আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৯৮০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَ عَوْدُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ مِنَ الشَّامِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَزَارَ فِي طَرِيقِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَفَرَّقَ فِي أَهْلِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَأَمَرَ بِإِعَادَةِ سُورِهِ، كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ عَمِّ أَبِيهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ فَاتِحِ الْقُدْسِ، وَنَزَّلَ الْجُيُوشَ لِحِصَارِ الْفِرِنْجِ، فَفُتِحَتْ طَبَرِيَّةُ فِي عَاشِرِ صَفَرٍ، وَفُتِحَتْ عَسْقَلَانُ فِي أَوَاخِرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ. وَفِي رَجَبٍ عُزِلَ الْخَطِيبُ عِمَادُ الدِّينِ دَاوُدُ بْنُ خَطِيبِ بَيْتِ الْآبَارِ عَنِ الْخَطَابَةِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَتَدْرِيسِ الْغَزَّالِيَّةِ، وَوَلِيَ ذَلِكَ الْقَاضِي عِمَادُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ شَيْخُ دَارِ الْحَدِيثِ بَعْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ. وَفِيهَا أَرْسَلَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ يَطْلُبُ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ الدَّمَاشِقَةِ اتُّهِمُوا بِمُمَالَأَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৯৮১
الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، مِنْهُمُ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ، وَبَنُو صَصْرَى، وَابْنُ الْعِمَادِ الْكَاتِبُ، وَالْحَكِيمِيُّ مَمْلُوكُ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَالشِّهَابُ غَازِيٌّ وَالِي بُصْرَى، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالْإِهَانَةِ، بَلْ خَلَعَ عَلَى بَعْضِهِمْ وَتُرِكُوا بِاخْتِيَارِهِمْ مُكَرَّمِينَ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْمَشَاهِيرِ: الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَقْسَاسِيُّ، النَّقِيبُ قُطْبُ الدِّينِ أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ، وَوَلِيَ النِّقَابَةَ، ثُمَّ اعْتُقِلَ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ فَاضِلًا أَدِيبًا شَاعِرًا مُطَبِّقًا، أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي أَشْعَارًا كَثِيرَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ. الشَّلَوْبِينُ النَّحْوِيُّ: هُوَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، أَبُو عَلِيٍّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْإِشْبِيلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالشَّلَوْبِينِ، وَهُوَ بِلُغَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৯৮২
الْأَنْدَلُسِيِّينَ الْأَبْيَضُ الْأَشْقَرُ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: خُتِمَ بِهِ أَئِمَّةُ النَّحْوِ، وَكَانَ فِيهِ تَغَفُّلٌ. وَذَكَرَ لَهُ شِعْرًا وَمُصَنَّفَاتٍ، مِنْهَا " شَرْحُ الْجُزُولِيَّةِ "، وَكِتَابُ " التَّوْطِئَةِ "، وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ بِهَذِهِ السَّنَةِ. وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ. الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْحَرِيرِيُّ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمَنْصُورِ الْبُسْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَرِيرِيِّ أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ بُسْرَ شَرْقِيَّ زُرْعَ، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يَعْمَلُ صَنْعَةَ الْحَرِيرِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلَ يَعْمَلُ الْفَقِيرِيَّ عَلَى يَدِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمُغَرْبَلِ تِلْمِيذِ الشَّيْخِ رَسْلَانَ التُّرْكُمَانِيِّ الْجَعْبَرِيِّ، فَاتَّبَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ يُقَالُ لَهُمُ: الْحَرِيرِيَّةُ. وَابْتَنَى لَهُ زَاوِيَةً عَلَى الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ، وَبَدَرَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، كَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ، وَالشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَاجِبِ شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ حُبِسَ فِي قَلْعَةِ عَزَّتَا مُدَّةَ سِنِينَ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِدِمَشْقَ، فَلَزِمَ بَلَدَهُ بُسْرَ مُدَّةً حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي " الذَّيْلِ ": وَفِي رَمَضَانَ أَيْضًا تُوُفِّيَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৩
الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَرِيرِيِّ، الْمُقِيمُ بِقَرْيَةِ بُسْرَ فِي زَاوِيَتِهِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى دِمَشْقَ وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَهُمُ الْمَعْرُوفُونَ بِالْحَرِيرِيَّةِ أَصْحَابِ الزِّيِّ الْمُنَافِي لِلشَّرِيعَةِ، وَبَاطِنُهُمْ شَرٌّ مِنْ ظَاهِرِهِمْ، إِلَّا مَنْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ هَذَا الْحَرِيرِيِّ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِأُمُورِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّهَاوُنِ بِهَا مِنْ إِظْهَارِ شَعَائِرِ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَانْفَسَدَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَوْلَادِ كُبَرَاءِ دِمَشْقَ، وَصَارُوا عَلَى زِيِّ أَصْحَابِهِ، وَتَبِعُوهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ خَلِيعَ الْعِذَارِ، يَجْمَعُ مَجْلِسُهُ الْغِنَاءَ الدَّائِمَ وَالرَّقْصَ وَالْمُرْدَانَ، وَتَرْكَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا يَفْعَلُهُ، وَتَرْكَ الصَّلَوَاتِ، وَكَثْرَةَ النَّفَقَاتِ، فَأَضَلَّ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَفْسَدَ جَمًّا غَفِيرًا، وَلَقَدْ أَفْتَى فِي قَتْلِهِ مِرَارًا جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ أَرَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ. وَاقِفُ الْعِزِّيَّةِ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ أُسْتَاذُ دَارِ الْمُعَظَّمِ، وَكَانَ مِنَ الْعُقَلَاءِ الْأَجْوَادِ الْأَمْجَادِ، اسْتَنَابَهُ الْمُعَظَّمُ عَلَى صَرْخَدَ، وَظَهَرَتْ مِنْهُ نَهْضَةٌ وَكِفَايَةٌ، وَوَقَفَ الْعِزِّيَّتَيْنِ الْجَوَّانِيَّةَ وَالْبَرَّانِيَّةَ. وَلَمَّا أَخَذَ مِنْهُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ صَرْخَدَ عَوَّضَهُ عَنْهَا، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ وُشِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُكَاتِبُ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ، فَاحْتِيطَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৪
عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، فَمَرِضَ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ: هَذَا آخِرُ عَهْدِي. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ، وَدُفِنَ بِبَابِ النَّصْرِ بِمِصْرَ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي فَوْقَ الْوَرَّاقَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنَّمَا أَرَّخَ السِّبْطُ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. الشِّهَابُ غَازِيُّ بْنُ الْعَادِلِ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ وَخِلَاطَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبُلْدَانِ، كَانَ مِنْ عُقَلَاءِ بَنِي أَيُّوبَ، وَفُضَلَائِهِمْ وَأَهْلِ الدِّيَانَةِ مِنْهُمْ، وَمِمَّا أَنْشَدَ قَوْلُهُ: وَمِنْ عَجَبِ الْأَيَّامِ أَنَّكَ جَالِسٌ ... عَلَى الْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتَ تَسِيرُ فَسَيْرُكَ يَا هَذَا كَسَيْرِ سَفِينَةٍ ... بِقَوْمٍ جُلُوسٍ وَالْقُلُوعُ تَطِيرُ
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا قَدِمَ السُّلْطَانُ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى دِمَشْقَ، وَجَهَّزَ الْجُيُوشَ وَالْمَجَانِيقَ إِلَى حِمْصَ ; لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبُهَا الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْمَنْصُورِ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهْ قَدْ قَايَضَ بِهَا تَلَّ بَاشِرٍ لِصَاحِبِ حَلَبَ النَّاصِرِ يُوسُفَ بْنِ الْعَزِيزِ، وَلَمَّا عَلِمَتِ الْحَلَبِيُّونَ بِخُرُوجِ الدَّمَاشِقَةِ بَرَزُوا أَيْضًا فِي جَحْفَلٍ عَظِيمٍ لِيَمْنَعُوا حِمْصَ مِنْهُمْ، وَاتَّفَقَ مَجِيءُ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ الْبَادَرَائِيِّ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ فِي رِسَالَةٍ، فَأَصْلَحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَرَدَّ كُلًّا مِنَ الْفِئَتَيْنِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا قَتَلَ مَمْلُوكٌ تُرْكِيٌّ شَابٌّ صَبِيٌّ سَيِّدَهُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ، فَصُلِبَ الْغُلَامُ مُسَمَّرًا، وَكَانَ شَابًّا حَسَنًا جِدًّا، فَتَأَسَّفَ النَّاسُ لَهُ لِكَوْنِهِ صَغِيرًا وَمَظْلُومًا وَحَسَنًا، وَنَظَمُوا فِيهِ قَصَائِدَ; وَمِمَّنْ نَظَمَ فِيهِ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي " الذَّيْلِ "، وَقَدْ أَطَالَ قِصَّتَهُ جِدًّا. وَفِيهَا سَقَطَتْ قَنْطَرَةٌ رُومِيَّةٌ قَدِيمَةُ الْبِنَاءِ بِسُوقِ الدَّقِيقِ مِنْ دِمَشْقَ، عِنْدَ قَصْرِ أُمِّ حَكِيمٍ، فَتَهَدَّمَ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الدُّورِ وَالدَّكَاكِينِ، وَكَانَ سُقُوطُهَا نَهَارًا. وَفِي لَيْلَةِ الْأَحَدِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَقَعَ حَرِيقٌ بِالْمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ،
