আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৬০৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا جَمَعَتِ الْفِرِنْجُ جُمُوعَهَا وَأَقْبَلُوا فَحَاصَرُوا تِبْنِينَ، فَاسْتَدْعَى الْعَادِلُ بَنِي أَخِيهِ لِقِتَالِهِمْ، فَجَاءَهُ الْعَزِيزُ مِنْ مِصْرَ وَالْأَفْضَلُ مِنْ صَرْخَدَ فَأَقْلَعَتِ الْفِرِنْجُ عَنِ الْحِصْنِ وَبَلَغَهُمْ مَوْتُ مَلِكِ الْأَلْمَانِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْعَادِلِ الْهُدْنَةَ وَالْأَمَانَ، فَهَادَنَهُمْ وَرَجَعَتِ الْمُلُوكُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، وَقَدْ عَظُمَ الْمُعَظَّمُ عِيسَى بْنُ الْعَادِلِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَاسْتَنَابَهُ أَبُوهُ عَلَى دِمَشْقَ وَسَارَ إِلَى مُلْكِهِ بِالْجَزِيرَةِ فَأَحْسَنَ فِيهِمُ السِّيرَةَ. وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ السُّلْطَانُ صَاحِبُ سِنْجَارَ وَغَيْرِهَا مِنِ الْمَدَائِنِ الْكِبَارِ، وَهُوَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِيُّ بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ الْأَتَابِكِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ وَأَحْسَنِهِمْ شَكْلًا وَسِيرَةً، وَأَجْوَدِهِمْ طَوِيَّةً وَسَرِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُبْخَّلُ، وَكَانَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لِلْعُلَمَاءِ، وَلَا سِيَّمَا الْحَنَفِيَّةَ، وِقَدِ ابْتَنَى لَهُمْ مَدْرَسَةً بِسِنْجَارَ، وَشَرَطَ لَهُمْ طَعَامًا يُطْبَخُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَهَذَا نَظَرٌ حَسَنٌ، وَالْفَقِيهُ أَوْلَى بِهَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنَ الْفَقِيرِ ; لِاشْتِغَالِ الْفَقِيهِ بِتَكْرَارِهِ وَمُطَالَعَتِهِ عَنِ الْفِكْرِ فِيمَا يُقِيتُهُ، فَعَدَا عَلَى أَوْلَادِهِ ابْنُ عَمِّهِ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ فَأَخَذَ الْمُلْكَ مِنْهُمْ، فَاسْتَغَاثَ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৭
بَنُوهُ بِالْمَلِكِ الْعَادِلِ، فَرَدَّ فِيهِمُ الْمُلْكَ وَدَرَأَ عَنْهُمُ الضَّيْمَ، وَاسْتَقَرَّتِ الْمَمَلَكَةُ لِوَلَدِهِ قُطْبِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ سَارَ الْعَادِلُ إِلَى مَارِدِينَ فَحَاصَرَهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَوْلَى عَلَى رَبَضِهَا وَمُعَامَلَتِهَا، وَأَعْجَزَتْهُ قَلْعَتُهَا فَصَافَ عَلَيْهَا وَشَتَا، وَمَا ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ تَمَلَّكَهَا ; حَتَّى هَنَّتْهُ الشُّعَرَاءُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَثْبُوتًا وَلَا مُقَدَّرًا. وَفِيهَا مَلَكَتِ الْغُورُ مَدِينَةَ بَلْخَ وَكَسَرُوا الْخِطَا وَقَهَرُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ وَتَوَقَّعُوا بِإِرْسَالِ الْخَلِيفَةِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْنَعُوا خُوَارِزْمَ شَاهْ مِنْ دُخُولِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرُومُ أَنْ يُخْطَبَ لَهُ بِبَغْدَادَ. وَفِيهَا حَاصَرَ خُوَارِزْمُ شَاهْ مَدِينَةَ بُخَارَا فَفَتَحَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَقَدْ كَانَتِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ دَهْرًا وَنَصَرَهُمُ الْخِطَا فَقَهَرَهُمْ جَمِيعًا وَأَخَذَهَا عَنْوَةً، وَعَفَا عَنْ أَهْلِهَا وَصَفَحَ عَنْهُمْ، وَقَدْ كَانُوا أَلْبَسُوا كَلْبًا أَعْوَرَ قَبَاءً وَسَمَّوْهُ خُوَارِزْمَ شَاهْ، وَرَمَوْهُ فِي الْمَنْجَنِيقِ إِلَى الْخُوَارِزْمِيَّةِ، وَقَالُوا: هَذَا مَلِكُكُمْ. وَكَانَ خُوَارِزْمُ شَاهْ أَعْوَرَ، فَلَمَّا قَدِرَ عَلَيْهِمْ عَفَا عَنْهُمْ، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ: الْقِوَامُ بْنُ زَبَادَةَ كَاتِبُ الْإِنْشَاءِ بِبَابِ الْخِلَافَةِ، وَهُوَ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَبَادَةَ، قِوَامُ الدِّينِ، انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ التَّرَسُّلِ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৮
وَالْإِنْشَاءِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ فِي زَمَانِهِ بِالْعِرَاقِ، وَلَهُ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَخَذَهُ عَنِ ابْنِ فَضْلَانَ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالْأَصْلَيْنِ وَالْحِسَابِ وَاللُّغَةِ وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَقَدْ وَلِيَ عِدَّةَ مَنَاصِبَ، كَانَ مَشْكُورًا فِي جَمِيعِهَا، وَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: لَا تَحْقِرَنَّ عَدُوًّا تَزْدَرِيهِ فَكَمْ ... قَدْ أَتْعَسَ الدَّهْرُ جَدَّ الْجِدِّ بِاللَّعِبِ فَهَذِهِ الشَّمْسُ يَعْرُوهَا الْكُسُوفُ لَهَا ... عَلَى جَلَالَتِهَا بِالرَّأْسِ وَالذَّنَبِ وَقَوْلُهُ: بِاضْطِرَابِ الزَّمَانِ تَرْتَفِعُ الْأَنْ ... ذَالُ فِيهِ حَتَّى يَعُمَّ الْبَلَاءُ وَكَذَا الْمَاءُ رَاكِدٌ فِإِذَا ... حُرِّكَ ثَارَتْ مِنْ قَعْرِهِ الْأَقْذَاءُ وَلَهُ أَيْضًا: قَدْ سَلَوْتُ الدُّنْيَا وَلَمْ يَسْلُهَا ... مَنْ عَلَقَتْ فِي آمَالِهِ وَالْأَرَاجِي فَإِذَا مَا صَرَفْتُ وَجْهِي عَنْهَا ... قَذَفُونِي فِي بَحْرِهَا الْعَجَاجِ يَسْتَضِيئُونَ بِي وَأَهْلِكُ وَحْدِي ... فَكَأَنِّي ذُبَالَةٌ فِي سِرَاجِ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَهُ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَ عِنْدَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ. الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ جَابِرِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَطَائِحِيُّ. قَدِمَ بَغْدَادَ
পৃষ্ঠা - ১০৬০৯
