আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৭৩৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] قَالَ أَبُو شَامَةَ: فِيهَا أُحْضِرَتِ الْأَوْتَادُ الْخَشَبُ الْأَرْبَعَةُ لِأَجْلِ قُبَّةِ نَسْرِ الْجَامِعِ، طُولُ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا بِالنَّجَّارِ. وَفِيهَا شُرِعَ فِي تَجْدِيدِ خَنْدَقِ بَابِ السِّرِّ الْمُقَابِلِ لِدَارِ الطُّعْمِ الْعَتِيقَةِ إِلَى جَانِبِ بَانَاسَ قُلْتُ: وَهِيَ إِصْطَبْلُ السُّلْطَانِ الْيَوْمَ، وَقَدْ نَقَلَ السُّلْطَانُ الْمُعَظَّمُ بِنَفْسِهِ التُّرَابَ، وَمَمَالِيكُهُ تَحْمِلُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْقَرَبُوسِ الْقِفَافَ مِنَ التُّرَابِ، فَيُفْرِغُونَهَا فِي الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ، وَكَذَلِكَ أَخُوهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَمَمَالِيكُهُ، يَعْمَلُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا. وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الشَّاغُورِ وَأَهْلِ الْعُقَيْبَةِ، اقْتَتَلُوا بِالرَّحْبَةِ وَالصَّيَارِفِ، فَرَكِبَ الْجَيْشُ مُلْبَسًا، وَجَاءَ السُّلْطَانُ الْمُعَظَّمُ بِنَفْسِهِ، فَحَبَسَ رُءُوسَهُمْ. وَفِيهَا رُتِّبَ بِالْمُصَلَّى خَطِيبٌ مُسْتَقِلٌّ، وَأَوَّلُ مَنْ بَاشَرَهَا الصَّدْرُ مُعِيدُ الْفَلَكِيَّةِ، ثُمَّ خَطَبَ بَعْدَهُ بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْيُسْرِ، ثُمَّ بَنُو حَسَّانَ، وَإِلَى الْآنَ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৪০
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ صَاحِبُ حَلَبَ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ غَازِيُّ بْنُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَسَدِّهِمْ سِيرَةً، وَلَكِنْ كَانَ فِيهِ عَسْفٌ وَيُعَاقِبُ عَلَى الذَّنْبِ سَرِيعًا شَدِيدًا، وَكَانَ يُكْرِمُ الْعُلَمَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، أَقَامَ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَحَضَرَ كَثِيرًا مِنَ الْغَزَوَاتِ مَعَ أَبِيهِ، وَكَانَ ذَكِيًّا، لَهُ رَأْيٌ جَيِّدٌ، وَعِبَارَةٌ سَادَّةٌ، وَفِطْنَةٌ حَسَنَةٌ، وَعُمِّرَ أَرْبَعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ الْمُلْكَ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ غِيَاثِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ، وَلَكِنَّهُ عَهِدَ إِلَى هَذَا مِنْ بَيْنِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بِنْتِ عَمِّهِ الْعَادِلِ، وَأَخْوَالُهُ الْأَشْرَفُ وَالْمُعَظَّمُ وَالْكَامِلُ وَجَدُّهُ الْعَادِلُ لَا يُنَازِعُونَهُ، وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً ; بَايَعَ لَهُ جَدُّهُ الْعَادِلُ وَخَالُهُ الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَخِلَاطَ، وَهَمَّ الْمُعَظَّمُ بِنَقْضِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ، وَقَامَ بِتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ الطَّوَاشِيُّ شِهَابُ الدِّينِ طُغْرِيلُ الرُّومِيُّ الْأَبْيَضُ، وَكَانَ دَيِّنًا عَاقِلًا عَادِلًا. وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ: الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عِصْمَةَ. الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ، وَحِيدُ عَصْرِهِ وَنَسِيجُ وَحْدِهِ، تَاجُ الدِّينِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৪১
أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَنَشَأَ بِهَا، وَاشْتَغَلَ وَحَصَّلَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَأَقَامَ بِهَا، وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي النَّحْوِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، وَعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَحُسْنِ الطَّرِيقَةِ وَالسِّيرَةِ وَحُسْنِ الْعَقِيدَةِ وَالسَّرِيرَةِ. وَانْتَفَعَ بِهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَخَضَعُوا لَهُ. وَكَانَ حَنْبَلِيًّا، ثُمَّ صَارَ حَنَفِيًّا. وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْعَالِي عَلَى الشُّيُوخِ الثِّقَاتِ، وَعُنِيَ بِذَلِكَ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ وَاللُّغَةَ، وَاشْتَهَرَ بِذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الشَّامِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَسَكَنَ مِصْرَ، وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي الْفَاضِلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دِمَشْقَ فَسَكَنَ بِدَرْبِ الْعَجَمِ مِنْهَا، وَحَظِيَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَالْمُلُوكُ وَأَبْنَاؤُهُمْ، كَانَ الْأَفْضَلُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ - وَهُوَ صَاحِبُ دِمَشْقَ - يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ وَأَخُوهُ الْمُحَسِّنُ، وَكَذَلِكَ الْمُعَظَّمُ فِي أَيَّامِهِ عَلَى مُلْكِ دِمَشْقَ، يَنْزِلُ إِلَيْهِ إِلَى دَرْبِ الْعَجَمِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي " الْمُفَصَّلِ " لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ يُعْطِي لِمَنْ حَفِظَ " الْمُفَصَّلَ " ثَلَاثِينَ دِينَارًا جَائِزَةً، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ بِدَرْبِ الْعَجَمِ جَمِيعُ الْمُصَدَّرِينَ بِالْجَامِعِ، كَالشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ السَّخَاوِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مُعْطِي، وَالْوَجِيهِ الْبَوْنِيِّ، وَالْفَخْرِ التُّرْكِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يُثْنِي عَلَيْهِ كَثِيرًا. قَالَ السَّخَاوِيُّ: كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ سِيبَوَيْهِ، وَقَدْ شَرَحْتُ عَلَيْهِ " كِتَابَهُ "، كَانَ اسْمَهُ عَمْرٌو، وَاسْمُ الشَّيْخِ أَبِي الْيُمْنِ زَيْدٌ، فَقُلْتُ فِي ذَلِكَ:
পৃষ্ঠা - ১০৭৪২
لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ عَمْرٍو مِثْلُهُ ... وَكَذَا الْكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرٍ فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا ... بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّهَّانِ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ: يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ ... نِعَمًا يُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِهَا الْأَمَلُ النَّحْوُ أَنْتَ أَحَقُّ الْعَالَمِينَ بِهِ ... أَلَيْسَ بِاسْمِكَ فِيهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ وَلِلسَّخَاوِيِّ فِيهِ قَصِيدَةٌ حَسَنَةٌ، وَكَذَلِكَ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْعَقِيدَةِ، ظَرِيفَ الْخُلُقِ طَرِيفًا، لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، وَلَهُ النَّوَادِرُ الْعَجِيبَةُ، وَالْخَطُّ الْمَلِيحُ، وَالشِّعْرُ الرَّائِقُ، وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ كَبِيرٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَادِسَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ ثَلَاثٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً وَشَهْرٌ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَدُفِنَ بِهَا. وَكَانَ قَدْ وَقَفَ كُتُبًا نَفِيسَةً - وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ مُجَلَّدًا - عَلَى مُعْتَقِهِ نَجِيبِ الدِّينِ يَاقُوتٍ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجُعِلَتْ فِي خِزَانَةٍ كَبِيرَةٍ بِمَقْصُورَةِ ابْنِ سِنَانَ الْحَنَفِيَّةِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَشْهَدِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ تَفَرَّقَتْ، وَأُبِيعَ كَثِيرٌ مِنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ بِالْخِزَانَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَهِيَ بِمَقْصُورَةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَتْ قَدِيمًا يُقَالُ لَهَا: مَقْصُورَةُ ابْنِ سِنَانَ. وَقَدْ تَرَكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نِعْمَةً وَافِرَةً،
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৩
وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَمَمَالِيكَ مُتَعَدِّدَةً مِنَ التُّرْكِ، وَقَدْ كَانَ رَقِيقَ الْحَاشِيَةِ، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، يُعَامِلُ الطَّلَبَةَ مُعَامَلَةً حَسَنَةً، فَلَمَّا كَبُرَ تَرَكَ الْقِيَامَ لَهُمْ، وَأَنْشَأَ اعْتِذَارًا: تَرَكْتُ قِيَامِي لِلصَّدِيقِ يَزُورُنِي ... وَلَا ذَنْبَ لِي إِلَّا الْإِطَالَةُ فِي عُمْرِي فَإِنْ بَلَغُوا مِنْ عَشْرِ تِسْعِينَ نِصْفَهَا ... تَبَيَّنَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ لَهُمْ عُذْرِي وَقَدْ أَسْلَفْنَا شَيْئًا مِنْ قِيلِهِ فِي قَتْلِ عُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْجِنَاسِ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ تَارِيخِهِ أَشْعَارًا حَسَنَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ يَمْدَحُ الْمَلِكَ الْمُظَفَّرَ شَاهِنْشَاهْ: وِصَالُ الْغَوَانِي كَانَ أَرْوَى وَأَرْوَجَا ... وَعَصْرُ التَّدَانِي كَانَ أَبْهَى وَأَبْهَجَا لَيَالِيَ كَانَ الْعُمْرُ أَحْسَنَ شَافِعٍ ... تَوَلَّى وَكَانَ اللَّهْوُ أَوْضَحَ مَنْهَجَا بَدَا الشَّيْبُ فَانْجَابَتْ طَمَاعِيَةُ الصِّبَا ... وَقُبِّحَ لِي مَا كَانَ يَسْتَحْسِنُ الْحِجَا بُلَهْنِيَةٌ وَلَّتْ كَأَنْ لَمْ أَكُنْ بِهَا ... بِهَا أَجْتَلِي وَجْهَ النَّعِيمِ مُسَرَّجَا وَلَا اخْتَلْتُ فِي بُرْدِ الشَّبَابِ مُجَرِّرًا ... ذُيُولِيَ إِعْجَابًا بِهِ وَتَبَرُّجَا أُغَازِلُ غَيْدَاءَ الْمَعَاطِفِ طَفْلَةً ... وَأَغْيَدَ مَعْسُولَ الْمَرَاشِفِ أَدْعَجَا
