আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৯১৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْأَشْرَفِ، ثُمَّ أَخِيهِ الْكَامِلِ، أَمَّا الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ بَانِي دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَجَامِعِ التَّوْبَةِ وَجَامِعِ جَرَّاحٍ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ رَابِعِ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَدُفِنَ بِهَا حَتَّى نَجِزَتْ تُرْبَتُهُ الَّتِي بُنِيَتْ لَهُ شَمَالِيَّ الْكَلَّاسَةِ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَيْهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جُمَادَى الْأُولَى. وَقَدْ كَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأَدْوَاءُ حَتَّى كَانَ الْجَرَائِحِيُّ يُخْرِجُ الْعِظَامَ مِنْ رَأْسِهِ، وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ السَّنَةِ تَزَايَدَ بِهِ الْمَرَضُ. وَاعْتَرَاهُ إِسْهَالٌ مُفْرِطٌ، فَخَارَتْ قُوَّتُهُ، فَشَرَعَ فِي التَّهَيُّؤِ لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَعْتَقَ مِائَتَيْ غُلَامٍ وَجَارِيَةٍ، وَوَقَفَ دَارَ فَرُّخْشَاهِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: دَارُ السَّعَادَةِ. وَبُسْتَانَهُ بِالنَّيْرَبِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَتَصَدَّقَ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ، وَأَحْضَرَ لَهُ كَفَنًا كَانَ قَدْ أَعَدَّهُ مِنْ مَلَابِسِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَشَايِخِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، شَهْمًا شُجَاعًا كَرِيمًا جَوَّادًا مُحِبًّا لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، لَاسِيَّمَا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَقَادِسَةِ الصَّالِحِيَّةِ، وَقَدْ بَنَى لَهُمْ دَارَ حَدِيثٍ
পৃষ্ঠা - ১০৯২০
بِالسَّفْحِ، وَبِالْمَدِينَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ أُخْرَى، وَجَعَلَ فِيهَا نَعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي مَا زَالَ حَرِيصًا عَلَى تَحْصِيلِهِ مِنَ النَّظَّامِ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ التَّاجِرِ. وَقَدْ كَانَ النَّظَّامُ ضَنِينًا بِهِ، فَعَزَمَ الْأَشْرَفُ عَلَى أَخْذِ قِطْعَةٍ مِنْهُ; خَوْفًا مِنْ أَنْ يَذْهَبَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَدَّرَ اللَّهُ مَوْتَ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ بِدِمَشْقَ، فَأَوْصَى لِلْمَلِكِ الْأَشْرَفِ بِهِ، فَجَعَلَهُ الْأَشْرَفُ بِدَارِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ إِلَيْهَا كُتُبًا سَنِيَّةً نَفِيسَةً، وَبَنَى جَامِعَ التَّوْبَةِ بِالْعُقَيْبَةِ، وَقَدْ كَانَ خَانًا لِلزِّنْجَارِيِّ، فِيهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَبَنَى مَسْجِدَ الْقَصَبِ وَجَامِعَ جَرَّاحٍ وَمَسْجِدَ دَارِ السَّعَادَةِ، وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَنَشَأَ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ بِكَفَالَةِ الْأَمِيرِ فَخْرِ الدِّينِ عُثْمَانَ الزِّنْجَارِيِّ، وَكَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ، وَكَذَلِكَ أَخُوهُ الْمُعَظَّمُ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ أَبُوهُ عَلَى مُدُنٍ كَثِيرَةٍ بِالْجَزِيرَةِ; مِنْهَا الرُّهَا وَحَرَّانَ، ثُمَّ اتَّسَعَتْ مَمْلَكَتُهُ حِينَ مَلَكَ خِلَاطَ. وَكَانَ مِنْ أَعَفِّ النَّاسِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً وَسَرِيرَةً، لَا يَعْرِفُ غَيْرَ نِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُعَانِي الشَّرَابَ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْأُمُورِ. حَكَى السِّبْطُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا بِهَذِهِ الْمَنْظَرَةِ مِنْ خِلَاطَ إِذْ دَخَلَ الْخَادِمُ فَقَالَ: بِالْبَابِ امْرَأَةٌ تَسْتَأْذِنُ. فَدَخَلَتْ فَإِذَا صُورَةٌ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَإِذَا هِيَ ابْنَةُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ بِخِلَاطَ قَبْلِي، فَذَكَرَتْ أَنَّ الْحَاجِبَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى قَرْيَةٍ لَهَا، وَأَنَّهَا قَدِ احْتَاجَتْ إِلَى بُيُوتِ الْكِرَاءِ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَتَقَوَّتُ مِنْ عَمَلِ النُّقُوشِ لِلنِّسَاءِ، فَأَمَرْتُ بِرَدِّ ضَيْعَتِهَا إِلَيْهَا، وَأَمَرْتُ لَهَا بِدَارٍ تَسْكُنُهَا، وَقَدْ كُنْتُ قُمْتُ لَهَا حِينَ دَخَلَتْ، وَأَجْلَسْتُهَا بَيْنَ يَدِيَّ، وَأَمَرْتُهَا بِسَتْرِ وَجْهِهَا حِينَ أَسْفَرَتْ عَنْهُ، وَمَعَهَا عَجُوزٌ، فَحِينَ قَضَتْ شُغْلَهَا قُلْتُ لَهَا: انْهَضِي عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৯২১
فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا خُوَنْدُ، إِنَّمَا جَاءَتْ لِتَحْظَى بِخِدْمَتِكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. فَقُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ، لَا يَكُونُ هَذَا. وَاسْتَحْضَرْتُ فِي ذِهْنِي ابْنَتِي رُبَّمَا يُصِيبُهَا نَظِيرُ مَا أَصَابَ هَذِهِ، فَقَامَتْ وَهِيَ تَقُولُ: سَتَرَكَ اللَّهُ مِثْلَ مَا سَتَرْتَنِي، وَقُلْتُ لَهَا: مَهْمَا كَانَ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ فَأَنْهِيهَا إِلَيَّ أَقْضِهَا لَكِ. فَدَعَتْ لِي وَانْصَرَفَتْ. فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: فَفِي الْحَلَالِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْحَرَامِ، فَتَزَوَّجْهَا. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا كَانَ هَذَا أَبَدًا، أَيْنَ الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُ وَالْمُرُوءَةُ؟! قَالَ: وَمَاتَ مَمْلُوكٌ مِنْ مَمَالِيكِي، وَتَرَكَ وَلَدًا لَيْسَ يَكُونُ فِي النَّاسِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ أَحْسَنُ شَبَابًا وَلَا أَحْلَى شَكْلًا مِنْهُ، فَأَحْبَبْتُهُ وَقَرَّبْتُهُ، وَكَانَ مَنْ لَا يَفْهَمُ أَمْرِي يَتَّهِمُنِي بِهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ عَدَا عَلَى إِنْسَانٍ، فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، فَاشْتَكَى عَلَيْهِ إِلَيَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَقُلْتُ: أَثْبِتُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ. فَأَثْبَتُوا ذَلِكَ، وَحَاجَفَتْ عَنْهُ مَمَالِيكِي، وَأَرَادُوا إِرْضَاءَهُمْ بِعَشْرِ دِيَاتٍ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَوَقَفُوا لِي فِي الطَّرِيقِ وَقَالُوا: قَدْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ قَتَلَهُ. فَقُلْتُ: خُذُوهُ. فَتَسَلَّمُوهُ، فَقَتَلُوهُ، وَلَوْ طَلَبُوا مِنِّي مُلْكِي فِدَاءً لَهُ لَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ أَنْ أُعَارِضَ شَرْعَهُ بِحَظِّ نَفْسِي. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا مَلَكَ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ نَادَى مُنَادِيهِ بِهَا أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُلُومِ سِوَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْمَنْطِقِ وَعُلُومِ الْأَوَائِلِ نُفِيَ مِنَ الْبَلَدِ، وَكَانَ الْبَلَدُ بِهِ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ وَالْعَدْلِ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ وَالْخَيْرَاتِ; كَانَتِ الْقَلْعَةُ لَا تُغْلَقُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ كُلِّهَا، وَصُحُونُ الْحَلَاوَاتِ خَارِجَةٌ مِنْهَا إِلَى الْجَامِعِ وَالْخَوَانِقِ وَالرُّبُطِ
পৃষ্ঠা - ১০৯২২
وَالصَّالِحِيَّةِ، إِلَى الصَّالِحِينَ وَالْفُقَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ أَكْثَرُ جُلُوسِهِ بِمَسْجِدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الَّذِي جَدَّدَهُ وَزَخْرَفَهُ بِالْقَلْعَةِ، وَكَانَ مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ، وَلَمْ تُكْسَرْ لَهُ رَايَةٌ قَطُّ، وَقَدِ اسْتَدْعَى الزَّبِيدِيَّ مِنْ بَغْدَادَ حَتَّى سَمِعَ هُوَ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ " صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرَهُ، وَكَانَ لَهُ مَيْلٌ كَثِيرٌ إِلَى الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ، وَهُوَ يَطِيرُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَقَالُوا لَهُ: مَا هَذَا وَقَدْ كُنْتَ تُعَانِي الشَّرَابَ فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: ذَاكَ الْبَدَنُ الَّذِي كُنَّا نَفْعَلُ بِهِ ذَاكَ عِنْدَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَذِهِ الرُّوحُ الَّتِي كُنَّا نُحِبُّ بِهَا هَؤُلَاءِ، فَهِيَ مَعَهُمْ. وَلَقَدْ صَدَقَ، رَحِمَهُ اللَّهُ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» . وَقَدْ كَانَ أَوْصَى بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَخِيهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخُوهُ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَمَشَى النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَكِبَ إِلَى جَانِبِهِ صَاحِبُ حِمْصَ وَعِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ الْمُعَظَّمِيُّ حَامِلٌ الْغَاشِيَةَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ صَادَرَ جَمَاعَةً مِنَ الدَّمَاشِقَةِ الَّذِينَ قِيلَ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ مَعَ الْكَامِلِ. مِنْهُمُ الْعَلَمُ تَعَاسِيفُ، وَأَوْلَادُ ابْنِ مُزْهِرٍ، وَحَبَسَهُمْ بِبُصْرَى، وَأَطْلَقَ الْحَرِيرِيَّ مِنْ قَلْعَةِ عَزَّتَا، وَشَرَطَ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৩
عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دِمَشْقَ، ثُمَّ قَدِمَ الْكَامِلُ مِنْ مِصْرَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ وَنَابُلُسَ وَالْقُدْسِ، فَحَاصَرُوا دِمَشْقَ حِصَارًا شَدِيدًا، وَقَدْ حَصَّنَهَا الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، وَقُطِعَتِ الْمِيَاهُ، وَرَدَّ الْكَامِلُ مَاءَ بَرَدَى إِلَى ثَوْرَا، وَأُحْرَقَتِ الْعُقَيْبَةُ وَقَصْرُ حَجَّاجٍ، فَافْتَقَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاحْتَرَقَ آخَرُونَ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ آلَ الْحَالُ فِي آخِرِ جُمَادَى الْأُولَى إِلَى أَنْ سَلَّمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ دِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، عَلَى أَنَّ لَهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَسَكَنَ الْأَمْرُ، وَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى يَدَيِ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، اتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ بِدِمَشْقَ قَدْ قَدِمَ فِي رَسْلِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ إِلَى دِمَشْقَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا. وَدَخَلَ الْكَامِلُ دِمَشْقَ، وَأَطْلَقَ الْفَلَكَ بْنَ الْمَسِيرِيِّ مِنْ سِجْنِ الْحَيَّاتِ بِالْقَلْعَةِ الَّذِي كَانَ أَوْدَعَهُ فِيهِ الْأَشْرَفُ، وَنُقِلَ الْأَشْرَفُ إِلَى تُرْبَتِهِ، وَأَمَرَ الْكَامِلُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَادِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ أَئِمَّةَ الْجَامِعِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَغْرِبَ سِوَى الْإِمَامِ الْكَبِيرِ; لِمَا كَانَ يَقَعُ مِنَ التَّشْوِيشِ وَالِاخْتِلَافِ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَنِعْمَ مَا فَعَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ فُعِلَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ فِي الْمِحْرَابِ الْمُقَدَّمِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يَبْقَ بِهِ إِمَامٌ حِينَئِذٍ سِوَى الَّذِي بِالْحَلَبَيَّةِ عِنْدَ مَشْهَدِ عَلَيٍّ، وَلَوْ تُرِكَ لَكَانَ حَسَنًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ] تَمَلَّكَ الْكَامِلُ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ أَمْرَاضٌ مُخْتَلِفَةٌ، مِنْ ذَلِكَ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৪
