আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৯১১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا قَطَعَ الْكَامِلُ وَأَخُوهُ الْأَشْرَفُ الْفُرَاتَ، وَأَصْلَحَا مَا كَانَ أَفْسَدَهُ جَيْشُ الرُّومِ مِنْ بِلَادِهِمَا، وَخَرَّبَ الْكَامِلُ قَلْعَةَ الرُّهَا، وَأَحَلَّ بِدُنَيْسِرَ بَأْسًا شَدِيدًا، وَجَاءَ كِتَابُ بَدْرِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ بِأَنَّ التَّتَارَ أَقْبَلُوا بِمِائَةِ طُلْبٍ، كُلُّ طُلْبِ بِخَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَرَجَعَ الْمَلِكَانِ إِلَى دِمَشْقَ سَرِيعًا، وَعَادَ جَيْشُ الرُّومِ إِلَى بِلَادِهِمَا بِالْجَزِيرَةِ، وَأَعَادُوا الْحِصَارَ كَمَا كَانَ، وَرَجَعَتِ التَّتَارُ عَامَهُمْ ذَلِكَ إِلَى بِلَادِهِمْ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ: ابْنُ عُنَيْنٍ الشَّاعِرُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ. ابْنُ دِحْيَةَ، أَبُو الْخَطَّابِ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَحِ
পৃষ্ঠা - ১০৯১২
بْنِ خَلَفِ بْنِ قُومِسَ بْنِ مَزْلَالِ بْنِ مَلَّالِ بْنِ بَدْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ الْمَغْرِبِيُّ السَّبْتِيُّ، كَانَ قَاضِيَهَا ثُمَّ صَارَ إِلَى مِصْرَ، الْحَافِظُ شَيْخُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَاشَرَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ بِهَا. قَالَ السِّبْطُ: وَقَدْ كَانَ كَابْنِ عُنَيْنٍ فِي ثَلْبِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ، وَيَتَزَيَّدُ فِي كَلَامِهِ، فَتَرَكَ النَّاسُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَكَذَّبُوهُ، وَقَدْ كَانَ الْكَامِلُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْكَشَفَ لَهُ حَالُهُ أَخَذَ مِنْهُ دَارَ الْحَدِيثِ وَأَهَانَهُ، وَتُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِالْقَاهِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ. وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: وَلِلشَّيْخِ السَّخَاوِيِّ فِيهِ أَبْيَاتٌ حَسَنَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ بَعْدَ سِيَاقِ نَسَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ خَطِّهِ، قَالَ: وَذَكَرَ أَنَّ أُمَّهُ أَمَةُ الرَّحْمَنِ بِنْتُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْبَسَّامِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَلِهَذَا كَانَ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ: ذُو النَّسَبَيْنِ; بَيْنَ دِحْيَةَ وَالْحُسَيْنِ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَمَشَاهِيرِ الْفُضَلَاءِ، مُتْقِنًا لِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، عَارِفًا بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا، اشْتَغَلَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاجْتَازَ بِإِرْبِلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ،
পৃষ্ঠা - ১০৯১৩
فَوَجَدَ مَلِكَهَا الْمُعَظَّمَ مُظَفَّرَ الدِّينِ بْنَ زَيْنِ الدِّينِ يَعْتَنِي بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، فَعَمِلَ لَهُ كِتَابَ " التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ "، وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَأَجَازَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَقَالَ: وَقَدْ سَمِعْنَاهُ عَلَى الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ فِي سِتَّةِ مَجَالِسَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. قُلْتُ: وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، وَكَتَبْتُ مِنْهُ أَشْيَاءَ حَسَنَةً مُفِيدَةً. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَقِيلَ: سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ أَخُوهُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ قَدْ بَاشَرَ بَعْدَهُ دَارَ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةَ بِمِصْرَ، وَتُوُفِّيَ بَعْدَهُ بِسَنَةٍ. قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى وَضْعِ حَدِيثٍ فِي قَصْرِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَكُنْتُ أَوَدُّ أَنْ أَقِفَ عَلَى إِسْنَادِهِ لِنَعْلَمَ كَيْفَ رِجَالُهُ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ - كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ - عَلَى أَنَّ الْمَغْرِبَ لَا يُقْصَرُ. وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى جُزْءٍ جَمَعَهُ الْمُحَدِّثُ الْمُتْقِنُ الْمُفِيدُ أَبُو قَاسِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الْعُطَارِدِيُّ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخِهِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ هَذَا، جَمَعَ فِيهِ أَقْوَالَ النَّاسِ فِي ثَلْبِهِ وَالْكَلَامِ فِي مَرْبَاهُ وَمَنْشَئِهِ وَاشْتِغَالِهِ وَطَلَبِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِسَبْتَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১০৯১৪
