আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১১৯৭২
جَعَلَهُ اللَّهُ وَجْهًا مُبَارَكًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَالِثَ عَشَرَهُ قَدِمَ دَوَادَارُ السُّلْطَانِ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ طُقْطَايْ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَنَزَلَ الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ، وَمِنْ عَزْمِهِ الذَّهَابُ إِلَى الْبِلَادِ الْحَلَبِيَّةِ لِيُجَهِّزَ الْجُيُوشَ نَحْوَ بَيْبُغَا وَأَصْحَابِهِ. [ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَالْمَمْلَكَةِ الْحَلَبِيَّةِ، وَمَا وَالَاهَا، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ صَلَاحُ الدِّينِ صَالِحٌ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَنَائِبُهُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُبْلَايْ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِمْ فِي تَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ; سَيْفُ الدِّينِ شَيْخُونُ، وَسَيْفُ الدِّينِ طَازْ، وَسَيْفُ الدِّينِ صَرْغَتْمُشُ النَّاصِرِيُّونَ، وَقُضَاةُ الْقُضَاةِ، وَكَاتِبُ السِّرِّ هُنَاكَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَنَائِبُ حَلَبَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَرْغُونُ الْكَامِلِيُّ ; لِأَجْلِ مُقَاتَلَةِ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ; بَيْبُغَا، وَأَمِيرُ أَحْمَدَ، وَبَكْلَمُشُ، الَّذِينَ فَعَلُوا مَا ذَكَرْنَا فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، ثُمَّ لَجَئُوا إِلَى بِلَادِ الْأَبُلُسْتَيْنِ فِي خَفَارَةِ ابْنِ دُلْغَادِرِ التُّرْكُمَانِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ احْتَالَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفِهِ مِنْ صَاحِبِ مِصْرَ، وَأَسْلَمَهُمْ إِلَى قَبْضَةِ نَائِبِ حَلَبَ الْمَذْكُورِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَنَائِبُ طَرَابُلُسَ الْأَمِيرُ سَيْفُ
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৩
الدِّينِ أَيْتَمُشُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ تَقَلَّبَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ حَتَّى اسْتُنِيبَ فِي طَرَابُلُسَ حِينَ كَانَ السُّلْطَانُ بِدِمَشْقَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الْأُمَرَاءَ الثَّلَاثَةَ بَيْبُغَا وَبَكْلَمُشَ وَأَمِيرَ أَحْمَدَ قَدْ حَصَلُوا فِي قَبْضَةِ نَائِبِ حَلَبَ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَرْغُونَ، وَهُمْ مَسْجُونُونَ بِقَلْعَتِهَا، يُنْتَظَرُ مَا يُرْسَمُ بِهِ فِيهِمْ، وَقَدْ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ سَابِعَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ طُقْطَايْ الدَّوَادَارَ عَائِدًا مِنَ الْبِلَادِ الْحَلَبِيَّةِ، وَفِي صُحْبَتِهِ رَأْسُ بَيْبُغَا الْبَاغِي، أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ بَعْدَ وُصُولِ صَاحِبَيْهِ بَكْلَمُشِ الَّذِي كَانَ نَائِبًا بِطَرَابُلُسَ، وَأَمِيرَ أَحْمَدَ الَّذِي كَانَ نَائِبَ حَمَاةَ، فَقُطِعَتْ رُءُوسُهُمَا بِحَلَبَ بَيْنَ يَدَيْ نَائِبِهَا الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَرْغُونَ الْكَامِلِيِّ، وَسُيِّرَتْ إِلَى مِصْرَ، وَلَمَّا وَصَلَ بَيْبُغَا بَعْدَهُمَا فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِمَا جَهْرَةً بَعْدَ الْعَصْرِ بِسُوقِ الْخَيْلِ بَيْنَ يَدَيْ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَالْجَيْشِ بِرُمَّتِهِ وَالْعَامَّةِ عَلَى الْأَحَاجِيرِ يَتَفَرَّجُونَ، وَيَفْرَحُونَ بِمَصْرَعِهِ، وَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أُقِيمَتْ جُمُعَةٌ جَدِيدَةٌ بِمَحَلَّةِ الشَّاغُورِ بِمَسْجِدٍ هُنَاكَ يُقَالُ لَهُ: مَسْجِدُ الْمَزَازِ، وَخَطَبَ فِيهِ جَمَالُ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৪
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الشَّيْخِ شَمْسُ الدِّينِ بْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ، فَأَفْضَى الْحَالُ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ ذَهَبُوا إِلَى سُوقِ الْخَيْلِ يَوْمَ مَوْكِبٍ، وَحَمَلُوا سَنَاجِقَ خَلِيفَتِيَّةً مِنْ جَامِعِهِمْ وَمَصَاحِفَ، وَاشْتَمَلُوا إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَسَأَلُوا مِنْهُ أَنْ تَسْتَمِرَّ الْخُطْبَةُ عِنْدَهُمْ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ، ثُمَّ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، ثُمَّ حَكَمَ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ لَهُمْ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ طَوِيلَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ سَابِعِ رَبِيعٍ الْآخِرِ تُوُفِّيَ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أُلْجَيْبُغَا الْعَادِلِيُّ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الَّتِي كَانَ أَنْشَأَهَا قَدِيمًا ظَاهِرَ بَابِ الْجَابِيَةِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ تُعْرَفُ بِهِ، وَكَانَ لَهُ فِي الْإِمْرَةِ قَرِيبًا مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، وَقَدْ كَانَ أَصَابَهُ فِي نَوْبَةِ أَرْغُونَ شَاهْ وَقَضِيَّتِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْ يَدَهُ الْيُمْنَى، وَاسْتَمَرَّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى إِمْرَتِهِ وَتَقْدِمَتِهُ مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. [أَمْرٌ غَرِيبٌ جِدًّا] ذِكْرُ أَمْرٍ غَرِيبٍ جِدًّا لَمَّا ذَهَبْتُ لِتَهْنِئَةِ الْأَمِيرِ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ الْأَقْوَشِ بِنِيَابَةِ بِعْلَبَكَّ وَجَدْتُ هُنَالِكَ