سُعَالٌ وَإِسْهَالٌ وَنَزْلَةٌ فِي حَلْقِهِ، وَنِقْرِسٌ فِي رِجْلَيْهِ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ مِنْ دَارِ الْقَصَبَةِ، وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَمُّهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ. وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْكَامِلِ أَحَدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ شِدَّةِ هَيْبَتِهِ، بَلْ دَخَلُوا فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِ الْعَادِلِ بَعْدَ مَوْدُودٍ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى الْعَادِلُ لِعِلْمِهِ بِثَبَاتِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ، وَوُفُورِ مَعْرِفَتِهِ. وَقَدْ كَانَ جَيِّدَ الْفَهْمِ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ، وَيَسْأَلُهُمْ أَسْئِلَةً مُشْكِلَةً، وَلَهُ كَلَامٌ جَيِّدٌ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ ذَكِيًّا، مَهِيبًا، ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ، عَادِلًا مُنْصِفًا، لَهُ حُرْمَةٌ وَافِرَةٌ، وَسَطْوَةٌ قَوِيَّةٌ، مَلَكَ مِصْرَ ثَلَاثِينَ سَنَةً كَامِلَةً، وَكَانَتِ الطُّرُقَاتُ فِي زَمَانِهِ آمِنَةً، وَالرَّعَايَا مُتَنَاصِفَةً، لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا، شَنَقَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَجْنَادِ أَخَذُوا شَعِيرًا لِبَعْضِ الْفَلَّاحِينَ بِأَرْضِ آمِدَ، وَاشْتَكَى إِلَيْهِ بَعْضُ الرَّكْبَدَارِيَةِ أَنَّ أُسْتَاذَهُ اسْتَعْمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِلَا أُجْرَةٍ، فَأَحْضَرَ الْجُنْدِيَّ وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ الرَّكْبَدَارِيَةِ، وَأَلْبَسَ الرَّكْبَدَارَ ثِيَابَ الْجُنْدِيِّ، وَأَمَرَ الْجُنْدِيَّ أَنْ يَخْدُمَ الرَّكْبَدَارَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَيَحْضُرَ الرَّكْبَدَارُ الْمَوْكِبَ وَالْخِدْمَةَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ، فَتَأَدَّبَ النَّاسُ بِذَلِكَ غَايَةَ الْأَدَبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ فِي رَدِّ ثَغْرِ دِمْيَاطَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - فَرَابَطَهُمْ أَرْبَعَ سِنِينَ، حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ يَوْمُ أَخْذِهِ لَهُ وَاسْتِرْجَاعِهِ إِيَّاهُ يَوْمًا مَشْهُودًا، كَمَا ذَكَرْنَا مُفَصَّلًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِالْقَلْعَةِ حَتَّى كَمَلَتْ تُرْبَتُهُ الَّتِي بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ مِنَ الْجَامِعِ ذَاتُ الشُّبَّاكِ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৫
الَّذِي هُنَاكَ قَرِيبًا مِنْ مَقْصُورَةِ ابْنِ سِنَانَ، وَهِيَ الْكِنْدِيَّةُ الَّتِي عِنْدَ الْحَلَبِيَّةِ، نُقِلَ إِلَيْهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَمِنْ شِعْرِهِ يَسْتَحِثُّ أَخَاهُ الْمَلِكَ الْأَشْرَفَ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ حِينَ كَانَ مُحَاصَرًا بِدِمْيَاطَ: يَا مُسْعِفِي إِنْ كُنْتَ حَقًّا مُسْعِفِي ... فَارْحَلْ بِغَيْرِ تَقَيُّدٍ وَتَوَقُّفِ وَاطْوِ الْمَنَازِلَ وَالدِّيَارَ وَلَا تُنِخْ ... إِلَّا عَلَى بَابِ الْمَلِيكِ الْأَشْرَفِ قَبِّلْ يَدَيْهِ لَا عُدِمْتَ وَقُلْ لَهُ ... عَنِّي بِحُسْنِ تَعَطُّفٍ وَتَلَطُّفِ إِنْ تَأْتِ صِنْوَكَ عَنْ قَرِيبٍ تَلْقَهُ ... مَا بَيْنَ حَدِّ مُهَنَّدٍ وَمُثَقَّفِ أَوْ تُبْطِ عَنْ إِنْجَادِهِ فَلِقَاؤُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عِرَاضِ الْمَوْقِفِ [ذِكْرُ مَا جَرَى بَعْدَ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ] ذِكْرُ مَا جَرَى كَانَ قَدْ عَهِدَ لِوَلَدِهِ الْعَادِلِ - وَكَانَ صَغِيرًا - بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَبِالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَلِوَلَدِهِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، فَأَمْضَى الْأُمَرَاءُ ذَلِكَ، فَأَمَّا دِمَشْقُ فَاخْتَلَفَ الْأُمَرَاءُ بِهَا فِي الْمَلِكِ النَّاصِرِ دَاوُدَ بْنِ الْمُعَظَّمِ، وَالْمَلِكِ الْجَوَادِ مُظَفَّرِ الدِّينِ يُونُسَ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَكَانَ مَيْلُ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ إِلَى الْجَوَادِ، وَآخَرُونَ إِلَى النَّاصِرِ، وَكَانَ نَازِلًا بِدَارِ أُسَامَةَ، فَانْتَظَمَ أَمْرُ الْجَوَادِ، وَجَاءَتِ الرِّسَالَةُ إِلَى النَّاصِرِ أَنِ اخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ، فَرَكِبَ مِنْ دَارِ أُسَامَةَ، وَالْعَامَّةُ مِنْ دَارِهِ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৯২৬