وَذَكَرَ طَعْنَ النَّاسِ فِي ادِّعَائِهِ نَسَبَهُ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَنَّهُ انْقَطَعَ نَسْلُهُ مِنْ بَعْدِ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَأَنْشَدَ لِابْنِ عُنَيْنٍ فِيهِ - قَائِلِ الْبَيْتَيْنِ الشَّهِيرَيْنِ وَهُمَا - قَوْلُهُ: دِحْيَةُ لَمْ يُعْقِبْ فَكَمْ تَفْتَرِي ... إِلَيْهِ بِالْبُهْتَانِ وَالْإِفْكِ مَا صَحَّ عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ سِوَى ... أَنَّكَ مِنْ كَلْبٍ بِلَا شَكِّ وَإِنَّ مِنْ أَقْبَحِ مَا رَأَيْتُهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْحَافِظِ الْمُؤَرِّخِ ابْنِ النَّجَّارِ، عَنِ الْحَافِظِ عَلِيِّ بْنِ الْمُفَضَّلِ أَنَّهُ قَالَ: اجْتَمَعْتُ أَنَا وَابْنُ دِحْيَةَ فِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ، فَسَأَلَنِي السُّلْطَانُ عَنْ حَدِيثٍ فَأَجَبْتُهُ فِيهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ رَوَاهُ؟ فَلَمْ يَحْضُرْنِي إِسْنَادُهُ فَانْفَصَلْنَا، فَاجْتَمَعَ بِي ابْنُ دِحْيَةَ وَقَالَ لِي: يَا فَقِيهُ، لَمَّا سَأَلَكَ السُّلْطَانُ عَنْ إِسْنَادِ ذَاكَ الْحَدِيثِ، لِمَ لَمْ تَذْكُرْ لَهُ أَيَّ إِسْنَادٍ شِئْتَ؟ فَإِنَّهُ وَمَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ لَا يَعْلَمُونَ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا فَعَظُمْتَ فِي أَعْيُنِهِمْ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَتَهَاوَنُ بِأُمُورِ الدِّينِ، جَرِيءٌ عَلَى الْكَذِبِ. ثُمَّ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْفَقِيهُ تَقِيُّ الدِّينِ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْإِسْعِرْدِيُّ، عَنْ شَيْخِنَا الْفَقِيهِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ أَوْحَدِ الْأَنَامِ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ بَهَاءِ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ الْمُسْلِمِ اللَّخْمِيِّ، يَعْنِي ابْنَ الْجُمَّيْزِيِّ; أَنَّهُ قَالَ: كَانَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْكَامِلُ قَدْ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ أَبُو الْخَطَّابِ عُمَرُ بْنُ دِحْيَةَ مَعَهُ، وَوَلَدُ الشَّيْخِ مُعِينِ الدِّينِ بْنِ شَيْخِ الشُّيُوخِ، فَحَضَرَتْ صَلَاةُ
পৃষ্ঠা - ১০৯১৫
الْمَغْرِبِ، فَقَدَّمَ السُّلْطَانُ ابْنَ دِحْيَةَ فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ ابْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْأَئِمَّةِ يُجَوِّزُ قَصْرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي السَّفَرِ. فَقَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: كَيْفَ لَا وَقَدْ أَخْبَرَنَا فَلَانٌ عَنْ فُلَانٍ. وَسَرَدَ إِسْنَادَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَصَرَ الْمَغْرِبَ فِي السَّفَرِ. فَلَمْ يُجِبِ ابْنُ شَيْخِ الشُّيُوخِ وَمَكَثَ عَلَى حَالِهِ. قُلْتُ: هَذَا وَضْعٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِسْنَادِ لَا يُحْفَظُ; لِأَنَّ سَامِعَهُ لَمْ يَضْبِطْهُ، وَوَاضِعَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعَادَتِهِ ثَانِيًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَاجِرِيُّ الشَّاعِرُ صَاحِبُ الدِّيوَانِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ عِيسَى بْنُ سِنْجِرَ بْنِ بَهْرَامَ بْنِ جِبْرِيلَ بْنِ خُمَارْتِكِينَ بْنِ طَاشْتِكِينَ الْإِرْبِلِيُّ، شَاعِرٌ مُطَبِّقٌ، تَرْجَمَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْ شِعْرِهِ كَثِيرَةً، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَهُمْ، وَأَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ ضِيَاءِ الدِّينِ عِيسَى يَسْتَوْحِشُ مِنْهُ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا أَبْقَى سِوَى رَمَقٍ ... مِنِّي فِرَاقُكَ يَا مَنْ قُرْبُهُ الْأَمَلُ فَابْعَثْ كِتَابَكَ وَاسْتَوْدِعْهُ تَعْزِيَةً ... فَرُبَّمَا مِتُّ شَوْقًا قَبْلَ مَا يَصِلُ وَذَكَرَ لَهُ فِي الْخَالِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمُهَفْهَفٍ مِنْ شَعْرِهِ وَجَبِينِهِ ... أَمْسَى الْوَرَى فِي ظُلْمَةٍ وَضِيَاءِ لَا تُنْكِرُوا الْخَالَ الَّذِي فِي خَدِّهِ ... كُلُّ الشَّقِيقِ بِنُقْطَةٍ سَوْدَاءِ
পৃষ্ঠা - ১০৯১৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا حَاصَرَتِ التَّتَارُ إِرْبِلَ بِالْمَجَانِيقِ، وَنَقَبُوا الْأَسْوَارَ حَتَّى فَتَحُوهَا عَنْوَةً، فَقَتَلُوا أَهْلَهَا وَسَبَوْا ذَرَارِيَّهُمْ، وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِمُ الْقَلْعَةُ، وَفِيهَا النَّائِبُ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ، فَدَخَلَ فَصْلُ الشِّتَاءِ، فَأَقْلَعُوا عَنْهَا وَانْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْخَلِيفَةَ جَهَّزَ لَهُمْ جَيْشًا، فَانْهَزَمَ التَّتَارُ. وَفِيهَا اسْتَخْدَمَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ بْنُ الْكَامِلِ صَاحِبُ حِصْنِ كَيْفَا الْخُوَارَزْمِيَّةَ الَّذِينَ تَبَقَّوْا مِنْ جَيْشِ جَلَالِ الدِّينِ، وَانْفَصَلُوا عَنِ الرُّومِيِّ، فَقَوِيَ جَأْشُ الصَّالِحِ أَيُّوبَ. وَفِيهَا طَلَبَ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ مِنْ أَخِيهِ الْكَامِلِ الرَّقَّةَ؛ لِتَكُونَ قُوَّةً لَهُ وَعَلَفًا لِدَوَابِّهِ إِذَا جَازَ الْفُرَاتَ مَعَ أَخِيهِ فِي الْبَوَاكِيرِ، فَقَالَ الْكَامِلُ: أَمَا يَكْفِيهِ أَنَّ مَعَهُ دِمَشْقَ مَمْلَكَةَ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَأَرْسَلَ الْأَشْرَفُ الْأَمِيرَ فَلَكَ الدِّينِ بْنَ الْمَسِيرِيِّ إِلَى الْكَامِلِ فِي ذَلِكَ، فَأَغْلَظَ لَهُ الْجَوَابَ، وَقَالَ: أَيْشِ يَعْمَلُ بِالْمُلْكِ؟ يَكْفِيهِ عِشْرَتُهُ لِلْمَغَانِي وَتَعَلُّمُهُ لِصِنَاعَتِهِمْ. فَغَضِبَ الْأَشْرَفُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَمَّرَ، وَبَدَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُمَا، وَأَرْسَلَ الْأَشْرَفُ إِلَى حَمَاةَ وَحَلَبَ وَبِلَادِ الشَّرْقِ، فَحَالَفَ أُولَئِكَ الْمُلُوكَ عَلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، فَلَوْ طَالَ عُمْرُ الْأَشْرَفِ لَأَفْسَدَ الْمُلْكَ عَلَى أَخِيهِ; وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَيْلِ الْمُلُوكِ إِلَيْهِ; لِكَرَمِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَشُحِّ أَخِيهِ الْكَامِلِ، وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَتْهُ مَنِيَّتُهُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الدَّاخِلَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
পৃষ্ঠা - ১০৯১৭
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْمَلِكُ الْعَزِيزُ بْنُ الظَّاهِرِ صَاحِبُ حَلَبَ مُحَمَّدُ بْنُ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غِيَاثِ الدِّينِ غَازِيِّ بْنِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ فَاتِحِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، وَهُوَ وَأَبُوهُ وَابْنُهُ النَّاصِرُ أَصْحَابُ مُلْكِ حَلَبَ مِنْ أَيَّامِ النَّاصِرِ، وَكَانَتْ أُمُّ الْعَزِيزِ الْخَاتُونُ بِنْتُ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، وَكَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ، كَرِيمًا عَفِيفًا، تُوُفِّيَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَكَانَ مُدَبِّرَ دَوْلَتِهِ الطَّوَاشِيُّ شِهَابُ الدِّينِ، وَكَانَ مِنَ الْأُمَرَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ. صَاحِبُ الرُّومِ كَيْقُبَاذُ الْمَلِكُ عَلَاءُ الدِّينِ، صَاحِبُ بِلَادِ الرُّومِ، كَانَ مِنْ أَعْدَلِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً، وَقَدْ زَوَّجَهُ الْعَادِلُ ابْنَتَهُ وَأَوْلَدَهَا، وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ فِي وَقْتٍ، وَأَخَذَ أَكْثَرَهَا مِنْ يَدِ الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ، وَكَسَرَ الْخُوَارَزْمِيَّةَ مَعَ الْأَشْرَفِ مُوسَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -. النَّاصِحُ الْحَنْبَلِيُّ فِي ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نَاصِحُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَجْمِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى سَعْدِ
পৃষ্ঠা - ১০৯১৮
بْنِ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُلِدَ النَّاصِحُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ يَعِظُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُ وَعَظَ فِي حَيَاةِ الشَّيْخِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَرَّسَ بِالصَّالِحِيَّةِ الَّتِي بِالْجَبَلِ، وَلَهُ بُنِيَتْ وَلَهُ تَصَانِيفُ. وَقَدِ اشْتَغَلَ عَلَى ابْنِ الْمَنِّيِّ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ فَاضِلًا صَالِحًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالصَّالِحِيَّةِ، وَدُفِنَ هُنَاكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. الْكَمَالُ بْنُ مُهَاجِرٍ التَّاجِرُ كَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، مَاتَ فَجْأَةً فِي جُمَادَى الْأُولَى بِدِمَشْقَ، فَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، وَاسْتَحْوَذَ الْأَشْرَفُ عَلَى أَمْوَالِهِ، فَبَلَغَتِ التَّرِكَةُ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، مِنْ ذَلِكَ سُبْحَةٌ فِيهَا مِائَةُ حَبَّةٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِثْلُ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ. الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ دِحْيَةَ أَخُو الْحَافِظِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ كَانَ قَدْ وَلِيَ دَارَ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةَ حِينَ عُزِلَ أَخُوهُ عَنْهَا، حَتَّى تُوُفِّيَ فِي عَامِهِ هَذَا، وَكَانَ نَدَرَ فِي صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْقَاضِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ التَّكْرِيتِيُّ، الْحَاكِمُ بِالْكَرَكِ، وَمُدَرِّسُ مَدْرَسَةِ الزَّبَدَانِيِّ، فَلَمَّا أُخِذَتْ أَوْقَافُهَا سَارَ إِلَى الْقُدْسِ، ثُمَّ إِلَى دِمَشْقَ، فَكَانَ يَنُوبُ بِهَا عَنِ الْقُضَاةِ، وَكَانَ فَاضِلًا نَزِيهًا عَفِيفًا دَيِّنًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৯১৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْأَشْرَفِ، ثُمَّ أَخِيهِ الْكَامِلِ، أَمَّا الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ بَانِي دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَجَامِعِ التَّوْبَةِ وَجَامِعِ جَرَّاحٍ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ رَابِعِ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَدُفِنَ بِهَا حَتَّى نَجِزَتْ تُرْبَتُهُ الَّتِي بُنِيَتْ لَهُ شَمَالِيَّ الْكَلَّاسَةِ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَيْهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جُمَادَى الْأُولَى. وَقَدْ كَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْأَدْوَاءُ حَتَّى كَانَ الْجَرَائِحِيُّ يُخْرِجُ الْعِظَامَ مِنْ رَأْسِهِ، وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ السَّنَةِ تَزَايَدَ بِهِ الْمَرَضُ. وَاعْتَرَاهُ إِسْهَالٌ مُفْرِطٌ، فَخَارَتْ قُوَّتُهُ، فَشَرَعَ فِي التَّهَيُّؤِ لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَعْتَقَ مِائَتَيْ غُلَامٍ وَجَارِيَةٍ، وَوَقَفَ دَارَ فَرُّخْشَاهِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: دَارُ السَّعَادَةِ. وَبُسْتَانَهُ بِالنَّيْرَبِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَتَصَدَّقَ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ، وَأَحْضَرَ لَهُ كَفَنًا كَانَ قَدْ أَعَدَّهُ مِنْ مَلَابِسِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَشَايِخِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، شَهْمًا شُجَاعًا كَرِيمًا جَوَّادًا مُحِبًّا لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، لَاسِيَّمَا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَقَادِسَةِ الصَّالِحِيَّةِ، وَقَدْ بَنَى لَهُمْ دَارَ حَدِيثٍ
পৃষ্ঠা - ১০৯২০
بِالسَّفْحِ، وَبِالْمَدِينَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ أُخْرَى، وَجَعَلَ فِيهَا نَعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي مَا زَالَ حَرِيصًا عَلَى تَحْصِيلِهِ مِنَ النَّظَّامِ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ التَّاجِرِ. وَقَدْ كَانَ النَّظَّامُ ضَنِينًا بِهِ، فَعَزَمَ الْأَشْرَفُ عَلَى أَخْذِ قِطْعَةٍ مِنْهُ; خَوْفًا مِنْ أَنْ يَذْهَبَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَدَّرَ اللَّهُ مَوْتَ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ بِدِمَشْقَ، فَأَوْصَى لِلْمَلِكِ الْأَشْرَفِ بِهِ، فَجَعَلَهُ الْأَشْرَفُ بِدَارِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ إِلَيْهَا كُتُبًا سَنِيَّةً نَفِيسَةً، وَبَنَى جَامِعَ التَّوْبَةِ بِالْعُقَيْبَةِ، وَقَدْ كَانَ خَانًا لِلزِّنْجَارِيِّ، فِيهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَبَنَى مَسْجِدَ الْقَصَبِ وَجَامِعَ جَرَّاحٍ وَمَسْجِدَ دَارِ السَّعَادَةِ، وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَنَشَأَ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ بِكَفَالَةِ الْأَمِيرِ فَخْرِ الدِّينِ عُثْمَانَ الزِّنْجَارِيِّ، وَكَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ، وَكَذَلِكَ أَخُوهُ الْمُعَظَّمُ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ أَبُوهُ عَلَى مُدُنٍ كَثِيرَةٍ بِالْجَزِيرَةِ; مِنْهَا الرُّهَا وَحَرَّانَ، ثُمَّ اتَّسَعَتْ مَمْلَكَتُهُ حِينَ مَلَكَ خِلَاطَ. وَكَانَ مِنْ أَعَفِّ النَّاسِ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً وَسَرِيرَةً، لَا يَعْرِفُ غَيْرَ نِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُعَانِي الشَّرَابَ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْأُمُورِ. حَكَى السِّبْطُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا بِهَذِهِ الْمَنْظَرَةِ مِنْ خِلَاطَ إِذْ دَخَلَ الْخَادِمُ فَقَالَ: بِالْبَابِ امْرَأَةٌ تَسْتَأْذِنُ. فَدَخَلَتْ فَإِذَا صُورَةٌ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَإِذَا هِيَ ابْنَةُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ بِخِلَاطَ قَبْلِي، فَذَكَرَتْ أَنَّ الْحَاجِبَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى قَرْيَةٍ لَهَا، وَأَنَّهَا قَدِ احْتَاجَتْ إِلَى بُيُوتِ الْكِرَاءِ، وَأَنَّهَا إِنَّمَا تَتَقَوَّتُ مِنْ عَمَلِ النُّقُوشِ لِلنِّسَاءِ، فَأَمَرْتُ بِرَدِّ ضَيْعَتِهَا إِلَيْهَا، وَأَمَرْتُ لَهَا بِدَارٍ تَسْكُنُهَا، وَقَدْ كُنْتُ قُمْتُ لَهَا حِينَ دَخَلَتْ، وَأَجْلَسْتُهَا بَيْنَ يَدِيَّ، وَأَمَرْتُهَا بِسَتْرِ وَجْهِهَا حِينَ أَسْفَرَتْ عَنْهُ، وَمَعَهَا عَجُوزٌ، فَحِينَ قَضَتْ شُغْلَهَا قُلْتُ لَهَا: انْهَضِي عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৯২১
فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا خُوَنْدُ، إِنَّمَا جَاءَتْ لِتَحْظَى بِخِدْمَتِكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. فَقُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ، لَا يَكُونُ هَذَا. وَاسْتَحْضَرْتُ فِي ذِهْنِي ابْنَتِي رُبَّمَا يُصِيبُهَا نَظِيرُ مَا أَصَابَ هَذِهِ، فَقَامَتْ وَهِيَ تَقُولُ: سَتَرَكَ اللَّهُ مِثْلَ مَا سَتَرْتَنِي، وَقُلْتُ لَهَا: مَهْمَا كَانَ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ فَأَنْهِيهَا إِلَيَّ أَقْضِهَا لَكِ. فَدَعَتْ لِي وَانْصَرَفَتْ. فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: فَفِي الْحَلَالِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْحَرَامِ، فَتَزَوَّجْهَا. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا كَانَ هَذَا أَبَدًا، أَيْنَ الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُ وَالْمُرُوءَةُ؟! قَالَ: وَمَاتَ مَمْلُوكٌ مِنْ مَمَالِيكِي، وَتَرَكَ وَلَدًا لَيْسَ يَكُونُ فِي النَّاسِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ أَحْسَنُ شَبَابًا وَلَا أَحْلَى شَكْلًا مِنْهُ، فَأَحْبَبْتُهُ وَقَرَّبْتُهُ، وَكَانَ مَنْ لَا يَفْهَمُ أَمْرِي يَتَّهِمُنِي بِهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ عَدَا عَلَى إِنْسَانٍ، فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، فَاشْتَكَى عَلَيْهِ إِلَيَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَقُلْتُ: أَثْبِتُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ. فَأَثْبَتُوا ذَلِكَ، وَحَاجَفَتْ عَنْهُ مَمَالِيكِي، وَأَرَادُوا إِرْضَاءَهُمْ بِعَشْرِ دِيَاتٍ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، وَوَقَفُوا لِي فِي الطَّرِيقِ وَقَالُوا: قَدْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ قَتَلَهُ. فَقُلْتُ: خُذُوهُ. فَتَسَلَّمُوهُ، فَقَتَلُوهُ، وَلَوْ طَلَبُوا مِنِّي مُلْكِي فِدَاءً لَهُ لَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ أَنْ أُعَارِضَ شَرْعَهُ بِحَظِّ نَفْسِي. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَمَّا مَلَكَ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ نَادَى مُنَادِيهِ بِهَا أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُلُومِ سِوَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْمَنْطِقِ وَعُلُومِ الْأَوَائِلِ نُفِيَ مِنَ الْبَلَدِ، وَكَانَ الْبَلَدُ بِهِ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ وَالْعَدْلِ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ وَالْخَيْرَاتِ; كَانَتِ الْقَلْعَةُ لَا تُغْلَقُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ كُلِّهَا، وَصُحُونُ الْحَلَاوَاتِ خَارِجَةٌ مِنْهَا إِلَى الْجَامِعِ وَالْخَوَانِقِ وَالرُّبُطِ