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৫
شَابًّا، فَذَكَرَ لِي مَنْ حَضَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ أُنْثَى ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ ذَكَرٌ، وَقَدْ كَانَ أَمْرُهُ اشْتَهَرَ بِبِلَادِ طَرَابُلُسَ، وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَعَلَيْهِ قُبَّعَةٌ تُرْكِيَّةٌ اسْتَدْعَيْتُهُ إِلَيَّ، وَسَأَلْتُهُ بِحَضْرَةِ مَنْ حَضَرَ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ كَانَ أَمْرُكَ؟ فَاسْتَحْيَى وَعَلَاهُ خَجَلٌ يُشْبِهُ النِّسَاءَ، فَقَالَ: كُنْتُ امْرَأَةً مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَزَوَّجُونِي بِثَلَاثَةِ أَزْوَاجٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيَّ، وَكُلُّهُمْ يُطَلِّقُ، ثُمَّ اعْتَرَضَنِي حَالٌ غَرِيبٌ، فَغَارَتْ ثَدْيَايَ وَصَغُرَتْ، وَجَعَلَ النَّوْمُ يَعْتَرِينِي لَيْلًا وَنَهَارًا، ثُمَّ جَعَلَ يَخْرُجُ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْجِ شَيْءٌ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَيَتَزَايَدُ حَتَّى بَرَزَ شِبْهُ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَانِ. فَسَأَلَتْهُ: أَهْوَ كَبِيرٌ أَمْ صَغِيرٌ؟ فَاسْتَحْيَى ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَغِيرٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ. فَسَأَلَتْهُ: هَلِ احْتَلَمَ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ احْتَلَمَ مَرَّتَيْنِ مُنْذُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ. وَكَانَ لَهُ قَرِيبًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَى حِينِ أَخْبَرَنِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُحْسِنُ صَنْعَةَ النِّسَاءِ كُلَّهَا مِنَ الْغَزَلِ، وَالتَّطْرِيزِ، وَالزَّرْكَاشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ اسْمُكَ وَأَنْتَ عَلَى صِفَةِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ: نَفِيسَةُ. فَقُلْتُ: وَالْيَوْمَ؟ فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ لَهُ هَذَا الْحَالُ كَتَمَهُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ عَزَمُوا عَلَى تَزْوِيجِهِ بِرَابِعٍ، فَقَالَ لِأُمِّهِ: إِنَّ الْأَمْرَ مَا صَفَّتْهُ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَلَمَّا اطَّلَعَ أَهْلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَعْلَمُوا بِهِ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ هُنَاكَ، وَكُتِبَ بِذَلِكَ مَحْضَرًا، وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ، فَقَدِمَ دِمَشْقَ، وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِدِمَشْقَ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ كَمَا أَخْبَرَنِي، فَأَخَذَهُ الْحَاجِبُ سَيْفُ الدِّينِ كُجْكُنُ بْنُ الْأَقْوَشِ عِنْدَهُ، وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ الْأَجْنَادِ، وَهُوَ شَابٌّ حَسَنٌ، عَلَى وَجْهِهِ وَسِمَتِهِ وَمِشْيَتِهِ وَحَدِيثِهِ أُنُوثَةُ النِّسَاءِ، فَسُبْحَانَ الْفَعَّالِ لِمَا يَشَاءُ، فَهَذَا أَمُرٌ لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ فِي الْعَالَمِ إِلَّا قَلِيلًا جِدًّا. وَعِنْدِي أَنَّ ذَكَرَهُ كَانَ
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৬
غَائِرًا فِي جُورَةٍ ظَنُّوهَا فَرَجًا، ثُمَّ لَمَّا بَلَغَ ظَهَرَ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى تَكَامَلَ ظُهُورُهُ، فَتَبَيَّنُوا أَنَّهُ كَانَ ذَكَرًا، وَذَكَرَ لِي أَنَّ ذَكَرَهُ بَرَزَ مَخْتُونًا، فَسُمِّيَ خِتَانَ الْقَمَرِ، فَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا، وَاللَّهَ أَعْلَمُ. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ خَامِسِ شَهْرِ رَجَبٍ قَدِمَ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ طُقْطَايْ الدَّوَادَارَ مِنَ الدِّيَارِ الْحَلَبِيَّةِ، وَخَبَّرَ عَمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَسَاكِرُ الْحَلَبِيَّةُ مِنْ ذَهَابِهِمْ مَعَ نَائِبِهِمْ وَنُوَّابِ تِلْكَ الْحُصُونِ وَعَسَاكِرَ خَلْفَ ابْنِ دُلْغَادِرِ التُّرْكُمَانِيِّ - الَّذِي كَانَ أَعَانَ بَيْبُغَا وَذَوِيهِ عَلَى خُرُوجِهِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَقَدِمَ مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ - وَأَنَّهُمْ نَهَبُوا أَمْوَالَهُ، وَحَوَاصِلَهُ، وَأَسَرُوا خَلْقًا مِنْ بَنِيهِ وَذَوِيِهِ وَحَرِيمِهِ، وَأَنَّ الْجَيْشَ أَخَذَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَغْنَامِ، وَالْأَبْقَارِ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْأَمْتِعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَجَأَ إِلَى ابْنِ أَرِتْنَا، فَاحْتَاطَ عَلَيْهِ وَاعْتَقَلَهُ عِنْدَهُ، وَرَاسَلَ السُّلْطَانَ بِأَمْرِهِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِرَاحَةِ الْجَيْشِ الْحَلَبِيِّ وَسَلَامَتِهِ بَعْدَمَا قَاسَوْا شَدِيدًا وَتَعَبًا كَثِيرًا. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثَ عَشَرَهُ كَانَ قُدُومُ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَسْجُونِينَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنْ لَدُنْ عَوْدِ السُّلْطَانِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، مِمَّنْ كَانَ اتَّهَمَ بِمُوَالَاةِ بَيْبُغَا أَوْ خِدْمَتِهِ، كَالْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ مَلِكِ آصْ، وَعَلَاءِ الدِّينِ عَلِيٍّ الْبَشْمَقْدَارِ، وَسَاطَلَمِشَ الْجَلَالِيِّ وَمَنْ مَعَهُمْ.