الْقَلْعَةِ لَا يَشُكُّونَ فِي وِلَايَتِهِ الْمُلْكَ، فَسَلَكَ نَحْوَ الْقَلْعَةِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْعِمَادِيَّةَ عَطَفَ بِرَأْسِ فَرَسِهِ نَحْوَ بَابِ الْفَرَجِ، فَصَرَخَتِ الْعَامَّةُ: لَا، لَا، لَا. فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ الْقَابُونَ عِنْدَ وَطْأَةِ بَرْزَةَ. فَعَزَمَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ الْأَشْرَفِيَّةِ عَلَى مَسْكِهِ، فَسَاقَ فَبَاتَ بِقَصْرِ أُمِّ حَكِيمٍ، وَسَاقُوا وَرَاءَهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَى عَجْلُونَ، فَتَحَصَّنَ بِهَا وَأَمِنَ. وَأَمَّا الْجَوَادُ فَإِنَّهُ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَأَنْفَقَ الْأَمْوَالَ وَالْخِلَعَ عَلَى الْأُمَرَاءِ. قَالَ السِّبْطُ: فَرَّقَ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ وَخَمْسَةَ آلَافِ خِلْعَةٍ، وَأَبْطَلَ الْمُكُوسَ وَالْخُمُورَ، وَنَفَى الْخَوَاطِئَ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِدِمَشْقَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأُمَرَاءُ الشَّامِيُّونَ وَالْمِصْرِيُّونَ، وَرَحَلَ النَّاصِرُ دَاوُدُ مِنْ عَجْلُونَ نَحْوَ غَزَّةَ وَبِلَادِ السَّاحِلِ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا، فَرَكِبَ الْجَوَادُ فِي طَلَبِهِ، وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ وَالْمِصْرِيَّةُ، وَقَالَ لِلْأَشْرَفِيَّةِ: كَاتِبُوهُ وَأَطْمِعُوهُ. فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ كُتُبُهُمْ طَمِعَ فِي مُوَافَقَتِهِمْ، فَرَجَعَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَاكِبٍ إِلَى نَابُلُسَ، فَقَصَدَهُ الْجَوَادُ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى جِينِينَ، وَالنَّاصِرُ عَلَى سَبَسْطِيَةَ، فَهَرَبَ مِنْهُ النَّاصِرُ، فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَثْقَالِهِ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا، وَافْتَقَرَ بِسَبَبِهَا فَقْرًا مُدْقِعًا، وَرَجَعَ النَّاصِرُ إِلَى الْكَرَكِ جَرِيدَةً قَدْ سُلِبَ أَمْوَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَعَادَ الْجَوَادُ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا. وَفِيهَا اخْتَلَفَتِ الْخُوَارَزْمِيَّةُ عَلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ صَاحِبِ كَيْفَا وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَعَزَمُوا عَلَى الْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَلَجَأَ إِلَى سِنْجَارَ، فَقَصَدَهُ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৭
لِيُحَاصِرَهُ وَيَأْخُذَهُ فِي قَفَصٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَكْرَهُونَ مُجَاوَرَتَهُ لِكِبْرِهِ وَقُوَّةِ سَطْوَتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَى أَخْذِهِ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَكَاتَبَ الْخُوَارَزْمِيَّةَ، وَاسْتَنْجَدَ بِهِمْ، وَخَضَعَ لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَقَدِمُوا إِلَيْهِ جَرَائِدَ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الْبَدْرِ لُؤْلُؤٍ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ لُؤْلُؤٌ هَرَبَ مِنْهُمْ، فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى أَمْوَالِهِ وَأَثْقَالِهِ، فَوَجَدُوا فِيهَا شَيْئًا كَثِيرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ الْمَوْصِلِ جَرِيدَةً خَائِبًا، وَسَلِمَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْخَطِيبُ الدَّوْلَعِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَاسِينَ، الْخَطِيبُ جَمَالُ الدِّينِ الدَّوْلَعِيُّ، نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ تَرْجَمَةِ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَاسِينَ الْخَطِيبِ بِدِمَشْقَ أَيْضًا، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِالْغَزَّالِيَّةِ مَعَ الْخَطَابَةِ، وَقَدْ مَنَعَهُ الْمُعَظَّمُ فِي وَقْتٍ عَنِ الْفَتْوَى، فَعَاتَبَهُ السِّبْطُ فِي ذَلِكَ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ شُيُوخَ بَلَدِهِ هُمُ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَخْطَائِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْوَظِيفَةِ لَا يَكَادُ يُفَارِقُ بَيْتَ الْخَطَابَةِ، وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ مَعَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، وَقَفَ مَدْرَسَةً بَجَيْرُونَ، وَقَدْ وَلِيَ الْخَطَابَةَ بَعْدَهُ أَخٌ لَهُ، وَكَانَ جَاهِلًا وَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا، وَتَوَلَّاهَا الْكَمَالُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ النَّصِيبِيُّ، وَوَلِيَ تَدْرِيسَ الْغَزَّالِيَّةَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯২৮
الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ: مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَمِيلٍ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ عَلَى الْحَافِظِ بْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، وَاشْتَغَلَ فِي الْفِقْهِ، وَأَفْتَى وَدَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عِدَّةَ سِنِينَ، وَكَانَ فَقِيهًا عَالِمًا فَاضِلًا كَيِّسًا، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، عَارِفًا بِالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَالْأَشْعَارِ، كَرِيمَ الطِّبَاعِ، حَمِيدَ الْآثَارِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ ثَالِثَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ يَحْيَى، أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ قَاضِيهَا، كَانَ عَالِمًا عَفِيفًا فَاضِلًا عَادِلًا مُنْصِفًا نَزِهًا، كَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ يَقُولُ: مَا وَلِيَ دِمَشْقَ مِثْلُهُ. وَقَدْ وَلِيَ الْحُكْمَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً، وَنَابَ بِدِمَشْقَ عَنِ الْقُضَاةِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسَ ذِي الْقِعْدَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَوَلَّى بَعْدَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْخُوَيِّيِّ.