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৪
تَقَضَّتْ لَيَالِيهَا بِطِيبٍ كَأَنَّهُ ... لِتَقْصِيرِهِ مِنْهُنَّ يَخْتَطِفُ الدُّجَا فَإِنْ أُمْسِ مَكْرُوبَ الْفُؤَادِ حَزِينَهُ ... أُعَاقِرُ مِنْ دَنِّ الصَّبَابَةِ مَنْهَجَا وَحِيدًا عَلَى أَنِّي بِفَضْلِي مُتَيَّمٌ ... مَرُوعًا بِأَعْدَاءِ الْفَضَائِلِ مُزْعَجَا فَيَا رُبَّ ذِي وُدٍّ سَرَرْتُ وَسَرَّنِي ... وَأَبْهَجْتُهُ بِالصَّالِحَاتِ وَأَبْهَجَا وَيَا رُبَّ نَادٍ قَدْ شَهِدْتُ وَمَاجِدٍ ... شَدَهْتُ وَخَصْمٍ رُعْتُهُ فَتَلَجْلَجَا صَدَعْتُ بِفَضْلِي نَقْصَهُ فَتَرَكْتُهُ ... وَفِي قَلْبِهِ شَجْوٌ وَفِي حَلْقِهِ شَجَى كَأَنَّ بَيَانِي فِي مَسَامِعِ حُسَّدِي ... وَقَدْ ضَمَّ أَبْكَارَ الْمَعَانِي وَأَدْرَجَا حُسَامُ تَقِيِّ الدِّينِ فِي كُلِّ مَارِقٍ ... يَقُدُّ إِلَى الْأَرْضِ الْكَمِيَّ الْمُدَجَّجَا وَقَالَ يَمْدَحُ أَخَاهُ عِزَّ الدِّينِ فَرُّخْشَاهْ بْنَ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ: هَلْ أَنْتَ رَاحِمُ عَبْرَةٍ وَتَدَلُّهِ ... وَمُجِيرُ صَبٍّ عِنْدَ مَا مِنْهُ دُهِي هَيْهَاتَ يَرْحَمُ قَاتِلٌ مَقْتُولَهُ ... وَسِنَانُهُ فِي الْقَلْبِ غَيْرُ مُنَهْنَهِ مَنْ بَلَّ مِنْ دَاءِ الْغَرَامِ فَإِنَّنِي ... مُذْ حَلَّ بِيِ مَرَضُ الْهَوَى لَمْ أَنْقَهِ إِنِّي بُلِيتُ بِحُبِّ أَغْيَدَ سَاحِرٍ ... بِلِحَاظِهِ رَخْصِ الْبَنَانِ بَرَهْرَهِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৫
أَبْغِي شِفَاءَ تَدَلُّهِي مِنْ دلِّهِ ... وَمَتَى يَرِقُّ مُدَلَّلٌ لِمُدَلَّهِ كَمْ آهَةٍ لِي فِي هَوَاهُ وَأَنَّةٍ ... لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي عَلَيْهِ تَأَوُّهِي وَمَآرِبٍ فِي وَصْلِهِ لَوْ أَنَّهَا ... تُقْضَى لَكَانَتْ عِنْدَ مَبْسِمِهِ الشَّهِي يَا مُفْرَدًا بِالْحُسْنِ إِنَّكَ مُنْتَهٍ ... فِيهِ كَمَا أَنَا فِي الصَّبَابَةِ مُنْتَهِي قَدْ لَامَ فِيكَ مَعَاشِرٌ أَفَأَنْتَهِي ... بِاللَّوْمِ عَنْ حُبِّ الْحَيَاةِ وَأَنْتَ هِيَ أَبْكِي لَدَيْهِ فَإِنْ أَحَسَّ بِلَوْعَةٍ ... وَتَشَهُّقٍ أَوْمَا بِطَرْفِ مُقَهْقِهِ أَنَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَحَالِي عِنْدَهُ ... حَيْرَانُ بَيْنَ تَفَكُّرٍ وَتَفَكُّهِ ضِدَّانِ قَدْ جُمِعَا بَلَفْظٍ وَاحِدٍ ... لِي فِي هَوَاهُ بِمَعْنَيَيْنِ مُوَجَّهِ أَوَ لَسْتُ رَبَّ فَضَائِلٍ لَوْ حَازَ أَدْ ... نَاهَا وَمَا أَزْهَى بِهَا غَيْرِي زُهِي وَالَّذِي أَنْشَدَهُ تَاجُ الدِّينِ الْكِنْدِيُّ فِي قَتْلِ عُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ، حِينَ كَانَ مَالَأَ الْكَفَرَةَ وَالْمُلْحِدِينَ عَلَى قَتْلِ الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَعَوْدِ دَوْلَةِ الْفَاطِمِيِّينَ، فَظَهَرَ عَلَى أَمْرِهِ، فَصُلِبَ مَعَ مَنْ صُلِبَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ: عُمُارَةُ فِي الْإِسْلَامِ أَبْدَى خِيَانَةً ... وَحَالَفَ فِيهَا بَيْعَةً وَصَلِيبَا وَأَمْسَى شَرِيكَ الشِّرْكِ فِي بُغْضِ أَحْمَدَ ... وَأَصْبَحَ فِي حُبِّ الصَّلِيبِ صَلِيبَا وَكَانَ خَبِيثَ الْمُلْتَقَى إِنْ عَجَمْتَهُ ... تَجِدْ مِنْهُ عُودًا فِي النِّفَاقِ صَلِيبَا سَيَلْقَى غَدًا مَا كَانَ يَسْعَى لِأَجْلِهِ ... وَيُسْقَى صَدِيدًا فِي لَظًى وَصَلِيبَا وَلَهُ أَيْضًا:
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৬
صَحِبْنَا الدَّهْرَ أَيَّامًا حِسَانًا ... نَعُومُ بِهِنَّ فِي اللَّذَّاتِ عَوْمَا وَكَانَتْ بَعْدَ مَا وَلَّتْ كَأَنِّي ... لَدَى نُقْصَانِهَا حُلْمًا وَنَوْمَا أَنَاخَ بِيَ الْمَشِيبُ فَلَا بَرَاحٌ ... وَإِنْ أَوْسَعْتُهُ عَتْبًا وَلَوْمَا نَزِيلٌ لَا يَزَالُ عَلَى التَّنَائِي ... يَسُوقُ إِلَى الرَّدَى يَوْمًا فَيَوْمَا وَكُنْتُ أَعُدُّ لِي عَامًا فَعَامَا ... فَصِرْتُ أَعُدُّ لِي يَوْمًا فَيَوْمَا الْعِزُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيِّ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَأَسْمَعَهُ وَالِدُهُ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ بِنَفْسِهِ إِلَى بَغْدَادَ، وَقَرَأَ بِهَا مُسْنَدَ أَحْمَدَ، وَكَانَتْ لَهُ حَلْقَةٌ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْمُعَظَّمِ، وَكَانَ صَالِحًا دَيِّنًا وَرِعًا حَافِظًا، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَحِمَ أَبَاهُ. أَبُو الْفُتُوحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ الْجَلَاجِلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ فِي الرَّسْلِيَّةِ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالْمَلِكِ الْأَشْرَفِ بْنِ الْعَادِلِ، وَكَانَ عَاقِلًا دَيِّنًا ثِقَةً صَدُوقًا. الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْعَلَوِيُّ الْحَسَنِيُّ، نَقِيبُ الطَّالِبِيِّينَ بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ أَبِيهِ، كَانَ شَيْخًا أَدِيبًا فَاضِلًا عَالِمًا بِفُنُونٍ كَثِيرَةٍ، لَاسِيَّمَا بِالْأَنْسَابِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَشْعَارِهَا،