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৭
وَفِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ اتُّفِقَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُفْتِينَ أَفْتَوْا بِأَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ جَوَازُ اسْتِعَادَةِ مَا اسْتَهْدَمَ مِنَ الْكَنَائِسِ، فَتَغَضَّبَ عَلَيْهِمْ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ، فَقَرَّعَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الْإِفْتَاءِ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا يَتَضَمَّنُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ سَمَّاهُ " الدَّسَائِسَ فِي الْكَنَائِسِ ". وَفِي خَامِسَ عَشَرَيْ رَمَضَانَ قُدِمَ بِالْأَمِيرِ ابْنِ دُلْغَادِرَ التُّرْكُمَانِيِّ الَّذِي كَانَ مُؤَازِرًا بَيْبُغَا فِي الْعَامِ الْمَاضِي عَلَى تِلْكَ الْأَفَاعِيلِ الْقَبِيحَةِ، وَهُوَ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِ، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيِ النَّائِبِ، ثُمَّ أَوْدِعَ الْقَلْعَةَ الْمَنْصُورَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ.
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السُّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا - الْمَلِكُ الصَّالِحُ صَلَاحُ الدِّينِ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ تَنْكِزَ نَائِبِ الشَّامِ - وَكَانَ فِي الدَّوْلَةِ النَّاصِرِيَّةِ - وَنَائِبُهُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ قُبْلَايْ النَّاصِرِيُّ، وَوَزِيرُهُ الْقَاضِي مُوَفَّقُ الدِّينِ، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، وَمِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ جَاوَرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الْحِجَازِ الشَّرِيفِ، وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ الْمَنَاوِيُّ يَسُدُّ الْمَنْصِبَ عَنْهُ، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ فَضْلِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ، وَمُدَبِّرُوا الْمَمْلَكَةِ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ; سَيْفُ الدِّينِ شَيْخُونُ، وَطَازْ، وَصَرْغَتْمُشُ النَّاصِرِيُّونَ، وَالدَّوَادَارُ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ عِزُّ الدِّينِ طُقْطَايْ النَّاصِرِيُّ. وَدَخَلَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ شَيْخُونُ فِي طَلَبِ الْأَحْدَبِ مِنْ مُدَّةِ
পৃষ্ঠা - ১১৯৭৯
شَهْرٍ أَوْ قَرِيبٍ. وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أَمِيرُ عَلِيُّ الْمَارِدَانِيُّ، وَقُضَاةُ دِمَشْقَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَاظِرُ الدَّوَاوِينِ الصَّاحِبُ شَمْسُ الدِّينِ مُوسَى بْنُ التَّاجِ إِسْحَاقَ، وَكَاتِبُ السِّرِّ الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الشَّرَفِ يَعْقُوبَ، وَخَطِيبُ الْبَلَدِ جَمَالُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ جُمْلَةَ، وَمُحْتَسِبُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْأَنْصَارِيُّ، قَرِيبُ الشَّيْخِ بَهَاءِ الدِّينِ ابْنِ إِمَامِ الْمَشْهَدِ، وَهُوَ مُدَرِّسُ الْأَمِينِيَّةِ مَكَانَهُ أَيْضًا. وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ مُغْلَطَايْ الَّذِي كَانَ مَسْجُونًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ هُوَ الدَّوْلَةَ، وَأُمِرَ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ لِيَكُونَ عِنْدَ أَيْتَمُشَ نَائِبَ طَرَابُلُسَ، وَأَمَّا مَنْجَكُ الَّذِي كَانَ وَزِيرَهُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ مُعْتَقَلًا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَعَ مُغْلَطَايْ - فَإِنَّهُ صَارَ إِلَى صَفَدَ مُقِيمًا بِهَا بَطَّالًا، كَمَا أَنَّ مُغْلَطَايْ أُمِرَ بِالْمُقَامِ بِطَرَابُلُسَ بَطَّالًا أَيْضًا إِلَى حِينِ يَحْكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. [نَادِرَةٌ مِنَ الْغَرَائِبِ] فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى اجْتَازَ رَجُلٌ مِنَ الرَّوَافِضِ مِنْ أَهْلِ الْحِلَّةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهُوَ يَسُبُّ أَوَّلَ مَنْ ظَلَمَ آلَ
পৃষ্ঠা - ১১৯৮০
مُحَمَّدٍ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ لَا يَفْتُرُ، وَلَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَلَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ، بَلِ النَّاسُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ، فَأَخَذُوهُ وَإِذَا قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ فِي تِلْكَ الْجِنَازَةِ حَاضِرٌ مَعَ النَّاسِ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ، وَاسْتَنْطَقْتُهُ: مَنِ الَّذِي ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. ثُمَّ قَالَ جَهْرَةً وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ: لَعَنَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَيَزِيدَ. فَأَعَادَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَرَ بِهِ الْحَاكِمُ إِلَى السِّجْنِ، ثُمَّ اسْتَحْضَرَهُ الْمَالِكِيُّ وَجَلَدَهُ بِالسِّيَاطِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَصْرُخُ بِالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالْكَلَامِ الَّذِي لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ شَقِيٍّ، وَاسْمُ هَذَا اللَّعِينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ تَاسِعَ عَشَرَهُ عُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَحَضَرَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ، وَطُلِبَ إِلَى هُنَالِكَ، فَقَدَّرَ اللَّهُ أَنْ حَكَمَ نَائِبُ الْمَالِكِيِّ بِقَتْلِهِ، فَأُخِذَ سَرِيعًا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ تَحْتَ الْقَلْعَةِ، وَحَرَّقَهُ الْعَامَّةُ، وَطَافُوا بِرَأْسِهِ الْبَلَدَ، وَنَادَوْا عَلَيْهِ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَاظَرْتُ هَذَا الْجَاهِلَ بِدَارِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ، وَإِذَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُهُ الرَّافِضَةُ الْغُلَاةُ، وَقَدْ تَلَقَّى عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُطَهَّرٍ أَشْيَاءَ فِي الْكُفْرِ وَالزَّنْدَقَةِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ. وَوَرَدَ الْكِتَابُ بِإِلْزَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَامِنَ عَشَرَ رَجَبٍ الْفَرْدِ قُرِئَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بِالْمَقْصُورَةِ بِحَضْرَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَأُمَرَاءِ الْأَعْرَابِ، وَكِبَارِ الْأُمَرَاءِ، وَأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالْعَامَّةِ، كِتَابُ السُّلْطَانِ بِإِلْزَامِ أَهْلِ
পৃষ্ঠা - ১১৯৮১
الذِّمَّةِ بِالشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَزِيَادَاتٍ أُخَرَ; مِنْهَا أَنْ لَا يُسْتَخْدَمُوا فِي شَيْءٍ مِنَ الدَّوَاوِينِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَأَنْ لَا تَزِيدَ عِمَامَةُ أَحَدِهِمْ عَلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَلَا يَرْكَبُوا الْخَيْلَ وَلَا الْبِغَالَ، وَلَكِنَّ الْحَمِيرَ بِالْأُكُفِّ عَرْضًا، وَأَنْ لَا يَدْخُلُوا إِلَّا بِالْعَلَامَاتِ مِنْ جَرَسٍ، أَوْ بِخَاتَمِ نُحَاسٍ أَصْفَرَ أَوْ رَصَاصٍ، وَلَا تَدْخُلُ نِسَاؤُهُمْ مَعَ الْمُسَلَّمَاتِ الْحَمَّامَاتِ، وَلْيَكُنْ لَهُنَّ حَمَّامَاتٌ تَخْتَصُّ بِهِنَّ، وَأَنْ يَكُونَ إِزَارُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ كَتَّانٍ أَزْرَقَ، وَالْيَهُودِيَّةِ مِنْ كَتَّانٍ أَصْفَرَ، وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ خُفَّيْهَا أَسُودَ وَالْآخَرُ أَبْيَضَ، وَأَنْ يُحْمَلَ حُكْمُ مَوَارِيثِهِمْ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَاحْتَرَقَتْ بَاشُورَةٌ بِبَابِ الْجَابِيَةِ فِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَعَدِمَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْأُطْعِمَاتِ وَالْحَوَاصِلَ النَّافِعَةَ مِنَ الْبَابِ الْجَوَّانِيِّ إِلَى الْبَابِ الْبَرَّانِيِّ. وَفِي مُسْتَهَلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ عَمِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْبَارِعُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ النَّقَّاشِ الْمِصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ - وَرَدَ دِمَشْقَ - بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ تُجَاهَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ - مِيعَادًا لِلْوَعْظِ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ خَلْقٌ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعَامَّةِ، وَشَكَرُوا كَلَامَهُ وَطَلَاقَهَ عِبَارَتِهِ، مِنْ غَيْرِ تَلَعْثُمٍ وَلَا تَخْلِيطٍ وَلَا تَوَقُّفٍ، وَطَالَ ذَلِكَ إِلَى قَرِيبِ الْعَصْرِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ ثَالِثِهِ صُلِّيَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بِالصَّحْنِ تَحْتَ النَّسْرِ عَلَى
পৃষ্ঠা - ১১৯৮২
الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ حُسَيْنٌ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَنَائِبِهِ، وَحَضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيٌّ، وَقُضَاةُ الْبَلَدِ وَالْأَعْيَانِ وَالدَّوْلَةِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ مَحْشُودَةً، وَحَضَرَ وَالِدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ وَهُوَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَظْهَرُ عَلَيْهِ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ إِمَامًا، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ; لِسَمَاحَةِ أَخْلَاقِهِ وَانْجِمَاعِهِ عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَتَعَدَّى شَرُّهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ يَحْكُمُ جَيِّدًا، نَظِيفَ الْعِرْضِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ قَدْ دَرَسَ فِي عِدَّةِ مَدَارِسَ، مِنْهَا الشَّامِيَّةُ الْبَرَّانِيَّةُ وَالْعَذْرَاوِيَّةُ، وَأَفْتَى، وَتَصَدَّرَ، وَكَانَتْ لَدَيْهِ فَضِيلَةٌ جَيِّدَةٌ بِالنَّحْوِ وَالْفِقْهِ وَالْفَرَائِضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ فِي تُرْبَةٍ مَعْرُوفَةٍ لَهُمْ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. [عَوْدَةُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ حَسَنٍ] ٍ ابْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ شَهْرِ شَوَّالٍ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْأُمَرَاءِ مَعَ الْأَمِيرِ شَيْخُونَ وَصَرْغَتْمُشَ - فِي غَيْبَةِ طَازْ فِي الصَّيْدِ - عَلَى خَلْعِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ صَالِحِ بْنِ النَّاصِرِ، وَأُمُّهُ بِنْتُ تَنْكِزَ، وَإِعَادَةِ أَخِيهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ حَسَنٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، وَأُلْزِمَ الصَّالِحُ بَيْتَهُ مُضَيِّقًا عَلَيْهِ، وَسُلِّمَ إِلَى أُمِّهِ خُونْدَةَ بِنْتِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَنْكِزَ نَائِبِ الشَّامِ، كَانَ، فَطَلَبُوا طَازْ، وَأُمْسِكَ أَخُوهُ جَنْتَمُرَ، وَأَخُو السُّلْطَانِ الصَّالِحِ