فَتَفَقَّهَ بِهَا وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَأَقَامَ بِرَحْبَةِ مَالِكِ بْنِ طَوْقٍ مُدَّةً يَشْتَغِلُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّبِيهِ الْفَرَضِيِّ ثُمَّ وَلِيَ قَضَاءَ الْعِرَاقِ مُدَّةً، وَكَانَ أَدِيبًا، وَقَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّبِيهِ يُنْشِدُ لِنَفْسِهِ مُعَارِضًا لِلْحَرِيرِيِّ فِي بَيْتَيْهِ اللَّذَيْنِ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَا يُعَزَّزَانِ بِثَالِثٍ لَهُمَا، وَهُمَا قَوْلُهُ: سِمْ سِمَةً يُحْمَدُ آثَارُهَا ... وَاشْكُرْ لِمَنْ أَعْطَى وَلَوْ سِمْسِمَهْ وَالْمَكْرُ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ لَا تَأْتَهِ ... لِتَقْتَنِيَ السُّؤْدُدَ وَالْمَكْرُمَهْ فَقَالَ ابْنُ النَّبِيهِ: مَا الْأَمَةُ الْوَكْعَاءُ بَيْنَ الْوَرَى ... أَحْسَنُ مِنْ حُرٍّ أَتَى مَلَأَمَهْ فَمَهْ إِذَا اسْتُجْدِيتَ عَنْ قَوْلِ لَا ... فَالْحُرُّ لَا يَمْلَأُ مِنْهَا فَمَهْ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ جُرْدَيْكُ كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَانِ نُورِ الدِّينِ، وَكَانَ مِمَّنْ شَرِكَ فِي قَتْلِ شَاوِرٍ، وَحَظِيَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ، وِقَدِ اسْتَنَابَهُ عَلَى الْقُدْسِ حِينَ افْتَتَحَهَا، وَكَانَ يَسْتَنْدِبُهُ لِلْمُهِمَّاتِ الْكِبَارِ فَيَسُدُّهَا بِنَهْضَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَلَمَّا وَلِيَ الْأَفْضَلُ عَزَلَهُ عَنْ بَيْتِ الْمَقَدْسِ، فَتَرَكَ بِلَادَ الشَّامِ وَانْتَقَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَمَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৬১০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنِ الْأَحْدَاثِ] وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلَكِ الْعَزِيزِ صَاحِبِ مِصْرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنِ الْمُحَرَّمِ، سَاقَ خَلْفَ ذِئْبٍ، فَكَبَا بِهِ الْفَرَسُ فَسَقَطَ عَنْهُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْبَلَدِ، فَنُقِلَ وَدُفِنَ بِدَارِهِ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى عِنْدِ تُرْبَةِ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً؛ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى إِخْرَاجِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ بَلَدِهِ، وَيَكْتُبُ إِلَى بَقِيَّةِ إِخْوَتِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَشَاعَ ذَلِكَ عَنْهُ وَسُمِعَ مِنْهُ وَذَاعَ وَصُرِّحَ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعَلِّمِيهِ وَخُلَطَائِهِ وَعُشَرَائِهِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، وَقِلَّةِ عِلْمِهِ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ عَظُمَ قَدْرُ الْحَنَابِلَةِ بِدِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ. وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ صَالِحِيهِمْ دَعَا عَلَيْهِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ، فَكَانَ هَلَاكُهُ سَرِيعًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ كِتَابَ التَّعْزِيَةِ بِالْعَزِيزِ إِلَى عَمِّهِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مُحَاصَرَةِ مَارِدِينَ وَمَعَهُ الْعَسَاكِرُ، وَوَلَدُهُ مُحَمَّدٌ الْكَامِلُ، وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ الْمُقَارِبَةِ لِبِلَادِ الْحِيرَةِ، وَصُورَةُ الْكِتَابِ: أَدَامَ اللَّهُ سُلْطَانَ مَوْلَانَا الْمَلِكِ
পৃষ্ঠা - ১০৬১১
الْعَادِلِ، وَبَارَكَ فِي عُمْرِهِ وَأَعْلَا أَمْرَهُ بِأَمْرِهِ، وَأَعَزَّ نَصْرَ الْإِسْلَامِ بِنَصْرِهِ، وَفَدَتِ الْأَنْفُسُ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ، وَأَصْغَرَ اللَّهُ الْعَظَائِمَ بِنِعَمِهِ فِيهِ الْعَظِيمَةِ، وَأَحْيَاهُ حَيَاةً طَيِّبَةً يَقِفُ فِيهَا هُوَ وَالْإِسْلَامُ فِي مَوَاقِفِ الْفُتُوحِ الْجَسِيمَةِ، وَيَنْقَلِبُ عَنْهَا بِالْأُمُورِ الْمُسْلِمَةِ وَالْعَوَاقِبِ السَّلِيمَةِ، وَلَا نَقَصَ لَهُ رِجَالًا وَلَا عَدَدًا، وَلَا أَعْدَمَهُ نَفْسًا وَلَا وَلَدًا، وَلَا قَصَّرَ لَهُ ذَيْلًا وَلَا يَدًا، وَلَا أَسْخَنَ لَهُ قَلْبًا وَلَا كَبِدًا، وَلَا كَدَّرَ لَهُ خَاطِرًا وَلَا مَوْرِدًا، وَلَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ مَا قَدَّرَ فِي الْمَلِكِ الْعَزِيزِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَتَحِيَّاتُهُ مُكَرَّرَةٌ إِلَيْهِ مِنَ انْقِضَاءِ مُهْلِهِ وَحُضُورِ أَجَلِهِ، كَانَتْ بَدِيهَةُ الْمُصَابِ عَظِيمَةً، وَطَالِعَةُ الْمَكْرُوهِ أَلِيمَةً، فَرَحِمَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوَجْهَ وَنَضَّرَهُ، ثُمَّ إِلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ يَسَّرَهُ وَإِذَا مَحَاسِنُ أَوْجُهٍ بَلِيَتْ ... فَعَفَا الثَّرَى عَنْ وْجِهِهِ الْحَسَنِ فَأَعَزِزْ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ بَلْ عَلَى قَلْبِ مَوْلَانَا، لَا سَلَبَهُ ثِيَابَ الْعَزَاءِ، لِسُرْعَةِ مَصْرَعِهِ وَانْقِلَابِهِ إِلَى مَضْجَعِهِ، وَلِبَاسِهِ ثَوْبَ الْبَلِي قَبْلَ أَنْ يَبْلَى ثَوْبُ الشَّبَابِ، وَزَفَّهُ إِلَى التُّرَابِ وَسَرِيرُهُ مَحْفُوفٌ بِاللَّذَّاتِ وَالْأَتْرَابِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ الْمَرَضِ بَعْدَ الْعُودِ مِنَ الْفَيُّومِ أُسْبُوعَيْنِ، وَكَانَتْ فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَحَدِ الْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَالْمَمْلُوكُ فِي حَالِ تَسْطِيرِهَا مَجْمُوعٌ بَيْنَ مَرَضِ قَلْبٍ وَجَسَدٍ وَوَجَعِ أَطْرَافٍ وَغَلِيلِ كَبِدٍ، وَقَدْ فُجِعَ بِهَذَا الْمَوْلَى، وَالْعَهْدُ بِوَالِدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ بَعِيدٍ، وَالْأَسَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَدِيدٍ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ الْعَزِيزُ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، خَلَّفَ مِنَ الْوَلَدِ عَشَرَةَ ذُكُورٍ، فَعَمَدَ أُمَرَاؤُهُ فَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا، وَلَقَّبُوهُ بِالْمَنْصُورِ، وَجُمْهُورُ الْأُمَرَاءِ فِي الْبَاطِنِ مَائِلُونَ إِلَى تَمْلِيكِ الْعَادِلِ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا مَكَانَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْأَفْضَلِ وَهُوَ بِصَرْخَدَ فَأَحْضَرُوهُ عَلَى الْبَرِيدِ سَرِيعًا، فَلَمَّا حَصَلَ عِنْدَهُمْ مُنِعَ رِفْدُهُمْ، وَوَجَدُوا الْكَلِمَةَ