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৬
فَأَحْرَقَ جَمِيعَ حَشْوِهَا، وَكَانَتْ سَلَالِمُهَا سِقَالَاتٍ مِنْ خَشَبٍ، وَهَلَكَ لِلنَّاسِ وَدَائِعُ كَثِيرَةٌ كَانَتْ فِيهَا، وَسَلَّمَ اللَّهُ الْجَامِعَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدِمَ السُّلْطَانُ بَعْدَ أَيَّامٍ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَمَرَ بِإِعَادَتِهَا كَمَا كَانَتْ. قُلْتُ: ثُمَّ احْتَرَقَتْ وَسَقَطَتْ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَأُعِيدَتْ عِمَارَتُهَا أَحْسَنَ مِمَّا كَانَتْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَبَقِيَتْ حِينَئِذٍ الْمَنَارَةُ الْبَيْضَاءُ الشَّرْقِيَّةُ بِدِمَشْقَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَيْهَا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَقْرِيرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مَرِيضًا فِي مِحَفَّةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَهُوَ ثَقِيلٌ مُدْنِفٌ، وَمَا شَغَلَهُ مَرَضُهُ وَمَا هُوَ فِيهِ عَنْ أَمْرِهِ بِقَتْلِ أَخِيهِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْكَامِلِ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَقَدْ كَانَ سَجَنَهُ سَنَةَ اسْتَحْوَذَ عَلَى مِصْرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَوَّالِهَا أَمَرَ بِخَنْقِهِ، فَخُنِقَ وَدُفِنَ بِتُرْبَةِ شَمْسِ الدَّوْلَةِ، فَمَا عُمِّرَ بَعْدَهُ إِلَّا إِلَى النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي أَسْوَأِ حَالٍ وَأَشَدِّ مَرَضٍ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ. وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ قَاضِي الْقُضَاةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَفْضَلِ الدِّينِ الْخُونَجِيِّ الْحَكِيمِ الْمَنْطِقِيِّ الْبَارِعِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ جَيِّدَ السِّيرَةِ فِي أَحْكَامِهِ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৭
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا: عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ الْمُخَرِّمِيُّ، كَانَ شَابًّا فَاضِلًا أَدِيبًا شَاعِرًا مَاهِرًا صَنَّفَ كِتَابًا مُخْتَصَرًا وَجِيزًا جَامِعًا لِفُنُونٍ كَثِيرَةٍ فِي الرِّيَاضَةِ وَالْعَقْلِ وَذَمِّ الْهَوَى، وَسَمَّاهُ " نَتَائِجَ الْأَفْكَارِ ". قَالَ فِيهِ مِنَ الْكَلِمِ الْمُسْتَفَادَةِ الْحِكْمِيَّةِ: السُّلْطَانُ إِمَامٌ مَتْبُوعٌ وَدِينٌ مَشْرُوعٌ، فَإِنْ ظَلَمَ جَارَتِ الْحُكَّامُ لِظُلْمِهِ، وَإِنْ عَدَلَ لَمْ يَجُرْ أَحَدٌ فِي حُكْمِهِ، مَنْ مَكَّنَهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ وَبِلَادِهِ، وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ، وَبَسَطَ يَدَهُ وَسُلْطَانَهُ، وَرَفَعَ مَحَلَّهُ وَمَكَانَهُ، فَحَقِيقٌ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ، وَيُخْلِصَ الدِّيَانَةَ، وَيُجَمِّلَ السَّرِيرَةَ، وَيُحْسِنَ السِّيرَةَ، وَيَجْعَلَ الْعَدْلَ دَأْبَهُ الْمَعْهُودَ، وَالْأَمْنَ بَحْرَ غَرَضِهِ الْمَقْصُودَ، فَالظُّلْمُ يُزِلُّ الْقَدَمَ، وَيُزِيلُ النِّعَمَ، وَيَجْلُبُ النِّقَمَ، وَيُهْلِكُ الْأُمَمَ. وَقَالَ أَيْضًا: مُعَارَضَةُ الطَّبِيبِ تُوجِبُ التَّعْذِيبَ. رُبَّ حِيلَةٍ أَنْفَعُ مِنْ قَبِيلَةٍ. الْمَوْتُ فِي طَلَبِ الثَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْحَيَاةِ فِي الْعَارِ. سَمِينُ الْغَضَبِ مَهْزُولٌ، وَوَالِي الْغَدْرِ مَعْزُولٌ. قُلُوبُ الْحُكَمَاءِ تَسْتَشِفُّ الْأَسْرَارَ مِنْ لَمَحَاتِ الْأَبْصَارِ. ارْضَ مِنْ أَخِيكَ فِي وِلَايَتِهِ بِعُشْرِ مَا كُنْتَ تَعْهَدُهُ مِنْ مَوَدَّتِهِ. التَّوَاضُعُ مِنْ مَصَائِدِ الشَّرَفِ. مَا أَحْسَنَ حُسْنَ الظَّنِّ لَوْلَا أَنَّ فِيهِ الْعَجْزَ. مَا أَقْبَحَ سُوءَ الظَّنِّ لَوْلَا أَنَّ فِيهِ الْحَزْمَ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৮
وَذَكَرَ فِي غُبُونِ كَلَامِهِ أَنَّ خَادِمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَذْنَبَ، فَأَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أَمَا لَكَ ذَنْبٌ تَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَبِالَّذِي أَمْهَلَكَ لَمَّا أَمْهَلْتَنِي. ثُمَّ أَذْنَبَ الْعَبْدُ ثَانِيًا، فَأَرَادَ عُقُوبَتَهُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ الثَّالِثَةَ، فَعَاقَبَهُ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: مَا لَكَ لَمْ تَقُلْ مَا قُلْتَ فِي الْأَوَّلَتَيْنِ؟ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي، حَيَاءً مِنْ حِلْمِكَ مَعَ تَكْرَارِ جُرْمِي. فَبَكَى ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالْحَيَاءِ مِنْ رَبِّي، أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ شِعْرِهِ يَمْدَحُ الْخَلِيفَةَ: يَا مَنْ إِذَا ضَنَّ السَّحَابُ بِمَائِهِ ... هَطَلَتْ يَدَاهُ عَلَى الْبَرِيَّةِ عَسْجَدَا جَوَّرْتَ كِسْرَى يَا مُبَخِّلَ حَاتِمٍ ... فَغَدَتْ بَنُو الْآمَالِ نَحْوَكَ سُجَّدَا وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي أَشْعَارًا كَثِيرَةً حَسَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ الْمَالِكِيُّ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ يُونُسَ الدَّوِينِيُّ ثُمَّ الْمِصْرِيُّ الْعَلَّامَةُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ شَيْخُ الْمَالِكِيَّةِ كَانَ أَبُوهُ حَاجِبًا لِلْأَمِيرِ عِزِّ الدِّينِ مُوسَكَ الصَّلَاحِيِّ، وَاشْتَغَلَ هُوَ بِالْعِلْمِ، فَقَرَأَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৮৯
الْقِرَاءَاتِ، وَحَرَّرَ النَّحْوَ تَحْرِيرًا بَلِيغًا، وَتَفَقَّهَ وَسَادَ أَهْلَ عَصْرِهِ، ثُمَّ كَانَ رَأْسًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَالْعَرَبِيَّةُ وَالتَّصْرِيفُ وَالْعَرُوضُ وَالتَّفْسِيُر، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ اسْتَوْطَنَ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مِائَةٍ، وَدَرَّسَ بِهَا لِلْمَالِكِيَّةِ بِالْجَامِعِ حَتَّى كَانَ خُرُوجُهُ بِصُحْبَةِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، فَصَارَا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حَتَّى كَانَتْ وَفَاةُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَدُفِنَ بِالْمَقْبَرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمَنَارَةِ وَالْبَلَدِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ: وَكَانَ مِنْ أَذْكَى الْأَئِمَّةِ قَرِيحَةً، وَكَانَ ثِقَةً حُجَّةً مُتَوَاضِعًا عَفِيفًا، كَثِيرَ الْحَيَاءِ مُنْصِفًا مُحِبًّا لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ نَاشِرًا لَهُ، مُحْتَمِلًا لِلْأَذَى، صَبُورًا عَلَى الْبَلْوَى، قَدِمَ دِمَشْقَ مِرَارًا، آخِرُهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَرِّسًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَشَيْخًا لِلْمُسْتَفِيدِينَ عَلَيْهِ فِي عِلْمَيِ الْقِرَاءَاتِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، بَارِعًا فِي الْعُلُومِ، مُتْقِنًا لِمَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ ابْنُ خَلِّكَانَ ثَنَاءً كَثِيرًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ فِي أَدَاءِ شَهَادَةٍ حِينَ كَانَ ابْنُ خَلِّكَانَ نَائِبًا فِي الْحُكْمِ بِمِصْرَ، وَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةِ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ، كَإِذَا قَالَ: إِنْ أَكَلْتِ إِنْ شَرِبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. لِمَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৯০
كَانَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ تَشَرَبُ أَوَّلًا؟ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ فِي تُؤَدَةٍ وَسُكُونٍ. قُلْتُ: لَهُ مُخْتَصَرٌ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَحْسَنِ الْمُخْتَصَرَاتِ انْتَظَمَ فِيهِ جَوَاهِرَ ابْنِ شَاشٍ، وَمُخْتَصَرٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ اسْتَوْعَبَ فِيهِ عَامَّةَ فَوَائِدِ الْإِحْكَامِ لِسَيْفِ الدِّينِ الْآمِدِيِّ، وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِحِفْظِهِ، وَجَمَعْتُ كَرَارِيسَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا أَوْدَعَهُ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلَهُ شَرْحُ الْمُفَصَّلِ وَالْأَمَالِي فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْمُقَدِّمَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي النَّحْوِ، اخْتَصَرَ فِيهَا مُفَصَّلَ الزَّمَخْشَرِيِّ وَشَرَحَهَا، وَقَدْ شَرَحَهَا غَيْرُهُ أَيْضًا، وَلَهُ التَّصْرِيفُ وَشَرْحُهُ، وَلَهُ الْعَرُوضُ عَلَى وَزْنِ الشَّاطِبِيَّةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৯১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلَكِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، وَقَتْلُ ابْنِهِ الْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ، وَتَوْلِيَةُ الْمُعِزِّ عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ التُّرْكُمَانِيِّ، عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَفِي رَابِعِ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ تَوَجَّهَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي مِحَفَّةٍ. قَالَهُ ابْنُ السِّبْطِ: وَكَانَ قَدْ نَادَى فِي دِمَشْقَ: مَنْ لَهُ عِنْدَنَا شَيْءٌ فَلْيَأْتِ، فَاجْتَمَعَ خَلْقٌ كَثِيرٌ بِالْقَلْعَةِ، فَدُفِعَتْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ. وَفِي عَاشِرِ صَفَرٍ دَخَلَ إِلَى دِمَشْقَ نَائِبُهَا الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ يَغْمُورٍ مِنْ جِهَةِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، فَنَزَلَ بِدَرْبِ الشَّعَّارِينَ دَاخِلَ بَابِ الْجَابِيَةِ. وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ أَمَرَ النَّائِبُ بِتَخْرِيبِ الدَّكَاكِينِ الْمُحْدَثَةِ فِي وَسَطِ بَابِ الْبَرِيدِ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ دُكَّانٌ سِوَى مَا فِي جَانِبَيْهِ إِلَى جَانِبِ الْحَائِطَيْنِ الْقِبْلِيِّ وَالشَّمَالِيِّ، وَمَا فِي الْوَسَطِ يُهْدَمُ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَقَدْ كَانَ الْعَادِلُ هَدَمَ ذَلِكَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ هَدَمَهُ ابْنُ يَغْمُورٍ، وَالْمَرْجُوُّ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَفِيهَا تَوَجَّهَ النَّاصِرُ دَاوُدُ مِنَ الْكَرَكِ إِلَى حَلَبَ، فَأَرْسَلَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ إِلَى نَائِبِهِ بِدِمَشْقَ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ يَغْمُورٍ بِخَرَابِ دَارِ سَامَةَ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى النَّاصِرِ بِدِمَشْقَ،
পৃষ্ঠা - ১০৯৯২
وَبُسْتَانِهِ الَّذِي بِالْقَابُونِ، وَهُوَ بُسْتَانُ الْقَصْرِ وَأَنْ تُقْلَعَ أَشْجَارُهُ وَيُخَرَّبَ الْقَصْرُ، وَتَسَلَّمَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ الْكَرَكَ مِنَ الْأَمْجَدِ حَسَنِ بْنِ النَّاصِرِ، وَأَخْرَجَ مَنْ كَانَ بِهَا مَنْ بَيْتِ الْمُعَظَّمِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَوَاصِلِهَا وَأَمْوَالِهَا، فَكَانَ فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَقْطَعَ الصَّالِحُ الْأَمْجَدَ هَذَا إِقْطَاعًا جَيِّدًا. وَفِيهَا طَغَى الْمَاءُ بِبَغْدَادَ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْمَحَالِّ وَالدُّورِ الشَّهِيرَةِ، وَتَعَذَّرَتِ الْجُمَعُ فِي أَكْثَرِ الْجَوَامِعِ بِسَبَبِ ذَلِكَ سِوَى ثَلَاثَةِ جَوَامِعَ، وَنُقِلَتْ تَوَابِيتُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ إِلَى التُّرَبِ مِنَ الرُّصَافَةِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ تَغْرَقَ مَحَالُّهُمْ; مِنْهُمُ الْمُعْتَضِدُ بْنُ الْأَمِيرِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، وَذَلِكَ بَعْدَ دَفْنِهِ بِنَيِّفٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَذَا نُقِلَ وَلَدُهُ الْمُكْتَفِي، وَكَذَا الْمُتَّقِي بْنُ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا هَجَمَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ، فَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْجُنْدِ وَالْعَامَّةِ، وَاسْتَحْوَذَ الْفِرِنْجُ عَلَى الثَّغْرِ، وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَنَصَبَ السُّلْطَانُ الْمُخَيَّمَ تُجَاهَ الْعَدُوِّ بِجَمِيعِ الْجَيْشِ، وَشَنَقَ خَلْقًا مِمَّنْ هَرَبَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَلَامَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمُصَابَرَةِ قَلِيلًا لِيُرْهِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّهُمْ، وَقَوِيَ الْمَرَضُ، وَتَزَايَدَ بِالسُّلْطَانِ جِدًّا، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ تُوُفِّيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَنْصُورَةِ، فَأَخْفَتْ جَارِيَتُهُ أَمُّ وَلَدِهِ خَلِيلٍ الْمَدْعُوَّةُ شَجَرَ الدُّرِّ
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৩
مَوْتَهُ، وَأَظْهَرَتْ أَنَّهُ مَرِيضٌ مُدْنِفٌ لَا يُوَصَلُ إِلَيْهِ، وَبَقِيَتْ تُعْلِمُ عَنْهُ بِعَلَامَتِهِ سَوَاءً، وَأَعْلَمَتْ إِلَى أَعْيَانِ الْأُمَرَاءِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِهِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ، وَهُوَ بِحِصْنِ كَيْفَا، فَأَقْدَمُوهُ إِلَيْهِمْ سَرِيعًا. وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ، مِنْهُمْ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْخِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ مَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ، وَبَايَعُوهُ أَجْمَعُونَ، فَرَكِبَ فِي عَصَائِبِ الْمُلْكِ، وَقَاتَلَ الْفِرِنْجَ، فَكَسَرَهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الدَّاخِلَةِ، ثُمَّ قَتَلُوهُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِنْ مُلْكِهِ عَلَيْهِمْ، ضَرَبَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ - وَهُوَ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ التُّرْكُمَانِيُّ، فَضَرَبَهُ فِي يَدِهِ، فَقَطَعَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ فَهَرَبَ إِلَى قَصْرٍ مِنْ خَشَبٍ فِي الْمُخَيَّمِ، فَحَاصَرُوهُ فِيهِ، وَأَحْرَقُوهُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مِنْ بَابِهِ مُسْتَجِيرًا بِرَسُولِ الْخَلِيفَةِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، فَهَرَبَ إِلَى النِّيلِ، فَانْغَمَرَ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقُتِلَ سَرِيعًا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَدَاسُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَدُفِنَ كَالْجِيفَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَكَانَ فِيمَنْ ضَرَبَهُ الْبُنْدُقْدَارِيُّ عَلَى كَتِفِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ إِبِطِهِ الْآخَرِ، وَهُوَ يَسْتَغِيثُ فَلَا يُغَاثُ. [مَنْ قُتِلَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ] وَمِمَّنْ قُتِلَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ: فَخْرُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الشَّيْخِ بْنِ حَمُّوَيْهِ وَكَانَ فَاضِلًا دَيِّنًا مَهِيبًا وَقُورًا، خَلِيقًا بِالْمُلْكِ كَانَتِ الْأُمَرَاءُ تُعَظِّمُهُ جِدًّا، وَلَوْ دَعَاهُمْ إِلَى مُبَايَعَتِهِ بَعْدَ الصَّالِحِ لَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ حِمَايَةً لِجَانِبِ بَنِي أَيُّوبَ، قَتَلَتْهُ الدَّاوِيَّةُ مِنَ الْفِرِنْجِ شَهِيدًا قَبْلَ قُدُومِ الْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ إِلَى مِصْرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ،
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৪
وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُ وَحَوَاصِلُهُ وَخُيُولُهُ، وَخُرِّبَتْ دَارُهُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا شَيْئًا مِنَ الْأَفْعَالِ الشَّنِيعَةِ الْبَشِعَةِ إِلَّا صَنَعُوهُ بِهِ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ تَعَاطَوْا ذَلِكَ مِنَ الْأُمَرَاءِ كَانُوا مُعَظِّمِينَ لَهُ غَايَةَ التَّعْظِيمِ. وَمِنْ شِعْرِهِ: عَصَيْتُ هَوَى نَفْسِي صَغِيرًا فَعِنْدَمَا ... رَمَتْنِي اللَّيَالِي بِالْمَشِيبِ وَبِالْكِبَرْ أَطَعْتُ الْهَوَى عَكْسَ الْقَضِيَّةِ لَيْتَنِي ... خُلِقْتُ كَبِيرًا وَانْتَقَلْتُ إِلَى الصِّغَرْ
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتُّ مِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِي ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ كَانَ كَسْرُ الْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ لِلْفِرِنْجِ عَلَى ثَغْرِ دِمْيَاطَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَقِيلَ: مِائَةَ أَلْفٍ. وَغَنِمُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَتَلَ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ أُسِرُوا، وَكَانَ فِيمَنْ أُسِرَ مَلِكُ الْإِفْرَنْسِيسِ وَأَخُوهُ، وَأُرْسِلَتْ غِفَارَةُ مَلِكِ الْإِفْرَنْسِيسِ إِلَى دِمَشْقَ فَلَبِسَهَا نَائِبُهَا فِي يَوْمِ الْمَوْكِبِ، وَكَانَتْ مِنْ سَقِرْلَاطِ أَحْمَرَ، تَحْتَهَا فَرْوُ سِنْجَابٍ، فَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ فَرَحًا بِمَا وَقَعَ، وَدَخَلَ الْفُقَرَاءُ كَنِيسَةَ مَرْيَمَ، فَأَقَامُوا بِهَا سَمَاعًا; فَرَحًا بِمَا نَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّصَارَى، وَكَادُوا أَنْ يُخَرِّبُوهَا، وَكَانَتِ النَّصَارَى بِبَعْلَبَكَّ، وَقَدْ فَرِحُوا حِينَ أَخَذَتِ النَّصَارَى دِمْيَاطَ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَسْرَةُ عَلَيْهِمْ سَخَّمُوا وُجُوهَ الصُّوَرِ، فَأَرْسَلَ نَائِبُ الْبَلَدِ فَجَنَّاهُمْ، وَأَمَرَ الْيَهُودَ فَصَفَعُوهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَخْرُجُ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ حَتَّى قَتَلَ الْأُمَرَاءُ ابْنَ أُسْتَاذِهِمْ تُورَانْشَاهْ، وَدَفَنُوهُ إِلَى جَانِبِ النِّيلِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَحِمَ أَسْلَافَهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৬
[تَمْلِيكُ الْمُعِزِّ عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ التُّرْكُمَانِيِّ مِصْرَ] بَعْدَ بَنِي أَيُّوبَ، وَتَدَاوُلُ دَوْلَةِ الْأَتْرَاكِ لَمَّا قَتَلَ الْأُمَرَاءُ الْبَحْرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّالِحِيَّةِ ابْنَ أُسْتَاذِهِمِ الْمُعَظَّمَ غِيَاثَ الدِّينِ تُورَانْشَاهَ بْنِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ بْنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ، وَكَانَ مُلْكُهُ بَعْدَ أَبِيهِ بِشَهْرَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ وَانْفَصَلَ أَمْرُهُ نَادَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ: لَا بَأْسَ لَا بَأْسَ. وَاسْتَدْعَوْا مِنْ بَيْنِهِمُ الْأَمِيرَ عِزَّ الدِّينِ أَيْبَكَ التُّرْكُمَانِيَّ، فَمَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ وَبَايَعُوهُ، وَلَقَّبُوهُ بِالْمَلِكِ الْمُعِزِّ، وَرَكِبُوا إِلَى الْقَاهِرَةِ ثُمَّ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَقَامُوا لَهُمْ صَبِيًّا مِنْ بَنِي أَيُّوبَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، وَهُوَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُظَفَّرُ الدِّينِ مُوسَى بْنُ النَّاصِرِ يُوسُفَ بْنِ الْمَسْعُودِ أَقْسِيسَ بْنِ الْكَامِلِ، وَجَعَلُوا الْمُعِزَّ أَتَابِكَهُ، فَكَانَتِ السِّكَّةُ وَالْخُطْبَةُ بِاسْمِهِمَا، وَكَاتَبُوا أُمَرَاءَ الشَّامِ بِذَلِكَ، فَمَا تَمَّ لَهُمُ الْأَمْرُ بِالشَّامِ بَلْ خَرَجَ عَنْ أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ تَسْتَقِرَّ لَهُمُ الْمَمْلَكَةُ إِلَّا عَلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ الْخَاتُونِ شَجَرِ الدُّرِّ أَمْ خَلِيلٍ حَظِيَّةِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، فَتَزَوَّجَتْ بِالْمُعِزِّ، وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ وَالسِّكَّةُ بِاسْمِهَا، يُدْعَى لَهَا عَلَى الْمَنَابِرِ أَيَّامَ الْجُمَعِ بِمِصْرَ وَأَعْمَالِهَا، وَكَذَا تُضْرَبُ السِّكَّةُ بِاسْمِهَا أُمِّ خَلِيلٍ، وَالْعَلَامَةُ عَلَى الْمَنَاشِيرِ وَالتَّوَاقِيعِ بِخَطِّهَا وَاسْمِهَا، مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْمُعِزِّ، ثُمَّ آلَ أَمْرُهَا إِلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْهَوَانِ وَالْقَتْلِ. [ذِكْرُ مُلْكِ النَّاصِرِ بْنِ الْعَزِيزِ بْنِ الظَّاهِرِ بْنِ النَّاصِرِ فَاتِحِ الْقُدْسِ] ِ، صَاحِبِ حَلَبَ، لِدِمَشْقَ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَقَعَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِنْ قَتْلِ الْأُمَرَاءِ لِلْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ بْنِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৭
رَكِبَ الْحَلَبِيُّونَ، مَعَهُمُ ابْنُ أُسْتَاذِهِمْ النَّاصِرُ يُوسُفُ بْنُ الْعَزِيزِ مُحَمَّدِ بْنِ الظَّاهِرِ غَازِي بْنِ النَّاصِرِ يُوسُفَ فَاتِحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُلُوكِ بَنِي أَيُّوبَ، مِنْهُمُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْعَادِلِ، وَكَانَ أَحَقَّ الْمَوْجُودِينَ بِالْمُلْكِ، مِنْ حَيْثُ السِّنِّ وَالْعَقْلِ وَالْحُرْمَةِ وَالرِّيَاسَةِ، وَمِنْهُمُ النَّاصِرُ دَاوُدُ بْنُ الْمُعَظَّمِ بْنِ الْعَادِلِ، وَالْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْمَنْصُورِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهْ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ حِمْصَ، وَغَيْرُهُمْ، فَجَاءُوا إِلَى دِمَشْقَ، فَحَاصَرُوهَا فَمَلَكُوهَا سَرِيعًا، وَنُهِبَتْ دَارُ ابْنِ يَغْمُورٍ، وَحُبِسَ فِي الْقَلْعَةِ وَتَسَلَّمُوا مَا حَوْلَهَا، كَبَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى وَالصَّلْتِ وَعَجْلُونَ وَصَرْخَدَ، وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِمُ الْكَرَكُ وَالشَّوْبَكُ بِالْمَلِكِ الْمُغِيثِ عُمَرَ بْنِ الْعَادِلِ بْنِ الْكَامِلِ كَانَ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ حِينَ قُتِلَ الْمُعَظَّمُ تُورَانْشَاهْ، فَطَلَبَهُ الْمِصْرِيُّونَ لِيُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ، فَخَافَ مِمَّا حَلَّ بِابْنِ عَمِّهِ، فَلَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِمْ. وَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ يَدُ الْحَلَبِيِّينَ عَلَى دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا جَلَسَ النَّاصِرُ فِي الْقَلْعَةِ، وَطَيَّبَ قُلُوبَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكِبُوا إِلَى غَزَّةَ لِيَتَسَلَّمُوا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، فَبَرَزَ إِلَيْهِمُ الْجَيْشُ الْمِصْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ، فَكُسِرَ الْمِصْرِيُّونَ أَوَّلًا بِحَيْثُ إِنَّهُ خُطِبَ لِلنَّاصِرِ بِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ كَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى الشَّامِيِّينَ، فَانْهَزَمُوا وَأُسِرَ مِنْ أَعْيَانِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَعُدِمَ مِنَ الْجَيْشِ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَنْشَدَ هُنَا الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِبَعْضِهِمْ:
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৮