পৃষ্ঠা - ১০৯২৯
ابْنُ الْأُسْتَاذِ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلْوَانَ الْأَسَدِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الْأُسْتَاذِ الْحَلَبِيِّ، قَاضِيهَا بَعْدَ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ شَدَّادٍ، وَكَانَ رَئِيسًا عَالِمًا فَاضِلًا، حَسَنَ الْخُلُقِ وَالسَّمْتِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -. الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْمُعَمِّرُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ بَهْرُوزٍ الْبَغْدَادِيُّ، ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي الْوَقْتِ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَانْثَالَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْمَعُونَ مِنْهُ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الزَّبِيدِيِّ وَغَيْرِهِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ الْمُجَاهِدُ الْمُرَابِطُ صَارِمُ الدِّينِ، خَطْلَبَا بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَمْلُوكُ سَرْكَسَ، وَنَائِبُهُ بَعْدَهُ مَعَ وَلَدِهِ عَلَى تِبْنِينَ وَتِلْكَ الْحُصُونِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْإِحْسَانِ، وَدُفِنَ مَعَ أُسْتَاذِهِ بِقِبَابِ سَرْكَسَ، وَهُوَ الَّذِي بَنَاهَا بَعْدَ أُسْتَاذِهِ، وَكَانَ خَيِّرًا، قَلِيلَ الْكَلَامِ، كَثِيرَ الْغَزْوِ، مُرَابِطًا مُدَّةَ سِنِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَفَا عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا قَبَضَ الْمَلِكُ الْجَوَادُ عَلَى الصَفِيِّ بْنِ مَرْزُوقٍ، وَصَادَرَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَحَبَسَهُ بِقَلْعَةِ حِمْصَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَرَى الضَّوْءَ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَرْزُوقٍ قَبْلَ ذَلِكَ يُحْسِنُ إِلَى الْجَوَادِ إِحْسَانًا كَثِيرًا. وَسَلَّطَ الْجَوَادُ خَادِمًا لِزَوْجَتِهِ يُقَالُ لَهُ: النَّاصِحُ، فَصَادَرَ الدَّمَاشِقَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَمَسَكَ الْأَمِيرَ عِمَادَ الدِّينِ بْنَ الشَّيْخِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ تَمْلِيكِهِ دِمَشْقَ، ثُمَّ خَافَ مِنْ أَخِيهِ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ الَّذِي بِدِيَارِ مِصْرَ، وَقَلِقَ مِنْ مُلْكِ دِمَشْقَ، وَقَالَ: أَيْشِ أَعْمَلُ بِالْمُلْكِ؟ بَازٌ وَكَلْبٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ وَكَاتَبَ الصَّالِحَ نَجْمَ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنَ الْكَامِلِ، فَتَقَايَضَا مِنْ حِصْنِ كَيْفَا وَسِنْجَارَ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، فَمَلَكَ الصَّالِحُ دِمَشْقَ، وَدَخَلَهَا فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَالْجَوَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْغَاشِيَةِ، ثُمَّ حَمَلَهَا الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ حَمَاةَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، ثُمَّ نَزَلَ الْجَوَادُ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَنَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ الْفًائِتَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ. وَخَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ، وَالنَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فِي وَجْهِهِ; بِسَبَبِ مَا أَسْدَاهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُصَادَرَاتِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الصَّالِحُ أَيُّوبُ لِيَرُدَّ إِلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَسَارَ وَبَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩১
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الصَّالِحُ فِي مُلْكِ مِصْرَ، كَمَا سَيَأْتِي، حَبَسَ النَّاصِحَ الْخَادِمَ، فَمَاتَ فِي أَسْوَأِ حَالَةٍ، مِنَ الْقِلَّةِ وَالْقَمْلِ، جَزَاءً وِفَاقًا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] . وَفِيهَا رَكِبَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مِنْ دِمَشْقَ فِي رَمَضَانَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ لِيَأْخُذَهَا مِنْ أَخِيهِ الْعَادِلِ لِصِغَرِهِ، فَنَزَلَ بِنَابُلُسَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَأَرْسَلَ إِلَى عَمِّهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ لِيَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي صُحْبَتِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ إِلَى دِمَشْقَ لِيُبَايِعَهُ، فَجَعَلَ يُسَوِّفُ بِهِ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحَالِفُ الْأُمَرَاءَ بِدِمَشْقَ لِيَكُونَ مَلِكَهُمْ، وَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّالِحِ أَيُّوبَ لِجَبَرُوتِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ، وَانْقَضَتِ السَّنَةُ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِنَابُلُسَ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يُمَاطِلُهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: جَمَالُ الدِّينِ الْحَصِيرِيُّ الْحَنَفِيُّ، مَحْمُودُ بْنُ أَحْمَدَ، الْعَلَّامَةُ جَمَالُ الدِّينِ الْحَصِيرِيُّ، شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَمُدَرِّسُ النُّورِيَّةِ، أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: حَصِيرُ، مِنْ مُعَامَلَةِ بُخَارَى. تَفَقَّهَ بِهَا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَصَارَ إِلَى دِمَشْقَ، فَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْحَنَفِيَّةِ بِهَا، لَاسِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْمُعَظَّمِ، كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ " الْجَامِعَ الْكَبِيرَ "، وَلَهُ عَلَيْهِ شَرْحٌ، وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُكْرِمُهُ، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، غَزِيرَ الدَّمْعَةِ، كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ، عَاقِلًا نَزِهًا عَفِيفًا، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْأَحَدِ
পৃষ্ঠা - ১০৯৩২
ثَامِنَ صَفَرٍ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ آمِينَ. تُوُفِّيَ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً، وَأَوَّلُ دَرْسِهِ بِالنُّورِيَّةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَ وَسِتِّمِائَةٍ، بَعْدَ الشَّرَفِ دَاوُدَ الَّذِي تَوَلَّاهَا بَعْدَ الْبُرْهَانِ مَسْعُودٍ أَوَّلِ مُدَرِّسِيهَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْأَمِيرُ عِمَادُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ صَدْرِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ حَمُّوَيْهِ كَانَ سَبَبًا فِي وِلَايَةِ الْجَوَادِ دِمَشْقَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مِصْرَ، فَلَامَهُ صَاحِبُهَا الْعَادِلُ، فَقَالَ: الْآنَ أَرْجِعُ إِلَى دِمَشْقَ، وَآمُرُ الْجَوَادَ بِالْمَسِيرِ إِلَيْكَ، عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ إِسْكَنْدَرِيَّةُ عِوَضَ دِمَشْقَ، فَإِنِ امْتَنَعَ عَزَلْتُهُ عَنْهَا، وَكُنْتُ أَنَا نَائِبَكَ فِيهَا. فَنَهَاهُ أَخُوهُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْخِ عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَرَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ، فَتَلَقَّاهُ الْجَوَادُ إِلَى الْمُصَلَّى، وَأَنْزَلَهُ عِنْدَهُ بِالْقَلْعَةِ بِدَارِ الْمَسَرَّةِ، وَخَادَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ دَسَّ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ جَهْرَةً فِي صُورَةِ مُسْتَغِيثٍ بِهِ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَةٌ حَافِلَةٌ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ. الْوَزِيرُ جَمَالُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ وَزَرَ لِلْأَشْرَفِ، وَاسْتَوْزَرَهُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ أَيَّامًا، ثُمَّ مَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ، كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الرَّقَّةِ، وَكَانَ لَهُ أَمْلَاكٌ يَسِيرَةٌ يَعِيشُ مِنْهَا، ثُمَّ آلَ أَمْرُهُ أَنْ وَزَرَ لِلْأَشْرَفِ بِدِمَشْقَ. وَقَدْ هَجَاهُ بَعْضُهُمْ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْخَوَانِيقِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৩
جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ، بْنِ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى الْهَمْدَانِيُّ، رَاوِيَةُ السِّلَفِيِّ، قَدِمَ إِلَى دِمَشْقَ صُحْبَةَ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَسَمِعَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً. الْحَافِظُ الْكَبِيرُ زَكِّيُّ الدِّينِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ الْبِرْزَالِيُّ الْإِشْبِيلِيُّ، أَحَدُ مَنِ اعْتَنَى بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ وَبَرَزَ فِيهِ، وَأَفَادَ الطَّلَبَةَ، وَكَانَ شَيْخَ الْحَدِيثِ بِمَشْهَدِ ابْنِ عُرْوَةَ، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى حَلَبَ، فَتُوُفِّيَ بِحَمَاةَ فِي رَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ جَدُّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ عَلَمِ الدِّينِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيِّ، مُؤَرِّخِ دِمَشْقَ الَّذِي ذَيَّلَ عَلَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي شَامَةَ، وَقَدْ ذَيَّلْتُ أَنَا عَلَى تَارِيخِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ دِمَشْقَ نَجْمُ الدِّينِ الصَّالِحُ أَيُّوبُ بْنُ الْكَامِلِ مُخَيِّمٌ عِنْدَ نَابُلُسَ، يَسْتَدْعِي عَمَّهُ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ لِيَسِيرَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، بِسَبَبِ أَخْذِهَا مِنْ صَاحِبِهَا الْعَادِلِ بْنِ الْكَامِلِ، وَقَدْ أَرْسَلَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَلَدَهُ وَابْنَ يَغْمُورٍ إِلَى صُحْبَةِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ بِنَابُلُسَ، فَهُمَا يُنْفِقَانِ الْأَمْوَالَ فِي الْأُمَرَاءِ وَيُحْلِفَانِهِمْ عَلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ لِلصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا تَمَّ الْأَمْرُ، وَتَمَكَّنَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ مِنْ مُرَادِهِ، أَرْسَلَ إِلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ يَطْلُبُ مِنْهُ وَلَدَهُ لِيَكُونَ عِوَضَهُ بِبَعْلَبَكَّ، وَيَسِيرُ هُوَ إِلَى خِدْمَتِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَيْهِ، وَلَا يَسْتَشْعِرُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ بِشَيْءٍ مِمَّا وَقَعَ لَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَنْ تَرْتِيبِ أَبِي الْحَسَنِ غَزَّالٍ الْمُتَطَبِّبِ وَزِيرِ الصَّالِحِ، وَهُوَ الْأَمِينُ وَاقِفُ الْأَمِينِيَّةِ بِبَعْلَبَكَّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ هَجَمَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، وَفِي صُحْبَتِهِ أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ صَاحِبُ حِمْصَ إِلَى دِمَشْقَ، فَدَخَلَاهَا بَغْتَةً مِنْ بَابِ الْفَرَادِيسِ، فَنَزَلَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بِدَارِهِ مِنْ دَرْبِ الشَّعَّارِينَ، وَنَزَلَ صَاحِبُ حِمْصَ بِدَارِهِ، وَجَاءَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ سَلَامٍ، فَهَنَّأَ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ، وَرَقَصَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: إِلَى بَيْتِكَ جِئْتُ. وَأَصْبَحُوا فَحَاصَرُوا الْقَلْعَةَ، وَبِهَا الْمُغِيثُ عُمَرُ بْنُ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ، وَنَقَبُوا الْقَلْعَةَ مِنْ نَاحِيَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৫
بَابِ الْفَرَجِ، وَهَتَكُوا حُرْمَتَهَا وَدَخَلُوهَا وَتَسَلَّمُوهَا، وَاعْتَقَلُوا الْمُغِيثَ فِي بُرْجٍ هُنَالِكَ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَاحْتَرَقَتْ دَارُ الْحَدِيثِ وَمَا هُنَالِكَ مِنَ الْحَوَانِيتِ وَالدُّورِ حَوْلَ الْقَلْعَةِ، وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ بِمَا وَقَعَ إِلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ تَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَالْأُمَرَاءُ; خَوْفًا عَلَى أَهَالِيهِمْ مِنَ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَبَقِيَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ وَحْدَهُ فِي مَمَالِيكِهِ وَجَارِيَتِهِ أُمِّ خَلِيلٍ، وَطَمِعَ فِيهِ الْفَلَّاحُونَ وَالْغَوَارِنَةُ، وَأَرْسَلَ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ إِلَيْهِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ نَابُلُسَ مُهَانًا عَلَى بَغْلَةٍ، بِلَا مِهْمَازٍ وَلَا مِقْرَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهُ عِنْدَهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَرْسَلَ الْعَادِلُ مِنْ مِصْرَ إِلَى النَّاصِرِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَخَاهُ الصَّالِحَ أَيُّوبَ، وَيُعْطِيهِ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَمَا أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ عَكَسَ مَا طُلِبَ مِنْهُ بِإِخْرَاجِ الصَّالِحِ مِنْ سَجْنِهِ وَالْإِفْرَاجِ عَنْهُ وَإِطْلَاقِهِ مَعَ الْجَيْشِ يَرْكَبُ وَيَنْزِلُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَارَبَتِ الْمُلُوكُ مِنْ دِمَشْقَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا النَّاصِرَ دَاوُدَ، وَبَرَزَ الْعَادِلُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى بُلْبَيْسَ قَاصِدًا قِتَالَ النَّاصِرِ دَاوُدَ، فَاضْطَرَبَ الْجَيْشُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَتِ الْأُمَرَاءُ، وَقَيَّدُوا الْعَادِلَ، وَاعْتَقَلُوهُ فِي خَرْكَاهْ، وَأَرْسَلُوا إِلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ يَسْتَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ، فَامْتَنَعَ النَّاصِرُ دَاوُدُ مِنْ إِرْسَالِهِ حَتَّى اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ لَهُ دِمَشْقَ وَحِمْصَ وَحَلَبَ وَبِلَادَ الْجَزِيرَةِ وَدِيَارَ بَكْرٍ
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৬
وَنِصْفَ مَمْلَكَةِ مِصْرَ وَنِصْفَ مَا فِي الْخَزَائِنِ مِنَ الْحَوَاصِلِ وَالْأَمْوَالِ وَالْجَوَاهِرِ، قَالَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ: فَأَجَبْتُ إِلَى ذَلِكَ مُكْرَهًا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى جَمِيعِ مَا اشْتَرَطَ عَلَيَّ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَسِرْنَا فَأَخَذْتُهُ مَعِي خَوْفًا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكِتَابُ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ مَكِيدَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِهِ حَاجَةٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْكَرُ وَيَخْبِطُ الْأُمُورَ، وَيُخَالِفُ فِي الْآرَاءِ السَّدِيدَةِ. فَلَمَّا وَصَلَ الصَّالِحُ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ مَلَّكُوهُ عَلَيْهِمْ، وَدَخَلَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ سَالِمًا مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مُظَفَّرًا مَحْبُورًا مَسْرُورًا، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّاصِرِ دَاوُدَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِمِصْرَ. وَأَمَّا الْجَوَادُ فَإِنَّهُ أَسَاءَ السِّيرَةَ بِسِنْجَارَ، وَصَادَرَ أَهْلَهَا وَعَسَفَهُمْ، فَكَاتَبُوا بَدْرَ الدِّينِ لُؤْلُؤًا صَاحِبَ الْمَوْصِلِ فَقَصَدَهُمْ وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَادُ لِلصَّيْدِ، فَأَخَذَ الْبَلَدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَصَارَ الْجَوَادُ إِلَى عَانَةَ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنَ الْخَلِيفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ دَرَّسَ الْقَاضِي الرَّفِيعُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْجِيلِيُّ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَلِيَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ خَطَابَةَ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَخَطَبَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ لِصَاحِبِ الرُّومِ بِبَلَادِ دِمَشْقَ وَغَيْرِهَا; لِأَنَّهُ حَالَفَهُ عَلَى الصَّالِحِ أَيُّوبَ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِي حَزِيرَانَ أَيَّامَ الْمِشْمِشِ جَاءَ مَطَرٌ عَظِيمٌ هَدَمَ كَثِيرًا مِنَ الْحِيطَانِ وَغَيْرِهَا، وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ بِالْمِزَّةِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৭