পৃষ্ঠা - ১০৬১২
مُخْتَلِفَةً عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَخَامَرَ عَلَيْهِ أَكَابِرُ الْأُمَرَاءِ النَّاصِرِيَّةِ، وَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِ مِصْرَ فَأَقَامُوا فِي بَيْتِ الْمَقَدْسِ وَأَرْسَلُوا يَسْتَحِثُّونَ الْجُيُوشَ الْعَادِلِيَّةِ، فَأَقَرَّ ابْنُ أَخِيهِ عَلَى السَّلْطَنَةِ، وَنَوَّهَ بِاسْمِهِ عَلَى السِّكَّةِ وَالْخُطْبَةِ فِي سَائِرِ مَا هُنَالِكَ مِنِ الْمَمْلَكَةِ، لَكِنِ اسْتَفَادَ بِهَذِهِ السَّفْرَةِ أَنْ أَخَذَ جَيْشًا كَثِيفًا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَأَقْبَلَ بِهِمْ لِيَسْتَرِدَّ دِمَشْقَ فِي غَيْبَةِ عَمِّهِ بِمُحَاصَرَةِ مَارِدِينَ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أَخِيهِ صَاحِبِ حَلَبَ وَابْنِ عَمِّهِ مَلِكِ حِمْصَ أَسَدِ الدِّينِ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهَا وَنَزَلَ حَوَالَيْهَا، قَطَعَ أَنْهَارَهَا وَعَقَرَ أَشْجَارَهَا وَقَلَّلَ ثِمَارَهَا وَنَزَلَ بِمُخَيَّمِهِ عَلَى مَسْجِدِ الْقَدِمِ، وَقَدْ لَحِقَهُ الْأَسَفُ وَالنَّدَمُ، وَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الظَّاهِرُ وَابْنُ عَمِّهِ الْأَسَدُ الْكَاسِرُ وَاللَّيْثُ الْكَاشِرُ وَجَيْشُ حَمَاةَ، فَكَثُرَ جَيْشُهُ وَقَوِيَ الْأَفْضَلُ بْنُ النَّاصِرِ، وَقَدْ دَخَلَ جَيْشُهُ إِلَى الْبَلَدِ، وَنَادَوْا بِشِعَارِهِ، فَلَمْ يُتَابِعْهُمْ مِنَ الْعَامَّةِ أَحَدٌ وَأَقْبَلَ الْعَادِلُ مِنْ مَارِدِينَ بِعَسَاكِرِهِ، وِقَدِ الْتَفَّ عَلَيْهِ طَائِفَةُ بَنِي أَخِيهِ وَأَمَدَّهُ كُلُّ مِصْرٍ بِأَكَابِرِهِ، وَسَبَقَ الْأَفْضَلُ إِلَى دِمَشْقَ بِيَوْمَيْنِ فَحَصَّنَهَا وَحَفِظَهَا مِنْ كُلِّ حَاسِدٍ وَذِي عَيْنَيْنِ، وِقَدِ اسْتَنَابَ عَلَى مَارِدِينَ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا الْكَامِلَ رَئِيسَ السَّلَاطِينِ. وَلَمَّا دَخَلَ دِمَشْقَ خَامَرَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَرَاءِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَضَعُفَ أَمْرُ الْأَفْضَلِ وَيَئِسَ مِنْ بِرِّهِمْ وَخَيْرِهِمْ، فَأَقَامَ مُحَاصِرًا الْبَلَدَ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى انْسَلَخَ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ انْفَصَلَ الْحَالُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الْآتِيَةِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا شَرَعَ فِي بِنَاءِ سُورِ بَغْدَادَ بِالْآجُرِّ وَالْكِلْسِ، وَفَرَّقَ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَكَمَلَتْ عِمَارَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ، فَأَمِنَتْ بَغْدَادُ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحِصَارِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ قَبْلَ ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ১০৬১৩
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ الْكَبِيرُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ ، صَاحِبُ الْمَغْرِبِ وَالْأَنْدَلُسِ بِمَدِينَتِهِ سَلَا، وَكَانَ قَدِ ابْتَنَى عِنْدَهَا مَدِينَةً مَلِيحَةً سَمَّاهَا الْمَهْدِيَّةَ، وَقَدْ كَانَ دَيِّنًا حَسَنَ السِّيرَةِ، صَحِيحَ السَّرِيرَةِ، وَكَانَ مَالِكِيَّ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ صَارَ ظَاهِرِيًّا حَزْمِيًّا، ثُمَّ مَالَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَقْضَى فِي بَعْضِ بِلَادِهِ مِنْهُمْ قُضَاةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ مُلْكِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ كَثِيرَ الْجِهَادِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكَانَ قَرِيبًا إِلَى الْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْهِ صَلَاحُ الدِّينِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَى الْفِرِنْجِ، فَلَمَّا لَمْ يُخَاطِبْهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ، وَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدٌ، فَسَارَ كَسِيرَةِ وَالِدِهِ، وَرَجَعَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْبُلْدَانِ اللَّاتِي كَانَتْ قَدْ عَصَتْ عَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ تَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْأَهْوَاءُ، وَبَادَ هَذَا الْبَيْتُ بَعْدَ الْمَلِكِ يَعْقُوبَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ادَّعَى رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَأَمَرَ الْأَمِيرُ صَارِمُ الدِّينِ بُزْغُشُ نَائِبُ الْقَلْعَةِ، بِصَلْبِهِ فَصُلِبَ عِنْدَ حَمَّامِ الْعِمَادِ الْكَاتِبِ، خَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ مُقَابِلَ الطَّاحُونِ الَّتِي بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَقَدْ بَادَ هَذَا الْحَمَّامُ قَدِيمًا، وَبَعْدَ صَلْبِهِ بِيَوْمَيْنِ ثَارَتِ الْعَامَّةُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَعَمَدُوا إِلَى قَبْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِبَابِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ: وَثَّابٌ. فَنَبَشُوهُ وَصَلَبُوهُ مَعَ كَلْبَيْنِ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْهَا.
