আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৮৮১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا عُزِلَ الْقَاضِيَانِ بِدِمَشْقَ; شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْخُوَيِّيِّ، وَشَمْسُ الدِّينِ بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ، ثُمَّ عُزِلَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَأُعِيدَ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ، كَمَا سَيَأْتِي. وَفِي سَابِعَ عَشَرَ شَوَّالِهَا عَزَلَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ وَزِيرَهُ مُؤَيِّدَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُمِّيَّ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخِيهِ حَسَنٍ وَابْنِهِ فَخْرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُمِّيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَحُبِسُوا، وَاسْتَوْزَرَ الْخَلِيفَةُ مَكَانَهُ أُسْتَاذَ الدَّارِ شَمْسَ الدِّينِ أَبَا الْأَزْهَرِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ النَّاقِدِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ خُلْعَةً سَنِيَّةً، وَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ. وَفِيهِ أَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ التَّتَارِ، فَوَصَلُوا إِلَى شَهْرَزُورَ، فَنَدَبَ الْخَلِيفَةُ صَاحِبَ إِرْبِلَ مُظَفَّرَ الدِّينِ كُوكُبُرِي بْنَ زَيْنِ الدِّينِ، وَأَضَافَ إِلَيْهِ عَسَاكِرَ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَارُوا نَحْوَهُمْ فَهَرَبَتْ مِنْهُمُ التَّتَارُ، وَأَقَامُوا فِي مُقَابَلَتِهِمْ مُدَّةَ شُهُورٍ، ثُمَّ تَمَرَّضَ مُظَفَّرُ الدِّينِ، وَعَادَ إِلَى بَلَدِهِ إِرْبِلَ، وَتَرَاجَعَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَى بِلَادِهَا.
পৃষ্ঠা - ১০৮৮২
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تَوَفَّى فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: ابْنُ نُقْطَةَ الْحَافِظُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ، بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ، أَبُو بَكْرِ بْنُ نُقْطَةَ، الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْفَاضِلُ، صَاحِبُ الْكِتَابِ النَّافِعِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْيِيدِ فِي تَرَاجِمِ رُوَاةِ الْكُتُبِ وَالْمَشَاهِيرِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَانَ أَبُوهُ فَقِيهًا فَقِيرًا مُنْقَطِعًا فِي بَعْضِ مَسَاجِدِ بَغْدَادَ، يُؤْثِرُ أَصْحَابَهُ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ. وَنَشَأَ وَلَدُهُ هَذَا، فَعُنِيَ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَسَمَاعِهِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ إِلَى الْآفَاقِ شَرْقًا وَغَرْبًا، حَتَّى بَرَزَ فِيهِ عَلَى الْأَقْرَانِ، وَفَاقَ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْأَوَانِ، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -. الْجَمَالُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ، كَانَ فَاضِلًا كَرِيمًا حَيِيًّا، سَمِعَ الْكَثِيرَ، ثُمَّ خَالَطَ الْمُلُوكَ وَأَبْنَاءَ الدُّنْيَا، فَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهُ، وَمَاتَ بِبُسْتَانِ ابْنِ شُكْرٍ عِنْدَ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْعَادِلِ، وَهُوَ الَّذِي كَفَّنَهُ، وَدُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُبَارَكُ، بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৩
بْنِ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ الزَّبِيدِيُّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ، كَانَ شَيْخًا صَالِحًا حَنَفِيًّا فَاضِلًا، ذَا فُنُونٍ كَثِيرَةٍ; وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ وَالْعَرُوضِ، وَلَهُ فِيهِ أُرْجُوزَةٌ حَسَنَةٌ، انْتَخَبَ مِنْهَا ابْنُ السَّاعِي مِنْ كُلِّ بَحْرِ بَيْتَيْنِ، وَسَرَدَ ذَلِكَ فِي " تَارِيخِهِ ". أَبُو الْفَتْحِ مَسْعُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى السَّلَمَاسِيُّ، فَقِيهٌ أَدِيبٌ شَاعِرٌ، لَهُ تَصَانِيفُ، وَقَدْ شَرَحَ الْمَقَامَاتِ، وَالْجُمَلَ فِي النَّحْوِ، وَلَهُ خُطَبٌ وَأَشْعَارٌ حَسَنَةٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الشِّيرَجِيِّ الدِّمَشْقِيُّ، أَحَدُ الْمُعَدِّلِينَ بِهَا، وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ يَلِي دِيوَانَ الْخَاتُونِ سِتِّ الشَّامِ بِنْتِ أَيُّوبَ، وَفَوَّضَتْ إِلَيْهِ أَمْرَ أَوْقَافِهَا. قَالَ السِّبْطُ: وَكَانَ ثِقَةً أَمِينًا كَيِّسًا مُتَوَاضِعًا. قَالَ: وَقَدْ وَزَرَ وَلَدُهُ شَرَفُ الدِّينِ لِلنَّاصِرِ دَاوُدَ مُدَّةً يَسِيرَةً، وَكَانَتْ وَفَاةُ فَخْرِ الدِّينِ فِي يَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَفَا عَنْهُ -.