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৩
لِأُمِّهِ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَكْتَمُرَ السَّاقِي، وَوَقَعَتْ خَبْطَةٌ عَظِيمَةٌ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُقْبِلِ الْبَرِيدُ إِلَى الشَّامِ وَخَبَرُ الْبَيْعَةِ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، قَدِمَ بِهِمَا الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْدَمُرُ الشَّمْسِيُّ، وَبَايَعَ النَّائِبَ بَعْدَ مَا خَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةً سَنِيَّةً، وَالْأُمَرَاءُ بِدَارِ السَّعَادَةِ عَلَى الْعَادَةِ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ، وَزُيِّنَ الْبَلَدُ، وَخَطَبَ لَهُ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ وَالْقُضَاةِ وَالدَّوْلَةِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ دَخَلَ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْجَكُ عَلَى نِيَابَةِ طَرَابُلُسَ، وَنَزَلَ الْقَصْرَ الْأَبْلَقَ مَعَ الْأَمِيرِ عِزِّ الدِّينِ أَيْدَمُرَ، فَأَقَامَ أَيَّامًا عَدِيدَةً ثُمَّ سَارَ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ أَيَّامٍ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ دَخَلَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَازْ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مُجْتَازًا إِلَى نِيَابَةِ حَلَبَ الْمَحْرُوسَةِ، فَتَلَقَّاهُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ جَامِعِ كَرِيمِ الدِّينِ بِالْقُبَيْبَاتِ، وَشَيَّعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ الْفَرَادِيسِ، فَسَارَ وَنَزَلَ بِوَطْأَةِ بَرْزَةَ فَبَاتَ هُنَالِكَ، ثُمَّ أَصْبَحَ غَادِيًا، وَقَدْ كَانَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَظِيرَ الْأَمِيرِ شَيْخُونَ، وَلَكِنْ قَوِيَ عَلَيْهِ فَسَيَّرَهُ إِلَى بِلَادِ حَلَبَ، وَهُوَ مُحَبَّبٌ إِلَى الْعَامَّةِ لِمَا لَهُ مِنَ السَّعْيِ الْمَشْكُورِ فِي أُمُورٍ كِبَارٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ] اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ حَسَنٌ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَلَيْسَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَائِبٌ وَلَا وَزِيرٌ، وَقُضَاتُهَا هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ الْمَارِدَانِيُّ، وَالْقُضَاةُ وَالْحَاجِبُ وَالْخَطِيبُ وَكَاتِبُ السِّرِّ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَائِبُ حَلَبَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَازْ، وَنَائِبُ طَرَابُلُسَ مَنْجَكُ، وَنَائِبُ حَمَاةَ أَسَنْدَمُرَ الْعُمَرِيُّ، وَنَائِبُ صَفَدَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ، وَنَائِبُ حِمْصَ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْأَقْوَشِ، وَنَائِبُ بَعْلَبَكَّ الْحَاجُّ كَامِلٌ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ تَاسِعِ صَفَرٍ مُسِكَ الْأَمِيرُ أَرْغُونُ الْكَامِلِيُّ الَّذِي نَابَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً ثُمَّ بَعْدَهَا بِحَلَبَ، ثُمَّ طُلِبَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حِينَ وَلِيَهَا طَازْ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ، وَأُرْسِلَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مُعْتَقَلًا. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ قَدِمَ تَقْلِيدُ قَضَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِدِمَشْقَ وَأَعْمَالِهَا لِقَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، عَلَى قَاعِدَةِ وَالِدِهِ، وَذَلِكَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَذَهَبَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ تَوَجَّهَ قَاضِي
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৫
الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ بَعْدَ اسْتِقْلَالِ وَلَدِهِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي قَضَاءِ الْقُضَاةِ وَمَشْيَخَةِ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ مُسَافِرًا نَحْوَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي مِحَفَّةٍ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَذَوِيِهِ، مِنْهُمْ سِبْطُهُ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ وَآخَرُونَ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ وَدَّعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ ضَعْفٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ وَعْثَاءِ السَّفَرِ مَعَ الْكِبَرِ وَالضَّعْفِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَابِعُ شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ صُلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي بْنِ تَمَامٍ السُّبْكِيِّ الْمِصْرِيِّ الشَّافِعِيِّ، تُوُفِّيَ بِمِصْرَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَهُ، وَدُفِنَ مِنْ صَبِيحَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ أَكْمَلَ ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ أَشْهُرًا، وَوَلِيَ الْحُكْمَ بِدِمَشْقَ نَحْوًا مِنْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ نَزَلَ عَنْ ذَلِكَ لِوَلَدِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثُمَّ رَحَلَ فِي مِحَفَّةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَمَّا وَصَلَ مِصْرَ أَقَامَ دُونَ الشَّهْرِ ثُمَّ تُوُفِّيَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ وَمَرْسُومٌ بِاسْتِقْرَارِ وَلَدِهِ فِي مَدْرَسَتِهِ الْيَعْقُوبِيَّةِ وَالْقَيْمَرِيَّةِ، وَبِتَشْرِيفٍ; تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، وَذَهَبَ النَّاسُ إِلَى تَعْزِيَتِهِ عَلَى الْعَادَةِ. وَقَدْ سَمِعَ قَاضِي الْقُضَاةِ السُّبْكِيُّ الْحَدِيثَ فِي شَبِيبَتِهِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَرَحَلَ إِلَى الشَّامِ، وَقَرَأَ بِنَفْسِهِ وَكَتَبَ وَخَرَّجَ، وَلَهُ تَصَانِيفُ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ كَثِيرَةُ الْفَائِدَةِ، وَمَا زَالَ فِي مُدَّةِ الْقَضَاءِ يُصَنِّفُ وَيَكْتُبُ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ، وَذُكِرَ لِي أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৬
وَفِي شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ اشْتُهِرَ أَخْذُ الْفِرَنْجِ الْمَخْذُولِينَ لِمَدِينَةِ طَرَابُلُسَ الْمَغْرِبِ. وَقَرَأَتُ مِنْ كِتَابٍ لِقَاضِي قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ أَخْذَهُمْ إِيَّاهَا كَانَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اسْتَعَادَهَا الْمُسْلِمُونَ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ أَضْعَافَ مَا قَتَلُوا أَوَّلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَأَرْسَلَ الدَّوْلَةُ إِلَى الشَّامِ يَطْلُبُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَوْقَافِ الْأُسَارَى مَا يَسْتَنْقِذُونَ بِهِ مَنْ بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ حَادِيَ عَشَرَ رَجَبٍ الْفَرْدِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ حَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ - وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ - بِقَتْلِ نَصْرَانِيٍّ مِنْ قَرْيَةِ الرَّأْسِ مِنْ مُعَامَلَةِ بَعْلَبَكَّ، اسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ سَالِمٍ; ثَبَتَ عَلَيْهِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فِي بَعْلَبَكَّ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ نُورِ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ غَازِي - مِنْ قَرْيَةِ اللَّبْوَةِ - مِنَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ الَّذِي نَالَ بِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - وَسَبَّهُ وَقَذَفَهُ بِكَلَامٍ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ، فَقُتِلَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - يَوْمَئِذٍ بَعْدَ أَذَانِ الْعَصْرِ بِسُوقِ الْخَيْلِ وَحَرَّقَهُ النَّاسُ، وَشَفَى اللَّهُ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ رَابِعَ عَشَرَ شَعْبَانَ دَرَّسَ الْقَاضِي بَهَاءُ الدِّينِ أَبُو الْبَقَاءِ السُّبْكِيُّ بِالْمَدْرَسَةِ الْقَيْمَرِيَّةِ، نَزَلَ لَهُ عَنْهَا ابْنُ عَمِّهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ عَلَى الْعَادَةِ، وَأَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . وَصُلِّي بَعْدَ الظُّهْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الشَّيْخِ الشَّابِّ الْفَاضِلِ الْمُحَصِّلِ جَمَالِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيِّ،
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৭
وَدُفِنَ عِنْدَ أَبِيهِ بِمَقَابِرَ بَابِ الصَّغِيرِ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ حَافِلَةً، وَكَانَتْ لَدَيْهِ عُلُومٌ جَيِّدَةٌ، وَذِهْنُهُ حَاضِرٌ خَارِقٌ، أَفْتَى، وَدَرَّسَ، وَأَعَادَ، وَنَاظَرَ، وَحَجَّ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ تَاسِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ وَقَعَ حَرِيقٌ هَائِلٌ فِي سُوقِ الْقَطَّانِينَ بِالنَّهَارِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ، وَالْحَجَبَةُ، وَالْقُضَاةُ، حَتَّى اجْتَهَدَ الْفَعُولُ وَالْمُتَبَرِّعُونَ فِي إِخْمَادِهِ وَطَفْيِهِ، حَتَّى سَكَنَ شَرُّهُ. وَقَدْ ذَهَبَ بِسَبَبِهِ دَكَاكِينُ وَدَوْرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ وَالنَّارُ كَمَا هِيَ عَمَّالَةٌ، وَالدُّخَانُ صَاعِدٌ، وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ يُطْفُونَهُ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ الْغَمْرِ، وَالنَّارُ لَا تَخْمُدُ، لَكِنْ هَدَّمَتِ الْجُدْرَانَ، وَخَرَّبَتِ الْمَسَاكِنَ، وَانْتَقَلَ السُّكَّانُ.