পৃষ্ঠা - ১০৬১৪
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ كَبِيرَةٌ بِبِلَادِ خُرَاسَانَ وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ فَخْرَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ الرَّازِيَّ أُسْتَاذَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي زَمَانِهِ وَفَدَ إِلَى الْمَلِكِ غِيَاثِ الدِّينِ الْغُورِيِّ صَاحِبِ غَزْنَةَ، فَأَكْرَمَهُ وَبَنَى لَهُ مَدْرَسَةً بِهَرَاةَ، وَكَانَ أَكْثَرُ الْغُورِيَّةِ كَرَّامِيَّةً ; فَأَبْغَضُوا الرَّازِيَّ وَأَحَبُّوا إِبْعَادَهُ عَنِ الْمَلِكِ، فَجَمَعُوا لَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، وَخَلْقًا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَضَرَ ابْنُ الْقَدْوَةِ، وَكَانَ شَيْخًا مُعَظَّمًا فِي النَّاسِ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ كِرَامٍ وَابْنِ الْهَيْصَمِ، فَتَنَاظَرَ هُوَ وَالرَّازِيُّ، وَخَرَجَا مِنَ الْمُنَاظَرَةِ إِلَى السَّبِّ وَالشَّتْمِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَقَامَ وَاعِظٌ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا لَا نَقُولُ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا عِلْمُ أَرِسْطَاطَالِيسَ وَكُفْرِيَّاتُ ابْنِ سِينَا وَفَلْسَفَةُ الْفَارَابِيِّ، فَلَا نَعْلَمُهَا، وَلِأَيِّ حَالٍ يُشْتَمُ بِالْأَمْسِ شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ الْإِسْلَامِ، يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. قَالَ: فَبَكَى النَّاسُ وَضَجُّوا، وَبَكَتِ الْكَرَّامِيَّةُ وَاسْتَغَاثُوا، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ خَوَاصِّ النَّاسِ، وَأَنْهَوْا إِلَى الْمَلِكِ صُورَةَ مَا وَقَعَ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الرَّازِيِّ مِنْ بِلَادِهِ، وَعَادَ إِلَى هَرَاةَ ; فَلِهَذَا أُشْرِبَ قَلْبُ الرَّازِيِّ بُغْضَ الْكَرَّامِيَّةِ، وَصَارَ يَلْهَجُ بِهِمْ فِي كَلَامِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ، وَكُلَّمَا هَبَّتِ الصَّبَا. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ الرِّضَا عَنِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، شَيْخِ الْوُعَّاظِ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدِهِ، وَقَدْ كَانَ أُخْرِجُ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطٍ فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِينَ فَانْتَفَعَ بِهِ أَهْلُهَا وَاشْتَغَلُوا عَلَيْهِ وَاسْتَفَادُوا مِنْهُ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى بَغْدَادَ خَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى عَادَتِهِ عِنْدَ التُّرْبَةِ الشَّرِيفَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِقَبْرِ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، فَكَثُرَ الْجَمْعُ جِدًّا، وَحَضَرَ الْخَلِيفَةُ، وَأَخَذَ فِي الْعِتَابِ، وَأَنْشَدَ يَوْمَئِذٍ فِيمَا يُخَاطِبُ بِهِ الْخَلِيفَةَ: لَا تُعْطِشِ الرَّوْضَ الَّذِي نَبْتُهُ ... بِصَوْبِ إِنْعَامِكَ قَدْ رُوِّضَا
পৃষ্ঠা - ১০৬১৫
لَا تَبْرِ عُودًا أَنْتَ قَدْ رِشْتَهُ ... حَاشَا لِبَانِي الْمَجْدِ أَنْ يَنْقُضَا إِنْ كَانَ لِي ذَنْبٌ وَلَمْ آتِهِ ... فَاسْتَأْنِفِ الْعَفْوَ وَهَبْ لِي الرِّضَا قَدْ كُنْتُ أَرْجُوكَ لِنَيْلِ الْمُنَى ... فَالْيَوْمَ لَا أَطْلُبُ إِلَّا الرِّضَا وَمِمَّا أَنْشَدُهُ يَوْمَئِذٍ: شَقِينَا بِالنَّوَى زَمَنًا فَلَمَّا ... تَلَاقَيْنَا كَأَنَّا مَا شَقِينَا سَخِطْنَا عِنْدَمَا جَنَتِ اللَّيَالِي ... وَمَا زَالَتْ بِنَا حَتَّى رَضِينَا وَمَنْ لَمْ يَحْيَ بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمًا ... فَإِنَّا بَعْدَ مَا مِتْنَا حَيِينَا وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَدْعَى الْخَلِيفَةُ النَّاصِرُ قَاضِيَ الْمَوْصِلِ ضِيَاءَ الدِّينِ بْنِ الشَّهْرُزُورِيِّ، فَوَلَّاهُ قَضَاءَ قُضَاةِ بَغْدَادَ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بِدِمَشْقَ بِسَبَبِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْمَقْدَسِيِّ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي مَقْصُورَةِ الْحَنَابِلَةِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، فَذَكَرَ يَوْمًا شَيْئًا مِنَ الْعَقَائِدِ فَاجْتَمَعَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ وَضِيَاءُ الدِّينِ الْخَطِيبُ الدَّوْلَعِيُّ بِالسُّلْطَانِ الْمُعَظَّمِ وَالْأَمِيرُ صَارِمُ الدِّينِ بُزْغُشُ، فَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالنُّزُولِ وَالْحَرْفِ وَالصَّوْتِ، فَوَافَقَ النَّجْمُ الْحَنْبَلِيُّ بَقِيَّةَ الْفُقَهَاءِ وَاسْتَمَرَّ الْحَافِظُ عَلَى مَا يَقُولُهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَاجْتَمَعَ بَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ وَأَلْزَمُوهُ بِإِلْزَامَاتٍ شَنِيعَةٍ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، حَتَّى قَالَ لَهُ الْأَمِيرُ بُزْغُشُ: كُلُّ هَؤُلَاءِ عَلَى الضَّلَالَةِ وَأَنْتَ وَحْدَكَ عَلَى الْحَقِّ؟ ! قَالَ: نَعَمْ. فَغَضِبَ الْأَمِيرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِنَفْيِهِ مِنَ الْبَلَدِ، فَاسْتَنْظَرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَنْظَرَهُ، وَأَرْسَلَ بُزْغُشُ الْأُسَارَى مِنَ الْقَلْعَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৬১৬
