَانَتِ التُّرْكُ مِنْ حَمَاةَ وَحِمْصَ وَحَلَبَ مِائَةً وَخَمْسِينَ، فَرَمَوُا الْأَعْرَابَ بِالنِّشَابِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ طَائِفَةً كَثِيرَةً، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ التُّرْكِ سِوَى رَجُلٍ وَاحِدٍ; رَمَاهُ بَعْضُ التُّرْكِ - ظَانًّا أَنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ - بِنَاشِجٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، وَخَرَجَتِ التُّرْكُ مِنَ الدَّائِرَةِ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالٌ مِنَ التُّرْكِ وَمِنَ الْعَرَبِ، وَجَرَتْ فِتْنَةٌ، وَجُرِّدَتْ أُمَرَاءُ عِدَّةٌ مِنْ دِمَشْقَ لِتَدَارُكِ الْحَالِ، وَأَقَامَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ يَنْتَظِرُ وُرُودَهُمْ، وَقَدِمَ الْأَمِيرُ عُمَرُ الْمُلَقَّبُ بِمُصَمَّعِ بْنِ مُوسَى بْنِ مُهَنَّا مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَمِيرًا عَلَى الْأَعْرَابِ، وَفِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ رَمْلَةُ بْنُ جَمَّازٍ أَمِيرَانِ عَلَى الْأَعْرَابِ، فَنَزَلَ مُصَمَّعٌ بِالْقَصْرِ الْأَبْلَقِ، وَنَزَلَ الْأَمِيرُ رَمْلَةُ بِالنُّورِيَّةِ عَلَى عَادَتِهِ، ثُمَّ تَوَجَّهَا إِلَى نَاحِيَةِ حَيَّارٍ بِمَنْ مَعَهُمَا مِنْ عَرَبِ الطَّاعَةِ مِمَّنْ أُضِيفَ إِلَيْهِمْ مِنْ تَجْرِيدَةِ دِمَشْقَ، وَمَنْ يَكُونُ مَعَهُمْ مِنْ جَيْشِ حَمَاةَ وَحِمْصَ; لِتَحْصِيلِ الْأَمِيرِ حَيَّارٍ، وَإِحْضَارِهِ إِلَى الْخِدْمَةِ الشَّرِيفَةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى يُحْسِنُ الْعَاقِبَةَ.
পৃষ্ঠা - ১২০৩০
[دُخُولُ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْدَمُرَ إِلَى دِمَشْقَ] وَذَلِكَ صَبِيحَةَ يَوْمِ السَّبْتِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ، أَقْبَلَ بِجَيْشِهِ مِنْ نَاحِيَةِ حَلَبَ، وَقَدْ بَاتَ بِوَطْأَةِ بَرْزَةَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ إِلَى حَمَاةَ وَدُونِهَا، وَجَرَتْ لَهُ وَقْعَةٌ مَعَ الْعَرَبِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ دَخَلَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَتَجَمُّلٍ حَافِلٍ، فَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ عَلَى الْعَادَةِ، وَمَشَى إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ جَنَائِبُهُ فِي لُبُوسٍ هَائِلَةٍ بَاهِرَةٍ، وَعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَعُدَدٍ ثَمِينَةٍ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ لِشَهَامَتِهِ، وَصَرَامَتِهِ، وَأَمْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيِهِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُؤَيِّدُهُ وَيُسَدِّدُهُ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَانِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَطَبَتِ الْحَنَابِلَةُ بِجَامِعِ الْقُبَيْبَاتِ، وَعُزِلَ عَنْهُ الْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ قَاضِي الْعَسْكَرِ الْحَنَفِيُّ بِمَرْسُومِ نَائِبِ السُّلْطَانِ; لِأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْحَنَابِلَةِ مُنْذُ عُيِّنَ إِلَى هَذَا الْحِينِ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْهُ قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ دَبَادِبَ الدَّقَّاقُ - بِالْحَدِيدِ عَلَى مَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ جَمَاعَةٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ مِنْ شَتْمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ، وَادُّعِيَ عَلَيْهِ، فَأَظْهَرَ التَّجَانُنَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى أَنْ قُتِلَ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُ، وَلَا رَحِمَهُ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ قُتِلَ مُحَمَّدٌ الْمَدْعُو زُبَالَةَ الَّذِي
পৃষ্ঠা - ১২০৩১
انْحَازَ لِابْنِ مَعْبَدٍ، عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعْوَاهُ أَشْيَاءَ كُفْرِيَّةً، وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَمَعَ هَذَا يَصْدُرُ مِنْهُ أَحْوَالٌ بَشِعَةٌ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضُرِبَتْ عُنُقَهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي سُوقِ الْخَيْلِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي ثَالِثَ عَشَرَ شَوَّالٍ خَرَجَ الْمَحْمَلُ السُّلْطَانِيُّ، وَأَمِيرُهُ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ قَرَاسُنْقُرَ، وَقَاضِي الْحَجِيجِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ سَنَدٍ الْمُحَدِّثُ، أَحَدُ الْمُفْتِينَ. وَفِي أَوَاخِرِ شَهْرِ شَوَّالٍ أُخِذَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: حَسَنٌ - كَانَ خَيَّاطًا بِمَحَلَّةٍ الشَّاغُورِ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْتَصِرَ لِفِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَحْتَجُّ بِأَنَّهُ فِي سُورَةِ " يُونُسَ " حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90] . وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] ، وَلَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات: 25] ، وَلَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16] الْمُزَّمِّلِ: 16] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ فِرْعَوْنَ أَكْفَرُ الْكَافِرِينَ، كَمَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسِ الْقَعْدَةِ قَدِمَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ إِلَى