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: صَاحِبُ حِمْصَ الْمَلِكُ الْمُجَاهِدُ أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ بْنُ نَاصِرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدِ الدِّينِ شِيرْكُوهْ بْنِ شَادِي، وَلَّاهُ إِيَّاهَا الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمَكَثَ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْمُلُوكِ سِيرَةً، طَهَّرَ بِلَادَهُ مِنَ الْخُمُورِ وَالْمُكُوسِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَهِيَ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ وَالْعَدْلِ، لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ مِنَ الْفِرِنْجِ وَلَا الْعَرَبِ يَدْخُلُ بِلَادَهُ إِلَّا أَهَانَهُ غَايَةَ الْإِهَانَةِ، وَكَانَتْ مُلُوكُ بَنِي أَيُّوبَ يَتَّقُونَهُ; لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمْ; لِأَنَّ جَدَّهُ هُوَ الَّذِي فَتَحَ مِصْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ مَلَكَ مِنْهُمْ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحِمْصَ، وَعُمِلَ عَزَاؤُهُ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ. الْقَاضِي الْخُوَيِّيُّ شَمْسُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ خَلِيلِ، بْنِ سَعَادَةَ بْنِ جَعْفَرٍ الْخُوَيِّيُّ، قَاضِي الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ عَالِمًا بِفُنُونٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ السَّبْتِ بَعْدَ الظُّهْرِ، السَّابِعِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَهُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، بِالْمَدْرَسَةِ الْعَادِلِيَّةِ، وَكَانَ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَا أَقْدِرُ عَلَى إِيصَالِ الْمَنَاصِبِ، إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا. لَهُ
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৮
مُصَنَّفَاتٌ، مِنْهَا عَرُوضٌ. قَالَ فِيهِ أَبُو شَامَةَ: أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ أَرْشَدَهُ اللَّ ... هُ لِمَا أَرْشَدَ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدْ ذَاكَ مُسْتَخْرِجُ الْعَرُوضِ وَهَذَا ... مُظْهِرُ السِّرِّ مِنْهُ وَالْعَوْدُ أَحْمَدْ وَقَدْ وَلِيَ الْقَضَاءَ بَعْدَ رَفِيعِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي الْجِيلِيِّ مَعَ تَدْرِيسِ الْعَادِلِيَّةِ، وَكَانَ قَاضِيًا بِبَعْلَبَكَّ، فَأَحْضَرَهُ إِلَى دِمَشْقَ الْوَزِيرُ أَمِينُ الدِّينِ الَّذِي كَانَ سَامِرِيًّا فَأَسْلَمَ، وَزَرَ لِلصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَاتَّفَقَ هُوَ وَهَذَا الْقَاضِي عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: ظَهَرَ مِنْهُ سُوءُ سِيرَةٍ وَعَسْفٌ وَفِسْقٌ وَجَوْرٌ وَمُصَادَرَةٌ فِي الْأَمْوَالِ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ رُبَّمَا حَضَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَشْهَدِ الْكَمَالِيِّ بِالشُّبَّاكِ وَهُوَ سَكْرَانُ بِالْخَمْرِ، وَأَنَّ قَنَانِيَّ الْخَمْرِ كَانَتْ تَكُونُ عَلَى بِرْكَةِ الْعَادِلِيَّةِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَكَانَ يَعْتَمِدُ فِي التَّرِكَاتِ اعْتِمَادًا سَيِّئًا جِدًّا، وَقَدْ عَامَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، وَأَهْلَكَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ كَانَ سَبَبَ سَعَادَتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا سَلَّمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ صَاحِبُ دِمَشْقَ حِصْنَ شَقِيفِ أَرْنُونَ لِصَاحِبِ صَيْدَا الْفِرِنْجِيِّ، فَاشْتَدَّ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ خَطِيبِ الْبَلَدِ، وَالشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَاجِبِ شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ، فَاعْتَقَلَهُمَا مُدَّةً، ثُمَّ أَطْلَقَهُمَا وَأَلْزَمَهُمَا مَنَازِلَهُمَا، وَوَلِيَ الْخَطَابَةَ وَتَدْرِيسَ الْغَزَّالِيَّةِ لِعِمَادِ الدِّينِ دَاوُدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُوسُفَ الْمَقْدِسِيِّ خَطِيبِ بَيْتِ الْآبَارِ، ثُمَّ خَرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ دِمَشْقَ، فَقَصَدَ أَبُو عَمْرٍو النَّاصِرَ دَاوُدَ بِالْكَرَكِ، وَدَخَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، فَتَلَقَّاهُ صَاحِبُهَا أَيُّوبُ بِالِاحْتِرَامِ وَالْإِكْرَامِ، وَوَلَّاهُ خَطَابَةَ الْقَاهِرَةِ وَقَضَاءَ مِصْرَ، وَاشْتَغَلَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا، فَكَانَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِيهَا قَدِمَ رَسُولٌ مِنْ مَلِكِ التَّتَارِ تُولِي بْنِ جِنْكِزْخَانَ إِلَى مُلُوكِ الْإِسْلَامِ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَخْرِيبِ أَسْوَارِ بُلْدَانِهِمْ، وَعُنْوَانُ الْكِتَابِ مِنْ نَائِبِ رَبِّ السَّمَاءِ، مَاسِحِ وَجْهِ الْأَرْضِ، مَلِكِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ خَاقَانَ. وَكَانَ الْكِتَابُ مَعَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، لَطِيفِ الْأَخْلَاقِ، فَأَوَّلُ مَا وَرَدَ عَلَى