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৪
حُسَامُ بْنُ غُزِّيِّ، بْنِ يُونُسَ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْمَنَاقِبِ الْمَحَلِّيُّ الْمِصْرِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، كَانَ شَيْخًا صَالِحًا فَاضِلًا فَقِيهًا شَافِعِيًّا حَسَنَ الْمُحَاضَرَةِ، وَلَهُ أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَلَهُ فِي مُعْجَمِ الْقُوصِيِّ تَرْجَمَةٌ حَسَنَةٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ. قَالَ السِّبْطُ: وَكَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ الْأَمِينِيَّةِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ لِأَحَدٍ شَيْئًا وَلَا لِلسُّلْطَانِ، بَلْ إِذَا حَضَرَ طَعَامًا كَانَ مَعَهُ فِي كُمِّهِ شَيْءٌ يَأْكُلُهُ. وَكَانَ لَا يَزَالُ مَعَهُ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى وَسَطِهِ. وَحُكِيَ عَنْهُ قَالَ: خَلَعَ عَلَيَّ الْمَلِكُ الْعَادِلُ لَيْلَةً طَيْلَسَانًا، فَلَمَّا خَرَجْتُ مَشَى بَيْنَ يَدَيَّ نَفَّاطٌ يَحْسَبُنِي الْقَاضِي، فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَى بَابِ الْبَرِيدِ عِنْدَ دَارِ سَيْفٍ خَلَعْتُ الطَّيْلَسَانَ، وَجَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، وَتَبَاطَأْتُ فِي الْمَشْيِ، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ وَرَاءَهُ أَحَدًا، فَقَالَ لِي: أَيْنَ الْقَاضِي؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةِ النُّورِيَّةِ، وَقُلْتُ: ذَهَبَ إِلَى دَارِهِ. فَلَمَّا أَسْرَعَ إِلَى نَاحِيَةِ النُّورِيَّةِ هَرْوَلْتُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৫
الْأَمِينِيَّةِ، وَاسْتَرَحْتُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ السَّاعِي: كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَخَلَّفَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَرَثَتْهَا عُصْبَتُهُ. قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالْأَخْبَارِ وَالتَّوَارِيخِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، مَعَ دِينٍ وَصَلَاحٍ وَوَرَعٍ، وَأَوْرَدَ لَهُ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلَهُ: قِيلَ لِي مَنْ هَوِيتَ قَدْ عَبَثَ الشَّعْ ... رُ بِخَدَّيْهِ قُلْتُ مَا ذَاكَ عَارُهْ جُمْرُ خَدَّيْهِ أَحْرَقَتْ عَنْبَرَ الْخَا ... لِ فَمِنْ ذَلِكَ الدُّخَانِ عِذَارُهْ وَقَوْلَهُ: شَوْقِي إِلَيْكُمْ دُونَ أَشْوَاقِكُمْ ... لَكِنَّهُ لَابُدَّ مَا يُشْرَحُ لِأَنَّنِي عَنْ قَلْبِكُمْ غَائِبٌ ... وَأَنْتُمُ فِي الْقَلْبِ لَمْ تَبْرَحُوا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ، بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَارُودِ الْمَارَانِيُّ، الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، أَحَدُ الْفُضَلَاءِ، وَلِيَ الْقَضَاءَ بإِرْبِلَ، وَكَانَ ظَرِيفًا خَلِيعًا، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَيَّامِ، وَلَهُ أَشْعَارٌ رَائِقَةٌ وَمَعَانٍ فَائِقَةٌ، فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: مَشِيبٌ أَتَى وَشَبَابٌ رَحَلْ ... فَحَلَّ الْعَنَاءُ بِهِ حَيْثُ حَلَّ
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৬
وَعُمْرٌ تَقَضَّى بِلَا طَاعَةٍ ... فَوَيْحُكِ يَا نَفْسُ مَاذَا الزَّلَلْ وَذَنْبُكِ جَمٌّ أَلَا فَارْجِعِي ... وَعُودِي فَقَدْ حَانَ وَقْتُ الْأَجَلْ وَدِينِي الْإِلَهَ وَلَا تُقْصِرِي ... وَلَا يَخْدَعَنَّكِ طُولُ الْأَمَلْ فَمَا لَكِ غَيْرُ التُّقَى مُسْتَعَدُّ ... وَلَا صَاحِبٌ غَيْرُ حُسْنِ الْعَمَلْ أَبُو الثَّنَاءِ مَحْمُودُ بْنُ زَاكِيِّ، بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الطَّائِيُّ الرُّقِّيُّ، نَزِيلُ إِرْبِلَ، وَوَلِيَ النَّظَرَ بِهَا لِلْمَلِكِ مُظَفَّرِ الدِّينِ، وَكَانَ شَيْخًا أَدِيبًا فَاضِلًا، وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: وَأَهْيَفُ مَا الْخَطِّيُّ إِلَّا قَوَامُهُ ... وَمَا الْغُصْنُ إِلَّا مَا يُثْنِيهِ لِينُهُ وَمَا الدِّعْصُ إِلَّا مَا تَحَمَّلَ خَصْرُهُ ... وَمَا النَّبْلُ إِلَّا مَا تَرِيشُ جُفُونُهُ وَمَا الْخَمْرُ إِلَّا مَا يُرَوِّقُ ثَغْرُهُ ... وَمَا السِّحْرُ إِلَّا مَا تُكِنُّ عُيُونُهُ وَمَا الْحُسْنُ إِلَّا كُلُّهُ فَمَنِ الَّذِي ... إِذَا مَا رَآهُ لَا يَزِيدُ جُنُونُهُ ابْنُ مُعْطِي النَّحْوِيُّ يَحْيَى، تَرْجَمَهُ أَبُو شَامَةَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَهُوَ أَضْبَطُ; لِأَنَّهُ شَهِدَ جَنَازَتَهُ بِمِصْرَ، وَأَمَّا ابْنُ السَّاعِي فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ،
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৭
وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَظِيًّا عِنْدَ الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ مِصْرَ، وَإِنَّهُ كَانَ قَدْ نَظَمَ أُرْجُوزَةً فِي الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ، وَنَظَمَ أَلْفَاظَ " الْجَمْهَرَةِ "، وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى نَظْمِ " صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ ".