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৭
يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْهَا، وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، وَمِنْ لَطِيفِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: لِيَهْنِكَ سَمْعٌ لَا يُلَائِمُهُ الْعَذْلُ ... وَقَلْبٌ قَرِيحٌ لَا يَمَلُّ وَلَا يَسْلُو كَأَنَّ عَلَيَّ الْحُبَّ أَمْسَى فَرِيضَةً ... فَلَيْسَ لِقَلْبِي غَيْرُهُ أَبَدًا شُغْلُ وَإِنِّي لَأَهْوَى الْهَجْرَ مَا كَانَ أَصْلُهُ ... دَلَالًا وَلَوْلَا الْهَجْرُ مَا عَذُبَ الْوَصْلُ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الصُّدُودُ مَلَالَةً ... فَأَيْسَرُ مَا هَمَّ الْحَبِيبُ بِهِ الْقَتْلُ أَبُو عَلِيٍّ مَزِيدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَزِيدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَشْكَرِيِّ، الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ مِنْ أَهْلِ النُّعْمَانِيَّةِ، جَمَعَ لِنَفْسِهِ دِيوَانًا، أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ السَّاعِي قِطْعَةً مِنْ شِعْرِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: سَأَلْتُكِ يَوْمَ النَّوَى نَظْرَةً ... فَلَمْ تَسْمَحِي خَفَرًا لَا سَلَمْ وَأَعْجَبُ كَيْفَ تَقُولِينَ لَا ... وَوَجْهُكِ قَدْ خُطَّ فِيهِ نَعَمْ أَمَا النُّونُ يَا هَذِهِ حَاجِبٌ ... أَمَا الْعَيْنُ عَيْنٌ أَمَا الْمِيمُ فَمْ أَبُو الْفَضْلِ رَشْوَانُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ رَشْوَانَ الْكُرْدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالنَّقْفِ، وُلِدَ بِإِرْبِلَ، وَخَدَمَ جُنْدِيًّا، وَكَانَ أَدِيبًا شَاعِرًا خَدَمَ مَعَ الْمَلِكِ الْعَادِلِ وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: سَلِي عَنِّي الصَّوَارِمَ وَالرِّمَاحَا ... وَخَيْلًا تَسْبِقُ الْهُوجَ الرِّيَاحَا وَأُسْدًا جَيْشُهَا سُمْرُ الْعَوَالِي ... إِذَا مَا الْأُسْدُ حَاوَلَتِ الْكِفَاحَا
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৮
فَإِنِّي ثَابِتٌ عَقْلًا وَلُبًّا ... إِذَا مَا صَائِحٍ فِي الْحَرْبِ صَاحَا وَأُورِدُ مُهْجَتِي لُجَجَ الْمَنَايَا ... إِذَا مَاجَتْ وَلَمْ أَخَفِ الْجِرَاحَا وَكَمْ لَيْلٍ سَهِرْتُ وَبِتُّ فِيهِ ... أُرَاعِي النَّجْمَ أَرْتَقِبُ الصَّبَاحَا وَكَمْ فِي فَدْفَدٍ فَرَسِي وَنِضْوِي ... بِقَائِلَةِ الْهَجِيرِ غَدَا وَرَاحَا لِعَيْنِكِ فِي الْعَجَاجَةِ مَا أُلَاقِي ... وَأَثْبُتُ فِي الْكَرِيهَةِ لَا بَرَاحَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ هِبَةِ اللَّهِ أَبُو نَصْرٍ النَّحَّاسُ الْوَاسِطِيُّ كَتَبَ إِلَى السِّبْطِ مِنْ شِعْرِهِ: وَقَائِلَةٍ لَمَّا عَمَرْتُ وَصَارَ لِي ... ثَمَانُونَ عَامًا عِشْ كَذَا وَابْقَ وَاسْلَمِ وَدُمْ وَانْتَشِقْ رُوحَ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ ... لَأَطْيَبُ مِنْ بَيْتٍ بِصَعْدَةَ مُظْلِمِ فَقُلْتُ لَهَا عُذْرِي لَدَيْكِ مُمَهَّدٌ ... بِبَيْتِ زُهَيْرٍ فَاعْمَلِي وَتَعَلَّمِي سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ... ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا مَحَالَةَ يَسْأَمِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৪৯
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] فِي ثَالِثِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا كَمَلَ تَبْلِيطُ دَاخِلِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَجَاءَ الْمُعْتَمِدُ مُبَارِزُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ الْمُتَوَلِّي بِدِمَشْقَ، فَوَضَعَ آخِرَ بَلَاطَةٍ مِنْهُ بِيَدِهِ عِنْدَ بَابِ الزِّيَارَةِ، فَرَحًا بِذَلِكَ. وَفِيهَا زَادَتْ دِجْلَةُ بِبَغْدَادَ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ حَتَّى سَاوَى السُّورَ إِلَّا مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ، ثُمَّ طَفَحَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِهِ، وَأَيْقَنَ النَّاسُ بِالْهَلَكَةِ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ فَتَنَاقَصَ الْمَاءُ، وَذَهَبَتِ الزِّيَادَةُ وَقَدْ بَقِيَتْ بَغْدَادُ تُلُولًا، وَتَهَدَّمَتْ أَكْثَرُ الْبِنَايَاتِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِيهَا دَرَّسَ بِالنِّظَامِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَضْلَانَ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৫০
وَفِيهَا سَارَ الصَّدْرُ بْنُ حَمُّوَيْهِ فِي الرَّسْلِيَّةِ إِلَى بَغْدَادَ مِنَ الْعَادِلِ إِلَى الْخَلِيفَةِ. وَفِيهَا قَدِمَ وَلَدُهُ الْفَخْرُ مِنَ الْكَامِلِ إِلَى أَخِيهِ الْمُعَظَّمِ يَخْطُبُ مِنْهُ ابْنَتَهُ عَلَى ابْنِهِ أَقْسِيسَ صَاحِبِ الْيَمَنِ، فَعُقِدَ الْعَقْدُ بِدِمَشْقَ عَلَى صَدَاقٍ هَائِلٍ. وَفِيهَا قَدِمَ السُّلْطَانُ عَلَاءُ الدِّينِ خُوَارَزْمُ شَاهْ مُحَمَّدُ بْنُ تِكِشٍ إِلَى هَمَذَانَ قَاصِدًا إِلَى بَغْدَادَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَقِيلَ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ. فَاسْتَعَدَّ لَهُ الْخَلِيفَةُ، وَاسْتَخْدَمَ الْجُيُوشَ الْكَثِيرَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْمُلُوكِ السَّلَاجِقَةِ، وَأَنْ يُخْطَبَ لَهُ بِبَغْدَادَ عَلَى مَنَابِرِهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ الْخَلِيفَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الشَّيْخَ شِهَابَ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيَّ، فَلَمَّا وَصَلَ شَاهَدَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَظَمَةِ وَكَثْرَةِ الْمُلُوكِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي خَرْكَاهْ مِنْ ذَهَبٍ عَلَى سَرِيرٍ سَاذَجٍ، وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ بُخَارِيٌّ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى رَأْسِهِ جَلْدَةٌ مَا تُسَاوِي دِرْهَمًا، فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِنَ الْكِبْرِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْجُلُوسِ، فَقَامَ إِلَى جَانِبِ السَّرِيرِ، وَأَخَذَ فِي خُطْبَةٍ هَائِلَةٍ، فَذَكَرَ فِيهَا فَضْلَ بَنِي الْعَبَّاسِ وَشَرَفَهُمْ، وَأَوْرَدَ حَدِيثًا فِي النَّهْيِ عَنْ أَذَاهُمْ، وَالتُّرْجُمَانُ يُعِيدُ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ الْمَلِكُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ فَضْلِ الْخَلِيفَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنِّي إِذَا قَدِمْتُ بَغْدَادَ أَقَمْتُ مَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَمَا ذَكَرْتَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَذَاهُمْ، فَإِنِّي لَمْ أُوذِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَكِنَّ الْخَلِيفَةَ فِي سُجُونِهِ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ
পৃষ্ঠা - ১০৭৫১
يَتَنَاسَلُونَ فِي السُّجُونِ، فَهُوَ الَّذِي آذَى بَنِي الْعَبَّاسِ. ثُمَّ تَرَكَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ جَوَابًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَانْصَرَفَ السُّهْرَوَرْدِيُّ رَاجِعًا، وَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمَلِكِ وَجُنْدِهِ ثَلْجًا عَظِيمًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى طَمَّ الْخَرَاكِيَ وَالْخِيَامَ وَوَصَلَ إِلَى رُءُوسِ الْأَعْلَامِ، وَتَقَطَّعَتْ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلُهُمْ، وَعَمَّهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ خَائِبِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفِيهَا انْقَضَتِ الْهُدْنَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْعَادِلِ وَالْفِرِنْجِ، وَاتَّفَقَ قُدُومُ الْعَادِلِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَاجْتَمَعَ هُوَ وَوَلَدُهُ الْمُعَظَّمُ بِبَيْسَانَ، فَرَكِبَتِ الْفِرِنْجُ مِنْ عَكَّا وَمَقَدَّمُهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ مُلُوكُ السَّوَاحِلِ كُلُّهُمْ، وَسَاقُوا كُلُّهُمْ قَاصِدِينَ مُغَافَصَةَ الْعَادِلِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ فَرَّ مِنْهُمْ لِكَثْرَةِ جُيُوشِهِمْ وَقِلَّةِ مَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الْمُعَظَّمُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَتِ؟ فَشَتَمَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَقَالَ لَهُ: أَقْطَعْتَ الشَّامَ مَمَالِيكَكَ، وَتَرَكْتَ مَنْ يَنْفَعُنِي مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ. فَتَوَجَّهَ الْعَادِلُ إِلَى دِمَشْقَ، وَكَتَبَ إِلَى وَالِيهَا الْمُعْتَمِدِ لِيُحَصِّنَهَا مِنَ الْفِرِنْجِ، وَيَنْقُلَ إِلَيْهَا مِنَ الْغَلَّاتِ مِنْ دَارَيَّا إِلَى الْقَلْعَةِ، وَيُرْسِلَ الْمَاءَ عَلَى أَرَاضِي دَارَيَّا، وَقَصْرِ حَجَّاجٍ وَالشَّاغُورِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، وَابْتَهَلُوا إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ، وَكَثُرَ الضَّجِيجُ بِالْجَامِعِ، وَأَقْبَلَ السُّلْطَانُ، فَنَزَلَ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُلُوكِ الشَّرْقِ لِيَقْدَمُوا لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ صَاحِبُ حِمْصَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرْكُوهْ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ فَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْفَرَجِ، وَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى سِتِّ الشَّامِ بِدَارِهَا عِنْدَ الْمَارَسْتَانِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِهِ، وَلَمَّا قَدِمَ
পৃষ্ঠা - ১০৭৫২
أَسَدُ الدِّينِ سُرِّيَ عَنِ النَّاسِ وَأَمِنُوا، فَلَمَّا أَصْبَحَ تَوَجَّهَ إِلَى السُّلْطَانِ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، وَأَمَّا الْفِرِنْجُ فَإِنَّهُمْ وَرَدُوا إِلَى بَيْسَانَ، فَنَهَبُوا مَا كَانَ بِهَا مِنَ الْغَلَّاتِ وَالدَّوَابِّ، وَقَتَلُوا وَأَسَرُوا شَيْئًا كَثِيرًا، ثُمَّ عَاثُوا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ وَيَسُبُّونَ مَا بَيْنَ بَيْسَانَ إِلَى بَانِيَاسَ، وَخَرَجُوا إِلَى أَرَاضِي الْجَوْلَانِ إِلَى نَوَى وَخِسْفِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَرَاضِي، وَسَارَ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ، فَنَزَلَ عَلَى عَقَبَةِ اللَّبَنِ بَيْنَ الْقُدْسِ وَنَابُلُسَ خَوْفًا عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، ثُمَّ حَاصَرَ الْفِرِنْجُ حِصْنَ الطُّورِ حِصَارًا هَائِلًا، وَمَانَعَ عَنْهُ الَّذِينَ بِهِ مِنَ الْأَبْطَالِ مُمَانَعَةً هَائِلَةً، ثُمَّ كَرَّ الْفِرِنْجُ رَاجِعِينَ إِلَى عَكَّا، وَجَاءَ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ إِلَى الطُّورِ، فَخَلَعَ عَلَى الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ بِهِ، وَطَيَّبَ نُفُوسَهُمْ، ثُمَّ اتَّفَقَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى هَدْمِهِ، كَمَا سَيَأْتِي. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: الشَّيْخُ الْعِمَادُ، أَخُو الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُرُورٍ، الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ، كَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيهِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ بِسَنَتَيْنِ، وَقَدِمَ مَعَهُمْ إِلَى دِمَشْقَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَرَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ مَرَّتَيْنِ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ عَابِدًا زَاهِدًا وَرِعًا،
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৩
كَثِيرَ الصَّلَاةِ، كَثِيرَ الصِّيَامِ ; يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ فَقِيهًا مُفْتِيًا، لَهُ كِتَابُ الْفُرُوقِ، وَصَنَّفَ أَحْكَامًا وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِمِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ مَعَ الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ بِغَيْرِ مِحْرَابٍ، ثُمَّ وُضِعَ الْمِحْرَابُ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ يَؤُمُّ بِالنَّاسِ لِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَكَانَ صَائِمًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ بِدِمَشْقَ، فَأَفْطَرَ ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً، فَصَلَّى عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ عِنْدَ مُصَلَّاهُمْ، ثُمَّ صَعِدُوا بِهِ إِلَى السَّفْحِ، وَكَانَ يَوْمُ مَوْتِهِ يَوْمًا مَشْهُودًا مِنْ كَثْرَةِ الْخَلْقِ. قَالَ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: كَانَ الْخَلْقُ مِنَ الْكَهْفِ إِلَى مَغَارَةِ الدَّمِ إِلَى الْمَيْطُورِ، لَوْ بُدِرَ السِّمْسِمُ مَا وَقَعَ إِلَّا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَلَمَّا رَجَعْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَكَّرْتُ فِيهِ، وَقُلْتُ: كَانَ هَذَا رَجُلًا صَالِحًا، رُبَّمَا أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ حِينَ وُضِعَ فِي لَحْدِهِ. وَمَرَّ بِذِهْنِي أَبْيَاتُ الثَّوْرِيِّ الَّتِي أَنْشَدَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: نَظَرْتُ إِلَى رَبِّي كِفَاحًا فَقَالَ لِي ... هَنِيئًا رِضَائِي عَنْكَ يَا ابْنَ سَعِيدِ فَقَدْ كُنْتَ قَوَّامًا إِذَا أَقْبَلَ الدُّجَى بِعَبْرَةِ مُشْتِاقٍ وَقَلْبِ عَمِيدِ ... فَدُونَكَ فَاخْتَرْ أَيَّ قَصْرٍ أَرَدْتَهُ وَزُرْنِي فَإِنِّي مِنْكَ غَيْرُ بَعِيدِ ثُمَّ قُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْعِمَادُ رَأَى رَبَّهُ كَمَا رَآهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. فَنِمْتُ
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৪
فَرَأَيْتُ الشَّيْخَ الْعِمَادَ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ خَضْرَاءُ، وَعِمَامَةٌ خَضْرَاءُ، وَهُوَ فِي مَكَانٍ مُتَّسِعٍ كَأَنَّهُ رَوْضَةٌ، وَهُوَ يَرْقَى فِي دَرَجٍ مُتَّسِعَةٍ، فَقُلْتُ: يَا عِمَادَ الدِّينِ، كَيْفَ بِتَّ فَإِنِّي وَاللَّهِ مُفَكِّرٌ فِيكَ؟ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ عَلَى عَادَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ إِلَهِي حِينَ أُنْزِلْتُ حُفْرَتِي ... وَفَارَقْتُ أَصْحَابِي وَأَهْلِي وَجِيرَتِي وَقَالَ جُزِيتَ الْخَيْرَ عَنِّي فَإِنَّنِي ... رَضِيتُ فَهَا عَفْوِي لَدَيْكَ وَرَحْمَتِي دَأَبْتَ زَمَانًا تَأْمَلُ الْفَوْزَ وَالرِّضَا ... فَوُقِّيتَ نِيرَانِي وَلُقِّيتَ جَنَّتِي قَالَ: فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا مَذْعُورٌ، وَكَتَبْتُ الْأَبْيَاتَ. الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ: عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ بْنُ الْحَرَسْتَانِيِّ، قَاضِي الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ، وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ حَرَسْتَا، فَنَزَلَ دَاخِلَ بَابِ تُومَا، وَأَمَّ بِمَسْجِدِ الزَّيْنَبِيِّ، وَنَشَأَ وَلَدُهُ هَذَا نَشْأَةً حَسَنَةً، سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَشَارَكَ الْحَافِظَ ابْنَ عَسَاكِرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ بِمَقْصُورَةِ الْخَضِرِ، وَعِنْدَهَا كَانَ يُصَلِّي دَائِمًا، لَا تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ بِالْجَامِعِ، وَكَانَ
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৫
مَنْزِلُهُ بِالْحُوَيْرَةِ، وَدَرَسَ بِالْمُجَاهِدِيَّةِ، وَعُمِّرَ دَهْرًا طَوِيلًا عَلَى هَذَا الْقَدَمِ الصَّالِحِ، وَنَابَ فِي الْحُكْمِ عَنِ ابْنِ أَبِي عَصْرُونَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَلَزِمَ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهُ بِالْجَامِعِ، ثُمَّ عَزَلَ الْعَادِلُ الْقَاضِيَ ابْنَ الزَّكِيِّ الطَّاهِرَ بْنَ مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيَّ، وَأَلْزَمَ الْقَاضِي جَمَالَ الدِّينِ بْنَ الْحَرَسْتَانِيِّ هَذَا بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، وَلَهُ ثِنْتَانِ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَأَعْطَاهُ تَدْرِيسَ الْعَزِيزِيَّةِ. وَأَخَذَ التَّقْوِيَةَ أَيْضًا مِنِ ابْنِ الزَّكِيِّ، وَوَلَّاهَا فَخْرَ الدِّينِ بْنَ عَسَاكِرَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْقَهَ مِنِ ابْنِ الْحَرَسْتَانِيِّ، كَانَ يَحْفَظُ الْوَسِيطَ لِلْغَزَّالِيِّ. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْدَلِ الْقُضَاةِ وَأَقْوَمِهِمْ بِالْحَقِّ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. وَكَانَ ابْنُهُ عِمَادُ الدِّينِ يَخْطُبُ بِجَامِعِ دِمَشْقَ وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ الْأَشْرَفِيَّةِ يَنُوبُ عَنْهُ، وَكَانَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ بِمَدْرَسَتِهِ الْمُجَاهِدِيَّةِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ طَرَّاحَةً وَمَسْنَدًا لِأَجْلِ أَنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ ابْنُهُ يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا قَامَ أَبُوهُ جَلَسَ هُوَ مَكَانَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ عَزَلَ ابْنَهُ عَنْ نِيَابَتِهِ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُ، وَاسْتَنَابَ شَمْسَ الدِّينِ بْنَ الشِّيرَازِيِّ، وَكَانَ يَجْلِسُ تُجَاهَهُ فِي شَرْقِيِّ الْإِيوَانِ، وَاسْتَنَابَ مَعَهُ شَمْسَ الدِّينِ ابْنَ سُنِّيِّ الدَّوْلَةِ، وَبُنِيَتْ لَهُ دَكَّةٌ فِي الزَّاوِيَةِ الْقِبْلِيَّةِ بِغَرْبِ الْمَدْرَسَةِ، وَاسْتَنَابَ شَرَفَ الدِّينِ بْنَ الْمَوْصِلِيِّ الْحَنَفِيَّ، فَكَانَ يَجْلِسُ فِي مِحْرَابِ
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৬
الْمَدْرَسَةِ، وَاسْتَمَرَّ حَاكِمًا سَنَتَيْنِ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ السَّبْتِ رَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَهُ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، ثُمَّ دُفِنَ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ. الْأَمِيرُ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَكَّارِيُّ، بَانِي الْمَدْرَسَةِ الَّتِي بِالْقُدْسِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ، يَتَمَنَّى الشَّهَادَةَ دَائِمًا، فَقَتَلَهُ الْفِرِنْجُ بِحِصْنِ الطُّورِ هَذِهِ السَّنَةَ، فَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ بِمَامِلَا، وَتُرْبَتُهُ تُزَارُ إِلَى الْآنَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. الشُّجَاعُ مَحْمُودٌ الْمَعْرُوفُ بِالدِّمَاغِ كَانَ مِنْ أَصْدِقَاءِ الْعَادِلِ يُضْحِكُهُ، فَحَصَّلَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، كَانَتْ دَارُهُ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَجِ، فَجَعَلَتْهَا زَوْجَتُهُ عَائِشَةُ مَدْرَسَةً لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَوَقَفَتْ عَلَيْهَا أَوْقَافًا دَارَّةً. رَحِمَهَا اللَّهُ. الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ الْعَابِدَةُ الزَّاهِدَةُ شَيْخَةُ الْعَالِمَاتِ بِدِمَشْقَ، وَتُلَقَّبُ بِدُهْنِ اللَّوْزِ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৭
وَفِيهَا تُوُفِّيَتْ بِنْتُ بُورِيحَانَ، وَهِيَ آخِرُ بَنَاتِهِ وَفَاةً، وَجَعَلَتْ أَمْوَالَهَا وَقْفًا عَلَى تُرْبَةِ أُخْتِهَا بِنْتِ صَفِيَّةَ الْمَشْهُورَةِ.
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ] [الْأَحْدَاثُ الْوَاقِعَةُ فِيهَا] اسْتَهَلَّتْ وَالْعَادِلُ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ لِمُنَاجَزَةِ الْفِرِنْجِ، وَأَمَرَ وَلَدَهُ الْمُعَظَّمَ بِتَخْرِيبِ حِصْنِ الطُّورِ، فَخَرَّبَهُ وَنَقَلَ مَا فِيهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ إِلَى الْبُلْدَانِ خَوْفًا مِنَ الْفِرِنْجِ. وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ نَزَلَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ وَأَخَذُوا بُرْجَ السِّلْسِلَةِ فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا، وَهُوَ قُفْلُ بِلَادِ مِصْرَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِيهَا الْتَقَى الْمُعَظَّمُ وَالْفِرِنْجُ عَلَى الْقَيْمُونِ، فَكَسَرَهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا، وَأَسَرَ مِنَ الدَّاوِيَّةِ مِائَةً، فَأَدْخَلَهُمْ إِلَى الْقُدْسِ مُنَكَّسَةً أَعْلَامُهُمْ. وَفِيهَا جَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ بِبَلَدِ الْمَوْصِلِ بِسَبَبِ مَوْتِ مُلُوكِهَا أَوْلَادِ قَرَا أَرْسَلَانَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَتَغَلَّبَ غُلَامُ أَبِيهِمْ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ عَلَى الْأُمُورِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَقْتُلُهُمْ فِي الْبَاطِنِ لِيَسْتَحْوِذَ هُوَ عَلَى الْأُمُورِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهَا أَقْبَلَ مَلِكُ الرُّومِ كَيْكَاوُسُ بْنُ كَيْخُسْرُو يُرِيدُ أَخْذَ مَمْلَكَةِ حَلَبَ،
পৃষ্ঠা - ১০৭৫৯
وَسَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَفْضَلُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ صَاحِبُ سُمَيْسَاطَ، فَصَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ، وَقَهَرَ مَلِكَ الرُّومِ، وَكَسَرَ جَيْشَهُ، وَرَدَّهُ خَائِبًا. وَفِيهَا تَمَلَّكَ الْأَشْرَفُ مَدِينَةَ سِنْجَارَ مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْمَمَالِكِ هُنَالِكَ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَيُّوبَ، فَأَخَذَتِ الْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - ثَغْرَ دِمْيَاطَ، ثُمَّ رَكِبُوا، وَقَصَدُوا بِلَادَ مِصْرَ مِنْ ثَغْرِ دِمْيَاطَ، فَحَاصَرُوهُ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْكَامِلُ مُحَمَّدٌ يُقَاتِلُهُمْ وَيُمَانِعُهُمْ وَيَصُدُّهُمْ عَمَّا يُرِيدُونَهُ، فَتَمَلَّكُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بُرْجَ السِّلْسِلَةِ، وَهُوَ كَالْقُفْلِ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَصِفَتُهُ فِي وَسَطِ جَزِيرَةٍ فِي النِّيلِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنْ هَذَا الْبُرْجِ إِلَى دِمْيَاطَ - وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَحَافَّةِ النِّيلِ - سِلْسِلَةٌ، وَمِنْهُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَعَلَيْهِ الْجِسْرُ - سِلْسِلَةٌ أُخْرَى، لِيَمْنَعَ دُخُولَ الْمَرَاكِبِ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى النَّيْلِ، فَلَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ، فَلَمَّا مَلَكَتِ الْفِرِنْجُ هَذَا الْبُرْجَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِدِيَارِ مِصْرَ وَغَيْرِهَا، وَحِينَ وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ وَهُوَ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، تَأَوَّهَ لِذَلِكَ تَأَوُّهًا شَدِيدًا، وَدَقَّ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ أَسَفًا وَحُزْنًا، وَمَرِضَ مِنْ سَاعَتِهِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَابِعَ جُمَادَى الْآخِرَةِ تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَرْيَةِ عَالِقِينَ، فَجَاءَ وَلَدُهُ الْمُعَظَّمُ مُسْرِعًا، فَجَمَعَ حَوَاصِلَهُ، وَأَرْسَلَهُ فِي