، فَكَسَرُوا مِنْبَرَ الْحَافِظِ، وَتَعَطَّلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ يَوْمَئِذٍ فِي مِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ، وَأُخْرِجَتِ الْخَزَائِنُ وَالصَّنَادِيقُ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ، وَجَرَتْ خَبْطَةٌ شَدِيدَةٌ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَكَانَ عَقْدُ الْمَجْلِسِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَارْتَحَلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ إِلَى بَعْلَبَكَّ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَآوَاهُ الْمُحَدِّثُونَ، فَحَنُّوا عَلَيْهِ وَأَكْرَمُوهُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ: الْأَمِيرُ مُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ الرُّومِيُّ نَائِبُ الْمَوْصِلِ وَالْمُسْتَوْلِي عَلَى مَمْلَكَتِهَا أَيَّامَ ابْنِ أُسْتَاذِهِ نُورِ الدِّينِ أَرَسْلَانَ، وَكَانَ عَاقِلًا ذَكِيًّا فَقِيهًا حَنَفِيًّا، وَقِيلَ: شَافِعِيًّا. يَحْفَظُ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ التَّوَارِيخِ وَالْحِكَايَاتِ، وِقَدِ ابْتَنَى عِدَّةَ جَوَامِعَ وَمَدَارِسَ وَرُبُطٍ وَخَانَاتٍ، وَلَهُ صَدَقَاتٌ كَثِيرَةٌ دَارَّةٌ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَقَدْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدُّنْيَا. أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبَّاسِيُّ الْهَاشِمِيُّ ، قَاضِي الْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ، بَعْدَ ابْنِ النَّجَّارِيِّ، كَانَ شَافِعِيًّا، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَلِيَ الْقَضَاءَ وَالْخَطَابَةَ بِمَكَّةَ، وَأَصْلُهُ مِنْهَا، وَلَكِنِ ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ فَنَالَ مِنْهَا مَا نَالَ مِنَ الدُّنْيَا، وَآلَ بِهِ الْأَمْرُ إِلَى مَا آلَ، ثُمَّ إِنَّهُ عُزِلَ
পৃষ্ঠা - ১০৬১৭
عَنِ الْقَضَاءِ بِسَبَبِ مَحْضَرٍ رُقِمَ خَطُّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِيمَا قِيلَ مُزَوَّرًا عَلَيْهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَجَلَسَ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى مَاتَ. الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَرَكَةَ بْنِ فَضْلَانَ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِبَغْدَادَ، تَفَقَّهَ أَوَّلًا عَلَى سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ الرَّزَّازِ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ فَأَخَذَ عَنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الزَّبِيدِيِّ تِلْمِيذِ الْغَزَالِيِّ، وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ وِقَدِ اقْتَبَسَ عِلْمَ الْمُنَاظَرَةِ وَالْأَصْلَيْنِ، وَسَادَ أَهْلَ بَغْدَادَ، وَانْتَفَعَ بِهِ الطَّلَبَةُ وَالْفُقَهَاءُ، وَبُنِيَتْ لَهُ مَدْرَسَةٌ فَدَرَّسَ بِهَا، وَبَعُدَ صِيتُهُ وَكَثُرَتْ تَلَامِيذُهُ، وَكَانَ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ وَإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ شَيْخًا حَسَنًا لَطِيفًا ظَرِيفًا، وَمِنْ شِعْرِهِ: وَإِذَا أَرَدْتَ مَنَازِلَ الْأَشْرَافِ ... فَعَلَيْكَ بِالْإِسْعَافِ وَالْإِنْصَافِ وَإِذَا بَغَا بَاغٍ عَلَيْكَ فَخَلِّهِ ... وَالدَّهْرَ فَهُوَ لَهُ مُكَافٍ كَافِ
পৃষ্ঠা - ১০৬১৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنِ الْأَحْدَاثِ] اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ، وَالْمَلِكُ الْأَفْضَلُ بِالْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ مُحَاصِرٌ لِعَمِّهِ الْعَادِلِ بِدِمَشْقَ، وَقَدْ قَطَعَ عَنْهَا الْأَنْهَارَ وَالْمِيرَةَ فَلَا خُبْزَ وَلَا مَاءَ إِلَّا قَلِيلًا، وَقَدْ تَطَاوَلَ الْحَالُ، وَقَدْ خَنْدَقُوا مِنْ أَرْضِ اللَّوَانِ إِلَى يَلْدَا خَنْدَقًا ; لِئَلَّا يَصِلَ إِلَيْهِمْ جَيْشُ دِمَشْقَ وَجَاءَ فَصْلُ الشِّتَاءِ وَكَثُرَتِ الْأَمْطَارُ وَالْأَوْحَالُ، فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ صَفَرٍ، قَدِمَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَادِلِ عَلَى أَبِيهِ بِخَلْقٍ مِنَ التُّرْكُمَانِ، وَعَسَاكِرَ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ وَالرُّهَا وَحَرَّانَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ انْصَرَفَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ، وَتَفَرَّقُوا أَيَادِي سَبَا، فَرَجَعَ الظَّاهِرُ إِلَى الْمَمْلَكَةِ الْحَلَبِيَّةِ، وَالْأَسَدُ إِلَى حِمْصَ وَالْأَفْضَلُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَسَلِمَ الْعَادِلُ مِنْ كَيْدِ الْأَعَادِي، بَعْدَمَا كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَلَدِ وَاسْتَسْلَمَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ. وَسَارَتِ الْأُمَرَاءُ النَّاصِرِيَّةِ خَلْفَ الْأَفْضَلِ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى الْقَاهِرَةِ وَكَاتَبُوا الْعَادِلَ أَنْ يُسْرِعَ السَّيْرَ إِلَيْهِمْ وَالْقُدُومَ عَلَيْهِمْ، فَنَهَضَ إِلَيْهِمْ سَرِيعًا سَامِعًا لِمَشُورَتِهِمْ مُطِيعًا، فَتَحَصَّنَ الْأَفْضَلُ بِالْقَلْعَةِ مِنَ الْجَبَلِ، وِقَدِ اعْتَرَاهُ الضَّعْفُ وَالْفَشَلُ، وَنَزَلَ الْعَادِلُ عَلَى الْبَرَكَةِ وَاسْتَبَدَّ بِمُلْكِ مِصْرَ آمِنًا مِنَ الشَّرِكَةِ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْأَفْضَلُ خَاضِعًا