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِيهَا بَاشَرَ خَطَابَةَ بَغْدَادَ وَنِقَابَةَ الْعَبَّاسِيِّينَ الْعَدْلُ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنْصُورِيُّ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ خِلْعَةٌ سَنِيَّةٌ، وَكَانَ فَاضِلًا قَدْ صَحِبَ الْفُقَرَاءَ وَالصُّوفِيَّةَ، وَتَزَهَّدَ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ، فَلَمَّا دُعِيَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ أَجَابَ سَرِيعًا، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِزَهْرَتِهَا، وَخَدَمَهُ الْغِلْمَانُ الْأَتْرَاكُ، وَلَبِسَ لِبَاسَ الْمُتْرَفِينَ، وَقَدْ عَاتَبَهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ بِقَصِيدَةٍ طَوِيلَةٍ، وَعَنَّفَهُ عَلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَسَرَدَهَا ابْنُ السَّاعِي بِطُولِهَا فِي تَارِيخِهِ. وَفِيهَا سَارَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الرَّسْلِيَّةِ مِنَ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ مِصْرَ، وَمَعَهُ كِتَابٌ هَائِلٌ فِيهِ تَقْلِيدُهُ الْمُلْكَ، وَفِيهِ أَوَامِرُ كَثِيرَةٌ مَلِيحَةٌ مِنْ إِنْشَاءِ الْوَزِيرِ نَصِيرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ النَّاقِدِ، سَرَدَهُ ابْنُ السَّاعِي أَيْضًا بِكَمَالِهِ، وَقَدْ كَانَ الْكَامِلُ مُخِيِّمًا بِظَاهِرِ آمِدَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَزِيرَةِ، قَدِ افْتَتَحَهَا بَعْدَ حِصَارٍ طَوِيلٍ، وَهُوَ مَسْرُورٌ بِمَا نَالَ مِنْ مُلْكِهَا.
পৃষ্ঠা - ১০৮৮৯
وَفِيهَا فُتِحَتْ دَارُ الضِّيَافَةِ بِبَغْدَادَ لِلْحَجِيجِ حِينَ قَدِمُوا مِنْ حَجِّهِمْ، وَأُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ النَّفَقَاتُ وَالْكَسَاوِي وَالصِّلَاتِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَفِيهَا سَارَتِ الْعَسَاكِرُ الْمُسْتَنْصِرِيَّةُ صُحْبَةَ الْأَمِيرِ شَرَفِ الدِّينِ أَبِي الْفَضَائِلِ إِقْبَالٍ الْخَاصِّ الْمُسْتَنْصِرِيِّ إِلَى مَدِينَةِ إِرْبِلَ وَأَعْمَالِهَا، وَذَلِكَ لِمَرَضِ مَالِكِهَا مُظَفَّرِ الدِّينِ كُوكُبُرِي بْنِ زَيْنِ الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَمْلِكُ الْبِلَادَ، فَحِينَ وَصَلَهَا الْجَيْشُ مَنَعَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ، فَحَاصَرُوهُ حَتَّى افْتَتَحُوهُ عَنْوَةً فِي السَّابِعِ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَاءَتِ الْبَشَائِرُ بِذَلِكَ، فَضُرِبَتِ الطُّبُولُ بِبَغْدَادَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَفَرِحَ أَهْلُهَا، وَكَتَبَ التَّقْلِيدَ عَلَيْهَا لِإِقْبَالٍ الْمَذْكُورِ، فَرَتَّبَ فِيهَا الْمَنَاصِبَ، وَسَارَ فِيهِ سِيرَةً جَيِّدَةً، وَامْتَدَحَ الشُّعَرَاءُ هَذَا الْفَتْحَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَكَذَلِكَ مَدَحُوا فَاتِحَهَا إِقْبَالًا، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يَا يَوْمَ سَابِعَ عَشْرَ شَوَّالِ الَّذِي ... رُزِقَ السَّعَادَةَ أَوَّلًا وَأَخِيرَا هُنِّيتَ فِيهِ بِفَتْحِ إِرْبِلَ مِثْلَمَا ... هُنِّيتَ فِيهِ وَقَدْ جَلَسْتَ وَزِيرَا يَعْنِي أَنَّ الْوَزِيرَ نَصِيرَ الدِّينِ بْنَ الْعَلْقَمِيِّ، كَانَ قَدْ وَزَرَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي. وَفِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ شُرِعَ فِي عِمَارَةِ دَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ بِدِمَشْقَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ دَارًا لِلْأَمِيرِ قَايْمَازَ، وَبِهَا حَمَّامٌ فَهُدِمَتْ، وَبُنِيَتِ الدَّارُ عِوَضَهَا.
পৃষ্ঠা - ১০৮৯০
وَقَدْ ذَكَرَ السِّبْطُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَنَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فُتِحَتْ دَارُ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةُ الْمُجَاوِرَةُ لِقَلْعَةِ دِمَشْقَ، وَأَمْلَى بِهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الصَّلَاحِ الْحَدِيثَ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا الْأَشْرَفُ الْأَوْقَافَ، وَبِهَا نَعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَسَمِعَ الْأَشْرَفُ " صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ " فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الزَّبِيدِيِّ. قُلْتُ: وَكَذَا سَمِعُوا عَلَيْهِ بِالدَّارِ وَبِالصَّالِحِيَّةِ. قَالَ: وَفِيهَا فَتَحَ الْكَامِلُ آمِدَ وَحِصْنَ كَيْفَا، وَوَجَدَ عِنْدَ مَلِكِهَا خَمْسَمِائَةِ حُرَّةٍ لِلْفِرَاشِ، فَعَذَّبَهُ الْأَشْرَفُ عَذَابًا أَلِيمًا. وَفِيهَا قَصَدَ صَاحِبُ مَارِدِينَ وَجَيْشُ بِلَادِ الرُّومِ الْجَزِيرَةَ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا، وَفَعَلُوا مَا لَمْ يَفْعَلْهُ التَّتَارُ بِالْمُسْلِمِينَ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ بِهَا مِنَ الْمَشَاهِيرِ: أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ كَانَ شَيْخًا ظَرِيفًا لَطِيفًا، سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَعَمِلَ صِنَاعَةَ الْوَعْظِ مُدَّةً، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَكَانَ يَحْفَظُ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَخْبَارِ وَالنَّوَادِرِ وَالْأَشْعَارِ، وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً.
পৃষ্ঠা - ১০৮৯১
وَقَدْ ذَكَرَ السِّبْطُ وَفَاةَ الْوَزِيرِ صَفِيِّ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شُكْرٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى مَحَبَّتِهِ لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَأَنَّ لَهُ مُصَنَّفًا سَمَّاهُ " الْبَصَائِرَ "، وَأَنَّهُ تَغَضَّبَ عَلَيْهِ الْعَادِلُ، ثُمَّ تَرَضَّاهُ الْكَامِلُ، وَأَعَادَهُ إِلَى وِزَارَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، وَدُفِنَ بِمَدْرَسَتِهِ الْمَشْهُورَةِ بِمِصْرَ، وَذَكَرَ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: دَمِيرَةُ بِمِصْرَ. الْمَلِكُ نَاصِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ، بْنُ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ بْنِ نُورِ الدِّينِ أَرْسَلَانَ شَاهْ بْنِ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودِ بْنِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ آقْسُنْقُرَ، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ. كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَدْ أَقَامَهُ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ صُورَةً حَتَّى تَمَكَّنَ أَمْرُهُ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَا يَصِلُ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْجَوَارِي وَلَا شَيْءٍ مِنَ السَّرَارِي، حَتَّى لَا يُعْقِبَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ مُظَفَّرُ الدِّينِ كُوكُبُرِي صَاحِبُ إِرْبِلَ، مَنَعَهُ حِينَئِذٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، حَتَّى مَاتَ كَمَدًا وَجُوعًا وَعَطَشًا، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً، وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْمَوْصِلِ مِنْ بَيْتِ الْأَتَابَكِيِّ.
পৃষ্ঠা - ১০৮৯২
الْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَحَدُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الشِّيرَازِيِّ الشَّافِعِيِّ. وَكِلَاهُمَا كَانَ يَنُوبُ عَنِ ابْنِ الزَّكِيِّ وَابْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ، وَكَانَ يُدَرِّسُ بالطَّرْخَانِيَّةِ، وَبِهَا مَسْكَنُهُ، فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُعَظَّمُ أَنْ يُفْتِيَ بِإِبَاحَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَمَاءِ الرُّمَّانِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَنَا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَاذَّةٌ، وَلَا يَصِحُّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ، وَلَا الْأَثَرُ عَنْ عُمْرَ أَيْضًا. فَغَضِبَ عَلَيْهِ الْمُعَظَّمُ وَعَزَلَهُ عَنِ التَّدْرِيسِ، وَوَلَّاهُ لِتِلْمِيذِهِ الزَّيْنِ بْنِ الْعَتَّالِ، وَأَقَامَ الشَّيْخُ بِمَنْزِلِهِ حَتَّى مَاتَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَاطِينِ; مِنْهُمُ الْمُغِيثُ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ الْعَادِلِ، وَالْعَزِيزُ عُثْمَانُ بْنُ الْعَادِلِ، وَمُظَفَّرُ الدِّينِ صَاحِبُ إِرْبِلَ وَغَيْرُهُمْ. قُلْتُ: أَمَّا صَاحِبُ إِرْبِلَ فَهُوَ: الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ، أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৩
الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ بُكْتِكِينَ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وَالسَّادَاتِ الْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ الْأَمْجَادِ، لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ، وَقَدْ عَمَّرَ الْجَامِعَ الْمُظَفَّرِيَّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ، وَكَانَ قَدْ هَمَّ بِسِيَاقَةِ الْمَاءِ إِلَيْهِ مِنْ مَاءِ بَرْزَةَ، فَمَنَعَهُ الْمُعَظَّمُ مِنْ ذَلِكَ، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهُ قَدْ يَمُرُّ عَلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِالسُّفُوحِ، وَكَانَ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ الشَّرِيفَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا عَالِمًا عَادِلًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ لَهُ مُجَلَّدًا فِي الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ سَمَّاهُ " التَّنْوِيرَ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ " فَأَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ طَالَتْ مُدَّتُهُ فِي الْمُلْكِ فِي زَمَانِ الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ مُحَاصِرًا مَدِينَةَ عَكَّا، وَإِلَى هَذِهِ السَّنَةِ مَحْمُودَ السِّيرَةِ وَالسَّرِيرَةِ. قَالَ السِّبْطُ: حَكَى بَعْضُ مَنْ حَضَرَ سِمَاطَ الْمُظَفَّرِ فِي بَعْضِ الْمَوَالِدِ أَنَّهُ مَدَّ فِي ذَلِكَ السِّمَاطِ خَمْسَةَ آلَافِ رَأْسٍ شَوِيٍّ، وَعَشَرَةَ آلَافِ دَجَاجَةٍ، وَمِائَةَ أَلْفِ زُبْدِيَّةٍ، وَثَلَاثِينَ أَلْفَ صَحْنِ حَلْوَى. قَالَ: وَكَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فِي الْمَوْلِدِ أَعْيَانُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ، فَيَخْلَعُ عَلَيْهِمْ، وَيُطْلِقُ لَهُمْ، وَيَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ. وَكَانَتْ لَهُ دَارُ ضِيَافَةٍ لِلْوَافِدِينَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ فِي جَمِيعِ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ عَلَى الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَسْتَفِكُّ مِنَ الْفِرِنْجِ فِي كُلِّ سَنَةٍ خَلْقًا مِنَ
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৪
الْأُسَارَى، حَتَّى قِيلَ: إِنَّ جُمْلَةَ مِنِ اسْتَفَكَّ مِنْ أَيْدِيهِمْ سِتُّونَ أَلْفَ أَسِيرٍ. قَالَتْ زَوْجَتُهُ رَبِيعَةُ خَاتُونَ بِنْتُ أَيُّوبَ - وَقَدْ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَخُوهَا صَلَاحُ الدِّينِ، لَمَّا كَانَ مَعَهُ عَلَى عَكَّا - قَالَتْ: كَانَ قَمِيصُهُ لَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ خَامٍ، فَعَاتَبْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: لُبْسِي ثَوْبًا بِخَمْسَةٍ، وَأَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبًا مُثَمَّنًا، وَأَدَعَ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ. وَكَانَ يَصْرِفُ عَلَى الْمَوْلِدِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى دَارِ الضِّيَافَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَفِي ثَمَنِ الْأُسَارَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَتَيْ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى الْحَرَمَيْنِ وَالْمِيَاهِ بِدَرْبِ الْحِجَازِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، سِوَى صَدَقَاتِ السِّرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِقَلْعَةِ إِرْبِلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُحْمَلَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ، فَدُفِنَ بِمَشْهَدِ عَلَيٍّ. وَالْمَلِكُ الْعَزِيزُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْعَادِلِ، وَهُوَ شَقِيقُ الْمُعَظَّمِ، كَانَ صَاحِبَ بَانِيَاسَ وَتِلْكَ الْحُصُونِ الَّتِي هُنَالِكَ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الصُّبَيْبَةَ، وَكَانَ عَاقِلًا قَلِيلَ الْكَلَامِ، مُطِيعًا لِأَخِيهِ الْمُعَظَّمِ، وَدُفِنَ عِنْدَهُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ عَاشِرَ رَمَضَانَ بِبُسْتَانِهِ النَّاعِمَةِ مِنْ بَيْتِ لِهْيَا، سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. ابْنُ عُنَيْنٍ الشَّاعِرُ، أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ بْنِ مَكَارِمِ بْنِ الْحَسَنِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৫
بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْأَنْصَارِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُنَيْنٍ. قَالَ ابْنُ السَّاعِي: أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ، وَوُلِدَ بِدِمَشْقَ وَنَشَأَ بِهَا، وَسَافَرَ عَنْهَا سِنِينَ، فَجَابَ الْأَقْطَارَ وَالْبِلَادَ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَدَخَلَ الْجَزِيرَةَ وَبِلَادَ الرُّومِ وَالْعِرَاقَ وَخُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَالْهِنْدَ وَالْيَمَنَ وَالْحِجَازَ وَمِصْرَ وَبَغْدَادَ، وَمَدَحَ أَكْثَرَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَحَصَّلَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً. وَكَانَ ظَرِيفًا شَاعِرًا مُطَبِّقًا مَشْهُورًا، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، وَقَدْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ دِمَشْقَ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ هَذِهِ السَّنَةَ، فِي قَوْلِ ابْنِ السَّاعِي. وَأَمَّا السِّبْطُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُمْ أَرَّخُوا وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ - فَاللَّهُ أَعْلَمُ -. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ حَوْرَانَ مِنْ مَدِينَةِ زَرْعٍ، وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ بِدِمَشْقَ فِي الْجَزِيرَةِ قِبْلِيَّ الْجَامِعِ. وَكَانَ هَجَّاءً لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَصَنَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ: " مِقْرَاضَ الْأَعْرَاضِ " يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ خَمْسِمِائَةِ بَيْتٍ، قَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنَ الدَّمَاشِقَةِ مِنْ شَرِّهِ، وَلَا الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا أَخُوهُ الْعَادِلُ، وَقَدْ كَانَ يُزَنُّ بِتَرْكِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَفَاهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الْهِنْدِ، فَامْتَدَحَ مُلُوكَهَا، وَحَصَّلَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَصَارَ إِلَى الْيَمَنِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ وَزَرَ لِبَعْضِ مُلُوكِهَا، ثُمَّ عَادَ فِي أَيَّامِ الْعَادِلِ إِلَى دِمَشْقَ، وَلَمَّا مَلَكَ الْمُعَظَّمُ اسْتَوْزَرَهُ، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ، وَاسْتَقَالَ هُوَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَعَزَلَهُ، وَكَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَى الدَّمَاشِقَةِ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ:
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৬
فَعَلَامَ أَبْعَدْتُمْ أَخَا ثِقَةٍ ... لَمْ يَجْتَرِمْ ذَنْبًا وَلَا سَرَقَا انْفُوا الْمُؤَذِّنَ مِنْ بِلَادِكُمُ ... إِنْ كَانَ يُنْفَى كُلُّ مَنْ صَدَقَا وَمِمَّا هَجَا بِهِ الْمَلِكَ النَّاصِرَ صَلَاحَ الدِّينِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: سُلْطَانُنَا أَعْرَجٌ وَكَاتِبُهُ ... ذُو عَمَشٍ وَالْوَزِيرُ مُنْحَدِبُ وَالدَّوْلَعِيُّ الْخَطِيبُ مُعْتَكِفٌ ... وَهْوَ عَلَى قِشْرِ بَيْضَةٍ يَثِبُ وَلِابْنِ بَاقَا وَعْظٌ يَغُرُّ بِهِ النَّ ... اسَ وَعَبْدُ اللَّطِيفِ مُحْتَسِبُ وَصَاحِبُ الْأَمْرِ خُلْقُهُ شَرِسٌ ... وَعَارِضُ الْجَيْشِ دَاؤُهُ عَجَبُ وَقَالَ فِي السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ سَيْفِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ سُلْطَانَنَا الَّذِي نَرْتَجِيهِ ... وَاسِعُ الْمَالِ ضَيِّقُ الْإِنْفَاقِ هُوَ سَيْفٌ كَمَا يُقَالُ وَلَكِنْ ... قَاطِعٌ لِلرُّسُومِ وَالْأَرْزَاقِ وَقَدْ حَضَرَ مَرَّةً مَجْلِسَ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ بِخُرَاسَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَعِظُ النَّاسَ، فَجَاءَتْ حَمَامَةٌ خَلْفَهَا جَارِحٌ، فَأَلْقَتْ نَفْسَهَا عَلَى الْفَخْرِ الرَّازِيِّ كَالْمُسْتَجِيرَةِ بِهِ، فَأَنْشَأَ ابْنُ عُنَيْنٍ يَقُولُ: جَاءَتْ سُلَيْمَانَ الزَّمَانِ حَمَامَةٌ ... وَالْمَوْتُ يَلْمَعُ مِنْ جَنَاحَيْ خَاطِفِ
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৭
قَرِمٌ لَوَاهُ الْجُوعُ حَتَّى ظِلُّهُ ... بِإِزَائِهِ يَجْرِي بِقَلْبٍ وَاجِفِ مَنْ أَعْلَمَ الْوَرْقَاءَ أَنَّ مَحَلَّكُمْ ... حَرَمٌ وَأَنَّكَ مَلْجَأٌ لِلْخَائِفِ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيُّ صَاحِبُ " عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ "، عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمُّوَيْهِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ الْبِكْرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ، شِهَابُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ، شَيْخُ الصُّوفِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَسَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرَدَّدَ فِي الرَّسْلِيَّةِ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ مِرَارًا، وَحُصِّلَتْ لَهُ أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ، فَفَرَّقَهَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَقَدْ حَجَّ مَرَّةً وَفِي صُحْبَتِهِ خَلْقٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَكَانَتْ فِيهِ مُرُوءَةٌ وَإِغَاثَةٌ لِلْمَلْهُوفِينَ وَإِعَانَةٌ لِلْمُحْتَاجِينَ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَكَانَ يَعِظُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الْبِذْلَةِ، قَالَ مَرَّةً هَذَا الْبَيْتَ: مَا فِي الصِّحَابِ أَخُو وَجْدٍ نُطَارِحُهُ ... حَدِيثَ نَجْدٍ وَلَا صَبٌّ نُجَازِيهِ وَجَعَلَ يُكَرِّرُهُ وَيَتَوَاجَدُ فَقَامَ شَابٌّ - عَلَيْهِ قَبَاءٌ وَكَلُّوتَةٌ - مِنَ
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৮
الْحَاضِرِينَ فَقَالَ: يَا شَيْخُ كَمْ تَشْطَحُ وَتَنْتَقِصُ بِالْقَوْمِ، وَاللَّهِ إِنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرْضَى أَنْ يُجَارِيَكَ، وَلَا يَصِلُ فَهْمُكَ إِلَى مَا يَقُولُ! هَلَّا أَنْشَدَتْ: مَا فِي الصِّحَابِ وَقَدْ صَارَتْ حَمُولُهُمْ ... إِلَّا مُحِبٌّ لَهُ فِي الرَّكْبِ مَحْبُوبُ كَأَنَّمَا يُوسُفٌ فِي كُلِّ رَاحِلَةٍ ... وَالْحَيُّ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْهُ يَعْقُوبُ فَصَاحَ الشَّيْخُ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، وَقَصَدَ الشَّابَّ لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَوَجَدَ مَكَانَهُ حُفْرَةً فِيهَا دَمٌ كَثِيرٌ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَفْحَصُ بِرِجْلَيْهِ عِنْدَ إِنْشَادِ الشَّيْخِ الْبَيْتَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ أَنَاشِيدِهِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. ابْنُ الْأَثِيرِ مُصَنِّفُ " الْغَابَةِ " وَ " الْكَامِلِ " هُوَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ عِزُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيُّ الْجَزَرِيُّ الْمَوْصِلِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَثِيرِ، مُصَنِّفُ كِتَابِ " الْغَابَةِ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ "، وَكِتَابِ " الْكَامِلِ فِي التَّارِيخِ " وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِهَا حَوَادِثَ، ابْتَدَأَهُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ إِلَى سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ خَصِيصًا عِنْدَ مُلُوكِ الْمَوْصِلِ، وَوَزَرَ لِبَعْضِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَأَقَامَ بِهَا فِي
পৃষ্ঠা - ১০৮৯৯
آخِرِ عُمْرِهِ مُوَقَّرًا مُعَظَّمًا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِهَا فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَأَمَّا أَخُوهُ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو السَّعَادَاتِ الْمُبَارَكُ فَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ " جَامِعِ الْأُصُولِ " وَغَيْرِهِ، وَأَخُوهُمَا الْوَزِيرُ ضِيَاءُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ كَانَ وَزِيرًا لِلْمَلِكِ الْأَفْضَلِ عَلِيِّ بْنِ النَّاصِرِ فَاتِحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ صَاحِبِ دِمَشْقَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَجَزِيرَةُ ابْنِ عُمَرَ قِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ مِنْ أَهْلِ بَرْقَعِيدَ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى ابْنَيْ عُمَرَ، وَهُمَا أَوْسٌ وَكَامِلٌ ابْنَا عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ الثَّعْلَبِيِّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. حَرَّرَ ذَلِكَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ابْنُ الْمُسْتَوْفِي الْإِرْبِلِيِّ، مُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُبَارَكِ بْنِ مَوْهُوبِ بْنِ غَنِيمَةَ بْنِ غَالِبٍ، الْعَلَّامَةُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو الْبَرَكَاتِ اللَّخْمِيُّ الْإِرْبِلِيُّ، كَانَ إِمَامًا فِي عُلُومٍ كَثِيرَةٍ; كَالْحَدِيثِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالْأَدَبِ وَالْحِسَابِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ وَفَضَائِلُ غَزِيرَةٌ، وَقَدْ بَسَطَ تَرْجَمَتَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ خَلِّكَانَ فِي الْوَفَيَاتِ، فَأَجَادَ وَأَفَادَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
পৃষ্ঠা - ১০৯০০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] وَفِيهَا عَمَّرَ الْأَشْرَفُ مَسْجِدَ جَرَّاحٍ ظَاهِرَ بَابِ الصَّغِيرِ. وَفِيهَا قَدِمَ رَسُولُ الْأَنْبِرُورِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ إِلَى الْأَشْرَفِ وَمَعَهُ هَدَايَا; مِنْهَا دُبٌّ أَبْيَضُ، شَعْرُهُ مِثْلُ شَعْرِ الْأَسَدِ، ذَكَرُوا أَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى الْبَحْرِ، فَيُخْرِجُ السَّمَكَ فَيَأْكُلُهُ، وَمِنْهَا طَاوُوسٌ أَبْيَضُ أَيْضًا. وَفِيهَا كَمَلَتْ عِمَارَةُ الْقَيْسَارِيَّةِ الَّتِي هِيَ قِبْلِيَّ النَّحَّاسِينَ، وَحُوِّلَ إِلَيْهَا سُوقُ الصَّاغَةِ، وَشَغَرَ سُوقُ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّاغَةُ الْعَتِيقَةُ عِنْدَ الْحَدَّادِينَ. وَفِيهَا جُدِّدَتِ الدَّكَاكِينُ الَّتِي بِالزِّيَادَةِ. قُلْتُ: وَقَدْ جُدِّدَتْ شَرْقِيَّ هَذِهِ الصَّاغَةِ الْجَدِيدَةِ قَيْسَارِيَّتَانِ فِي زَمَانِنَا، وَسَكَنَهَا الصُّوَّاغُ وَتُجَّارُ الذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ، وَهُمَا حَسَنَتَانِ، وَالْجَمِيعُ وَقْفُ الْجَامِعِ الْمَعْمُورِ. وَفِيهَا كَمَلَ بِنَاءُ الْمَدْرَسَةِ الْمُسْتَنْصِرِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَلَمْ تُبْنَ مَدْرَسَةٌ قَبْلَهَا مِثْلُهَا، وَوُقِفَتْ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ; مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ اثْنَانِ وَسِتُّونَ فَقِيهًا، وَأَرْبَعَةُ مُعِيدِينَ، وَمُدَرِّسٌ لِكُلِّ مَذْهَبٍ، وَشَيْخُ حَدِيثٍ، وَقَارِئَانِ، وَعَشَرَةُ مُسْتَمِعِينَ،
পৃষ্ঠা - ১০৯০১
وَشَيْخُ طِبٍّ وَعَشَرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الطِّبِّ، وَمَكْتَبٌ لِلْأَيْتَامِ، وَقُرِّرَ لِلْجَمِيعِ مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْحَلْوَى وَالنَّفَقَةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَافِرَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ خَامِسَ رَجَبٍ حُضِرَتِ الدُّرُوسُ بِهَا، وَحَضَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَنْصِرُ بِاللَّهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَأَهْلُ دَوْلَتِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالشُّعَرَاءِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَعُمِلَ سِمَاطٌ عَظِيمٌ بِهَا، أَكَلَ مِنْهُ الْحَاضِرُونَ، وَحُمِلَ مِنْهُ إِلَى سَائِرِ دُرُوبِ بَغْدَادَ مِنْ بُيُوتَاتِ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، وَخُلِعَ عَلَى جَمِيعِ الْمُدَرِّسِينَ بِهَا وَالْحَاضِرِينَ فِيهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّوْلَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُعِيدِينَ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَأَنْشَدَتِ الشُّعَرَاءُ الْخَلِيفَةَ الْمَدَائِحَ الْفًائِقَةَ وَالْقَصَائِدَ الرَّائِقَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ السَّاعِي فِي تَارِيخِهِ مُطَوَّلًا مَبْسُوطًا شَافِيًا كَافِيًا وَافِيًا، وَقُرِّرَ لِتَدْرِيسِ الشَّافِعِيَّةِ بِهَا الْإِمَامُ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَضْلَانَ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ رَشِيدُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْغَانِيُّ، وَلِلْحَنَابِلَةِ الْإِمَامُ الْعَالِمُ مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَدَرَّسَ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نِيَابَةً لِغَيْبَتِهِ فِي بَعْضِ الرِّسَالَاتِ إِلَى الْمُلُوكِ، وَدَرَّسَ لِلْمَالِكِيَّةِ يَوْمَئِذٍ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَالِمُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيُّ الْمَالِكِيُّ نِيَابَةً أَيْضًا حَتَّى يُعَيَّنَ شَيْخٌ غَيْرُهُ. وَوُقِفَتْ خَزَائِنُ كُتُبٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا فِي كَثْرَتِهَا وَحُسْنِ نُسَخِهَا وَجَوْدَةِ الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ بِهَا. وَكَانَ الْمُتَوَلِّيَ لِعِمَارَةِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ مُؤَيِّدُ الدِّينِ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلْقَمِيِّ الَّذِي وَزَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ إِذْ ذَاكَ أُسْتَاذَ دَارِ الْخِلَافَةِ،