পৃষ্ঠা - ১০৯২২
وَالصَّالِحِيَّةِ، إِلَى الصَّالِحِينَ وَالْفُقَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ أَكْثَرُ جُلُوسِهِ بِمَسْجِدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الَّذِي جَدَّدَهُ وَزَخْرَفَهُ بِالْقَلْعَةِ، وَكَانَ مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ، وَلَمْ تُكْسَرْ لَهُ رَايَةٌ قَطُّ، وَقَدِ اسْتَدْعَى الزَّبِيدِيَّ مِنْ بَغْدَادَ حَتَّى سَمِعَ هُوَ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ " صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ " وَغَيْرَهُ، وَكَانَ لَهُ مَيْلٌ كَثِيرٌ إِلَى الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ، وَهُوَ يَطِيرُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَقَالُوا لَهُ: مَا هَذَا وَقَدْ كُنْتَ تُعَانِي الشَّرَابَ فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: ذَاكَ الْبَدَنُ الَّذِي كُنَّا نَفْعَلُ بِهِ ذَاكَ عِنْدَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَذِهِ الرُّوحُ الَّتِي كُنَّا نُحِبُّ بِهَا هَؤُلَاءِ، فَهِيَ مَعَهُمْ. وَلَقَدْ صَدَقَ، رَحِمَهُ اللَّهُ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» . وَقَدْ كَانَ أَوْصَى بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَخِيهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخُوهُ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَمَشَى النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَكِبَ إِلَى جَانِبِهِ صَاحِبُ حِمْصَ وَعِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ الْمُعَظَّمِيُّ حَامِلٌ الْغَاشِيَةَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ صَادَرَ جَمَاعَةً مِنَ الدَّمَاشِقَةِ الَّذِينَ قِيلَ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ مَعَ الْكَامِلِ. مِنْهُمُ الْعَلَمُ تَعَاسِيفُ، وَأَوْلَادُ ابْنِ مُزْهِرٍ، وَحَبَسَهُمْ بِبُصْرَى، وَأَطْلَقَ الْحَرِيرِيَّ مِنْ قَلْعَةِ عَزَّتَا، وَشَرَطَ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৩
عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دِمَشْقَ، ثُمَّ قَدِمَ الْكَامِلُ مِنْ مِصْرَ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ وَنَابُلُسَ وَالْقُدْسِ، فَحَاصَرُوا دِمَشْقَ حِصَارًا شَدِيدًا، وَقَدْ حَصَّنَهَا الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ، وَقُطِعَتِ الْمِيَاهُ، وَرَدَّ الْكَامِلُ مَاءَ بَرَدَى إِلَى ثَوْرَا، وَأُحْرَقَتِ الْعُقَيْبَةُ وَقَصْرُ حَجَّاجٍ، فَافْتَقَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاحْتَرَقَ آخَرُونَ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ، ثُمَّ آلَ الْحَالُ فِي آخِرِ جُمَادَى الْأُولَى إِلَى أَنْ سَلَّمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ دِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، عَلَى أَنَّ لَهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَسَكَنَ الْأَمْرُ، وَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى يَدَيِ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، اتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ بِدِمَشْقَ قَدْ قَدِمَ فِي رَسْلِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ إِلَى دِمَشْقَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا. وَدَخَلَ الْكَامِلُ دِمَشْقَ، وَأَطْلَقَ الْفَلَكَ بْنَ الْمَسِيرِيِّ مِنْ سِجْنِ الْحَيَّاتِ بِالْقَلْعَةِ الَّذِي كَانَ أَوْدَعَهُ فِيهِ الْأَشْرَفُ، وَنُقِلَ الْأَشْرَفُ إِلَى تُرْبَتِهِ، وَأَمَرَ الْكَامِلُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَادِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ أَئِمَّةَ الْجَامِعِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَغْرِبَ سِوَى الْإِمَامِ الْكَبِيرِ; لِمَا كَانَ يَقَعُ مِنَ التَّشْوِيشِ وَالِاخْتِلَافِ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَلَنِعْمَ مَا فَعَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ فُعِلَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ فِي الْمِحْرَابِ الْمُقَدَّمِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يَبْقَ بِهِ إِمَامٌ حِينَئِذٍ سِوَى الَّذِي بِالْحَلَبَيَّةِ عِنْدَ مَشْهَدِ عَلَيٍّ، وَلَوْ تُرِكَ لَكَانَ حَسَنًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ] تَمَلَّكَ الْكَامِلُ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ أَمْرَاضٌ مُخْتَلِفَةٌ، مِنْ ذَلِكَ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৪
سُعَالٌ وَإِسْهَالٌ وَنَزْلَةٌ فِي حَلْقِهِ، وَنِقْرِسٌ فِي رِجْلَيْهِ، فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ مِنْ دَارِ الْقَصَبَةِ، وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَمُّهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ. وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْكَامِلِ أَحَدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ شِدَّةِ هَيْبَتِهِ، بَلْ دَخَلُوا فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَدْ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِ الْعَادِلِ بَعْدَ مَوْدُودٍ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى الْعَادِلُ لِعِلْمِهِ بِثَبَاتِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ، وَوُفُورِ مَعْرِفَتِهِ. وَقَدْ كَانَ جَيِّدَ الْفَهْمِ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ، وَيَسْأَلُهُمْ أَسْئِلَةً مُشْكِلَةً، وَلَهُ كَلَامٌ جَيِّدٌ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ ذَكِيًّا، مَهِيبًا، ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ، عَادِلًا مُنْصِفًا، لَهُ حُرْمَةٌ وَافِرَةٌ، وَسَطْوَةٌ قَوِيَّةٌ، مَلَكَ مِصْرَ ثَلَاثِينَ سَنَةً كَامِلَةً، وَكَانَتِ الطُّرُقَاتُ فِي زَمَانِهِ آمِنَةً، وَالرَّعَايَا مُتَنَاصِفَةً، لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا، شَنَقَ جَمَاعَةً مِنَ الْأَجْنَادِ أَخَذُوا شَعِيرًا لِبَعْضِ الْفَلَّاحِينَ بِأَرْضِ آمِدَ، وَاشْتَكَى إِلَيْهِ بَعْضُ الرَّكْبَدَارِيَةِ أَنَّ أُسْتَاذَهُ اسْتَعْمَلَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِلَا أُجْرَةٍ، فَأَحْضَرَ الْجُنْدِيَّ وَأَلْبَسَهُ ثِيَابَ الرَّكْبَدَارِيَةِ، وَأَلْبَسَ الرَّكْبَدَارَ ثِيَابَ الْجُنْدِيِّ، وَأَمَرَ الْجُنْدِيَّ أَنْ يَخْدُمَ الرَّكْبَدَارَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَيَحْضُرَ الرَّكْبَدَارُ الْمَوْكِبَ وَالْخِدْمَةَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ، فَتَأَدَّبَ النَّاسُ بِذَلِكَ غَايَةَ الْأَدَبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ فِي رَدِّ ثَغْرِ دِمْيَاطَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - فَرَابَطَهُمْ أَرْبَعَ سِنِينَ، حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ يَوْمُ أَخْذِهِ لَهُ وَاسْتِرْجَاعِهِ إِيَّاهُ يَوْمًا مَشْهُودًا، كَمَا ذَكَرْنَا مُفَصَّلًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي لَيْلَةِ الْخَمِيسِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِالْقَلْعَةِ حَتَّى كَمَلَتْ تُرْبَتُهُ الَّتِي بِالْحَائِطِ الشَّمَالِيِّ مِنَ الْجَامِعِ ذَاتُ الشُّبَّاكِ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৫
الَّذِي هُنَاكَ قَرِيبًا مِنْ مَقْصُورَةِ ابْنِ سِنَانَ، وَهِيَ الْكِنْدِيَّةُ الَّتِي عِنْدَ الْحَلَبِيَّةِ، نُقِلَ إِلَيْهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَمِنْ شِعْرِهِ يَسْتَحِثُّ أَخَاهُ الْمَلِكَ الْأَشْرَفَ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ حِينَ كَانَ مُحَاصَرًا بِدِمْيَاطَ: يَا مُسْعِفِي إِنْ كُنْتَ حَقًّا مُسْعِفِي ... فَارْحَلْ بِغَيْرِ تَقَيُّدٍ وَتَوَقُّفِ وَاطْوِ الْمَنَازِلَ وَالدِّيَارَ وَلَا تُنِخْ ... إِلَّا عَلَى بَابِ الْمَلِيكِ الْأَشْرَفِ قَبِّلْ يَدَيْهِ لَا عُدِمْتَ وَقُلْ لَهُ ... عَنِّي بِحُسْنِ تَعَطُّفٍ وَتَلَطُّفِ إِنْ تَأْتِ صِنْوَكَ عَنْ قَرِيبٍ تَلْقَهُ ... مَا بَيْنَ حَدِّ مُهَنَّدٍ وَمُثَقَّفِ أَوْ تُبْطِ عَنْ إِنْجَادِهِ فَلِقَاؤُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عِرَاضِ الْمَوْقِفِ [ذِكْرُ مَا جَرَى بَعْدَ وَفَاةِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَادِلِ] ذِكْرُ مَا جَرَى كَانَ قَدْ عَهِدَ لِوَلَدِهِ الْعَادِلِ - وَكَانَ صَغِيرًا - بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَبِالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَلِوَلَدِهِ الصَّالِحِ أَيُّوبَ بِبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، فَأَمْضَى الْأُمَرَاءُ ذَلِكَ، فَأَمَّا دِمَشْقُ فَاخْتَلَفَ الْأُمَرَاءُ بِهَا فِي الْمَلِكِ النَّاصِرِ دَاوُدَ بْنِ الْمُعَظَّمِ، وَالْمَلِكِ الْجَوَادِ مُظَفَّرِ الدِّينِ يُونُسَ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَكَانَ مَيْلُ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ إِلَى الْجَوَادِ، وَآخَرُونَ إِلَى النَّاصِرِ، وَكَانَ نَازِلًا بِدَارِ أُسَامَةَ، فَانْتَظَمَ أَمْرُ الْجَوَادِ، وَجَاءَتِ الرِّسَالَةُ إِلَى النَّاصِرِ أَنِ اخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ، فَرَكِبَ مِنْ دَارِ أُسَامَةَ، وَالْعَامَّةُ مِنْ دَارِهِ إِلَى
পৃষ্ঠা - ১০৯২৬
الْقَلْعَةِ لَا يَشُكُّونَ فِي وِلَايَتِهِ الْمُلْكَ، فَسَلَكَ نَحْوَ الْقَلْعَةِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْعِمَادِيَّةَ عَطَفَ بِرَأْسِ فَرَسِهِ نَحْوَ بَابِ الْفَرَجِ، فَصَرَخَتِ الْعَامَّةُ: لَا، لَا، لَا. فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ الْقَابُونَ عِنْدَ وَطْأَةِ بَرْزَةَ. فَعَزَمَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ الْأَشْرَفِيَّةِ عَلَى مَسْكِهِ، فَسَاقَ فَبَاتَ بِقَصْرِ أُمِّ حَكِيمٍ، وَسَاقُوا وَرَاءَهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَى عَجْلُونَ، فَتَحَصَّنَ بِهَا وَأَمِنَ. وَأَمَّا الْجَوَادُ فَإِنَّهُ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَأَنْفَقَ الْأَمْوَالَ وَالْخِلَعَ عَلَى الْأُمَرَاءِ. قَالَ السِّبْطُ: فَرَّقَ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ وَخَمْسَةَ آلَافِ خِلْعَةٍ، وَأَبْطَلَ الْمُكُوسَ وَالْخُمُورَ، وَنَفَى الْخَوَاطِئَ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِدِمَشْقَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأُمَرَاءُ الشَّامِيُّونَ وَالْمِصْرِيُّونَ، وَرَحَلَ النَّاصِرُ دَاوُدُ مِنْ عَجْلُونَ نَحْوَ غَزَّةَ وَبِلَادِ السَّاحِلِ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا، فَرَكِبَ الْجَوَادُ فِي طَلَبِهِ، وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ وَالْمِصْرِيَّةُ، وَقَالَ لِلْأَشْرَفِيَّةِ: كَاتِبُوهُ وَأَطْمِعُوهُ. فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَيْهِ كُتُبُهُمْ طَمِعَ فِي مُوَافَقَتِهِمْ، فَرَجَعَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَاكِبٍ إِلَى نَابُلُسَ، فَقَصَدَهُ الْجَوَادُ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى جِينِينَ، وَالنَّاصِرُ عَلَى سَبَسْطِيَةَ، فَهَرَبَ مِنْهُ النَّاصِرُ، فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى حَوَاصِلِهِ وَأَثْقَالِهِ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا، وَافْتَقَرَ بِسَبَبِهَا فَقْرًا مُدْقِعًا، وَرَجَعَ النَّاصِرُ إِلَى الْكَرَكِ جَرِيدَةً قَدْ سُلِبَ أَمْوَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَعَادَ الْجَوَادُ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا. وَفِيهَا اخْتَلَفَتِ الْخُوَارَزْمِيَّةُ عَلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنِ الْكَامِلِ صَاحِبِ كَيْفَا وَتِلْكَ النَّوَاحِي، وَعَزَمُوا عَلَى الْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْهُمْ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُ وَأَثْقَالَهُ، وَلَجَأَ إِلَى سِنْجَارَ، فَقَصَدَهُ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ
পৃষ্ঠা - ১০৯২৭
لِيُحَاصِرَهُ وَيَأْخُذَهُ فِي قَفَصٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ أَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَكْرَهُونَ مُجَاوَرَتَهُ لِكِبْرِهِ وَقُوَّةِ سَطْوَتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَى أَخْذِهِ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَكَاتَبَ الْخُوَارَزْمِيَّةَ، وَاسْتَنْجَدَ بِهِمْ، وَخَضَعَ لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَقَدِمُوا إِلَيْهِ جَرَائِدَ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الْبَدْرِ لُؤْلُؤٍ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ لُؤْلُؤٌ هَرَبَ مِنْهُمْ، فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى أَمْوَالِهِ وَأَثْقَالِهِ، فَوَجَدُوا فِيهَا شَيْئًا كَثِيرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ الْمَوْصِلِ جَرِيدَةً خَائِبًا، وَسَلِمَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: الْخَطِيبُ الدَّوْلَعِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَاسِينَ، الْخَطِيبُ جَمَالُ الدِّينِ الدَّوْلَعِيُّ، نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ تَرْجَمَةِ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَاسِينَ الْخَطِيبِ بِدِمَشْقَ أَيْضًا، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِالْغَزَّالِيَّةِ مَعَ الْخَطَابَةِ، وَقَدْ مَنَعَهُ الْمُعَظَّمُ فِي وَقْتٍ عَنِ الْفَتْوَى، فَعَاتَبَهُ السِّبْطُ فِي ذَلِكَ، فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ شُيُوخَ بَلَدِهِ هُمُ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَخْطَائِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْوَظِيفَةِ لَا يَكَادُ يُفَارِقُ بَيْتَ الْخَطَابَةِ، وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ مَعَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، وَقَفَ مَدْرَسَةً بَجَيْرُونَ، وَقَدْ وَلِيَ الْخَطَابَةَ بَعْدَهُ أَخٌ لَهُ، وَكَانَ جَاهِلًا وَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهَا، وَتَوَلَّاهَا الْكَمَالُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ النَّصِيبِيُّ، وَوَلِيَ تَدْرِيسَ الْغَزَّالِيَّةَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯২৮
الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ: مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَمِيلٍ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الشِّيرَازِيِّ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ عَلَى الْحَافِظِ بْنِ عَسَاكِرَ وَغَيْرِهِ، وَاشْتَغَلَ فِي الْفِقْهِ، وَأَفْتَى وَدَرَّسَ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عِدَّةَ سِنِينَ، وَكَانَ فَقِيهًا عَالِمًا فَاضِلًا كَيِّسًا، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، عَارِفًا بِالْأَخْبَارِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَالْأَشْعَارِ، كَرِيمَ الطِّبَاعِ، حَمِيدَ الْآثَارِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ ثَالِثَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ يَحْيَى، أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ قَاضِيهَا، كَانَ عَالِمًا عَفِيفًا فَاضِلًا عَادِلًا مُنْصِفًا نَزِهًا، كَانَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ يَقُولُ: مَا وَلِيَ دِمَشْقَ مِثْلُهُ. وَقَدْ وَلِيَ الْحُكْمَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً، وَنَابَ بِدِمَشْقَ عَنِ الْقُضَاةِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْأَحَدِ سَادِسَ ذِي الْقِعْدَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ، وَدُفِنَ بِقَاسِيُونَ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَوَلَّى بَعْدَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْخُوَيِّيِّ.
পৃষ্ঠা - ১০৯২৯
ابْنُ الْأُسْتَاذِ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلْوَانَ الْأَسَدِيُّ، عُرِفَ بِابْنِ الْأُسْتَاذِ الْحَلَبِيِّ، قَاضِيهَا بَعْدَ بَهَاءِ الدِّينِ بْنِ شَدَّادٍ، وَكَانَ رَئِيسًا عَالِمًا فَاضِلًا، حَسَنَ الْخُلُقِ وَالسَّمْتِ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -. الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْمُعَمِّرُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ بَهْرُوزٍ الْبَغْدَادِيُّ، ظَهَرَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي الْوَقْتِ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَانْثَالَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْمَعُونَ مِنْهُ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الزَّبِيدِيِّ وَغَيْرِهِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبْتِ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ الْمُجَاهِدُ الْمُرَابِطُ صَارِمُ الدِّينِ، خَطْلَبَا بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَمْلُوكُ سَرْكَسَ، وَنَائِبُهُ بَعْدَهُ مَعَ وَلَدِهِ عَلَى تِبْنِينَ وَتِلْكَ الْحُصُونِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْإِحْسَانِ، وَدُفِنَ مَعَ أُسْتَاذِهِ بِقِبَابِ سَرْكَسَ، وَهُوَ الَّذِي بَنَاهَا بَعْدَ أُسْتَاذِهِ، وَكَانَ خَيِّرًا، قَلِيلَ الْكَلَامِ، كَثِيرَ الْغَزْوِ، مُرَابِطًا مُدَّةَ سِنِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَفَا عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا قَبَضَ الْمَلِكُ الْجَوَادُ عَلَى الصَفِيِّ بْنِ مَرْزُوقٍ، وَصَادَرَهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَحَبَسَهُ بِقَلْعَةِ حِمْصَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَرَى الضَّوْءَ، وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَرْزُوقٍ قَبْلَ ذَلِكَ يُحْسِنُ إِلَى الْجَوَادِ إِحْسَانًا كَثِيرًا. وَسَلَّطَ الْجَوَادُ خَادِمًا لِزَوْجَتِهِ يُقَالُ لَهُ: النَّاصِحُ، فَصَادَرَ الدَّمَاشِقَةَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَمَسَكَ الْأَمِيرَ عِمَادَ الدِّينِ بْنَ الشَّيْخِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ تَمْلِيكِهِ دِمَشْقَ، ثُمَّ خَافَ مِنْ أَخِيهِ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ الَّذِي بِدِيَارِ مِصْرَ، وَقَلِقَ مِنْ مُلْكِ دِمَشْقَ، وَقَالَ: أَيْشِ أَعْمَلُ بِالْمُلْكِ؟ بَازٌ وَكَلْبٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ وَكَاتَبَ الصَّالِحَ نَجْمَ الدِّينِ أَيُّوبَ بْنَ الْكَامِلِ، فَتَقَايَضَا مِنْ حِصْنِ كَيْفَا وَسِنْجَارَ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ، فَمَلَكَ الصَّالِحُ دِمَشْقَ، وَدَخَلَهَا فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَالْجَوَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْغَاشِيَةِ، ثُمَّ حَمَلَهَا الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ حَمَاةَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، ثُمَّ نَزَلَ الْجَوَادُ بِدَارِ السَّعَادَةِ، وَنَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ الْفًائِتَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ. وَخَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ، وَالنَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فِي وَجْهِهِ; بِسَبَبِ مَا أَسْدَاهُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُصَادَرَاتِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الصَّالِحُ أَيُّوبُ لِيَرُدَّ إِلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَسَارَ وَبَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৯৩১
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الصَّالِحُ فِي مُلْكِ مِصْرَ، كَمَا سَيَأْتِي، حَبَسَ النَّاصِحَ الْخَادِمَ، فَمَاتَ فِي أَسْوَأِ حَالَةٍ، مِنَ الْقِلَّةِ وَالْقَمْلِ، جَزَاءً وِفَاقًا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] . وَفِيهَا رَكِبَ الصَّالِحُ أَيُّوبُ مِنْ دِمَشْقَ فِي رَمَضَانَ قَاصِدًا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ لِيَأْخُذَهَا مِنْ أَخِيهِ الْعَادِلِ لِصِغَرِهِ، فَنَزَلَ بِنَابُلُسَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ النَّاصِرِ دَاوُدَ، وَأَرْسَلَ إِلَى عَمِّهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ لِيَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ فِي صُحْبَتِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ إِلَى دِمَشْقَ لِيُبَايِعَهُ، فَجَعَلَ يُسَوِّفُ بِهِ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحَالِفُ الْأُمَرَاءَ بِدِمَشْقَ لِيَكُونَ مَلِكَهُمْ، وَلَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّالِحِ أَيُّوبَ لِجَبَرُوتِهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ، وَانْقَضَتِ السَّنَةُ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِنَابُلُسَ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ، وَهُوَ يُمَاطِلُهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: جَمَالُ الدِّينِ الْحَصِيرِيُّ الْحَنَفِيُّ، مَحْمُودُ بْنُ أَحْمَدَ، الْعَلَّامَةُ جَمَالُ الدِّينِ الْحَصِيرِيُّ، شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَمُدَرِّسُ النُّورِيَّةِ، أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: حَصِيرُ، مِنْ مُعَامَلَةِ بُخَارَى. تَفَقَّهَ بِهَا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَصَارَ إِلَى دِمَشْقَ، فَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْحَنَفِيَّةِ بِهَا، لَاسِيَّمَا فِي أَيَّامِ الْمُعَظَّمِ، كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ " الْجَامِعَ الْكَبِيرَ "، وَلَهُ عَلَيْهِ شَرْحٌ، وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُكْرِمُهُ، وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، غَزِيرَ الدَّمْعَةِ، كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ، عَاقِلًا نَزِهًا عَفِيفًا، تُوُفِّيَ يَوْمَ الْأَحَدِ