আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১১৩০০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةِ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا قَدِمَ الشُّجَاعِيُّ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ بِنِيَّةِ الْمُصَادَرَةِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَفِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَقْدِسِيُّ مِنَ الْقَاهِرَةِ عَلَى وِكَالَةِ بَيْتِ الْمَالِ وَنَظَرِ الْأَوْقَافِ وَنَظَرِ الْخَاصِّ، وَمَعَهُ تَقَالِيدُ وَخِلَعٌ، فَتَرَدَّدَ النَّاسُ إِلَى بَابِهِ، وَتَكَلَّمَ فِي الْأُمُورِ، وَآذَى كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ بِسِفَارَةِ الْأَمِيرِ عَلَمِ الدِّينِ الشُّجَاعِيِّ الْمُتَكَلِّمِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، تَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِالشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الْأَيْكِيِّ وَبِابْنِ الْوَجِيهِ الْكَاتِبِ، وَكَانَا عِنْدَهُ لَهُمَا صُورَةٌ، وَقَدْ طَلَبَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ الدَّمَاشِقَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَطُولِبُوا بِأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ، فَدَافَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهَذَا مِمَّا يُخَفِّفُ عُقُوبَتَهُ مِنْ ظُلْمِهِمْ، وَإِلَّا فَلَوْ صَبَرُوا لَعُوجِلَ الظَّالِمُ بِالْعُقُوبَةِ، وَلَزَالَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ سَرِيعًا. وَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ الْمَقْدِسِيِّ إِلَى دِمَشْقَ كَانَ يَحْكُمُ بِتُرْبَةِ أَمِّ الصَّالِحِ وَالنَّاسُ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ وَيَخَافُونَ شَرَّهُ، وَقَدِ اسْتَجَدَّ بَاشُورَةً بِبَابِ الْفَرَادِيسِ وَمَسَاطِبِ بَابِ السَّاعَاتِ لِلشُّهُودِ، وَجَدَّدَ بَابَ الْجَابِيَةِ الشَّمَالِيَّ وَرَفَعَهُ وَكَانَ مُتَوَاطِئًا، وَأَصْلَحَ الْجِسْرَ الَّذِي تَحْتَهُ،
পৃষ্ঠা - ১১৩০১
وَكَذَلِكَ أَصْلَحَ جِسْرَ بَابِ الْفَرَادِيسِ تَحْتَ السُّوَيْقَةِ الَّتِي جَدَّدَهَا عَلَيْهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ ابْنُ الْمَقْدِسِيِّ، وَقَدْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ كَثِيرَ الْأَذِيَّةِ لِلنَّاسِ ظَلُومًا غَشُومًا، وَيَفْتَحُ عَلَى النَّاسِ أَبْوَابًا مِنَ الظُّلْمِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا. وَفِي عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَيْضًا قَاضِي الْقُضَاةِ حُسَامُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَالصَّاحِبُ تَقِيُّ الدِّينِ تَوْبَةُ التَّكْرِيتِيُّ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الزَّوَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ عَلَى قَضَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ شُغُورِهِ عَنْ حَاكِمٍ بِدِمَشْقَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَنِصْفٍ، فَأَقَامَ شِعَارَ الْمَنْصِبِ، وَدَرَّسَ وَنَشَرَ الْمَذْهَبَ، وَكَانَ لَهُ سُؤْدُدٌ وَرِيَاسَةٌ. وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ رَابِعَ شَعْبَانَ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ بِالدُّوسَنْطَارِيَّةِ، فَوَجْدَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَجْدًا شَدِيدًا، وَقَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ، وَخَطَبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ مِنْ مُدَّةِ سِنِينَ، فَدَفَنَهُ فِي تُرْبَتِهِ، وَجَعَلَ وِلَايَةَ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى ابْنِهِ الْأَشْرَفِ خَلِيلٍ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْآفَاقِ، وَلَمَّا جَاءَتِ الْبَرِيدِيَّةُ فِي شَوَّالٍ بِوِلَايَةِ الْأَشْرَفِ خَلِيلٍ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ، خُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ مِنْ بَعْدِ ذِكْرِ أَبِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَلَبِسَ الْجَيْشُ الْخِلَعَ وَرَكِبُوا، وَأَظْهَرَ النَّاسُ سُرُورًا لِشَهَامَتِهِ. وَفِي رَمَضَانَ بَاشَرَ حِسْبَةَ دِمَشْقَ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ السَّلْعُوسِ عِوَضًا عَنْ شَرَفِ الدِّينِ بْنِ الشِّيرَجِيِّ.