পৃষ্ঠা - ১০৬১৯
ذَلِيلًا بَعْدَمَا كَانَ مَهِيبًا جَلِيلًا، فَأَقْطَعُهُ بِلَادًا مِنَ الْجَزِيرَةِ وَنَفَاهُ عَنِ الشَّامِ لِسُوءِ السِّيرَةِ، وَدَخَلَ الْعَادِلُ إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ بِالْقَاهِرَةِ، وَأَعَادَ الْقَضَاءَ إِلَى صَدْرِ الدِّينِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ دِرْبَاسٍ الْمَارَانِيِّ الْكُرْدِيِّ، وَأَبْقَى الْخُطْبَةَ وَالسِّكَّةَ بِاسْمِ ابْنِ أَخِيهِ الْمَنْصُورِ، وَكَانَ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْأُمُورِ، وَاسْتَوْزَرَ الصَّاحِبَ صَفِيَّ الدِّينِ بْنَ شُكْرٍ لِصَرَامَتِهِ وَشَهَامَتِهِ وَسِيَادَتِهِ وَدِيَانَتِهِ، وَكَتَبَ الْعَادِلُ إِلَى وَلَدِهِ الْكَامِلِ يَسْتَدْعِيهِ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ ; لِيُمَلِّكَهُ عَلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَيَسْتَرْعِيَهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَعَانَقَهُ وَالْتَزَمَهُ، وَأَحْضَرَ الْمَلِكُ الْفُقَهَاءَ وَاسْتَفْتَاهُمْ فِي صِحَّةِ مَمْلَكَةِ ابْنِ أَخِيهِ الْمَنْصُورِ بْنِ الْعَزِيزِ، وَأَنَّهُ صَغِيرٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، فَأَفْتَوْا بِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّهُ مُتَوَلَّى عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ الْأُمَرَاءَ وَدَعَاهُمْ إِلَى مُبَايَعَتِهِ فَامْتَنَعُوا، فَأَرْغَبَهُمْ وَأَرْهَبَهُمْ، وَقَالَ فِيمَا قَالَ: قَدْ سَمِعْتُمْ مَا أَفْتَى بِهِ الْعُلَمَاءُ وَالْأَئِمَّةُ وَالْفُقَهَاءُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْفَظُهَا الْأَطْفَالُ الصِّغَارُ، وَإِنَّمَا يَحْرُسُهَا الْمُلُوكُ الْكِبَارُ، فَأَذْعَنُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَبَايَعُوهُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْكَامِلِ، فَخَطَبَ الْخُطَبَاءُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْخَلِيفَةِ لَهُمَا، فَضُرِبَتِ السِّكَّةُ بِاسْمِهِمَا، وَاسْتَقَرَّتْ دِمَشْقُ بِاسْمِ الْمُعَظَّمِ عِيسَى بْنِ الْعَادِلِ، وَمِصْرُ بِاسْمِ الْكَامِلِ. وَفِي شَوَّالٍ رَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ الْأَمِيرُ فَلَكُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ سُلَيْمَانُ بْنُ شَرْوَةَ بْنِ خَلْدَكَ، وَهُوَ أَخُو الْمَلِكِ الْعَادِلِ لِأُمِّهِ، وَهُوَ وَاقِفُ الْفَلَكِيَّةِ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ، وَبِهَا قَبْرُهُ فَأَقَامَ بِهَا مُحْتَرَمًا مُعَظَّمًا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَفِيهَا وَفَى الَّتِي بَعْدَهَا كَانَ بِدِيَارِ مِصْرَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ، فَهَلَكَ بِسَبَبِهِ الْغَنِيُّ
পৃষ্ঠা - ১০৬২০
وَالْفَقِيرُ، وَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهَا نَحْوَ الشَّامِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَتَخَطَّفَهُمُ الْفِرِنْجُ مِنَ الطُّرُقَاتِ وَغَرُّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَاغْتَالُوهُمْ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْأَقْوَاتِ، وَأَمَّا بِلَادُ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ كَانَ مُرْخَصًا. قَالَ ابْنُ السَّاعِي: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَاضَ دِيكٌ بِبَغْدَادَ، فَسَأَلْتُ جَمَاعَةً عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرُونِي بِهِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ: السُّلْطَانُ عَلَاءُ الدِّينِ خُوَارِزِمُشَاهْ تِكِشُ بْنُ أَلْبِ أَرْسَلَانَ بْنِ أَتْسِزَ مِنْ وَلَدِ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَهُوَ صَاحِبُ خُوَارِزْمَ وَبَعْضُ خُرَاسَانَ وَالرَّيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَالِيمِ الْمُتَّسِعَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ دَوْلَةَ السَّلَاجِقَةِ، كَانَ عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ جَيِّدَةٌ بِالْمُوسِيقَى، حَسَنَ الْمُعَاشَرَةِ، فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَعْرِفُ الْأُصُولَ وَبَنَى لِلْحَنَفِيَّةِ مَدْرَسَةً عَظِيمَةً، وَدُفِنَ بِتُرْبَةٍ بَنَاهَا بِخُوَارِزْمَ، وَقَامَ فِي الْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَدُهُ عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِقُطْبِ الدِّينِ. وَفِيهَا قُتِلَ وَزِيرُ السُّلْطَانِ خُوَارِزْمُ شَاهْ. نِظَامُ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ، لَهُ مَدْرَسَةٌ عَظِيمَةٌ بِخُوَارِزْمَ، وَجَامِعٌ هَائِلٌ، وَبَنَى بِمَرْوَ جَامِعًا عَظِيمًا
পৃষ্ঠা - ১০৬২১