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ] اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ وَالْحَرَمَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - الْمَلِكُ النَّاصِرُ حَسَنٌ ابْنُ الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَلَا نَائِبَ وَلَا وَزِيرَ بِمِصْرَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ تَدْبِيرُ الْمَمْلَكَةِ إِلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ شَيْخُونَ، ثُمَّ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ صَرْغَتْمُشَ، ثُمَّ الْأَمِيرِ عِزِّ الدِّينِ طُقْطَايْ الدِّوِيدَارِ، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا سِوَى الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ ابْنُ الْمُتَوَفَّى قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ، وَنَائِبُ حَلَبَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَازْ، وَطَرَابُلُسَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ مَنْجَكُ، وَبِصَفَدَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ، وَبِحَمَاةَ أَسَنْدَمُرَ الْعُمَرِيُّ، وَبِحِمْصَ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ الْمُعَظَّمِ، وَبِبَعْلَبَكَّ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْأَقْوَشِ. وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تَكَامَلَ إِصْلَاحُ بَلَاطِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَغَسْلُ فُصُوصِ الْمَقْصُورَةِ وَالْقُبَّةِ، وَبُسِطَ بَسْطًا حَسَنًا، وَبَيِّضَتْ أَطْبَاقُ الْقَنَادِيلِ، وَأَضَاءَ حَالُهُ جِدًّا، وَكَانَ الْمُسْتَحِثُّ عَلَى ذَلِكَ الْأَمِيرَ عَلَاءَ الدِّينِ أَيْدُغْمُشَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الطَّبْلَخَانَاهْ، بِمَرْسُومِ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ১১৯৮৯
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ صُلِّي عَلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بُرَاقٍ أَمِيرِ آخُورَ بِجَامِعِ تَنْكِزَ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَانَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ، كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ وَأَهْلِهِ، مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ رُسِمَ لِوَلَدَيْهِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، وَسَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ; كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ أَرْمَاحٍ، وَلِنَاصِرِ الدِّينِ بِمَكَانِ أَبِيهِ فِي الْوَظِيفَةِ بِإِصْطَبْلِ السُّلْطَانِ. وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ رَابِعِ شَهْرِ جُمَادَى الْأُولَى خُلِعَ عَلَى الْأَمِيرَيْنِ الْأَخَوَيْنِ; نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، وَسَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَدَيِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بُرَاقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَمِيرَيْنِ عَشَرَتَيْنِ. وَوَقَعَ فِي هَذَا الشَّهْرِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْحَنَابِلَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُنَاقَلَةِ، وَكَانَ سَبَبَهَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَالِكِيَّ - وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَسَلَّاتِيُّ - أَذِنَ لِلشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالْمُنَاقَلَةِ فِي قَرَارِ دَارِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ طَيْدَمُرَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَاجِبِ الْحُجَّابِ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى يَجْعَلُهَا وَقْفًا عَلَى مَا كَانَتْ قَرَارُ دَارِهِ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ، وَنَفَّذَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ; الشَّافِعِيُّ، وَالْحَنَفِيُّ، وَالْمَالِكِيُّ، فَغَضِبَ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ - وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ الْمَرْدَاوِيُّ الْمَقْدِسِيُّ - مِنْ ذَلِكَ، وَعَقْدَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَجَالِسَ، وَتَطَاوُلَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَادَّعَى
পৃষ্ঠা - ১১৯৯০
كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُنَاقَلَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَوْقُوفِ، فَأَمَّا الْمُنَاقَلَةُ لِمُجَرَّدِ الْمُصْلَحَةِ وَالْمَنْفَعَةِ الرَّاجِحَةِ فَلَا، وَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِ مَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِهِ صَالِحٍ، وَحَرْبٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ مَسْأَلَةً مُفْرَدَةً، وَقَفْتُ عَلَيْهَا فَرَأَيْتُهَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْإِفَادَةِ، بِحَيْثُ لَا يَتَخَالَجُ مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا مِمَّنْ يَذُوقُ طَعْمَ الْفِقْهِ أَنَّهَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَدِ احْتَجَّ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ صَالِحٍ بِمَا رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يُحَوِّلَ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ بِالْكُوفَةِ إِلَى مَوْضِعِ سُوقِ التَّمَارِينَ، وَيَجْعَلَ السُّوقَ فِي مَكَانِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الْعَتِيقِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا فِيهِ أَوْضَحُ دَلَالَةٍ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِيهَا مِنَ النَّقْلِ بِمُجَرَّدِ الْمُصْلِحَةِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى جَعْلِ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ سُوقًا، عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَبَيْنَ عُمَرَ، وَبَيْنَ الْقَاسِمِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَكِنْ قَدْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْمَذْهَبِ "، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ فِي ذَلِكَ، فَعُقِدَ الْمَجْلِسُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ. وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ، احْتَرَقَ بِسَبَبِهِ قَيَاسِيرُ كَثِيرَةٌ لِطَازْ وَيَلْبُغَا، وَقَيْسَرِيَّةُ الطَّوَاشِيِّ لِبِنْتِ