পৃষ্ঠা - ১১৩০২
وَفِيهِ تَوَجَّهَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ إِلَى خَطَابَةِ الْقُدْسِ بَعْدَ مَوْتِ خَطِيبِهِ قُطْبِ الدِّينِ، فَبَاشَرَ بَعْدَهُ تَدْرِيسَ الْقَيْمُرِيَّةِ عَلَاءُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ أَخُو قَاضِي مِصْرَ، ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ أَخَذَ ابْنُ جَمَاعَةَ قَضَاءَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عِوَضًا عَنِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ. وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُبِسَ نَصْرَانِيٌّ وَعِنْدَهُ مُسْلِمَةٌ، وَهُمَا يَشْرَبَانِ الْخَمْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَأَمَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِينُ بِتَحْرِيقِ النَّصْرَانِيِّ، فَبَذَلَ فِي نَفْسِهِ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، وَأُحْرِقَ بِسُوقِ الْخَيْلِ، وَعَمِلَ الشِّهَابُ مَحْمُودٌ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا فِي قَصِيدَةٍ مَلِيحَةٍ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْخَطِيبُ الْإِمَامُ قُطْبُ الدِّينِ أَبُو الزَّكَاءِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ خَطِيبُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ الْكِبَارِ، مَجْمُوعًا عَنِ النَّاسِ، حَسَنَ الْهَيْئَةِ مَهِيبًا، عَزِيزَ النَّفْسِ يُفْتِي النَّاسَ، وَيَذْكُرُ التَّفْسِيرَ مِنْ حِفْظِهِ فِي الْمِحْرَابِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَقَدْ سَمِعَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنَ الْأَخْيَارِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ سَابِعِ رَمَضَانَ عَنْ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَابِدُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مِعْضَادِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ مَاجِدٍ الْجَعْبَرِيُّ،
পৃষ্ঠা - ১১৩০৩
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو إِسْحَاقَ أَصْلُهُ مِنْ قَلْعَةِ جَعْبَرَ، ثُمَّ أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ، فَكَانَ يَعِظُ النَّاسَ، وَكَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِكَلَامِهِ كَثِيرًا، تُوُفِّيَ بِالْقَاهِرَةِ يَوْمَ السَّبْتِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَدُفِنَ فِي تُرْبَتِهِ بِالْحُسَيْنِيَّةِ، وَلَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ، وَكَانَ مِنَ الصُّلَحَاءِ الْمَشْهُورِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الشَّيْخُ الصَّالِحُ يَاسِينُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْحَجَّامُ شَيْخُ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَاوِيِّ، وَقَدْ حَجَّ عِشْرِينَ حَجَّةً، وَكَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ وَكَرَامَاتٌ. الْخُونْدَهُ غَازِيَةُ خَاتُونَ بِنْتُ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ زَوْجَةُ الْمَلِكِ السَّعِيدِ الْحَكِيمُ الرَّئِيسُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْحَزْمِ بْنِ نَفِيسٍ شَرَحَ " الْقَانُونَ " لِابْنِ سِينَا، وَصَنَّفَ " الْمُوجَزَ " وَغَيْرَهُ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَكَانَ يَكْتُبُ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ اشْتِغَالُهُ عَلَى ابْنِ الدَّخْوَارِيِّ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ مَالِكٍ النَّحْوِيُّ شَارِحُ " الْأَلْفِيَّةِ " الَّتِي عَمِلَهَا أَبُوهُ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الشُّرُوحِ وَأَكْثَرِهَا فَوَائِدَ، وَكَانَ لَطِيفًا ظَرِيفًا فَاضِلًا، تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ الثَّامِنِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ بِبَابِ الصَّغِيرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১১৩০৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَ فَتْحُ مَدِينَةِ طَرَابُلُسَ، وَذَلِكَ أَنَّ السُّلْطَانَ قَلَاوُونَ قَدِمَ بِالْجُيُوشِ الْمَنْصُورَةِ الْمِصْرِيَّةِ فِي صُحْبَتِهِ إِلَى دِمَشْقَ فَدَخَلَهَا فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ، ثُمَّ صَارَ بِهِمْ وَبِجَيْشِ دِمَشْقَ وَصُحْبَتُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُطَّوِّعَةِ; مِنْهُمُ الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ قَاضِي الْحَنَابِلَةِ، وَخَلْقٌ مِنَ الْمَقَادِسَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَنَازَلَ طَرَابُلُسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَحَاصَرَهَا بِالْمَجَانِيقِ حِصَارًا شَدِيدًا، وَضَيَّقُوا عَلَى أَهْلِهَا تَضْيِيقًا عَظِيمًا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ مَنْجَنِيقًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ رَابِعِ رَبِيعٍ الْآخِرِ فُتِحَتْ طَرَابُلُسُ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ النَّهَارِ عَنْوَةً، وَشَمَلَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ جَمِيعَ مَنْ فِيهَا، وَغَرِقَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمِينَاءِ وَنُهِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَسُبِيَتِ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، وَأُخِذَتِ الذَّخَائِرُ وَالْحَوَاصِلُ، وَقَدْ كَانَ لَهَا فِي أَيْدِي الْفِرِنْجِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إِلَى هَذَا التَّارِيخِ، كَانَ الْمَلِكُ صَنْجِيلُ الْفِرِنْجِ حَاصَرَهَا سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى ظَفِرَ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَيْدِي
পৃষ্ঠা - ১১৩০৫
الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَمَانِ مُعَاوِيَةَ، فَقَدْ فَتَحَهَا سُفْيَانُ بْنُ مُجِيبٍ لِمُعَاوِيَةَ، فَأَسْكَنَهَا مُعَاوِيَةُ الْيَهُودَ، ثُمَّ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ جَدَّدَ عِمَارَتَهَا، وَحَصَّنَهَا وَأَسْكَنَهَا الْمُسْلِمِينَ، وَصَارَتْ آمِنَةً عَامِرَةً مُطَمْئِنَةً، وَبِهَا ثِمَارُ الشَّامِ وَمِصْرَ، فَإِنَّ بِهَا الْجَوْزَ وَالْمَوْزَ وَالثَّلْجَ وَالْقَصَبَ، وَالْمِيَاهُ جَارِيَةٌ فِيهَا تَصْعَدُ إِلَى أَمْكِنَةٍ عَالِيَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مُدُنٍ مُتَقَارِبَةٍ، ثُمَّ صَارَتْ بَلَدًا وَاحِدًا، ثُمَّ حُوِّلَتْ مِنْ مَوْضِعِهَا كَمَا سَيَأْتِي الْآنَ. وَلَمَّا وَصَلَتِ الْبِشَارَةُ إِلَى دِمَشْقَ دَقَّتِ الْبَشَائِرُ، وَزُيِّنَتِ الْبِلَادُ، وَفَرِحَ النَّاسُ فَرَحًا شَدِيدًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ثُمَّ أَمَرَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ قَلَاوُونُ أَنْ تُهْدَمَ الْبَلَدُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَمَائِرِ وَالدُّورِ وَالْأَسْوَارِ الْحَصِينَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَى مَيْلٍ مِنْهَا بَلْدَةٌ غَيْرُهَا أَمْكَنَ مِنْهَا وَأَحْسَنَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَهِيَ هَذِهِ الْبَلْدَةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: طَرَابُلُسُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى دَارَ أَمَانٍ وَإِيمَانٍ. وَلَمَّا فَرَغَ السُّلْطَانُ مِنْ فَتْحِ طَرَابُلُسَ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَسْرُورًا مَحْبُورًا، فَدَخَلَهَا يَوْمَ النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ فَوَّضَ الْأُمُورَ وَالْكَلَامَ فِي الْأَمْوَالِ إِلَى عَلَمِ الدِّينِ الشُّجَاعِيِّ، فَصَادَرَ جَمَاعَةً وَجَمَعَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَذَى الْخَلْقِ، وَبِئْسَ هَذَا الصَّنِيعُ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْجِيلٌ لِدَمَارِ الظَّالِمِ وَهَلَاكِهِ، فَلَمْ يُغْنِ عَنِ الْمَنْصُورِ مَا جَمَعَ لَهُ الشُّجَاعِيُّ مِنَ الْأَمْوَالِ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْيَسِيرَ حَتَّى أَخَذَهُ اللَّهُ، كَمَا سَيَأْتِي. ثُمَّ سَافَرَ السُّلْطَانُ فِي ثَانِي شَعْبَانَ بِجَيْشِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَدَخَلَهَا فِي أَوَاخِرِ شَعْبَانَ.
পৃষ্ঠা - ১১৩০৬
وَفِيهَا فُتِحَتْ قِلَاعٌ كَثِيرَةٌ بِنَاحِيَةِ حَلَبَ; كَرْكَرُ وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَكُسِرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَرِ هُنَاكَ، وَقُتِلَ مَلِكُهُمْ خَرْبَنْدَا نَائِبُ التَّتَرِ عَلَى مَلَطْيَةَ. وَفِيهَا تَوَلَّى الْحِسْبَةَ بِدِمَشْقَ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ التَّقِيِّ تَوْبَةُ التَّكْرِيتِيُّ، ثُمَّ أَخَذَهَا بَعْدَ شُهُورٍ تَاجُ الدِّينِ الشِّيرَازِيُّ. وَفِيهَا وُضِعَ مِنْبَرٌ عِنْدَ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ عِمَارَةٍ كَانَتْ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَصَلَّى بُرْهَانُ الدِّينِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ نَائِبُ الْخَطِيبِ بِالنَّاسِ هُنَاكَ مُدَّةَ شَهْرٍ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمُعَاتِ، ابْتَدَءُوا ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الشَّيْخَةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ الرُّعَيْنِيِّ زَوْجَةُ النَّجْمِ بْنِ إِسْرَائِيلَ، كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْفَقْرِ، لَهَا سَلْطَنَةٌ وَإِقْدَامٌ وَتَرْجَمَةٌ وَكَلَامٌ فِي طَرِيقَةِ الْحَرِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَحَضَرَ جِنَازَتَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَتْ عِنْدَ الشَّيْخِ رَسْلَانَ الْعَلَمُ بْنُ الصَّاحِبِ الْمَاجِنِ، هُوَ الشَّيْخُ الْفَاضِلُ عَلَمُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُكْرٍ كَانَ مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ وَرِيَاسَةٍ، وَقَدْ دَرَّسَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ، وَكَانَتْ لَهُ وَجَاهَةٌ وَرِيَاسَةٌ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْحَرْفَشَةِ وَصُحْبَةِ الْحَرَافِيشِ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي اللِّبَاسِ وَالطَّرِيقَةِ، وَأَكْلِ الْحَشِيشِ
পৃষ্ঠা - ১১৩০৭
وَاسْتَعْمَلَ مَا كَانَ مِنْ إِلْفِهِمْ فِي الْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ وَالزَّوَائِدِ الرَّائِقَةِ الْفَائِقَةِ الَّتِي لَا يُلْحَقُ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ فُضَلَاءُ يَنْهَوْنَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَلَمَّا وَلِيَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ كَانَ ابْنُ خَالَتِهِ تَاجُ الدِّينِ ابْنُ بِنْتِ الْأَعَزِّ مُسْتَقِلًّا فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الصَّاحِبِ الْمَذْكُورُ: مَا مِتُّ حَتَّى رَأَيْتُكَ صَاحِبَ رَبْعٍ. فَقَالَ لَهُ: تَسْكُتُ وَإِلَّا خَلَّيْتُهُمْ يَسْقُونَكَ السُّمَّ. فَقَالَ لَهُ: فِي قِلَّةِ دِينِكَ تَفْعَلُ، وَفِي قِلَّةِ عُقُولِهِمْ يَسْمَعُوا مِنْكَ. وَقَالَ يَمْدَحُ الْحَشِيشَةَ الْخَسِيسَةَ: فِي خُمَارِ الْحَشِيشِ مَعْنَى مَرَامِي ... يَا أُهَيْلَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ حَرَّمُوهَا مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ وَنَقْلٍ ... وَحَرَامٌ تَحْرِيمُ غَيْرِ الْحَرَامِ وَلَهُ أَيْضًا: يا نَفْسُ مِيلِي إِلَى التَّصَابِي ... فَاللَّهْوُ مِنْهُ الْفَتَى يَعِيشُ وَلَا تَمَلِّي مِنْ سُكْرِ يَوْمٍ ... إِنْ أَعْوَزَ الْخَمْرُ فَالْحَشِيشُ وَلَهُ أَيْضًا: جَمَعْتُ بَيْنَ الْحَشِيشِ وَالْخَمْرِ ... فَرُحْتُ لَا أَهْتَدِي مِنَ السُّكْرِ يَا مَنْ يُرِينِي لُبَابَ مَدْرَسَتِي ... يَرْبَحُ وَاللَّهُ غَايَةُ الْأَجْرِ
পৃষ্ঠা - ১১৩০৮
وَقَالَ يَهْجُو الصَّاحِبَ بَهَاءَ الدِّينِ بْنَ الْحِنَّا: اقْعُدْ بِهَا وَتَهَنَّا ... لَا بُدَّ أَنْ تَتَعَنَّى تَكْتُبْ عَلَى ابْنِ مُحَمَّدْ ... مِنْ أَيْنَ لَكَ يَا بْنَ حِنَّا فَاسْتَدْعَاهُ فَضَرَبَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ إِلَى الْمَارَسْتَانِ، فَمَكَثَ فِيهِ سَنَةً، ثُمَّ أُطْلِقَ. شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْبَهَانِيُّ شَارِحُ " الْمَحْصُولِ " مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ السَّلْمَانِيُّ الْعَلَّامَةُ قَدِمَ دِمَشْقَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَنَاظَرَ الْفُقَهَاءَ، وَاشْتُهِرَتْ فَضَائِلُهُ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَشَرَحَ " الْمَحْصُولَ " لِلرَّازِيِّ، وَصَنَّفَ الْقَوَاعِدَ فِي أَرْبَعَةِ فُنُونٍ ; أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأُصُولِ الدِّينِ، وَالْمَنْطِقِ، وَالْخِلَافِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالْمَنْطِقِ وَالنَّحْوِ وَالْأَدَبِ، وَقَدْ رَحَلَ إِلَى مِصْرَ، فَدَرَّسَ بِمَشْهَدِ الْحُسَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَرَحَلَ إِلَيْهِ الطَّلَبَةُ، تُوُفِّيَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ فِي الْقَاهِرَةِ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً. الشَّمْسُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَفِيفِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ التِّلْمِسَانِيُّ الشَّاعِرُ الْمُطَبِّقُ، كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، فَتَأَلَّمَ لَهُ وَوَجَدَ عَلَيْهِ وَجْدًا شَدِيدًا، وَرَثَاهُ بِأَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ
পৃষ্ঠা - ১১৩০৯
رَجَبٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ. فَمِنْ رَائِقِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: وَإِنَّ ثَنَايَاهُ نُجُومٌ لِبدْرِهِ ... وَهُنَّ لِعِقْدِ الْحُسْنِ فِيهِ فَرَائِدُ وَكَمْ يَتَجَافَى خَصْرُهُ وَهْوَ نَاحِلٌ ... وَكَمْ يَتَحَلَّى ثَغْرُهُ وَهُو بَارِدُ وَلَهُ يَذُمُّ الْحَشِيشَةَ: مَا لِلْحَشِيشَةِ فَضْلٌ عِنْدَ آكِلِهَا ... لَكِنَّهَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ إِلَى رَشَدِهْ صَفْرَاءُ فِي وَجْهِهِ خَضْرَاءُ فِي فَمِهِ ... حَمْرَاءُ فِي عَيْنَهِ سَوْدَاءُ فِي كَبِدِهِ وَمِنْ شِعْرِهِ أَيْضًا: بَدَا وَجْهُهُ مِنْ فَوْقِ ذَابِلِ قَدِّهِ ... وَقَدْ لَاحَ مِنْ سُودِ الذَّوَائِبِ فِي جُنْحِ فَقُلْتُ عَجِيبٌ كَيْفَ لَمْ يَذْهَبِ الدُّجَى ... وَقَدْ طَلَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ عَلَى رُمْحِ وَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ أَبْيَاتٍ: مَا أَنْتَ عِنْدِي وَالْقَضِي ... بُ اللَّدْنُ فِي حَدٍّ سَوَا هَذَاكَ حَرَّكَهُ الْهَوَا ... ءُ وَأَنْتَ حَرَّكْتَ الْهَوَى الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَادِلِ تُوُفِّيَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَامِنَ عَشَرَ شَعْبَانَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ مِنْ يَوْمِهِ بِتُرْبَةِ جَدِّهِ، وَكَانَ نَاظِرَهَا، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَهْلَهُ، وَكَانَ فِيهِ لُطْفٌ وَتَوَاضُعٌ.
পৃষ্ঠা - ১১৩১০
الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ الْبَعْلَبَكِّيُّ الْحَنْبَلِيُّ شَيْخُ دَارِ الْحَدِيثِ النُّورِيَّةِ وَمَشْهَدِ ابْنِ عُرْوَةَ، وَشَيْخُ الصَّدْرِيَّةِ، كَانَ يُفْتِي وَيُفِيدُ النَّاسَ مَعَ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ وَزَهَادَةٍ وَعِبَادَةٍ، وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ مِنْهَا.
পৃষ্ঠা - ১১৩১১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ وَكَانَ الْخَلِيفَةُ الْحَاكِمَ الْعَبَّاسِيَّ، وَنَائِبُ مِصْرَ حُسَامَ الدِّينِ طُرُنْطَايَ، وَنَائِبُ الشَّامِ حُسَامَ الدِّينِ لَاجِينَ، وَقُضَاةُ الشَّامِ شِهَابَ الدِّينِ بْنَ الْخَوِّييِّ الشَّافِعِيَّ، وَحُسَامَ الدِّينِ الْحَنَفِيَّ، وَنَجْمَ الدِّينِ بْنَ شَيْخِ الْجَبَلِ الْحَنْبَلِيَّ، وَجَمَالَ الدِّينِ الزَّوَاوِيَّ الْمَالِكِيَّ. وَجَاءَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِ شَمْسِ الدِّينِ سُنْقُرَ الْأَعْسَرِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَكْرَمَهُ السُّلْطَانُ وَقَوَّاهُ، وَشَدَّ يَدَهُ، وَأَمَرَهُ بِاسْتِخْلَاصِ الْأَمْوَالِ، وَزَادَهُ شَدَّ الْجُيُوشِ، وَالْكَلَامَ عَلَى الْحُصُونِ إِلَى الْبِيرَةِ وَكَخْتَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَوِيَتْ نَفْسُهُ وَزَادَ تَجَبُّرُهُ، وَلَكِنْ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى مُرُوءَةٍ وَسَتْرٍ، وَيَنْفَعُ مَنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ، وَذَلِكَ مَوَدَّةٌ فِي الدُّنْيَا فِي أَيَّامٍ قَلَائِلَ. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ جَاءَ الْبَرِيدُ بِالْكَشْفِ عَلَى نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ الْمَقْدِسِيِّ وَكَيْلِ بَيْتِ الْمَالِ وَنَاظِرِ الْخَاصِّ وَالْأَوْقَافِ، فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ مَخَازٍ مِنْ أَكَلِ الْأَوْقَافِ وَغَيْرِهَا، فَرُسِمَ عَلَيْهِ بِالْعَذْرَاوِيَّةِ، وَطُولِبَ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَضُيِّقَ عَلَيْهِ،
পৃষ্ঠা - ১১৩১২
وَعَمِلَ فِيهِ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّامَرِّيُّ قَصِيدَةً يَتَشَفَّى فِيهَا لِمَا كَانَ أَسَدَى إِلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْإِيذَاءِ، مَعَ أَنَّهُ رَاحَ إِلَيْهِ، وَتَغَمَّمَ لَهُ وَتَمَازَحَا هُنَالِكَ، ثُمَّ جَاءَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَخَافَ النُّوَّابُ مِنْ ذَهَابِهِ إِلَيْهَا وَفُضُولِهِ وَشَرِّهِ، فَأَصْبَحَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَالِثَ شَعْبَانَ وَهُوَ مَشْنُوقٌ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَذْرَاوِيَّةِ، فَطُلِبَتِ الْقُضَاةُ وَالشُّهُودُ، فَشَاهَدُوهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ جُهِّزَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ عِنْدَ أَبِيهِ، وَكَانَ مُدَرِّسًا بالرَّوَاحِيَّةِ وَتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ مَعَ الْوِكَالَتَيْنِ وَالنَّظَرِ. وَجَاءَ الْبَرِيدُ بِعَمَلِ مَجَانِيقَ لِحِصَارِ عَكَّا، فَرَكِبَ الْأَعْسَرُ إِلَى أَرَاضِي بَعْلَبَكَّ لِمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَخْشَابِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا بِدِمَشْقَ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَكَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ وَالْجِبَايَاتُ وَالسُّخْرُ، وَكَلَّفُوا النَّاسَ تَكْلِيفًا كَثِيرًا، وَأَخَذُوا أَخْشَابَ النَّاسِ، وَحُمِلَتْ إِلَى دِمَشْقَ بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ وَشِدَّةٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفَاةُ الْمَلَكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي هَذَا الْهَمِّ وَالْمُصَادَرَاتِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ إِذْ وَرَدَتْ بَرِيدِيَّةٌ، فَأُخْبِرُوا بِوَفَاةِ الْمَلَكِ الْمَنْصُورِ يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسِ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بِالْمُخَيَّمِ ظَاهِرَ الْقَاهِرَةِ، ثُمَّ حُمِلَ إِلَى قَلْعَةِ الْجَبَلِ لَيْلًا، وَجَلَسَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ خَلِيلٌ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ لَهُ، وَحَلَفَ لَهُ جَمِيعُ الْأُمَرَاءِ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَرَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمَلِكِ، وَالْعَسْكَرُ كُلُّهُمْ فِي خِدْمَتِهِ مُشَاةً مِنْ قَلْعَةِ الْجَبَلِ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَسْوَدِ الَّذِي هُوَ سُوقُ الْخَيْلِ، وَعَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْمُقْدِمِينَ الْخِلَعُ وَعَلَى الْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ، وَلَمَّا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ حَلَفَ
পৃষ্ঠা - ১১৩১৩
لَهُ الْأُمَرَاءُ بِالشَّامِ، وَقَبَضَ عَلَى حُسَامِ الدِّينِ طُرُنْطَايِ نَائِبِ أَبِيهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، فَأَنْفَقَ مِنْهَا عَلَى الْعَسْكَرِ. وَفِيهَا وَلِيَ خَطَابَةَ دِمَشْقَ زَيْنُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ الْمُرَحِّلِ عِوَضًا عَنْ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي، وَكَانَ ذَلِكَ بِمُسَاعَدَةِ الْأَعْسَرِ، وَتَوَلَّى نَظَرَ الْجَامِعِ الرَّئِيسُ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّا الْحَنْبَلِيُّ، عِوَضًا عَنْ نَاصِرِ الدِّينِ بْنِ الْمَقْدِسِيِّ، وَثَمَّرَ وَقَفَهُ وَعَمَّرَهُ، وَزَادَ مِائَةً وَخَمْسِينَ أَلْفًا. وَفِيهَا احْتَرَقَتْ دَارُ صَاحِبِ حَمَاةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا نَارٌ فِي غَيْبَتِهِ، فَلَمْ يَتَجَاسَرْ أَحَدٌ يَدْخُلُهَا، فَعَمِلَتِ النَّارُ فِيهَا يَوْمَيْنِ، فَاحْتَرَقَتْ وَاحْتَرَقَ كُلُّ مَا فِيهَا. وَفِي شَوَّالٍ دَرَّسَ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ بَعْدَ ابْنِ الْمَقْدِسِيِّ الْقَاضِي إِمَامُ الدِّينِ الْقُونَوِيُّ. وَفِيهَا بَاشَرَ الشَّرَفُ حَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ قَضَاءَ الْحَنَابِلَةِ عِوَضًا عَنِ ابْنِ عَمِّهِ نَجْمِ الدِّينِ بْنِ شَيْخِ الْجَبَلِ، عَنْ مَرْسُومِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَبْلَ وَفَاتِهِ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الشَّامِ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ بَكْتُوتُ الزُّوبَاسِيُّ، وَحَجَّ قَاضِي الْقُضَاةِ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ الْخُوَيِّيِّ، وَشَمْسُ الدِّينِ بْنُ السَّلْعُوسِ، وَمُقَدَّمُ الرَّكْبِ الْأَمِيرُ عُتْبَةُ، فَتَوَهَّمَ مِنْهُ أَبُو نُمَيٍّ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، فَأَغْلَقَ أَبْوَابَ مَكَّةَ، وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ دُخُولِهَا، فَأُحْرِقَ الْبَابُ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَنُهِبَتْ بَعْضُ الْأَمَاكِنِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ فَظِيعَةٌ، ثُمَّ أَرْسَلُوا الْقَاضِيَ ابْنَ
পৃষ্ঠা - ১১৩১৪
الْخُوَيِّيِّ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَبِي نُمَيٍّ رَحِيلُ الرُّكُوبِ وَبَقِيَ هُوَ فِي الْحَرَمِ وَحْدَهُ، أَرْسَلَ مَعَهُ أَبُو نُمَيٍّ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِمْ سَالِمًا مُعَظَّمًا. وَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِ الْمَنْصُورِ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ بِعَرَفَاتٍ، وَهَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، وَجَاءَ كِتَابٌ يَسْتَحِثُّ الْوَزِيرَ ابْنَ السَّلْعُوسِ فِي الْمَسِيرِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَبَيْنَ الْأَسْطُرِ بِخَطِّ الْمَلِكِ الْأَشْرَفِ: يَا شُقَيْرُ، يَا وَجْهَ الْخَيْرِ، احْضُرْ لِتَتَسَلَّمَ الْوِزَارَةَ. فَسَاقَ إِلَى الْقَاهِرَةِ، فَوَصَلَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ، فَتَسَلَّمَ الْوِزَارَةَ كَمَا قَالَ السُّلْطَانُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ قَلَاوُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّرْكِيُّ الصَّالِحِيُّ الْأَلْفِيُّ اشْتَرَاهُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ بْنُ الْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ عِنْدَهُ وَبَعْدَهُ، وَلَمَّا تَزَوَّجَ الْمَلِكُ السَّعِيدُ بْنُ الظَّاهِرِ بِابْنَتِهِ غَازِيَةَ خَاتُونَ، عَظُمَ شَأْنُهُ جِدًّا عِنْدَ الظَّاهِرِ، وَمَا زَالَ يَرْتَفِعُ فِي الدَّوْلَةِ حَتَّى صَارَ أَتَابِكَ سَلَامُشَ بْنِ الظَّاهِرِ، ثُمَّ رَفَعَهُ مِنَ الْبَيْنِ وَاسْتَقَلَّ بِالْمُلْكِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، وَكَسَرَ التَّتَارَ عَلَى حِمْصَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ، فَأَحَبَّهُ النَّاسُ، وَفَتَحَ الْمَرْقَبَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، وَفَتَحَ طَرَابُلُسَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، وَعَزَمَ عَلَى فَتْحِ عَكَّا وَبَرَزَ لَهَا، فَعَالَجَتْهُ الْمَنِيَّةُ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِمَدْرَسَتِهِ الْهَائِلَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بَيْنَ
পৃষ্ঠা - ১১৩১৫
الْقَصْرَيْنِ الَّتِي لَيْسَ بِدِيَارِ مِصْرَ وَلَا بِالشَّامِ مِثْلُهَا، وَفِيهَا دَارُ حَدِيثٍ وَمَارَسْتَانُ، وَعَلَيْهَا أَوْقَافٌ دَارَّةٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، مَاتَ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ مَهِيبًا، عَلَيْهِ أُبَّهَةُ السَّلْطَنَةِ وَمَهَابَةُ الْمُلْكِ، تَامَّ الْقَامَةِ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، عَالِيَ الْهِمَّةِ، شُجَاعًا وَقُورًا، سَامَحَهُ اللَّهُ. الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ طُرُنْطَايُ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْمَنْصُورِيَّةِ بِمِصْرَ، أَخْذَهُ الْأَشْرَفُ فَسَجَنَهُ بِقَلْعَةِ الْجَبَلِ ثُمَّ قَتَلَهُ، وَبَقِيَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْرَى بِهِ، ثُمَّ لُفَّ فِي حَصِيرٍ وَأُلْقِيَ عَلَى