আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১১১০৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِأَيَّامٍ خَلَوْنَ مِنْ كَانُونَ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ خَلِيفَةٌ، وَصَاحِبُ مَكَّةَ أَبُو نُمَيِّ بْنُ أَبِي سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ قَتَادَةَ الْحَسَنِيُّ، وَعَمُّهُ إِدْرِيسُ بْنُ عَلِيٍّ شَرِيكُهُ، وَصَاحِبُ الْمَدِينَةِ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ جَمَّازُ بْنُ شِيحةَ الْحُسَيْنِيُّ، وَصَاحِبُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ رُكْنُ الدِّينِ بِيبَرْسُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ، وَشَرِيكُهُ فِي دِمَشْقَ وَبَعْلَبَكَّ وَالصُّبَيْبَةِ وَبَانْيَاسَ الْأَمِيرُ عَلَمُ الدِّينِ سَنْجَرُ الْحَلَبِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ، وَشَرِيكُهُ فِي حَلَبَ الْأَمِيرُ حُسَامُ الدِّينِ لَاجِينُ الْجُوكَنْدَارُ الْعَزِيزِيُّ، وَالْكَرَكُ وَالشَّوْبَكُ لِلْمَلِكِ الْمُغِيثِ فَتَحِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ الْعَادِلِ سَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ الْكَبِيرِ سَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ. وَحِصْنُ صِهْيَونَ وَبَرْزَيَةَ فِي يَدِ الْأَمِيرِ مُظَفَّرِ الدِّينِ عُثْمَانَ
পৃষ্ঠা - ১১১১০
بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ مَنْكُورَسَ، وَصَاحِبُ حَمَاةَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ بْنُ تَقِيِّ الدِّينِ مَحْمُودٍ، وَصَاحِبُ حِمْصَ الْأَشْرَفُ بْنُ الْمَنْصُورِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ النَّاصِرِ، وَصَاحِبُ الْمَوْصِلِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ بْنُ الْبَدْرِ لُؤْلُؤً، وَأَخُوهُ الْمَلِكُ الْمُجَاهِدُ صَاحِبُ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَصَاحِبُ مَارِدِينَ الْمَلِكُ السَّعِيدُ نَجْمُ الدِّينِ إِيلُ غَازِي بْنُ أُرْتُقَ، وَصَاحِبُ بِلَادِ الرُّومِ رُكْنُ الدِّينِ قَلِيجُ أَرْسَلَانَ بْنُ كَيْخُسْرُو السَّلْجُوقِيُّ، وَشَرِيكُهُ فِي الْمُلْكِ أَخُوهُ كَيْكَاوُسُ وَالْبِلَادُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَسَائِرُ بِلَادِ الْمَشْرِقِ مِنْ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ بِأَيْدِي التَّتَارِ أَصْحَابِ هُولَاكُوقَانَ، وَبِلَادُ الْيَمَنِ يَمْلِكُهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَذَلِكَ بِلَادُ الْمَغْرِبِ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْهَا مَلِكٌ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَغَارَتِ التَّتَارُ عَلَى بِلَادِ حَلَبَ، وَانْجَفَلَ النَّاسُ وَحَصَلَ لَهُمْ رُعْبٌ شَدِيدٌ وَالْتَقَى التَّتَرُ مَعَ نَائِبِ حَلَبَ الْأَمِيرِ حُسَامِ الدِّينِ الْجُوكَنْدَارِ الْعَزِيزِيِّ، وَالْمَنْصُورِ صَاحِبِ حَمَاةَ وَالْأَشْرَفِ صَاحِبِ حِمْصَ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ عِنْدَ حِمْصَ قَرِيبًا مِنْ قَبْرِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَالتَّتَارُ فِي سِتَّةِ آلَافٍ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَتَلُوا أَكْثَرَ التَّتَارِ وَلِلَّهِ
পৃষ্ঠা - ১১১১১
الْحَمْدُ، فَرَجَعَ التَّتَارُ إِلَى حَلَبَ، فَحَصَرُوهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهَا الْأَقْوَاتَ، وَقَتَلُوا مِنَ الْغُرَبَاءِ خَلْقًا كَثِيرًا صَبْرًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالْجُيُوشُ الَّذِينَ كَسَرُوهُمْ عَلَى حِمْصَ لَمْ يَرْجِعُوا إِلَى حَلَبَ، بَلْ سَاقُوا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ فِي أُبَّهَةِ السَّلْطَنَةِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَبَقِيَتْ حَلَبُ مُحَاصَرَةً لَا نَاصِرَ لَهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَكِنْ سَلَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعَ صَفَرٍ رَكِبَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَمَشَى الْأُمَرَاءُ وَالْأَجْنَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ رُكُوبِهِ، وَاسْتَمَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُتَابِعُ الرُّكُوبَ وَاللَّعِبَ بِالْكُرَةِ. وَفِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ خَرَجَ الْأُمَرَاءُ بِدِمَشْقَ عَلَى الْأَمِيرِ عَلَمِ الدِّينِ سَنْجَرَ الْحَلَبِيِّ، فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمُوهُ، وَأَلْجَئُوهُ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَحَصَرُوهُ فِيهَا، فَهَرَبَ مِنْهَا إِلَى قَلْعَةِ بَعْلَبَكَّ، وَتَسَلَّمَ قَلْعَةَ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ أَيْدِيكِينَ الْبُنْدُقْدَارِيُّ وَكَانَ مَمْلُوكًا لِجَمَالِ الدِّينِ بْنِ يَغْمُورٍ، ثُمَّ لِلصَّالِحِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، فَأَرْسَلَهُ السُّلْطَانُ لِيَتَسَلَّمَ دِمَشْقَ مِنَ الْحَلَبِيِّ عَلَمِ الدِّينِ سَنْجَرَ، فَأَخْذَهَا وَسَكَنَ الْقَلْعَةَ بِهَا نِيَابَةً عَنِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، ثُمَّ حَاصَرُوا الْحَلَبِيَّ بِبَعْلَبَكَّ، حَتَّى أَخْرَجُوهُ مِنْهَا عَلَى بَغْلٍ، وَأَرْسَلُوهُ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ الظَّاهِرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ لَيْلًا، فَعَاتَبَهُ ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُ أَشْيَاءَ وَأَكْرَمَهُ.
পৃষ্ঠা - ১১১১২
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اسْتَوْزَرَ الظَّاهِرُ بَهَاءَ الدِّينِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ، الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الْحِنَّا. وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ قَبَضَ الظَّاهِرُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ بَلَغَهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْوُثُوبَ عَلَيْهِ. وَفِيهِ أَرْسَلَ إِلَى الشُّوْبَكِ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ أَيْدِي نُوَّابِ الْمُغِيثِ صَاحِبِ الْكَرَكِ. وَفِيهَا جَهَّزَ الظَّاهِرُ جَيْشًا إِلَى حَلَبَ لِيَطْرُدُوا التَّتَارَ عَنْهَا، فَلَمَّا وَصَلَ الْجَيْشُ إِلَى غَزَّةَ كَتَبَ الْفِرِنْجُ إِلَى التَّتَارِ يُنْذِرُونَهُمْ، فَرَحَلُوا عَنْهَا مُسْرِعِينَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى حَلَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَصَادَرُوا وَنَهَبُوا وَبَلَغُوا أَغْرَاضَهُمْ، وَقَدِمَ إِلَيْهِمُ الْجَيْشُ الظَّاهِرِيُّ، فَأَزَالُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، وَصَادَرُوا بَعْضَ أَهْلِهَا بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَدِمَ الْأَمِيرُ شَمْسُ الدِّينِ آقُوشُ الْبَرْلِيُّ مِنْ جِهَةِ الظَّاهِرِ، فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَلَدِ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا، فَقَطَعَ وَوَصَلَ وَحَكَمَ وَلَكِنْ مَا عَدَلَ. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ جُمَادَى الْأُولَى بَاشَرَ الْقَضَاءَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ ابْنُ بِنْتِ الْقَاضِي الْأَعَزِّ أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১১১১৩
الْقَاضِي رَشِيدِ الدِّينِ أَبِي الثَّنَاءِ مَحْمُودِ بْنِ بَدْرٍ الْعَلَامِيُّ، وَذَلِكَ بَعْدَ شُرُوطٍ ذَكَرَهَا لِلظَّاهِرِ شَدِيدَةٍ، فَدَخَلَ تَحْتَهَا الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، وَعُزِلَ عَنِ الْقَضَاءِ بَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْمَحَاسِنِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيٍّ السِّنْجَارِيُّ، وَرُسِمَ عَلَيْهِ أَيَّامًا ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ. [ذِكْرُ الْبَيْعَةِ بِالْخِلَافَةِ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنِ الظَّاهِرِ بِأَمْرِ اللَّهِ] ذِكْرُ الْبَيْعَةِ بِالْخِلَافَةِ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الظَّاهِرِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ الْعَبَّاسِيِّ وَهُوَ عَمُّ الْمُسْتَعْصِمِ وَكَانَ مُعْتَقَلًا بِبَغْدَادَ ثُمَّ أُطْلِقَ، فَكَانَ مَعَ جَمَاعَةِ الْأَعْرَابِ بِالْعِرَاقِ، ثُمَّ قَصَدَ الظَّاهِرَ حِينَ بَلَغَهُ مُلْكُهُ، فَقَدِمَ مِصْرَ صُحْبَةَ جَمَاعَةٍ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَعْرَابِ عَشْرَةٍ، مِنْهُمُ الْأَمِيرُ نَاصِرُ الدِّينِ مُهَنَّا، وَكَانَ دُخُولُهُ إِلَى الْقَاهِرَةِ فِي ثَامِنِ رَجَبٍ، فَخَرَجَ السُّلْطَانُ وَمَعَهُ الْوَزِيرُ وَالْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ وَالشُّهُودُ وَالْمُؤَذِّنُونَ فَتَلَقَّوْهُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَخَرَجَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ بِتَوْرَاتِهِمْ، وَالنَّصَارَى بِإِنْجِيلِهِمْ، وَدَخْلَ مِنْ بَابِ النَّصْرِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ جَلَسَ السُّلْطَانُ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْإِيوَانِ بِقَلْعَةِ الْجَبَلِ، وَالْوَزِيرُ وَالْقَاضِي وَالْأُمَرَاءُ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ، وَأُثْبِتَ نَسَبُ الْخَلِيفَةِ الْمَذْكُورِ عَلَى
পৃষ্ঠা - ১১১১৪
الْحَاكِمِ تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ. وَهَذَا الْخَلِيفَةُ هُوَ أَخُو الْمُسْتَنْصِرِ بَانِي الْمُسْتَنْصِرِيَّةِ، وَعَمُّ الْمُسْتَعْصِمِ، بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ بِمِصْرَ، بَايَعَهُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ وَالْقَاضِي وَالْوَزِيرُ وَالْأُمَرَاءُ، وَرَكِبَ فِي دَسْتِ الْخِلَافَةِ بِدِيَارِ مِصْرَ وَالْأُمَرَاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، وَشَقَّ الْقَاهِرَةَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَذَلِكَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهَذَا الْخَلِيفَةُ هُوَ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبَّاسِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَبًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ يَوْمئِذٍ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ عِنْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسَبُهُ، ثُمَّ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأُمَرَاءُ وَالدَّوْلَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ وَضُرِبَ اسْمُهُ عَلَى السِّكَّةِ، وَكَانَ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ شَاغِرًا مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَنِصْفٍ; لِأَنَّ الْمُسْتَعْصِمَ قُتِلَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَبُويِعَ هَذَا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ - وَكَانَ أَسْمَرَ وَسِيمًا، شَدِيدَ الْقُوَى، عَالِيَ الْهِمَّةِ، لَهُ شَجَاعَةٌ وَإِقْدَامٌ، وَقَدْ لَقَّبُوهُ بِالْمُسْتَنْصِرِ كَمَا كَانَ أَخُوهُ بَانِي الْمَدْرَسَةِ بِبَغْدَادَ تَلَقَّبَ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ; أَنَّ خَلِيفَتَيْنِ أَخَوَيْنِ يُلَقَّبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَقَدْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَخَوَيْنِ كَهَذَيْنِ; السَّفَّاحُ وَأَخُوهُ الْمَنْصُورُ وَلَدَا مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَالْهَادِي وَالرَّشِيدُ ابْنَا الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ، وَالْوَاثِقُ وَالْمُتَوَكِّلُ ابْنَا الْمُعْتَصِمِ بْنِ الرَّشِيدِ، وَالْمُسْتَرْشِدُ وَالْمُقْتَفِي وَلَدَا الْمُسْتَظْهِرِ،
পৃষ্ঠা - ১১১১৫
وَأَمَّا ثَلَاثَةٌ; فَالْأُمَّيْنُ وَالْمَأْمُونُ وَالْمُعْتَصِمُ أَوْلَادُ الرَّشِيدِ، وَالْمُنْتَصِرُ وَالْمُعْتَزُّ وَالْمُعْتَمَدُ أَوْلَادُ الْمُتَوَكِّلِ، وَأَمَّا أَرْبَعَةٌ فَأَوْلَادُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ; الْوَلِيدُ وَسُلَيْمَانُ وَيَزِيدُ وَهِشَامُ. وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْخِلَافَةَ بَعْدَ ابْنِ أَخِيهِ الْمُسْتَعْصِمِ بْنِ الْمُسْتَنْصِرِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا قَبْلَهُ إِلَّا فِي خِلَافَةِ الْمُقْتَفِي بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ; فَإِنَّهُ وَلِيَهَا بَعْدَ ابْنِ أَخِيهِ الرَّاشِدِ بْنِ الْمُسْتَرْشِدِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ إِلَى أَنْ فُقِدَ - كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ - خَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ أَقْصَرَ مُدَّةً مِنْ جَمِيعِ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْوَلِيدِ سَبْعِينَ يَوْمًا، وَأَخِيهِ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ أَبِيهِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَتْ مُدَّةُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ فِي خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ مَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ سَنَةً; مِنْهُمُ الْمُنْتَصِرُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَالْمُهْتَدِي بْنُ الْوَاثِقِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَأَيَّامًا.
পৃষ্ঠা - ১১১১৬
وَقَدْ أُنْزِلَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ هَذَا بِقَلْعَةِ الْجَبَلِ فِي بُرْجٍ هُوَ وَحَشَمُهُ وَخَدَمُهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ سَابِعَ عَشَرَ رَجَبٍ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ السَّوَادِ، وَجَاءَ إِلَى الْجَامِعِ بِالْقَلْعَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَةً ذَكَرَ فِيهَا شَرَفَ بَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ، فَقَرَأَ صَدْرًا مِنْ " سُورَةِ الْأَنْعَامِ "، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَضَّى عَنِ الصَّحَابَةِ، وَدَعَا لِلسُّلْطَانِ الظَّاهِرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَانَ وَقْتًا حَسَنًا وَيَوْمًا مَشْهُودًا. [تَوْلِيَةُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ السَّلْطَنَةَ] تَوْلِيَةُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاللَّهِ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ السَّلْطَنَةَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ مِنْ شَعْبَانَ رَكِبَ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْوَزِيرُ وَالْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ وَأَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إِلَى خَيْمَةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ ضُرِبَتْ ظَاهِرَ الْقَاهِرَةِ، فَأَلْبَسَ الْخَلِيفَةُ السُّلْطَانَ بِيَدِهِ خِلْعَةً سَوْدَاءَ، وَطَوْقًا فِي عُنُقِهِ، وَقَيْدًا فِي رِجْلَيْهِ، وَهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَصَعِدَ فَخْرُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ لُقْمَانَ رَئِيسُ الْكُتَّابِ مِنْبَرًا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ تَقْلِيدَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ مِنْ إِنْشَائِهِ وَبِخَطِّهِ نَفْسِهِ، ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ بِهَذِهِ الْأُبَّهَةِ، وَالْقَيْدُ فِي رِجْلَيْهِ، وَالطَّوْقُ فِي عُنُقِهِ، وَالْوَزِيرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ التَّقْلِيدُ، وَالْأُمَرَاءُ وَالدَّوْلَةُ فِي خِدْمَتِهِ مُشَاةٌ سِوَى الْوَزِيرِ، فَشَقَّ الْقَاهِرَةَ، وَقَدْ زُيِّنَتْ لَهُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا يَقْصُرُ اللِّسَانُ عَنْ وَصْفِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ هَذَا التَّقْلِيدَ بِتَمَامِهِ، وَهُوَ مُطَوَّلٌ.
পৃষ্ঠা - ১১১১৭
[ذِكْرُ تَجْهِيزِ الْخَلِيفَةِ قَاصِدًا إِلَى بَغْدَادَ] ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ طَلَبَ مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يُجَهِّزَهُ إِلَى بَغْدَادَ، فَرَتَّبَ لَهُ جُنْدًا هَائِلَةً، وَأَقَامَ لَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَنْبَغِي لِلْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ مِنَ الْحَشَمِ وَالْخَدَمِ وَالطَّبْلِخَانَاهَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ صُحْبَتَهُ قَاصِدِينَ دِمَشْقَ الْمَحْرُوسَةَ، وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ السُّلْطَانِ إِلَى الشَّامِ أَنَّ الْبُرْلِيَّ، كَمَا تَقَدَّمَ، كَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى حَلَبَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الظَّاهِرُ الْأَمِيرَ عَلَمَ الدِّينِ سَنْجَرَ الْحَلَبِيَّ الَّذِي كَانَ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى دِمَشْقَ، فَطَرَدَهُ عَنْ حَلَبَ، وَتَسَلَّمَهَا مِنْهُ، وَأَقَامَ بِهَا نَائِبًا عَنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْبُرْلِيُّ حَتَّى اسْتَعَادَهَا مِنْهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا هَارِبًا وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا كَمَا كَانَ، فَاسْتَنَابَ الظَّاهِرُ عَلَى مِصْرَ عِزَّ الدِّينِ أَيْدَمُرَ الْحِلِّيَّ وَجَعَلَ تَدْبِيرَ الْمَمْلَكَةِ إِلَى الْوَزِيرِ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ الْحِنَّا، وَاسْتَصْحَبَ وَلَدَهُ فَخْرَ الدِّينِ بْنَ الْحِنَّا وَزِيرَ الصُّحْبَةِ. وَجَعَلَ تَدْبِيرَ الْعَسَاكِرِ وَالْجُيُوشِ إِلَى الْأَمِيرِ بَدْرِ الدِّينِ بِيلِيكَ الْخَازِنْدَارِ، ثُمَّ كَانَ دُخُولُ السُّلْطَانِ صُحْبَةَ الْخَلِيفَةِ إِلَى دِمَشْقَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَصَلَّيَا الْجُمُعَةَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ دُخُولُ الْخَلِيفَةِ مِنْ بَابِ الْبَرِيدِ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا
পৃষ্ঠা - ১১১১৮
أَيْضًا ثُمَّ جَهَّزَ السُّلْطَانُ الْخَلِيفَةَ وَأَصْحَبَهُ أَوْلَادَ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَلَى مَنِ اسْتَقَلَّ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ - الَّذِينَ يَرُدُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ - مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَطْلَقَ لَهُ وَزَادَهُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَدِمَ إِلَيْهِ صَاحِبُ حِمْصَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ لَهُ، وَزَادَهُ تَلَّ بَاشِرٍ، وَقَدِمَ صَاحِبُ حَمَاةَ الْمَنْصُورُ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ لَهُ وَكَتَبَ لَهُ تَقْلِيدًا بِبِلَادِهِ، ثُمَّ جَهَّزَ جَيْشًا صُحْبَةَ الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ الْبُنْدُقْدَارِيِّ إِلَى حَلَبَ لِمُحَارَبَةِ الْبُرْلِيِّ الْمُتَغَلِّبِ عَلَيْهَا الْمُفْسِدِ فِيهَا، وَقَدْ أَقَامَ الْبُرْلِيُّ بِحَلَبَ خَلِيفَةً آخَرَ لَقَّبَهُ بِالْحَاكِمِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِ الْمُسْتَنْصِرُ سَارَ مَعَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَإِنْفَاذِ الْحَاكِمِ لِلْمُسْتَنْصِرِ; لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ مِنْهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. لَكِنْ خَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي آخِرِ السَّنَةِ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَارِ، فَفَرَّقُوا شَمْلَهُمَا، وَقَتَلُوا خَلْقًا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمَا، وَعُدِمَ الْمُسْتَنْصِرُ، وَهَرَبَ الْحَاكِمُ مَعَ الْأَعْرَابِ. فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَدْ كَانَ الْمُسْتَنْصِرُ هَذَا فَتَحَ بُلْدَانًا كَثِيرَةً فِي مَسِيرِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمَّا قَاتَلَهُ بَهَادُرُ عَلَى شِحْنَةِ بَغْدَادَ كَسَرَهُ الْمُسْتَنْصِرُ، وَقَتَلَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ خَرَجَ كَمِينٌ مِنَ التَّتَارِ، فَهَرَبَ الْعُرْبَانُ وَالْأَكْرَادُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ الْمُسْتَنْصِرِ، وَثَبَتَ هُوَ فِي طَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ التُّرْكِ، فَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَفُقِدَ هُوَ مِنَ الْبَيْنِ، وَنَجَا الْحَاكِمُ فِي طَائِفَةٍ، وَكَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْبَهَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي تَوَغُّلِهِ فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ مَعَ كَثْرَةِ جُنُودِهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِهَذَا أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ حَتَّى تَتَمَهَّدَ الْأُمُورُ وَتَصْفُوَ الْأَحْوَالُ، وَلَكِنْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.
পৃষ্ঠা - ১১১১৯
وَجَهَّزَ السُّلْطَانُ جَيْشًا آخَرَ مَنْ دِمَشْقَ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَأَغَارُوا وَقَتَلُوا، وَسَبَوْا وَرَجَعُوا سَالِمِينَ، وَطَلَبَتِ الْفِرِنْجُ مِنَ السُّلْطَانِ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُمْ مُدَّةً لِاشْتِغَالِهِ بِحَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، وَكَانَ قَدْ عَزَلَ فِي شَوَّالٍ عَنْ قَضَاءِ مِصْرَ وَحْدَهَا تَاجَ الدِّينِ عَبْدَ الْوَهَّابِ ابْنَ بِنْتِ الْأَعَزِّ، وَوَلَّى عَلَيْهَا بُرْهَانَ الدِّينِ الْخِضْرَ بْنَ الْحَسَنِ السِّنْجَارِيَّ، وَعَزَلَ قَاضِي دِمَشْقَ نَجْمَ الدِّينِ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدْرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ شَمْسِ الدِّينِ يَحْيَى بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَوَلَّى قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلِّكَانَ، وَقَدْ نَابَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَاهِرَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً عَنْ بَدْرِ الدِّينِ السِّنْجَارِيِّ، فَأَضَافَ إِلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ نَظَرَ الْأَوْقَافِ وَالْجَامِعِ وَالْمَارَسْتَانَ وَتَدْرِيسِ سَبْعِ مَدَارِسَ; الْعَادِلِيَّةِ وَالنَّاصِرِيَّةِ وَالْعَذْرَاوِيَّةِ وَالْفَلَكِيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ وَالْإِقْبَالِيَّةِ وَالْبَهْنَسِيَّةِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِالشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَسَافَرَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ مُرَسَّمًا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَانَ فِي وَدِيعَةِ ذَهَبٍ جَعَلَهَا فُلُوسًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سَنَةً وَأَشْهُرًا، وَفِي يَوْمِ الْعِيدِ يَوْمَ السَّبْتِ سَافَرَ السُّلْطَانُ بِالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ رَاجِعًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ قَدِمَ عَلَى السُّلْطَانِ بِدِمَشْقَ يَتَهَدَّدُهُ وَيَتَوَعَّدُهُ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ إِقْطَاعَاتٍ كَثِيرَةً، فَلَمْ يَزَلْ يُوقِعُ بَيْنَهُمْ حَتَّى اسْتَأْصَلَ شَأْفَتَهُمْ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهِمْ، نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَكَّنَ بِهِ الْبِلَادَ وَنَصَرَ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، آمِينَ. وَفِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عُمِلَ عَزَاءُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ
পৃষ্ঠা - ১১১২০
صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الْعَزِيزِ مُحَمَّدِ بْنِ الظَّاهِرِ غَازِي بْنِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَادِي فَاتِحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ عَمِلُ هَذَا الْعَزَاءِ بِقَلْعَةِ الْجَبَلِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ الظَّاهِرِ رُكْنِ الدِّينِ بِيبَرْسَ، وَذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُمْ أَنَّ هُولَاكُو مَلِكَ التَّتَارِ قَتَلَهُ، وَقَدْ كَانَ فِي قَبْضَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ كَسْرُهُ أَصْحَابَهُ بِعَيْنِ جَالُوتَ طَلَبَهُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَرْسَلْتَ الْجُيُوشَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حَتَّى اقْتَتَلُوا مَعَ الْمَغُولِ، فَكَسَرُوهُمْ. ثُمَّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا أَعْدَاءَهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ شَنَآنٌ وَقِتَالٌ، فَأَقَالَهُ وَلَكِنَّهُ انْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عِنْدَهُ، وَقَدْ كَانَ مُكَرَّمًا فِي خِدْمَتِهِ، وَقَدْ وَعَدَهُ أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ اسْتَنَابَهُ فِي الشَّامِ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ حِمْصَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقُتِلَ فِيهَا أَصْحَابُ هُولَاكُو مَعَ مُقَدَّمِهِمْ بَيْدَرَةَ غَضِبَ وَقَالَ لَهُ: أَصْحَابُكَ مِنَ الْعَزِيزِيَّةِ أُمَرَاءِ أَبْيَكَ وَالنَّاصِرِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِكَ قَتَلُوا أَصْحَابَنَا. ثُمَّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ رَمَاهُ بِالنُّشَّابِ وَهُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَسْأَلُ الْعَفْوَ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قَتَلَهُ وَقَتَلَ أَخَاهُ شَقِيقَهُ الْمَلِكَ الظَّاهِرَ عَلِيًّا، وَأَطْلَقَ وَلَدَيْهِمَا الْعَزِيزَ مُحَمَّدَ بْنَ النَّاصِرِ وَزِبَالَةَ بْنَ الظَّاهِرِ، وَكَانَا صَغِيرَيْنِ مِنْ أَحْسَنِ أَشْكَالِ بَنِي آدَمَ، فَأَمَّا الْعَزِيزُ فَإِنَّهُ مَاتَ هُنَالِكَ فِي أَسْرِ التَّتَارِ، وَأَمَّا زِبَالَةُ فَإِنَّهُ صَارَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَكَانَ أَحْسَنَ مَنْ بِهَا، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَمَّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا: وَجْهُ الْقَمَرِ. فَتَزَوَّجَهَا بَعْضُ الْأُمَرَاءِ بَعْدَ أُسْتَاذِهَا الْمَذْكُورِ. وَيُقَالُ: إِنَّ هُولَاكُو لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ النَّاصِرِ أَمَرَ بِأَرْبَعٍ مِنَ الشَّجَرِ مُتَبَاعِدَاتٍ فَجُمِعَتْ رُءُوسُهَا بِحِبَالٍ، ثُمَّ رُبِطَ النَّاصِرُ فِي الْأَرْبَعِ بِأَرْبَعَتِهِ ثُمَّ أُطْلِقَتِ الْحِبَالُ،
পৃষ্ঠা - ১১১২১
فَرَجَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَرْكَزِهَا بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ بِحَلَبَ وَلَمَّا تُوَفِّي أَبُوهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ بُويِعَ بِالسَّلْطَنَةِ بِحَلَبَ، وَعُمْرُهُ سَبْعُ سِنِينَ، وَقَامَ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِ أَبِيهِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ الْأَمْرُ كُلُّهُ عَنْ رَأْيِ جَدَّتِهِ أَمِّ أَبِيهِ صِبْغَةَ خَاتُونَ بِنْتِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ اسْتَقَلَّ النَّاصِرُ بِالْمُلْكِ، وَكَانَ جَيِّدَ السِّيرَةِ فِي الرَّعَايَا مُحَبَّبًا إِلَيْهِمْ، كَثِيرَ النَّفَقَاتِ وَلَا سِيَّمَا لَمَّا مَلَكَ دِمَشْقَ مَعَ حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا وَبَعْلَبَكَّ وَحَرَّانَ وَطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ فَيُقَالُ: إِنَّ سِمَاطَهُ كَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ رَأْسِ غَنَمٍ سِوَى الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَأَنْوَاعِ الطَّيْرِ مَطْبُوخًا بِأَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ وَالْقَلَوِيَّاتِ، وَكَانَ مَجْمُوعُ مَا يَغْرَمُ عَلَى السِّمَاطِ فِي كُلِّ يَوْمٍ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَعَامَّتُهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ كَمَا هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيُبَاعُ عَلَى بَابِ الْقَلْعَةِ بِأَرْخَصِ الْأَثْمَانِ حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ لَا يَطْبُخُونَ فِي بُيُوتِهِمْ شَيْئًا مِنَ الطُّرَفِ وَالْأَطْعِمَةِ بَلْ يَشْتَرُونَ ذَلِكَ بِرُخْصٍ، وَكَانَتِ الْأَرْزَاقُ كَثِيرَةً دَائِرَّةً فِي زَمَانِهِ وَأَيَّامِهِ، وَقَدْ كَانَ خَلِيعًا ظَرِيفًا، حَسَنَ الشَّكْلِ، أَدِيبًا يَقُولُ الشِّعْرَ الْمُتَوَسِّطَ، الْقَوِيَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ فِي " الذَّيْلِ " قِطْعَةً صَالِحَةً مِنْ شِعْرِهِ، وَهِيَ رَائِقَةٌ لَائِقَةٌ، قُتِلَ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ، وَدُفِنَ هُنَاكَ وَقَدْ كَانَ أَعَدَّ لَهُ تُرْبَةً بِرِبَاطِهِ الَّذِي بَنَاهُ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، فَلَمْ يُقَدَّرْ دَفْنُهُ بِهَا، وَالنَّاصِرِيَّةُ الْبَرَّانِيَّةُ بِالسَّفْحِ مِنْ أَغْرَبِ الْأَبْنِيَةِ وَأَحْسَنِهَا بُنْيَانًا مِنَ الْمُوكَدِ الْمُحْكَمِ قِبَلِيَّ جَامِعِ الْأَفْرَمِ، وَقَدْ بُنِي بَعْدَهَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَكَذَلِكَ النَّاصِرِيَّةُ الْجَوَّانِيَّةُ الَّتِي بَنَاهَا دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ الْمَدَارِسِ، وَبَنَى الْخَانَ الْكَبِيرَ تُجَاهَ الزِّنْجَارِيِّ وَحُوِّلَتْ إِلَيْهِ دَارُ الطَّعْمِ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ غَرْبِيَّ
পৃষ্ঠা - ১১১২২
الْقَلْعَةِ فِي إِصْطَبْلِ السُّلْطَانِ الْيَوْمَ. رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهَذَا كُلُّ مَا بَلَغَنَا مِنْ وَقَائِعِ هَذِهِ السَّنَةِ مُلَخَّصًا.
পৃষ্ঠা - ১১১২৩
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السَّنَةِ فِي ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ قُتِلَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ الَّذِي بُويِعَ لَهُ فِي رَجَبٍ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ بِمِصْرَ، وَكَانَ قَتْلُهُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، كَمَا ذَكَرْنَا بَعْدَ مَا هُزِمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْجُنُودِ وَالْجَيْشِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاسْتَقَلَّ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِجَمِيعِ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَصَفَتْ لَهُ الْأُمُورُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُنَازِعٌ سِوَى الْبُرْلِيِّ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى الْبِيرَةِ وَعَصَى عَلَيْهِ هُنَالِكَ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ خَلَعَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ بِبِلَادِ مِصْرَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَرَاءِ وَالْحَاشِيَةِ وَعَلَى الْوَزِيرِ وَالْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ، وَعَزَلَ عَنْهَا بُرْهَانَ الدِّينِ السِّنْجَارِيَّ. وَفِي أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ أَعْرَسَ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ بِيلِيكَ الْخَزَنْدَارُ عَلَى بِنْتِ الْأَمِيرِ لُؤْلُؤٍ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَاحْتَفَلَ الظَّاهِرُ بِهَذَا الْعُرْسِ احْتِفَالًا بَالِغًا.
পৃষ্ঠা - ১১১২৪
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اصْطَادَ بَعْضُ أُمَرَاءِ الظَّاهِرِ بِجَرُودِ حِمَارَ وَحْشٍ، فَطَبَخُوهُ فَلَمْ يَنْضَجْ وَلَا أَثَّرَ فِيهِ كَثْرَةُ الْوَقُودِ، ثُمَّ افْتَقَدُوا أَمْرَهُ، فَإِذَا هُوَ مَوْسُومٌ عَلَى أُذُنِهِ: بَهْرَامُ جَوْرَ. قَالَ: وَقَدْ أَحْضَرُوهُ إِلَيَّ، فَقَرَأْتُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ لِهَذَا الْحِمَارِ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ، فَإِنَّ بَهْرَامَ جُورَ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِمُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَحُمُرُ الْوَحْشِ تَعِيشُ دَهْرًا طَوِيلًا. قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَهْرَامَ شَاهِ الْمَلِكَ الْأَمْجَدَ، إِذْ يَبْعُدُ بَقَاءُ مِثْلِ هَذَا بِلَا اصْطِيَادٍ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، وَيَكُونُ الْكَاتِبُ قَدْ أَخْطَأَ، فَأَرَادَ كِتَابَةَ: بَهْرَامَ شَاهْ. فَكَتَبَ بَهْرَامَ جُورَ، فَحَصَلَ اللَّبْسُ مِنْ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [ذِكْرُ بَيْعَةِ الْحَاكِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ] فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ دَخَلَ الْخَلِيفَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ الْأَمِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْأَمِيرِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْإِمَامِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ مِنْ بِلَادِ الشَّرْقِ، وَصُحْبَتُهُ
পৃষ্ঠা - ১১১২৫
جَمَاعَةٌ مِنْ رُءُوسِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَقَدْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ صُحْبَةَ الْمُسْتَنْصِرِ، وَهَرَبَ هُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَعْرَكَةِ فَسَلِمَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ دُخُولِهِ تَلَقَّاهُ السُّلْطَانُ الظَّاهِرُ، وَأَظْهَرَ السُّرُورَ لَهُ وَالِاحْتِفَالَ، وَأَنْزَلَهُ فِي الْبُرْجِ الْكَبِيرِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ الْأَرْزَاقَ الدَّارَّةَ وَالْإِحْسَانَ. وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ عَزَلَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ الْأَمِيرَ جَمَالَ الدِّينِ آقُوشَ النَّجِيبِيَّ عَنْ أُسْتَاذِدَارِيَّتِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَرْسَلَهُ نَائِبًا عَلَى الشَّامِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ تَاسِعِ رَجَبٍ حَضَرَ السُّلْطَانُ الظَّاهِرُ إِلَى دَارِ الْعَدْلِ فِي مُحَاكَمَةٍ فِي بِئْرٍ إِلَى بَيْنِ يَدَيِ الْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَّا الْقَاضِي، فَإِنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقُومَ، وَتَدَاعَيَا، وَكَانَ الْحَقُّ مَعَ السُّلْطَانِ، وَلَهُ بَيِّنَهٌ عَادِلَةٌ، فَانْتُزِعَتِ الْبِئْرُ مِنْ يَدِ الْغَرِيمِ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ. وَفِي شَوَّالٍ اسْتَنَابَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ عَلَى حَلَبَ الْأَمِيرَ عَلَاءَ الدِّينِ أَيْدِكِينَ الشِّهَابِيَّ، وَحِينَئِذٍ انْحَازَ عَسْكَرُ سِيسَ عَلَى الْفُوعَةِ مِنْ أَرْضِ حَلَبَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِمُ الشِّهَابِيُّ، فَكَسَرَهُمْ وَأَسَرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى مِصْرَ فَوُسِّطُوا.
পৃষ্ঠা - ১১১২৬
وَفِيهَا اسْتَنَابَ السُّلْطَانُ عَلَى دِمَشْقَ الْأَمِيرَ جَمَالَ الدِّينِ آقُوشَ النَّجِيبِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ، وَعَزَلَ عَنْهَا عَلَاءَ الدِّينِ طَيْبَرْسَ الْوَزِيرِيَّ، وَحُمِلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ. وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ خَرَجَ مَرْسُومُ السُّلْطَانِ إِلَى الْقَاضِي تَاجِ الدِّينِ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ نَائِبًا، فَاسْتَنَابَ صَدْرَ الدِّينِ سُلَيْمَانَ الْحَنَفِيَّ، وَالشَّيْخَ شَمْسَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ الشَّيْخِ الْعِمَادِ الْحَنْبَلِيَّ، وَشَرَفَ الدِّينِ عُمَرَ السُّبْكِيَّ الْمَالِكِيَّ. وَفِي ذِي الْحِجَّةِ قَدِمَتْ وُفُودٌ كَثِيرَةٌ مِنَ التَّتَارِ عَلَى الْمَلِكِ الظَّاهِرِ مُسْتَأْمِنِينَ، فَأَكْرَمَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَقْطَعَهُمْ إِقْطَاعَاتٍ حَسَنَةً، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِأَوْلَادِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَرَتَّبَ لِإِخْوَانِهِمْ رَوَاتِبَ كَافِيَةً. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْسَلَ هُولَاكُو طَائِفَةً مِنْ جُنْدِهِ نَحْوَ عَشَرَةِ آلَافٍ، فَحَاصَرُوا الْمَوْصِلَ، وَنَصَبُوا عَلَيْهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مَنْجَنِيقًا، وَضَاقَتْ بِهَا الْأَقْوَاتُ. وَفِيهَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ لُؤْلُؤٍ إِلَى الْبُرْلِيِّ يَسْتَنْجِدُهُ، فَقَدِمَ إِلَيْهِ فَهُزِمَتِ التَّتَارُ، ثُمَّ ثَبَتُوا فَالْتَقَوْا مَعَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعَهُ تِسْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ، فَهَزَمُوهُ وَجَرَحُوهُ، وَعَادَ إِلَى الْبِيرَةِ، وَفَارَقَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثُمَّ
পৃষ্ঠা - ১১১২৭
دَخَلَ هُوَ إِلَى بَيْنِ يَدَيِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَأَقْطَعُهُ تِسْعِينَ فَارِسًا، وَأَمَّا التَّتَارُ فَإِنَّهُمْ عَادُوا إِلَى الْمَوْصِلِ، وَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى اسْتَنْزَلُوا صَاحِبَهَا الْمَلِكَ الصَّالِحَ إِلَيْهِمْ، وَنَادَوْا فِي الْبَلَدِ بِالْأَمَانِ حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّاسُ، ثُمَّ مَالُوا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلُوهُمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَقَتَلُوا الْمَلِكَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ وَوَلَدَهُ عَلَاءَ الدِّينِ، وَخَرَّبُوا أَسْوَارَ الْبَلَدِ، وَتَرَكُوهَا بِلَاقِعَ، ثُمَّ كَرُّوا رَاجِعِينَ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ. وَفِيهَا وَقَعَ الْخُلْفُ بَيْنَ هُولَاكُو وَبَينَ السُّلْطَانِ بَرَكَةَ ابْنِ عَمِّهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بَرَكَةُ يَطْلُبُ مِنْهُ نَصِيبًا مِمَّا فَتَحَهُ مِنَ الْبِلَادِ، عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ، فَقَتَلَ رُسُلَهُ، فَاشْتَدَّ غَضَبُ بَرَكَةَ، وَكَاتَبَ الظَّاهِرَ لِيَتَّفِقَا عَلَى هُولَاكُو. وَفِيهَا وَقَعَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ بِالشَّامِ، فَبِيعَ الْقَمْحُ الْغِرَارَةُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَالشَّعِيرُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَاللَّحْمُ الرِّطْلُ بِسِتَّةٍ وَبِسَبْعَةٍ، فَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَحَصَلَ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ خَوْفٌ شَدِيدٌ مِنَ التَّتَارِ، فَتَجَهَّزَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَأُبِيعَتِ الْغَلَّاتُ حَتَّى حَوَاصِلُ الْقَلْعَةِ وَالْأُمَرَاءِ،
পৃষ্ঠা - ১১১২৮
وَرَسَمَ وُلَاةُ الْأُمُورِ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى مِصْرَ، وَوَقَعَتِ الرَّجْفَةُ فِي الشَّامِ وَفِي بِلَادِ الرُّومِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَصَلَ لِبِلَادِ التَّتَرِ خَوْفٌ شَدِيدٌ أَيْضًا، فَسُبْحَانَ الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، الَّذِي بِيَدِهِ الْأَمْرُ. وَكَانَ الْآمِرَ لِأَهْلِ دِمَشْقَ بِالتَّحَوُّلِ مِنْهَا إِلَى مِصْرَ نَائِبُهَا الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ طَيْبَرْسُ الْوَزِيرِيُّ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَمْسَكَهُ وَعَزَلَهُ وَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا جَمَالَ الدِّينِ آقُوشَ النَّجِيبِيَّ، وَاسْتَوْزَرَ بِدِمَشْقَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ وَدَاعَةَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ نَزَلَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ خَلِّكَانَ عَنْ تَدْرِيسِ الرُّكْنِيَّةِ لِلشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي شَامَةَ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ حِينَ دَرَّسَ، وَأَخَذَ فِي أَوَّلِ " مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ "، أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ بْنُ الظَّاهِرِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيُّ الَّذِي بَايَعَهُ الظَّاهِرُ بِمِصْرَ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَتْلُهُ فِي ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا، بَطَلًا فَاتِكًا، وَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ الظَّاهِرُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ حَتَّى أَقَامَ لَهُ جَيْشًا بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَزْيَدَ، وَسَارَ فِي خِدْمَتِهِ وَمَعَهُ خَلْقٌ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ وَأَوْلَادِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى الظَّاهِرِ، فَأَرْسَلَهُ صُحْبَةَ الْخَلِيفَةِ، فَلَمَّا كَانَتِ
পৃষ্ঠা - ১১১২৯
الْوَقْعَةُ فُقِدَ الْمُسْتَنْصِرُ، وَرَجَعَ الصَّالِحُ إِلَى بِلَادِهِ، فَجَاءَتْهُ التَّتَارُ، فَحَاصَرُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَتَلُوهُ وَخَرَّبُوا بِلَادَهُ، وَقَتَلُوا أَهْلَهَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. الْعِزُّ الضَّرِيرُ النَّحْوِيُّ اللُّغَوِيُّ وَاسْمُهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ نَجَا، مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، وَنَشَأَ بِإِرْبِلَ، فَاشْتَغَلَ بِعُلُومٍ كَثِيرَةٍ مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ، وَكَانَ يَشْتَغِلُ عَلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَغَيْرُهُمْ، وَنُسِبَ إِلَى الِانْحِلَالِ وَقِلَّةِ الدِّينِ، وَتَرْكِ الصَّلَوَاتِ، وَكَانَ ذَكِيًّا، وَلَيْسَ بِذَكِيٍّ; عَالِمَ اللِّسَانِ، جَاهِلَ الْقَلْبِ، ذَكِيَّ الْقَوْلِ، خَبِيثَ الْفِعْلِ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ رَائِقٌ أَوْرَدَ مِنْهُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ قِطْعَةً فِي تَرْجَمَتِهِ، وَهُوَ الضَّرِيرُ شَبِيهٌ بِأَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ، قَبَّحَهُمَا اللَّهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَذِّبِ، الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، شَيْخُ الْمَذْهَبِ وَمُفِيدُ أَهْلِهِ، وَصَاحِبُ مُصَنَّفَاتٍ حِسَانٍ; مِنْهَا التَّفْسِيرُ، وَاخْتِصَارُ النِّهَايَةِ، وَالْقَوَاعِدُ الْكُبْرَى، وَالصُّغْرَى، وَكِتَابُ الصَّلَاةِ، وَالْفَتَاوَى الْمَوْصِلِيَّةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ كَثِيرًا، وَاشْتَغَلَ عَلَى فَخْرِ الدِّينِ بْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، وَبَرَعَ فِي الْمَذْهَبِ، وَعُلُومٍ كَثِيرَةٍ، وَأَفَادَ الطَّلَبَةَ، وَدَرَّسَ بِعِدَّةِ مَدَارِسَ بِدِمَشْقَ، وَوَلِيَ خَطَابَتَهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهَا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَدَرَّسَ بِهَا، وَخَطَبَ وَحَكَمَ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ الْمَذْهَبِ،