পৃষ্ঠা - ১১৯৯১
تَنْكِزَ، وَأُخَرُ كَثِيرَةٌ، وَدُورٌ، وَدَكَاكِينَ، وَذَهَبَ لِلنَّاسِ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَمْتِعَةِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْبَضَائِعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَاوِمُ أَلْفَ أَلْفٍ وَأَكْثَرَ خَارِجًا عَنِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ كَانَ فِي هَذِهِ الْقَيَاسِيرِ شَرٌّ كَثِيرٌ مِنَ الْفِسْقِ، وَالرِّبَا، وَالزَّغَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْفِرَنْجَ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - اسْتَحْوَذُوا عَلَى مَدِينَةِ صَيْدًا; قَدِمُوا فِي سَبْعَةِ مَرَاكِبَ، وَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهَا، وَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَأَسَرُوا أَيْضًا، وَهَجَمُوا عَلَى النَّاسِ وَقْتَ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ قَتَلَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَسَرُوا مَرْكَبًا مِنْ مَرَاكِبِهِمْ، وَجَاءَ الْفِرَنْجُ فِي عَشِيَّةِ السَّبْتِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَدِمَ الْوَالِي وَهُوَ جَرِيحٌ مُثْقَلٌ، فَأَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ عِنْدَ ذَلِكَ بِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَسَارُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَتَقَدَّمَهُمْ حَاجِبُ الْحُجَّابِ، وَتَحَدَّرَ إِلَيْهِمْ نَائِبُ صَفَدَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ صُبْحٍ، فَسَبَقَ الْجَيْشَ الدِّمَشْقِيَّ، وَوَجَدَ الْفِرَنْجَ قَدْ بَرَزُوا بِمَا غَنِمُوا مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْأُسَارَى إِلَى جَزِيرَةٍ تِلْقَاءَ صَيْدًا فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ شَيْخًا وَشَابًّا مِنْ أَبْنَاءِ أَشْرَافِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي عَاقَهُمْ عَنِ الذَّهَابِ، فَرَاسَلَهُمُ الْجَيْشُ فِي انْفِكَاكِ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَفَادَوْهُمْ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ بِخَمْسِمِائِةٍ، فَأَخَذُوا مِنْ دِيوَانِ الْأُسَارَى مَبْلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَحَدٌ. وَاسْتَمَرَّ الصَّبِيُّ مِنَ الْفِرَنْجِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَسْلَمَ، وَدُفِعَ إِلَيْهِمُ الشَّيْخُ الْجَرِيحُ، وَعَطِشَ الْفِرَنْجُ عَطَشًا شَدِيدًا، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْوَوْا مِنْ نَهْرٍ هُنَاكَ، فَبَادَرَهُمُ الْجَيْشُ إِلَيْهِ،
পৃষ্ঠা - ১১৯৯২
فَمَنَعُوهُمْ أَنْ يَنَالُوا مِنْهُ قَطْرَةً وَاحِدَةً، فَرَحَلُوا لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءَ مُنْشَمِرِينَ بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَبُعِثَتْ رُءُوسُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفِرَنْجِ مِمَّنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَنُصِبَتْ عَلَى الْقَلْعَةِ بِدِمَشْقَ، وَجَاءَ الْخَبَرُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِأَنَّ إِيَاسَ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الْفِرَنْجَ، وَقَدْ أَخَذُوا الرُّبَضَ، وَهُمْ مُحَاصِرُونَ الْقَلْعَةَ، وَفِيهَا نَائِبُ الْبَلَدِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ قَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَذَهَبَ صَاحِبُ حَلَبَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ نَحْوَهُمْ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُظْفِرَهُمْ بِهِمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَشَاعَ بَيْنَ الْعَامَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ مُحَاصَرَةٌ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ إِلَى الْآنِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ رَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ قَدِمَ رُءُوسٌ مِنْ قَتْلَى الْفِرَنْجِ عَلَى صَيْدًا، وَهِيَ بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ رَأْسًا، فَنُصِبَتْ عَلَى شُرُفَاتِ الْقَلْعَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ دَاخِلَ بَابِ الصَّغِيرِ مِنْ مَطْبَخِ السُّكَّرِ الَّذِي عِنْدَ السَّوِيقَةِ الْمُلَاصِقَةِ لِمَسْجِدِ الشَّنْبَاشِيِّ، فَاحْتَرَقَ الْمَطْبَخُ وَمَا حَوْلَهُ إِلَى حَمَّامِ أَبِي نَصْرٍ، وَاتَّصَلَ بِالسَّوِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَمَاكِنِ، فَكَانَ قَرِيبًا أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْحَرِيقِ ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَحَضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَلَكِنْ كَانَ الرِّيحُ قَوِيًّا، وَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.