ضَيَّعَ إِسْمَاعِيلُ أَمْوَالَنَا ... وَخَرَّبَ الْمَغْنَى بِلَا مَعْنَى وَرَاحَ مِنْ جِلَّقَ هَذَا جَزَا ... مَنْ أَفْقَرَ النَّاسَ وَمَا اسْتَغْنَى [ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ تَرْجَمَةِ الصَّالِحِ أَبِي الْخَيْشِ إِسْمَاعِيلَ] َ وَاقِفِ تُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ وَقَدْ كَانَ الصَّالِحُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مَلِكًا عَاقِلًا حَازِمًا، تَقَلَّبَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ أَطْوَارًا كَثِيرَةً، وَقَدْ كَانَ الْأَشْرَفُ مُوسَى أَوْصَى لَهُ بِدِمَشْقَ مِنْ بَعْدِهِ، فَمَلَكَهَا شُهُورًا، ثُمَّ انْتَزَعَهَا مِنْهُ أَخُوهُ الْكَامِلُ، ثُمَّ مَلَكَهَا مِنْ يَدِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ خَدِيعَةً وَمَكْرًا، فَاسْتَمَرَّ فِيهَا أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ اسْتَعَادَهَا مِنْهُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ عَامَ الْخُوَارَزْمِيَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَاسْتَقَرَّتْ بِيَدِهِ بَلَدَاهُ بَعْلَبَكُّ وَبُصْرَى، ثُمَّ أُخِذَتَا مِنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ بَلَدٌ يَأْوِي إِلَيْهِ، فَلَجَأَ إِلَى الْمَمْلَكَةِ الْحَلَبِيَّةِ فِي جِوَارِ النَّاصِرِ يُوسُفَ صَاحِبِ حَلَبَ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عُدِمَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَلَا يُدْرَى مَا فُعِلَ بِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهُوَ وَاقِفُ التُّرْبَةِ وَالْمَدْرَسَةِ وَدَارِ الْحَدِيثِ وَالْإِقْرَاءِ بِدِمَشْقَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ: الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ تُورَانْشَاهْ بْنُ الصَّالِحِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ بْنِ الْعَادِلِ كَانَ
পৃষ্ঠা - ১০৯৯৯
أَوَّلًا صَاحِبَ حِصْنِ كَيْفَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ فِي أَيَّامِهِ فَلَا يُجِيبُهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا اسْتَدْعَاهُ الْأُمَرَاءُ، فَأَجَابَهُمْ وَجَاءَ إِلَيْهِمْ فَمَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مُتَخَلِّعًا لَا يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ. وَقَدْ رُئِيَ أَبُوهُ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلُوهُ شَرَّ قِتْلَهْ ... صَارَ لِلْعَالَمِ مُثْلَهْ لَمْ يُرَاعُوا فِيهِ إِلًّا ... لَا وَلَا مَنْ كَانَ قَبْلَهْ سَتَرَاهُمْ عَنْ قَرِيبٍ ... لِأَقَلِّ النَّاسِ أُكْلَهْ وَكَانَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ اقْتِتَالِ الْمِصْرِيِّينَ وَالشَّامَيْنِ. وَمِمَّنْ عُدِمَ فِيمَا بَيْنُ الصَّفَّيْنِ مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَرَاءِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَمِنْهُمُ الشَّمْسُ لُؤْلُؤٌ مُدَبِّرُ مَمَالِكِ الْحَلَبِيِّينَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَاقِفَةُ الْحَافِظِيَّةِ: وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْخَاتُّونِ أَرْغُونَ الْحَافِظِيَّةِ، سُمِّيَتِ الْحَافِظِيَّةَ لِخِدْمَتِهَا وَتَرْبِيَتِهَا الْحَافِظَ صَاحِبَ قَلْعَةِ جَعْبَرٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةً عَاقِلَةً مُدَبِّرَةً، عُمِّرَتْ دَهْرًا، وَلَهَا أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُصْلِحُ الْأَطْعِمَةَ لِلْمُغِيثِ عُمَرَ بْنِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ، فَصَادَرَهَا الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، وَأَخَذَ
পৃষ্ঠা - ১১০০০
مِنْهَا أَرْبَعَ مِائَةِ صُنْدُوقٍ مِنَ الْمَالِ، وَقَدْ وَقَفَتْ دَارَهَا بِدِمَشْقَ عَلَى خُدَّامِهَا، وَاشْتَرَتْ بُسْتَانَ النَّجِيبِ يَاقُوتٍ الَّذِي كَانَ خَادِمَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْكِنْدِيِّ، وَجَعَلَتْ فِيهِ تُرْبَةً وَمَسْجِدًا، وَوَقَفَتْ عَلَيْهِمَا أَوْقَافًا جَيِّدَةً، رَحِمَهَا اللَّهُ. وَاقِفُ الْأَمِينِيَّةِ الَّتِي بِبَعْلَبَكَّ، أَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ غَزَّالٌ الْمُتَطَبِّبُ وَزِيرُ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ أَبِي الْخِيَشِ الَّذِي كَانَ مَشْئُومًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى سُلْطَانِهِ، وَسَبَبًا فِي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْهُ وَعَنْ مَخْدُومِهِ، وَهَذَا هُوَ وَزِيرُ السَّوْءِ، وَقَدِ اتَّهَمَهُ السِّبْطُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَسَتِّرًا بِالدِّينِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ دِينٌ، فَأَرَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ قَتْلُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَمَّا عُدِمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بِدِيَارِ مِصْرَ; عَمَدَ مَنْ عَمَدَ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَيْهِ وَإِلَى ابْنِ يَغْمُورٍ نَاصِرِ الدِّينِ، فَشَنَقُوهُمَا وَصَلَبُوهُمَا عَلَى الْقَلْعَةِ بِمِصْرَ. وَقَدْ وُجِدَ لِأَمِينِ الدَّوْلَةِ غَزَّالٍ هَذَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالتُّحَفِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَثَاثِ مَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَعَشَرَةُ آلَافِ مُجَلَّدٍ بِخَطٍّ مَنْسُوبٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْخُطُوطِ النَّفِيسَةِ الْفَائِقَةِ.