مَزْبَلَةٍ، وَحَنَّ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ، فَكُفِّنَ كَآحَادِ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ النَّعِيمِ الْكَثِيرِ، وَالدُّنْيَا الْمُتَّسِعَةِ، وَالْكَلِمَةِ النَّافِذَةِ، وَقَدْ أَخَذَ السُّلْطَانُ مِنْ حَوَاصِلِهِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَسَبْعِينَ قِنْطَارًا بِالْمِصْرِيِّ فِضَّةً، وَمِنَ الْجَوَاهِرِ شَيْئًا كَثِيرًا، سِوَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْجِمَالِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْبُسُطِ الْجِيَادِ، وَالْأَسْلِحَةِ الْمُثَمَّنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَوَاصِلِ وَالْأَمْلَاكِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ، وَتَركَ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَعْمَى، وَقَدْ دَخَلَ هَذَا الْأَعْمَى عَلَى الْأَشْرَفِ، فَوَضَعَ الْمِنْدِيلَ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: شَيْءٌ لِلَّهِ. وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ لَهُمْ أَيَّامًا لَا يَجِدُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ، فَرَقَّ لَهُ وَأَطْلَقَ لَهُمُ الْأَمْلَاكَ يَأْكُلُونَ مِنْ رِيعِهَا، فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْمُتَصَرِّفِ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ. الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ رَشِيدُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَسْعُودٍ الْفَارِقِيُّ الشَّافِعِيُّ مُدَرِّسُ الظَّاهِرِيَّةِ، تُوُفِّيَ بِهَا وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ، وُجِدَ مَخْنُوقًا فِي
পৃষ্ঠা - ১১৩১৬
الْمُحَرَّمِ، وَدُفِنَ بِالصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ مُنْفَرِدًا فِي فُنُونٍ مِنَ الْعُلُومِ كَثِيرَةٍ ; مِنْهَا النَّحْوُ وَالْأَدَبُ وَحَلُّ الْمُتَرْجَمِ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِنْشَاءُ وَعِلْمُ الْفَلَكِ وَالنُّجُومِ وَضَرْبُ الرَّمْلِ وَالْحِسَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَهُ نَظْمٌ حَسَنٌ. الْخَطِيبُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَافِي بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي الرَّبَعِيُّ تُوُفِّيَ بِدَارِ الْخَطَابَةِ، وَحَضَرَ النَّاسُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ سَلْخَ جُمَادَى الْأُولَى، وَحُمِلَ إِلَى السَّفْحِ، فَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ الشَّيْخِ يُوسُفَ الْفُقَاعِيِّ. فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِزِّ الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي الْيُمْنِ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الْمُتَقَلِّلُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، تُوُفِّيَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ بَنِي الزَّكِيِّ بِقَاسِيُونَ، مَحَبَّةً فِي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ ; فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ مِنْ كَلَامِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَرَقَتَيْنِ، وَمِنَ الْحَدِيثِ وَرَقَتَيْنِ، وَكَانَ مَعَ هَذَا يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي مَعَ الْأَئِمَّةِ كُلِّهِمْ بِالْجَامِعِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَأَى بِخَطِّهِ: وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ وَقَدْ صَحَّحَ عَلَى " عَيْنُهُ "، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ الْمَرْوِيُّ عَمَّنْ أَنْشَدَ هَذَا الشِّعْرَ أَوَّلًا: تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
পৃষ্ঠা - ১১৩১৭
وَلَهُ شِعْرٌ فَمِنْهُ: وَالنَّهْرُ قَدْ جُنَّ بِالْغُصُونِ هَوًى ... فَرَاحَ فِي قَلْبِهِ يُمَثِّلُهَا فَغَارَ مِنْهُ النَّسِيمُ عَاشِقُهَا ... فَجَاءَ عَنْ وَصْلِهِ يُمَيِّلُهَا وَلَهُ أَيْضًا: لَمَّا تَحَقَّقَ بِالْإِمْكَانِ فَوْقَكُمُ ... وَقَدْ بَدَا حُكْمُهُ فِي عَالَمِ الصُّوَرِ تَمَيَّزَ الْجَمْعُ عَنْهُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَلَاحَ فَوْقَكُمُ فِي عَالَمِ الصُّوَرِ وَلَهُ: لِي سَادَةٌ لَا أَرَى سِوَاهُمُ ... هُمْ عَيْنُ مَعْنَايَ عَيْنُ جَوْفِي لَقَدْ أَحَاطُوا بِكُلِّ جُزْءٍ ... مِنِّي وَعَزَّوا عَنْ دَرْكِ طَرْفِي هُمْ نَظَرُوا فِي عُمُومِ فَقْرِي ... وَطُولِ ذُلِّي وَفَرْطِ ضَعْفِي فَعَامَلُونِي بِبَحْتِ جُودٍ ... وَصَرْفِ بِرٍّ وَمَحْضِ لُطْفِ فَلَا تَلُمْ إِنْ جَرَرْتُ ذَيْلِي ... فَخْرًا بِهِمْ أَوْ ثَنَيْتُ عِطْفِي وَلَهُ: مَوَاهِبُ ذِي الْجَلَالِ لَدَيَّ تَتْرَى ... فَقَدْ أَخْرَسْنَنِي وَنَطَقْنَ شُكْرَا
পৃষ্ঠা - ১১৩১৮
فَنُعْمَى إِثْرَ نُعْمَى إِثْرَ نُعْمَى ... وَبُشْرَى بَعْدَ بُشْرَى بَعْدَ بُشْرَى لَهَا بَدْءٌ وَلَيْسَ لَهَا انْتِهَاءٌ ... يَعُمُّ مَزِيدُهَا دُنْيَا وَأُخْرَى الْحَاجُّ طَيْبَرْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَلَاءُ الدِّينِ الْوَزِيرِيُّ صِهْرُ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ ذَوِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَكَانَ دَيِّنًا كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ، لَهُ خَانٌ بِدِمَشْقَ أَوْقَفَهُ، وَلَهُ فِي فِكَاكِ الْأَسْرَى وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ تُصْرَفُ عَلَى الْجُنْدِ بِالشَّامِ وَمِصْرَ، فَحَصَلَ لِكُلِّ جُنْدِيٍّ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِسَفْحِ الْمُقَطَّمِ. قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَقْدِسِيُّ تُوُفِّيَ ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْهَا، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَنَائِبُ السَّلْطَنَةِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً سَوَاءً، وَكَانَ فَاضِلًا بَارِعًا خَطِيبًا مُدَرِّسًا، دَرَّسَ بِأَكْثَرِ الْمَدَارِسِ، وَهُوَ شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ وَابْنُ شَيْخِهِمْ، وَتَوَلَّى بَعْدَهُ الْقَضَاءَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ حَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُمَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১১৩১৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا فُتِحَتْ عَكَّا وَبَقِيَّةُ السَّوَاحِلِ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِي الْفِرِنْجِ مِنْ مُدَدٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِيهَا حَجَرٌ وَاحِدٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالْخَلِيفَةُ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَبَّاسِيُّ، وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ خَلِيلُ بْنُ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَنَائِبُهُ بِمِصْرَ وَأَعْمَالِهَا بَدْرُ الدِّينِ بَيْدَرَا، وَوَزِيرُهُ ابْنُ السَّلْعُوسِ الصَّاحِبُ شَمْسُ الدِّينِ، وَنَائِبُهُ بِالشَّامِ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِينُ السِّلَحْدَارُ الْمَنْصُورِيُّ، وَقُضَاةُ الشَّامِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَصَاحِبُ الْيَمَنِ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ شَمْسُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْمَنْصُورِ نُورِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَسُولٍ، وَصَاحِبُ مَكَّةَ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو نُمَيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ قَتَادَةَ الْحَسَنِيُّ، وَصَاحِبُ الْمَدِينَةِ عِزُّ الدِّينِ جَمَّازُ بْنُ شِيحَةَ الْحُسَيْنِيُّ، وَصَاحِبُ الرُّومِ غِيَاثُ الدِّينِ كَيْخُسرُو بْنُ رُكْنِ الدِّينِ قِلِيجَ أَرْسِلَانَ السَّلْجُوقِيُّ، وَصَاحِبُ حَمَاةَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ تَقِيُّ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، وَسُلْطَانُ بِلَادِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَتِلْكَ
পৃষ্ঠা - ১১৩২০
النَّوَاحِي أَرْغُوَنَ بْنُ أَبْغَا بْنِ هُولَاكُوَ بْنِ تُولَى بْنِ جِنْكِزْخَانَ. وَكَانَ أَوَّلَ هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَفِيهِ تُصُدِّقَ عَنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ بِأَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأُنْزِلَ السُّلْطَانُ إِلَى تُرْبَتِهِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، فَدُفِنَ بِهَا تَحْتَ الْقُبَّةِ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ بَدْرُ الدِّينِ بَيْدَرَا وَعَلَمُ الدِّينِ الشُّجَاعِيُّ، وَفُرِّقَتْ صَدَقَاتٌ كَثِيرَةٌ حِينَئِذٍ، وَلَمَّا قَدِمَ الصَّاحِبُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ السَّلْعُوسِ مِنَ الْحِجَازِ خُلِعَ عَلَيْهِ لِلْوِزَارَةِ، وَكَتَبَ تَقْلِيدَهُ بِهَا الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الظَّاهِرِ كَاتِبُ الْإِنْشَا بِيَدِهِ، وَرَكِبَ الْوَزِيرُ فِي أُبَّهَةِ الْوِزَارَةِ إِلَى دَارِهِ وَحَكَمَ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قُبِضَ عَلَى شَمْسِ الدِّينِ سُنْقُرَ الْأَشْقَرِ وَسَيْفِ الدِّينِ جُرْمَكَ النَّاصِرِيُّ، وَأُفْرِجَ عَنِ الْأَمِيرِ زَيْنِ الدِّينِ كَتُبْغَا، وَكَانَ قَدْ قُبِضَ عَلَيْهِ مَعَ طُرُنْطَايَ، وَرُدَّ عَلَيْهِ إِقْطَاعُهُ، وَأُعِيدَ التَّقِيُّ تَوْبَةُ إِلَى وِزَارَةِ دِمَشْقَ مَرَّةً أُخْرَى. وَفِيهَا أَثْبَتَ ابْنُ الْخُوَيِّيِّ مَحْضَرًا يَتَضَمَّنُ أَنْ يَكُونَ تَدْرِيسُ النَّاصِرِيَّةِ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ زَيْنِ الدِّينِ الْفَارِقِيِّ. [ذِكْرُ فَتَحِ عَكَّا وَبَقِيَّةِ السَّوَاحِلِ] وَفِيهَا جَاءَ الْبَرِيدُ إِلَى دِمَشْقَ فِي مُسْتَهَلِّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَجْهِيزِ آلَاتِ الْحِصَارِ