لِلشَّافِعِيَّةِ، فَحَسَدَهُمُ الْحَنَابِلَةُ، وَشَيْخُهُمْ بِهَا يُقَالُ لَهُ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ. وَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُرُ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَاحْتِرَامِ مَعَابِدِ الْإِسْلَامِ، فَأَغْرَمَهُمُ السُّلْطَانُ خُوَارِزِمُشَاهْ مَا غَرِمَ الْوَزِيرُ عَلَى بِنَائِهِ. وَفِيهَا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الْمُعَمَّرُ رُحْلَةُ الْوَقْتِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ صَدَقَةَ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ كُلَيْبٍ الْحَرَّانَيُّ الْأَصْلُ، الْبَغْدَادِيُّ الْمَوْلِدُ وَالدَّارُ وَالْوَفَاةُ ، عَنْ سِتٍّ وَتِسْعِينَ سَنَةً، سَمِعَ الْكَثِيرَ وَأَسْمَعَ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ التُّجَّارِ وَذَوِي الثَّرْوَةِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الْفَقِيهُ مَجْدُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ طَاهِرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ جَهْبَلٍ، مُدَرِّسُ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، أَوَّلُ مَنْ دَرَّسَ بِالصَّلَاحِيَّةِ، وَهُوَ وَالِدُ الْفُقَهَاءِ ; بَنِي جَهْبَلٍ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدْرَسَةِ الْجَارُوخِيَّةِ، ثُمَّ صَارُوا إِلَى الْعِمَادِيَّةِ وَالدَّمَاغِيَّةِ فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ، ثُمَّ مَاتُوا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا شَرْحُهُمْ. الْأَمِيرُ صَارِمُ الدِّينِ قَايْمَازُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّجْمِيُّ كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الدَّوْلَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৬২২
الصَّلَاحِيَّةِ كَانَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ أُسْتَادَّارٍ؛ وَهُوَ الَّذِي تَسَلَّمَ الْقَصْرَ حِينَ مَاتَ الْعَاضِدُ، فَحَصَلَ لَهُ أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ جِدًّا، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ وَالْأَوْقَافِ، تَصَدَّقَ فِي يَوْمٍ بِسَبْعَةِ آلَافِ دِينَارٍ عَيْنًا، وَهُوَ وَاقِفُ الْمَدْرَسَةِ الْقَيْمَازِيَّةِ شَرْقِيَّ الْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَقَدْ كَانَتْ دَارُ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةُ دَارًا لِهَذَا الْأَمِيرِ، وَلَهُ بِهَا حَمَّامٌ، فَاشْتَرَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ فِيمَا بَعْدُ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ، وَبَنَاهَا دَارَ حَدِيثٍ، وَأَخْرَبَ الْحَمَّامَ وَبَنَاهُ مَسْكَنًا لِلشَّيْخِ الْمُدَرِّسِ بِهَا، وَلَمَّا تُوُفِّيَ وَدُفِنَ فِي قَبْرِهِ، نُبِشَتْ دُورُهُ وَحَوَاصِلُهُ، وَكَانَ مُتَّهَمًا بِمَالٍ جَزِيلٍ، فَكَانَ مُتَحَصَّلُ مَا جُمِعَ مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ يُظَنُّ أَنَّ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَانَ يَدْفِنُ أَمْوَالَهُ فِي الْخَرَابِ مِنْ أَرَاضِي ضِيَاعِهِ وَقَرَايَاهْ. فَسَامَحَهُ اللَّهُ وَبَلَّ بِالرَّحْمَةِ ثَرَاهُ. الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ لُؤْلُؤٌ أَحَدُ الْحُجَّابِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، كَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَتَسَلَّمُ الْأُسْطُولَ بِالْبَحْرِ، فَيَكُونُ كَالشَّجَا فِي حُلُوقِ الْفِرِنْجِ وَالنَّحْرِ فِي النَّحْرِ، فَكَمْ مِنْ شُجَاعٍ قَدْ أُسِرَ، وَكَمْ مِنْ مَرْكَبٍ قَدْ
পৃষ্ঠা - ১০৬২৩
كُسِرَ، وَكَمْ مِنْ أُسْطُولٍ لَهُمْ قَدْ فَرَّقَ شَمْلَهُ، وَمَنْ بَطْسَةٍ وَقَارِبٍ قَدْ غَرَّقَ أَهْلَهُ، وَقَدْ كَانَ مَعَ كَثْرَةِ جِهَادِهِ دَارَّ الصَّدَقَاتِ، كَثِيرَ النَّفَقَاتِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَكَانَ بِدِيَارِ مِصْرَ غَلَاءٌ شَدِيدٌ فَتَصَدَّقَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَغِيفٍ، لِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَقِيرٍ؛ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَرَحْمَةً فِي قَبْرِهِ، وَبَيَّضَ وَجْهَهُ يَوْمَ مَحْشَرِهِ وَمَنْشَرِهِ؛ آمِينَ. الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ شِهَابُ الدِّينِ الطُّوسِيُّ أَحَدُ مَشَايِخِ الشَّافِعِيَّةِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَشَيْخُ الْمَدْرَسَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: مَنَازِلُ الْعِزِّ. وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ الْغَزَالِيِّ، كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَمَنْزِلَةٌ عِنْدَ مُلُوكِ مِصْرَ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى جِنَازَتِهِ، وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهِ. الشَّيْخُ ظَهِيرُ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ الْفَارِسِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ بِحَلَبَ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ الْغَزَالِيِّ، وَتَلْمَذَ لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ، وَرَحَلَ إِلَى مِصْرَ فَعُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يُدَرِّسَ بِتُرْبَةِ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَسَارَ إِلَى حَلَبَ فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ عَسْكَرَ رَئِيسُ الْحَنَفِيَّةِ بِدِمَشْقَ، قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْعَقَّادَةِ.
পৃষ্ঠা - ১০৬২৪
الشَّاعِرُ الْمَاهِرُ الْهُمَامُ الْعَبْدِيُّ، وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ. عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ بَغْدَادِيٌّ، قَدِمَ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَمَعَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ لَهُ، فِيهِ دُرَرٌ حِسَانٌ وَفَرَائِدُ وَعَقَائِدُ وَعِقْيَانُ، وَقَدْ تَصَدَّى لِمَدْحِ الْمَلِكِ الْأَمْجَدِ صَاحِبِ بَعْلَبَكَّ وَمَنْ قَبْلَهُ وَلَهُ: وَمَا النَّاسُ إِلَّا كَامِلُ الْحَظِّ نَاقِصٌ ... وَآخَرُ مِنْهُمْ نَاقِصُ الْحَظِّ كَامِلُ وَإِنِّي لِمُثْرٍ مِنْ حَيَاءٍ وَعِفَّةٍ ... وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنِ الْمَالِ طَائِلٌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ: الْقَاضِي الْفَاضِلُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْفُصَحَاءِ وَالْبُلَغَاءِ. أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الْقَاضِي الْأَشْرَفِ أَبِي الْمَجْدِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْبَيْسَانِيِّ الْمَوْلَى الْأَجَلُّ الْقَاضِي الْفَاضِلُ، كَانَ أَبُوهُ قَاضِيًا بِعَسْقَلَانَ، فَأَرْسَلَ وَلَدَهُ فِي الدَّوْلَةِ الْفَاطِمِيَّةِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَاشْتَغَلَ بِهَا بِكِتَابَةِ الْإِنْشَاءِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ قَادُوسَ وَغَيْرِهِ، فَسَادَ أَهْلُ الْبِلَادِ حَتَّى بَغْدَادَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي زَمَانِهِ نَظِيرٌ، وَلَا عَدِيدٌ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا مُمَاثِلٌ وَلَا مُنَاظِرٌ وَلَا نَدِيدٌ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ جَعَلَهُ كَاتِبَهُ وَصَاحِبَهُ وَوَزِيرَهُ وَجَلِيسَهُ وَأَنِيسَهُ، وَكَانَ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَأَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيفِهِ وَتِلَادِهِ، وَتَسَاعَدَا حَتَّى فَتَحَ الْأَقَالِيمَ وَالْبُلْدَانَ وَالْحُصُونَ وَالْمَعَاقِلَ، هَذَا بِحُسَامِهِ وَسِنَانِهِ، وَهَذَا بِقَلَمِهِ وَلِسَانِهِ وَبَيَانِهِ، وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ كَثْرَةِ أَمْوَالِهِ وَوَجَاهَتِهِ وَرِيَاسَتِهِ كَثِيرَ الصَّدَقَاتِ
পৃষ্ঠা - ১০৬২৫
وَالصِّلَاتِ وَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ، وَكَانَ يُوَاظِبُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى خَتْمَةٍ كَامِلَةٍ، مَعَ مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مِنْ نَافِلَةٍ، رَحِيمَ الْقَلْبِ، حَسَنَ السِّيرَةِ، طَاهِرَ الْقَلْبِ وَالسَّرِيرَةِ، لَهُ مَدْرَسَةٌ بِدِيَارِ مِصْرَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَأَوْقَافٌ عَلَى تَخْلِيصِ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِي النَّصَّارَى، وِقَدِ اقْتَنَى مِنَ الْكُتُبِ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ أَلْفِ كِتَابٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْرَحْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَلَا الْعُلَمَاءِ وَلَا الْمُلُوكِ وَلَا الْكُتَّابِ، كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي يَوْمِ دَخَلَ الْعَادِلُ إِلَى قَصْرِ مِصْرَ بِمَدْرَسَتِهِ فَجْأَةً، يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَادِسِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَاحْتَفَلَ النَّاسُ بِجِنَازَتِهِ، وَزَارَ قَبْرَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الْمَلِكُ الْعَادِلُ، وَتَأْسَّفَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ اسْتَوْزَرَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ صَفِيَّ الدِّينِ بْنَ شُكْرٍ، فَلَمَّا سَمِعَ الْفَاضِلُ بِذَلِكَ دَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يُحَيِيَهُ إِلَى هَذِهِ الدَّوْلَةِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَافَسَةِ، فَمَاتَ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَمْ يُنِلْهُ أَحَدٌ بِضَيْمٍ وَلَا أَذًى، وَلَا رَأَى فِي الدَّوْلَةِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَقَدْ رَثَاهُ الشُّعَرَاءُ بِأَشْعَارٍ حَسَنَةٍ، مِنْهَا قَوْلُ الْقَاضِي هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنَاءِ الْمُلْكِ: عَبْدُ الرَّحِيمِ عَلَى الْبَرِيَّةِ رَحْمَةٌ ... أَمِنَتْ بِصُحْبَتِهَا حُلُولَ عِقَابِهَا يَا سَائِلًا عَنْهُ وَعَنْ أَسْبَابِهِ ... نَالَ السَّمَاءَ فَسَلْهُ عَنْ أَسْبَابِهَا وَالدَّهْرُ يَعْلَمُ أَنَّ فَيْصَلَ خَطْبِهِ ... بِخُطَا يَرَاعَتِهِ وَفَصْلِ خِطَابِهِا وَلَقَدْ عَلَتْ رُتَبُ الْأَجَلِّ عَلَى الْوَرَى ... بِسُمُوِّ مَنْصِبِهِا وَطِيبِ نِصَابِهَا وَأَتَتْهُ خَاطِبَةً إِلَيْهِ وِزَارَةٌ ... وَلَطَالَمَا أَعْيَتْ عَلَى خُطَّابِهَا
পৃষ্ঠা - ১০৬২৬
مَا لَقَّبُوهُ بِهَا لِأَنْ يَعْلُو بِهَا ... أَسْمَاؤُهُ أَغْنَتْهُ عَنْ أَلْقَابِهَا قَالَ الزَّمَانُ لِغَيْرِهِ إِذْ رَامَهَا ... تَرِبَتْ يَمِينُكَ لَسْتَ مِنْ أَتْرَابِهَا اذْهَبْ طَرِيقَكَ لَسْتَ مِنْ أَرْبَابِهَا ... وَارْجِعْ وَرَاءَكَ لَسْتَ مِنْ أَصْحَابِهَا وَبِعِزِّ سَيِّدِنَا وَسَيِّدِ غَيْرِنَا ... ذَلَّتْ مِنَ الْأَيَامِ شَمْسُ صِعَابِهَا وَأَتَتْ سَعَادَتُهُ إِلَى أَبْوَابِهِ ... لَا كَالَّذِي يَسْعَى إِلَى أَبْوَابِهَا تَعْنُو الْمُلُوكُ لِوَجْهِهِ بِوُجُوهِهَا ... لَا بَلْ تُسَاقُ لِبَابِهِ بِرِقَابِهَا شُغِلَ الْمُلُوكُ بِمَا يَزُولُ وَنَفْسِهِ ... مَشْغُولَةٌ بِالذِّكْرِ فِي مِحْرَابِهَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَوَاتِ أَتْعَبَ نَفْسَهُ ... وَضَمَانُ رَاحَتِهِ عَلَى إِتْعَابِهَا وَتَعَجَّلَ الْإِقْلَاعَ عَنِ لَذَّاتِهِ ... ثِقَةً بِحُسْنِ مَآلِهَا وَمَآبِهَا فَلْتَفْخَرِ الدُّنْيَا بِسَائِسِ مُلْكِهَا ... مِنْهُ وَدَارِسِ عِلْمِهَا وَكِتَابِهَا صَوَّامِهَا قَوَّامِهَا عَلَّامِهَا ... عَمَّالِهَا بَذَّالِهَا وَهَّابِهَا وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْفَاضِلَ مَعَ بَرَاعَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ الَّتِي لَا تُدَانَى وَلَا تُجَارَى لَا يُعْرَفُ لَهُ قَصِيدَةٌ طَوِيلَةٌ طَنَّانَةٌ، بَلْ لَهُ مَا بَيْنَ بَيْتٍ وَبَيْتَيْنِ فِي أَثْنَاءِ الرَّسَائِلِ وَغَيْرِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: سَبَقْتُمْ بِإِسْدَاءِ الْجَمِيلِ تَكَرُّمًا ... وَمَا مِثْلُكُمْ فِيمَنْ تَحَدَّثَ أَوْ حَكَى وَقَدْ كَانَ ظَنِّي أَنْ أُسَابِقَكُمْ بِهِ ... وَلَكِنْ بَكَتْ قَبْلِي فَهِيجَ لِيَ الْبُكَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: