আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৫০২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي ثَانِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَانَ دُخُولُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَ عَافِيَتِهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا كَمَا جَرَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَادَةُ الْمُلُوكُ، وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي الْفَاضِلِ وَزَارَهُ وَاسْتَزَارَهُ، وَفَاوَضَهُ وَاسْتَشَارَهُ، وَكَانَ لَا يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، وَلَا يُخْفِي عَنْهُ مَكْنُونَهُ، وَلَا ضَمِيرَهُ وَمَضْمُونَهُ، ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ فِي مُلْكِ دِمَشْقَ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا، وَنَزَلَ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ حَلَبَ لِصِهْرِهِ، زَوْجِ ابْنَتِهِ الْمَلِكِ الظَّاهِرِ غَازِيِّ بْنِ السُّلْطَانِ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ أَخَاهُ الْعَادِلَ صُحْبَةَ وَلَدِهِ عِمَادِ الدِّينِ عُثْمَانَ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ عَلَى مُلْكِ مِصْرَ، وَيَكُونُ الْعَادِلُ أَتَابِكَهُ، وَلَهُ أَقْطَاعٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، وَعَزَلَ عَنْهَا نَائِبَهَا تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ، فَعَزَمَ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمْ يَزَلِ السُّلْطَانُ يُكَاتِبُهُ وَيَتَلَطَّفُ بِهِ وَيَتَرَفَّقُ لَهُ حَتَّى أَقْبَلَ بِجُنُودِهِ نَحْوَهُ، فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَعَظَّمَهُ وَأَقْطَعُهُ حَمَاةَ وَبِلَادًا كَثِيرَةً مَعَهَا - وَقَدْ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ - وَزَادَهُ عَلَى ذَلِكَ مَدِينَةَ مَيَّافَارِقِينَ وَامْتَدَحَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ بِقَصِيدَةٍ سِينِيَّةٍ سَنِيَّةٍ ذَكَرَهَا فِي " الرَّوْضَتَيْنِ ". وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَادَنَ قُومَصُ طَرَابُلُسَ السُّلْطَانَ وَصَالَحَهُ وَصَافَاهُ، حَتَّى كَانَ يُقَاتِلُ مُلُوكَ الْفِرِنْجِ أَشَدَّ الْقِتَالِ وَيَسْبِي مِنْهُمُ النِّسَاءَ وَالْأَطْفَالَ، وَكَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَلَكِنْ صَدَّهُ شَيْطَانُهُ وَرَمَاهُ بِالْخَبَالِ، وَكَانَتْ مُصَالَحَتُهُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ نُصْرَةِ
পৃষ্ঠা - ১০৫০৩
السُّلْطَانِ عَلَى الْفِرِنْجِ، وَمِنْ أَشَدِّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. قَالَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ: وَكَانَ الْمُنَجِّمُونَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ يَحْكُمُونَ بِخَرَابِ الْعَالَمِ فِي شَعْبَانَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْكَوَاكِبِ السِّتَّةِ فِي الْمِيزَانِ بِطُوفَانِ الرِّيحِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَذَكَرَ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْجَهَلَةِ تَأَهَّبُوا لِذَلِكَ بِحَفْرِ مَغَارَاتٍ وَمُدَّخَلَاتٍ وَأَسْرَابٍ فِي الْأَرْضِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَشَارُوا إِلَيْهَا وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا لَمْ يُرَ لَيْلَةٌ مِثْلُهَا فِي رُكُودِهَا وَرُكُونِهَا وَهُدُوئِهَا وَهُدُونِهَا، وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ نَظَمَ الشُّعَرَاءُ فِي تَكْذِيبِ الْمُنَجِّمِينَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَغَيْرِهَا أَشْعَارًا حَسَنَةً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ مَوْدُودٍ: مَزِّقِ التَّقْوِيمَ وَالزِّي ... جَ فَقَدْ بَانَ الْخَفَاءُ إِنَّمَا التَّقْوِيمُ وَالزِّيجُ ... هَبَاءٌ وَهَوَاءُ قُلْتَ لِلسَّبْعَةِ إِبْرَا ... مٌ وَمَنْعٌ وَعَطَاءُ وَمَتَى يَنْزِلْنَ فِي الْمِي ... زَانِ يَسْتَوْلِي الْهَوَاءُ وَيُثِيرُ الرَّمْلَ حَتَّى ... يَمْتَلِي مِنْهُ الْفَضَاءُ وَيَعُمُّ الْأَرْضَ خَسْفٌ ... وَخَرَابٌ وَبَلَاءُ وَيَصِيرُ الْقَاعُ كَالْقُ ... فِّ وَكَالطَّوْدِ الْعَرَاءُ وَحَكَمْتُمْ فَأَبَى الْحَا ... كِمُ إِلَّا مَا يَشَاءُ مَا أَتَى الشَّرْعُ وَلَا جَا ... ءَتْ بِهَذَا الْأَنْبِيَاءُ
পৃষ্ঠা - ১০৫০৪
فَبَقِيتُمْ ضُحْكَةً يَضْ ... حَكُ مِنْهَا الْعُلَمَاءُ حَسْبُكُمْ خِزْيًا وَعَارًا ... مَا يَقُولُ الشُّعَرَاءُ ثُمَّ مَا أَطْمَعَكُمْ فِي الْ ... حُكْمِ إِلَّا الْأُمُرَاءُ لَيْتَ إِذْ لَمْ يُحْسِنُوا فِي الدِّ ... ينِ ظَنًّا مَا أَسَاءُوا فَعَلَى اصْطِرْلَابِ بَطْلَيْ ... مُوسَ وَالزِّيجِ الْعَفَاءُ وَعَلَيْهِ الْخِزْيُ مَا جَا ... دَتْ عَلَى الْأَرْضِ السَّمَاءُ [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْوَحْشِ بَرِّيُّ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ بَرِّيٍّ، الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ الْمِصْرِيُّ، أَحَدُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ فِي زَمَانِهِ، وَعَلَيْهِ تُعْرَضُ الرَّسَائِلُ بَعْدَ ابْنِ بَابَشَاذَ، وَكَانَ كَثِيرَ الِاطِّلَاعِ، عَالِمًا بِهَذَا الشَّأْنِ، مُطَّرِحًا لِلتَّكَلُّفِ فِي كَلَامِهِ، لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يُعَرِّجُ عَلَى الْإِعْرَابِ فِيهِ إِذَا خَاطَبَ النَّاسَ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ الْمُفِيدَةُ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৫০৫
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ حِطِّينَ الَّتِي كَانَتْ أَمَارَةً وَمُقَدِّمَةً وَبِشَارَةً لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ: كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْهَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَكَانَ يَوْمَ النَّيْرُوزِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ سَنَةِ الْفُرْسِ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ أَوَّلُ سَنَةِ الرُّومِ أَيْضًا، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَلِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْقَمَرُ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ أَيْضًا. وَقَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ يَبْعُدُ وُقُوعُ مِثْلِهِ. وَبَرَزَ السُّلْطَانُ مِنْ دِمَشْقَ يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ الْمُحَرَّمِ - وَقِيلَ: فِي أَثْنَائِهِ - فِي الْجَيْشِ الْعَرَمْرَمِ لِيُجَاهِدَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ جَهَنَّمَ، فَسَارَ إِلَى رَأْسِ الْمَاءِ، فَنَزَلَ وَلَدُهُ الْأَفْضَلُ هُنَاكَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ وَتَقَدَّمَ السُّلْطَانُ بِبَقِيَّةِ الْجَيْشِ إِلَى بُصْرَى فَخَيَّمَ عَلَى قَصْرِ أَبِي سَلَامَةَ يَنْتَظِرُ قُدُومَ الْحُجَّاجِ، وَفِيهِمْ أُخْتُهُ سِتُّ الشَّامِ وَابْنُهَا حُسَامُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لَاجِينَ، لِيَسْلَمُوا مِنْ مَعَرَّةِ إِبْرَنْسِ الْكَرَكِ الَّذِي غَدَرَ وَنَقَضَ الْعَهْدَ وَفَجَرَ. فَلَمَّا اجْتَازَ الْحَجِيجُ فِي أَوَاخِرِ صَفَرٍ، سَارَ السُّلْطَانُ فَنَزَلَ الْكَرَكَ وَقَطَعَ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْأَشْجَارِ وَرَعَى الزُّرُوعَ وَأَكَلُوا الثِّمَارَ، وَجَاءَتْهُ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ وَتَوَافَتِ الْجُيُوشُ الشَّرْقِيَّةُ بِالرِّمَاحِ الْخَطِّيَّةِ وَالسُّيُوفِ
পৃষ্ঠা - ১০৫০৬
الْمَشْرِقِيَّةِ، فَنَزَلُوا عِنْدَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ، وَبَعَثَ الْأَفْضَلُ سَرِيَّةً نَحْوَ بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَقَتَلَتْ وَغَنِمَتْ وَسَلِمَتْ وَكَسَرَتْ وَأَسَرَتْ، وَرَجَعَتْ فَبَشَّرَتْ بِمُقَدِّمَاتِ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ، وَجَاءَ السُّلْطَانُ فِي جَحَافِلِهِ وَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَسَاكِرِ الْبَادِي مِنْهُمْ وَالْحَاضِرِ، فَرَتَّبَ الْجُيُوشَ وَالْأَطْلَابَ، وَسَارَ قَاصِدًا بِلَادَ السَّاحِلِ، وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا غَيْرَ الْمُطَّوِّعَةِ، فَتَسَامَعَتِ الْفِرِنْجُ بِمَقْدَمِهِ، فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ وَتَصَالَحُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَدَخَلَ مَعَهُمْ قُومَصُ أَطْرَابُلُسَ الْغَادِرُ وَإِبْرَنْسُ الْكَرَكِ الْفَاجِرُ، وَجَاءُوا بِقَضِّهِمْ وَقَضِيضِهِمْ وَأَهْلِ أَوْجِهِمْ وَحَضِيضِهِمْ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ صَلِيبَ الصَّلَبُوتِ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ عُبَّادُ الطَّاغُوتِ، وَضُلَّالُ النَّاسُوتِ وَاللَّاهُوتِ، فِي خَلْقٍ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، يُقَالُ: كَانُوا خَمْسِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَلَاثًا وَسِتِّينَ أَلْفًا. وَقَدْ خَوَّفَهُمْ صَاحِبُ طَرَابُلُسَ بِأْسَ الْمُسْلِمِينَ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِبْرَنْسُ أَرْنَاطُ صَاحِبُ الْكَرَكِ فَقَالَ لَهُ: لَا أَشُكُّ أَنَّكَ تُحِبُّ الْمُسْلِمِينَ وَتُخَوِّفُنَا كَثْرَتَهُمْ، وَالنَّارُ لَا تَخَافُ مِنْ كَثْرَةِ الْحَطَبِ. فَقَالَ الْقُومَصُ لَهُمْ: مَا أَنَا إِلَّا مِنْكُمْ، وَسَتَرَوْنَ غِبَّ مَا أَقُولُ لَكُمْ. فَتَقَدَّمُوا وَأَقْبَلَ السُّلْطَانُ فَفَتَحَ طَبَرِيَّةَ وَتَقَوَّى بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَحَصَّنَتْ عَنْهُ الْقَلْعَةُ فَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهَا، وَحَازَ الْبُحَيْرَةَ فِي حَوْزَتِهِ، وَمَنَعَ الْكَفَرَةَ أَنْ يَصِلُوا مِنْهَا إِلَى غُرْفَةٍ، أَوْ يَرَوْا لِلْمَاءِ رِيًّا، وَأَقْبَلُوا فِي عَطَشٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا
পৃষ্ঠা - ১০৫০৭
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَبَرَزَ لَهُمُ السُّلْطَانُ إِلَى سَطْحِ الْجَبَلِ الْغَرْبِيِّ مِنْ طَبَرِيَّةَ عِنْدَ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: حِطِّينُ. الَّتِي يُقَالُ: إِنَّ فِيهَا قَبْرَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَتَوَاجَهَ هُنَالِكَ الْجَيْشَانِ وَتَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ، وَأَسْفَرَ وَجْهُ الْإِيمَانِ، وَاغْبَرَّ وَأَقْتَمَ وَجْهُ الْكُفْرَانِ وَالْخُسْرَانِ وَذَلِكَ عَشِيَّةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَبَاتَ النَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ وَأَسْفَرَ الصَّبَاحُ عَنْ يَوْمِ السَّبْتِ الَّذِي كَانَ يَوْمًا عَسِيرًا عَلَى أَهْلِ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى وُجُوهِ النَّصَارَى وَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَكَانَ تَحْتَ أَقَدْامِ خُيُولِهِمْ هَشِيمُ حَشِيشٍ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ النَّفَّاطَةَ، فَرَمَوْهُ فَتَأَجَّجَ تَحْتَ سَنَابِكِ خُيُولِهِمْ نَارًا، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ حَرُّ الشَّمْسِ وَحَرُّ الْعَطَشِ، وَحَرُّ النَّارِ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَحَرُّ رَشْقِ السِّهَامِ عَنِ الْقِسِيِّ الْقَاسِيَةِ، فَتَبَارَزَ الشُّجْعَانُ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى، ثُمَّ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِالتَّكْبِيرِ وَالْحَمْلَةِ الصَّادِقَةِ، فَكَانَ النَّصْرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنَحَهُمُ اللَّهُ أَكْتَافَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأُسِرَ ثَلَاثُونَ أَلْفًا مِنْ شُجْعَانِهِمْ وَفُرْسَانِهِمْ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ الْأُسَارَى جَمِيعُ مُلُوكِهِمْ سِوَى قُومَصَ طَرَابُلُسَ فَإِنَّهُ انْهَزَمَ فِي أَوَّلِ الْمَعْرَكَةِ، وَأَخَذَ صَلِيبَهُمُ الْأَعْظَمَ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الَّذِي صُلِبَ عَلَيْهِ الْمَصْلُوبُ، وَقَدْ غَلَّفُوهُ بِالذَّهَبِ وَاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ النَّفْسِيَّةِ، وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فِي عِزِّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَدَمْغِ الْبَاطِلِ وَذُلِّهِ، حَتَّى إِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ بَعْضَ الْفَلَّاحِينَ رَآهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ يَقُودُ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ أَسِيرًا مِنَ الْفِرِنْجِ، قَدْ رَبَطَهُمْ بِطُنُبِ خَيْمَةٍ، وَبَاعَ بَعْضَهُمْ أَسِيرًا بِنَعْلٍ
পৃষ্ঠা - ১০৫০৮
لَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ، وَجَرَتْ أُمُورٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا وَلَا وَقَعَتِ الْعُيُونُ عَلَى شَكْلِهَا، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ دَائِمًا حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا. وَلَمَّا تَمَّتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ الْعَظِيمَةُ وَالنِّعْمَةُ الْعَمِيمَةُ الْجَسِيمَةُ، أَمَرَ السُّلْطَانُ بِضَرْبِ مُخَيَّمٍ عَظِيمٍ، وَجَلَسَ فِيهِ عَلَى سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ وَعَنْ يَمِينِهِ أَسِرَّةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُهَا، وَجِيءَ بِالْأُسَارَى تَتَهَادَى فِي قُيُودِهَا، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُ جَمَاعَةٍ مِنْ مُقَدِّمِي الدَّاوِيَّةِ وَالْإِسْبِتَارِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ صَبْرًا، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَذْكُرُ النَّاسُ عَنْهُ ذِكْرًا، ثُمَّ جِيءَ بِالْمُلُوكِ فَأُجْلِسُوا عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ، فَأُجْلِسَ مَلِكُهُمُ الْكَبِيرُ عَنْ يَمِينِهِ، وَتَحْتَهُ أَرْنَاطُ إِبْرَنْسُ الْكَرَكِ - قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَقِيَّةُ الْمُلُوكِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجِيءَ السُّلْطَانُ بِشَرَابٍ مَثْلُوجٍ مِنَ الْجُلَّابِ، فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَ الْمَلِكَ فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَ مَلِكُهُمْ أَرْنَاطَ فَشَرِبَ، فَغَضِبَ السُّلْطَانُ، وَقَالَ: إِنَّمَا سَقَيْتُكَ وَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تَسْقِيَهُ، هَذَا لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي. ثُمَّ تَحَوَّلَ السُّلْطَانُ إِلَى خَيْمَةٍ دَاخِلَ الْخَيْمَةِ وَاسْتَدْعَى أَرْنَاطَ، فَلَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَامَ إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أَنُوبُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْتِصَارِ لِأُمَّتِهِ. ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَامْتَنَعَ، فَقَتَلَهُ وَأَرْسَلَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُلُوكِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا تَعَرَّضَ لِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قَتَلَ السُّلْطَانُ جَمِيعَ مَنْ كَانَ مِنَ الْأُسَارَى مِنَ الدَّاوِيَّةِ وَالْإِسْبِتَارِيَّةِ صَبْرًا، وَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَيْنَ الْجِنْسَيْنِ الْخَبِيثَيْنِ، وَلَمْ يُسْلِمْ مِمَّنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ بَلَغَتِ الْقَتْلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَكَذَلِكَ الْأُسَارَى كَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَكَانَ جُمْلَةُ جَيْشِ الْفِرِنْجِ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ أَلْفًا، وَمَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ - مَعَ قِلَّتِهِمْ - أَكْثَرُهُمْ
পৃষ্ঠা - ১০৫০৯
جَرْحَى، فَمَاتُوا بِبِلَادِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ، وَمِمَّنْ مَاتَ كَذَلِكَ قُومَصُ طَرَابُلُسَ فَإِنَّهُ انْهَزَمَ جَرِيحًا فَمَاتَ بِبَلَدِهِ بَعْدَ مَرْجِعِهِ، لَعَنَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِرُؤَسَاءَ الْأُسَارَى وَرُءُوسِ أَعْيَانِ الْقَتْلَى، وَبِصَلِيبِ الصَّلَبُوتِ صُحْبَةَ الْقَاضِي ابْنِ أَبِي عَصْرُونَ إِلَى دِمَشْقَ لِيُودَعُوا فِي قَلْعَتِهَا، فَدَخَلَ بِالصَّلِيبِ مَنْكُوسًا، فَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ إِلَى قَلْعَةِ طَبَرِيَّةَ فَفَتَحَهَا، وَقَدْ كَانَتْ طَبَرِيَّةُ تُقَاسِمُ بِلَادَ حَوْرَانَ وَالْبَلْقَاءَ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْجُولَانِ وَتِلْكَ الْأَرَاضِي كُلَّهَا بِالنِّصْفِ، فَأَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تِلْكَ الْمُقَاسَمَةِ وَتَوَفَّرَتْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سَارَ إِلَى عَكًّا فَنَزَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ سَلْخَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، فَافْتَتَحَهَا صُلْحًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَخَذَ مَا كَانَ بِهَا مِنْ حَوَاصِلَ وَأَمْوَالٍ وَذَخَائِرَ وَمَتَاجِرَ، وَاسْتَنْقَذَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدُوا بِهَا أَرْبَعَةَ آلَافِ أَسِيرٍ مِنْهُمْ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِهَا، فَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ أُقِيمَتْ بِالسَّاحِلِ بَعْدَ أَنْ أَخْذَهَ الْفِرِنْجُ، مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً فَلِلَّهِ الْحَمْدُ دَائِمًا. وَسَارَ مِنْهَا إِلَى صَيْدَا وَبَيْرُوتَ وَتِلْكَ النَّوَاحِي مِنَ السَّوَاحِلِ فَأَخَذَهَا، لِخُلُوِّهَا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَمِنَ الْمُلُوكِ، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ غَزَّةَ وَعَسْقَلَانَ وَنَابُلُسَ وَبَيْسَانَ وَأَرَاضِي الْغُورِ فَمَلَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَاسْتَنَابَ السُّلْطَانُ عَلَى نَابُلُسَ ابْنَ أَخِيهِ حُسَامَ الدِّينِ عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১০৫১০
لَاجِينَ، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَهَا ; وَكَانَ جُمْلَةُ مَا افْتَتَحَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ بَلَدًا كُلُّ بَلْدَةٍ لَهَا مُقَاتِلَةٌ وَقَلْعَةٌ وَمَنَعَةٌ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَغَنِمَ الْجَيْشُ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَسَبَوْا شَيْئًا كَثِيرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَاسْتَبْشَرَ الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا بِهَذَا النَّصْرِ الْعَظِيمِ وَالْفُتُوحَاتِ الْهَائِلَةِ. وَتَرَكَ السُّلْطَانُ جُيُوشَهُ تَرْتَعُ فِي هَذِهِ الْفُتُوحَاتِ وَالْغَنَائِمِ الْكَثِيرَةِ مُدَّةَ شُهُورٍ ; لِيَسْتَرِيحُوا وَيُجَمِّعُوا أَنْفُسَهُمْ وَخُيُولَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشَّرِيفِ، وَطَارَ فِي النَّاسِ أَنَّ السُّلْطَانَ عَزَمَ عَلَى فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَصَدَهُ الْعُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالْمُتَطَوِّعَةُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، وَجَاءَ أَخُوهُ الْعَادِلُ بَعْدَ وَقْعَةِ حِطِّينَ وَفَتَحَ عَكَّا فَفَتَحَ بِنَفْسِهِ حُصُونًا كَثِيرَةً أَيْضًا، فَاجْتَمَعَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَمِنَ الْجُيُوشِ الْمُتَطَوِّعَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَصَدَ السُّلْطَانُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِمَنْ مَعَهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَدِ امْتَدَحَ الشُّعَرَاءُ الْمَلِكَ صَلَاحَ الدِّينِ بِسَبَبِ وَقْعَةِ حِطِّينَ فَقَالُوا وَأَكْثَرُوا، وَأَطَابُوا وَأَطْنَبُوا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مِنْ دِمَشْقَ - وَكَانَ مُقِيمًا بِهَا لِمَرَضٍ نَالَهُ -: لِيَهْنَ الْمَوْلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَقَامَ بِهِ الدِّينَ الْقَيِّمَ، وَأَنَّهُ كَمَا قِيلَ: أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. وَأَنَّهُ قَدْ أَسْبَغَ عَلَيْهِ النِّعْمَتَيْنِ ; الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ، وَأَوْرَثَهُ الْمُلْكَيْنِ ; مُلْكَ الدُّنْيَا وَمُلْكَ الْآخِرَةِ، كَتَبَ الْمَمْلُوكُ الْخِدْمَةَ، وَالرُّءُوسُ إِلَى الْآنِ لَمْ تُرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا، وَالدُّمُوعُ لَمْ تُمْسَحْ مِنْ خُدُودِهَا، وَكُلَّمَا فَكَّرَ الْمَمْلُوكُ أَنَّ الْبِيَعَ تَعُودُ وَهِيَ مَسَاجِدُ، وَالْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُقَالُ فِيهِ: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، يُقَالُ الْيَوْمَ فِيهِ: إِنَّهُ الْوَاحِدُ. جَدَّدَ لِلَّهِ شُكْرًا تَارَةً يَفِيضُ مِنْ لِسَانِهِ،
পৃষ্ঠা - ১০৫১১
وَتَارَةً يَفِيضُ مِنْ أَجْفَانِهِ، وَجَزَى اللَّهُ يُوسُفَ خَيْرًا عَنْ إِخْرَاجِهِ مِنْ سِجْنِهِ، وَالْمَمَالِيكُ يَنْتَظِرُونَ أَمْرَ الْمَوْلَى، فَكُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ بِدِمَشْقَ قَدْ عَوَّلَ عَلَى دُخُولِ حَمَّامِ طَبَرِيَّةَ. تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنِ ... وَذَلِكَ الْفَتْحُ لَا عَمَّانَ وَالْيَمَنِ وَذَلِكَ السَّيْفُ لَا سَيْفُ ابْنِ ذِي يَزَنِ ثُمَّ قَالَ: وَلِلْأَلْسِنَةِ بَعْدُ فِي هَذَا الْفَتْحِ سَبْحٌ طَوِيلٌ وَقَوْلٌ جَلِيلٌ. [ذِكْرُ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ] وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ أَيْدِي النَّصَارَى بَعْدَ اثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً لَمَّا افْتَتَحَ السُّلْطَانُ مَا حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمُبَارَكَةِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْ تِلْكَ السَّوَاحِلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَالْإِشَارَةُ إِلَيْهَا، أَمَرَ الْعَسَاكِرَ فَاجْتَمَعَتْ وَالْجُيُوشَ الْمُتَفَرِّقَةَ فِي الْبُلْدَانِ فَائْتَلَفَتْ، وَسَارَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشَّرِيفِ يَوْمَ الْأَحَدِ، فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ - فَنَزَلَ غَرْبِيَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ حَصَّنَتِ الْفِرِنْجُ، - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - الْأَسْوَارَ بِالْمُقَاتِلَةِ، وَكَانُوا سِتِّينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، دُونَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ يَزِيدُونَ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ
পৃষ্ঠা - ১০৫১২
{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34] وَكَانَ صَاحِبُ الْبَلَدِ يَوْمَئِذٍ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: بَالِيَانُ بْنُ بَازِرَانَ. وَمَعَهُ مَنْ سَلِمَ مِنْ وَقْعَةِ حِطِّينَ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، مِنَ الدَّاوِيَّةِ وَالْإِسْبِتَارِيَّةِ أَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ أَجْمَعِينَ، فَأَقَامَ السُّلْطَانُ بِمَنْزِلِهِ الْمَذْكُورِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَسَلَّمَ إِلَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ جَيْشِهِ الْمَنْصُورِ نَاحِيَةً مِنْ أَبْرِجَةِ السُّورِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى نَاحِيَةِ الشَّمَالِ ; لِأَنَّهُ رَآهَا أَوْسَعَ وَأَنْسَبَ لِلْمَجَالِ، وَالْجِلَادِ وَالنِّزَالِ، وَقَاتَلَ الْفِرِنْجَ دُونَ الْبَلَدِ قِتَالًا هَائِلًا، وَبَذَلُوا فِي نُصْرَةِ قُمَامَةَ وَالْقِيَامَةِ بَذْلًا هَائِلًا، وَاسْتُشْهِدَ بَعْضُ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَحَنَقَ عِنْدَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْإِسْلَامِ، وَاجْتَهَدُوا فِي الْقِتَالِ بِكُلِّ خَطِّيٍّ وَحُسَامٍ، وَقَدْ نُصِبَتِ الْمَجَانِيقُ وَالْعَرَّادَاتُ، وَغَنَّتِ السُّيُوفُ وَعُمِلَتِ السَّمْهَرِيَّاتُ، وَالْعُيُونُ تَنْظُرُ إِلَى الصُّلْبَانِ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ فَوْقَ الْجُدْرَانِ، حَتَّى فَوْقَ قُبَّةِ الصَّخْرَةِ قِبْلَةِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ مِنْ قَدْيمِ الْأَزْمَانِ، فَزَادَ ذَلِكَ أَهْلَ الْإِيمَانِ الْحَنَقَ الْكَثِيرَ وَشِدَّةَ التَّشْمِيرِ، فَوُجِدَ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ، فَبَادَرَ السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللَّهُ بِأَصْحَابِهِ إِلَى الزَّاوِيَةِ الشَّرْقِيَّةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنَ السُّورِ فَنَقَبَهَا وَعَلَّقَهَا وَحَشَاهَا بِالنِّيرَانِ وَأَحْرَقَهَا، فَسَقَطَ ذَلِكَ الْجَانِبُ، وَخَرَّ الْبُرْجُ بِرُمَّتِهِ، فَإِذَا هُوَ وَاجِبٌ، فَلَمَّا شَاهَدَ الْفِرِنْجُ ذَلِكَ الْحَادِثَ الْمُقْطِعَ، وَالْخَطْبَ الْمُؤْلِمَ لَهُمُ الْمُوجِعَ، قَصَدَ أَكَابِرُهُمُ السُّلْطَانَ وَتَشَفَّعُوا إِلَيْهِ بِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الْأَمَانَ، فَامْتَنَعَ وَقَالَ: لَا أَفْتَحُهَا إِلَّا كَمَا افْتَتَحْتُمُوهَا عَنْوَةً، وَلَا أَتْرُكُ بِهَا أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى إِلَّا قَتَلْتُهُ كَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَطَلَبَ صَاحِبُهَا بَالِيَانُ بْنُ بَازِرَانَ مِنَ السُّلْطَانِ الْأَمَانَ لِيَحْضُرَ عِنْدَهُ فَأَمَّنَهُ، فَلَمَّا حَضَرَ تَرَقَّقَ لَهُ، وَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ
পৃষ্ঠা - ১০৫১৩
إِلَى الْأَمَانِ لَهُمْ، فَقَالُوا: لَئِنْ لَمْ تُعْطِنَا الْأَمَانَ رَجَعْنَا فَقَتَلْنَا كُلَّ أَسِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَيْدِينَا - وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ - وَقَتَلْنَا ذَرَارِينَا، وَخَرَّبْنَا الدُّورَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَسَنَةَ، وَأَتْلَفْنَا مَا بِأَيْدِينَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأَلْقَيْنَا قُبَّةَ الصَّخْرَةِ، وَلَا نُبْقِي مُمْكِنًا فِي إِتْلَافِ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نُقَاتِلُ قِتَالَ الْمَوْتِ، فَلَا يُقْتَلُ وَاحِدٌ مِنَّا حَتَّى يَقْتُلَ أَعْدَادًا مِنْكُمْ، فَمَاذَا تَرْتَجِي بَعْدَ هَذَا مِنَ الْخَيْرِ؟ فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ أَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يَبْذُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، وَعَنِ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ، وَعَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَصَغِيرَةٍ دِينَارَيْنِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَسِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَكُونَ الْغَلَّاتُ وَالْأَسْلِحَةُ وَالدُّورُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَتَحَوَّلُوا مِنْهَا إِلَى مَأْمَنِهِمْ وَهِيَ مَدِينَةُ صُورَ. فَكُتِبَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَبْذُلُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ أَسِيرٌ، فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ أُسِرَ بِهَذَا الشَّرْطِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ ; مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَوِلْدَانٍ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ وَالْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قُبَيْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَلِيلٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، قَالَ الْعِمَادُ: وَهِيَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَا. قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ: وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْإِسْرَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَمْ يَتَّفِقْ لِلْمُسْلِمِينَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا أُقِيمَتْ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَّ السُّلْطَانَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ بِالسَّوَادِ يَوْمَئِذٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ يُمْكِنْ إِقَامَتُهَا يَوْمَئِذٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَكَانَ الْخَطِيبُ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، الْقُرَشِيَّ بْنَ الزَّكِيِّ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.
পৃষ্ঠা - ১০৫১৪
وَلَكِنْ نُظِّفَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى يَوْمَئِذٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الصُّلْبَانِ وَالرُّهْبَانِ وَالْخَنَازِيرِ، وَخُرِّبَتْ دُورٌ لِلدَّاوِيَّةِ وَكَانُوا قَدْ بَنَوْهَا غَرْبِيَّ الْمِحْرَابِ الْكَبِيرِ، وَاتَّخَذُوا الْمِحْرَابَ حَشًّا - لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - فَنُظِّفَ الْمَسْجِدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأُعِيدَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّامِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدَّوْلَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَغُسِلَتِ الصَّخْرَةُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَأُعِيدَ غَسْلُهَا بِمَاءِ الْوَرْدِ الْفَاخِرِ، وَأُبْرِزَتْ لِلنَّاظِرِينَ، وَقَدْ كَانَتْ مَغْمُورَةً مَسْتُورَةً مَحْجُوبَةً عَنِ الزَّائِرِينَ، وَوُضِعَ الصَّلِيبُ الْمَنْصُوبُ عَنْ قُبَّتِهَا، وَعَادَتْ إِلَى حُرْمَتِهَا، وَقَدْ كَانَ الْفِرِنْجُ قَطَعُوا مِنْهَا قِطَعًا فَبَاعُوهَا إِلَى مُلُوكِ الْبُحُورِ بِزِنَتِهَا مِنَ الذَّهَبِ، فَتَعَذَّرَ اسْتِعَادَةُ مَا نَقَصَ مِنْهَا وَمَا ذَهَبَ. وَقُبِضَ مِنَ الْفِرِنْجِ مَا كَانُوا بَذَلُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ خَلْقًا مِنْهُمْ مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ بِمَنْ مَعَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَوَقَعَتِ الْمُسَامَحَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَشُفِعَ فِي أُنَاسٍ فَعُفِيَ عَنْهُمْ، وَفَرَّقَ السُّلْطَانُ جَمِيعَ مَا قَبَضَ مِنْهُمْ مِنَ الذَّهَبِ فِي الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا يُقْتَنَى وَيُدَّخَرُ. وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَلِيمًا كَرِيمًا مِقْدَامًا شُجَاعًا رَحِيمًا، أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ رَحْمَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقْبِلَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ إِلَيْهِ. [ذِكْرُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ أُقِيمَتْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ فَتْحِهِ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ] لَمَّا نُزِّهَ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الصُّلْبَانِ وَالنَّوَاقِيسِ، وَالرُّهْبَانِ وَالْخَنَازِيرِ وَالْقَسَاقِيسِ، وَدَخَلَهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَنُودِيَ بِالْأَذَانِ وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ وَقُرِئَ الْقُرْآنُ،
পৃষ্ঠা - ১০৫১৫
وَطَهُرَ الْمَكَانُ، فَكَانَ إِقَامَةُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ فِيهِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ شَعْبَانَ، بَعْدَ يَوْمِ الْفَتْحِ بِثَمَانٍ، فَنُصِبَ الْمِنْبَرُ إِلَى جَانِبِ الْمِحْرَابِ الْمُطَهَّرِ، وَبُسِطَتِ الْبُسُطُ الرَّفِيعَةُ فِي تِلْكَ الْعِرَاصِ الْوَسِيعَةِ، وَعُلِّقَتِ الْقَنَادِيلُ وَتُلِيَ التَّنْزِيلُ عِوَضًا عَمَّا كَانَ يُقْرَأُ مِنُ التَّحْرِيفِ فِي الْإِنْجِيلِ، وَجَاءَ الْحَقُّ وَبَطَلَتْ تِلْكَ الْأَبَاطِيلُ، وَصُفَّتِ السَّجَّادَاتُ وَكَثُرَتِ السَّجَدَاتُ، وَتَنَوَّعَتِ الْعِبَادَاتُ، وَأُدِيمَتِ الدَّعَوَاتُ، وَنَزَلَتِ الْبَرَكَاتُ، وَانْجَلَتِ الْكُرُبَاتُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَوَاتُ، وَنَطَقَ الْأَذَانُ، وَخَرِسَ النَّاقُوسُ، وَحَضَرَ الْمُؤَذِّنُونَ وَغَابَ الْقُسُوسُ، وَطَابَتِ الْأَنْفَاسُ، وَاطْمَأَنَّتِ النُّفُوسُ، وَأَقْبَلَتِ السُّعُودُ وَأَدْبَرَتِ النُّحُوسُ، وَحَضَرَ الْعِبَادُ وَالزُّهَّادُ وَالْأَبْدَالُ وَالْأَقْطَابُ وَالْأَوْتَادُ، وَعُبِدَ الْوَاحِدُ، وَكَثُرَ الرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ، وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ، وَامْتَلَأَ الْجَامِعُ، وَسَالَتْ لِرِقَّةِ الْقُلُوبِ الْمَدَامِعُ، وَقَالَ النَّاسُ: هَذَا يَوْمٌ كَرِيمٌ وَفَضْلٌ عَظِيمٌ وَمَوْسِمٌ وَسِيمٌ، وَهَذَا يَوْمٌ تُجَابُ فِيهِ الدَّعَوَاتُ وَتُصَبُّ الْبَرَكَاتُ وَتَسِيلُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ، وَكَادَتِ الْقُلُوبُ تَطِيرُ مِنَ الْفَرَحِ بِتِلْكَ الْحَالِ، وَلَمْ يَكُنِ السُّلْطَانُ إِلَى تِلْكَ السَّاعَةِ عَيَّنَ خَطِيبًا، وَقَدْ تَهَيَّأَ لَهَا خَلْقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ خَوْفًا أَنْ يَدَّعِيَ إِلَيْهَا أَحَدُهُمْ فَلَا يَكُونُ نَجِيبًا، فَبَرَزَ لِلْخُطَبَاءِ الْمَرْسُومُ السُّلْطَانِيُّ الصَّلَاحِيُّ، وَهُوَ فِي قُبَّةِ الصَّخْرَةِ الْغَرَّاءِ، أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ الْيَوْمَ خَطِيبًا، فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ السَّوْدَاءَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَقَدْ كَسَاهُ اللَّهُ الْبَهَاءَ، وَأَكْرَمَهُ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى وَأَعْطَاهُ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ وَالسَّنَاءَ، فَخَطَبَ بِالنَّاسِ خُطْبَةً عَظِيمَةً سَنِيَّةً فَصِيحَةً بَلِيغَةً، ذَكَرَ فِيهَا شَرَفَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبَاتِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي تَعْدِلُ الْكَثِيرَ مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَقَدْ أَوْرَدَهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ " بِطُولِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَا قَالَ حِينَ تَكَلَّمَ:
পৃষ্ঠা - ১০৫১৬
{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45] ثُمَّ أَوْرَدَ تَحْمِيدَاتِ الْقُرْآنِ كُلَّهَا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مُعِزِّ الْإِسْلَامِ بِنَصْرِهِ، وَمُذِلِّ الشِّرْكِ بِقَهْرِهِ، وَمُصَرِّفِ الْأُمُورِ بِأَمْرِهِ، وَمُدِيمِ النِّعَمِ بِشُكْرِهِ، وَمُسْتَدْرِجِ الْكَافِرِينَ بِمَكْرِهِ، الَّذِي قَدَّرَ الْأَيَّامَ دُوَلًا بِعَدْلِهِ، وَجَعَلَ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ بِفَضْلِهِ، وَأَفَاءَ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ ظِلِّهِ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، الْقَاهِرِ فَوْقَ عِبَادِهِ فَلَا يُمَانَعُ، وَالظَّاهِرِ عَلَى خَلِيقَتِهِ فَلَا يُنَازَعُ، وَالْآمِرِ بِمَا يَشَاءُ فَلَا يُرَاجَعُ، وَالْحَاكِمِ بِمَا يُرِيدُ فَلَا يُدَافَعُ، أَحْمَدُهُ عَلَى إِظْفَارِهِ وَإِظْهَارِهِ، وَإِعْزَازِهِ لِأَوْلِيَائِهِ وَنَصْرِهِ لِأَنْصَارِهِ، وَتَطْهِيرِهِ بَيْتَهُ الْمُقَدَّسَ مِنْ أَدْنَاسِ الشِّرْكِ وَأَوْضَارِهِ، حَمْدَ مَنِ اسْتَشْعَرَ الْحَمْدَ بَاطِنَ سِرِّهِ وَظَاهِرَ جِهَارِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ شَهَادَةَ مَنْ طَهَّرَ بِالتَّوْحِيدِ قَلْبَهُ، وَأَرْضَى بِهِ رَبَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَافِعُ الشَّكِّ وَدَاحِضُ الشِّرْكِ، وَرَاحِضُ الْإِفْكِ، الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَعُرِجَ بِهِ مِنْهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَا، إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 15] ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى خَلِيفَتِهِ الصِّدِّيقِ السَّابِقِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوَّلِ مَنْ رَفَعَ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ شِعَارَ الصُّلْبَانِ، وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ذِي النُّورَيْنِ جَامِعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُزَلْزِلِ الشِّرْكِ، وَمُكَسِّرِ الْأَوْثَانِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعَيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
পৃষ্ঠা - ১০৫১৭
ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْعِظَةَ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَغْبِيطِ الْحَاضِرِينَ عَلَى مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا، فَذَكَرَ فَضَائِلَهُ وَمَآثِرَهُ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَثَانِي الْمَسْجِدَيْنِ، وَثَالِثُ الْحَرَمَيْنِ، لَا تُشَدُّ الرَّحَالُ بَعْدَ الْمَسْجِدَيْنِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تُعْقَدُ الْخَنَاصِرُ بَعْدَ الْمَوْطِنَيْنِ إِلَّا عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أُسَرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَصَلَّى فِيهِ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ الْكِرَامِ، وَمِنْهُ كَانَ الْمِعْرَاجُ إِلَى السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، ثُمَّ سَارَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْبُرَاقِ، وَهُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ يَوْمَ التَّلَاقِ، وَهُوَ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَقْصِدُ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَدْ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ. قُلْتُ: وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي أَسَّسَهُ أَوَّلًا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. كَمَا جَاءَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، ثُمَّ جَدَّدَ بِنَاءَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " السُّنَنِ "، وَ " صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ "، وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَأَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ خِلَالًا ثَلَاثًا ; حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدٌ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَذَكَرَ الْخَطِيبُ تَمَامُ الْخُطْبَتَيْنِ، وَدَعَا لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ، ثُمَّ لِلسُّلْطَانِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَبَعْدَ الصَّلَاةِ جَلَسَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ نَجَا الْمِصْرِيُّ عَلَى كُرْسِيِّ الْوَعْظِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، فَوَعَظَ
পৃষ্ঠা - ১০৫১৮
النَّاسَ وَكَانَ وَقْتًا مَشْهُودًا وَحَالًا مَحْمُودًا، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَاسْتَمَرَّ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ يَخْطُبُ بِالنَّاسِ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ أَرْبَعَ جُمُعَاتٍ، ثُمَّ قَرَّرَ السُّلْطَانُ لِلْقُدْسِ خَطِيبًا مُسْتَقِرًّا، وَأَرْسَلَ إِلَى حَلَبَ فَاسْتَحْضَرَ الْمِنْبَرَ الَّذِي كَانَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ كَانَ يُؤَمِّلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَمَا كَانَ إِلَّا عَلَى يَدَيْ بَعْضِ أَتْبَاعِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. نُكَتَةٌ غَرِيبَةٌ قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ ": وَقَدْ تَكَلَّمَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ أَبِي الْحَكَمِ الْأَنْدَلُسِيِّ - يَعْنِي ابْنَ بَرَّجَانَ - فِي أَوَّلِ سُورَةِ الرُّومِ إِخْبَارٌ عَنْ فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ أَيْدِي النَّصَارَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. قَالَ السَّخَاوِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْحُرُوفِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ فِيمَا يَزْعُمُ مِنْ قَوْلِهِ {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 1] [الرُّومِ: 1، 2] فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى التَّارِيخِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَجِّمُونَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ فِي سَنَةِ كَذَا، وَيُغْلَبُونَ فِي سَنَةِ كَذَا، عَلَى
পৃষ্ঠা - ১০৫১৯
مَا تَقْتَضِيهِ دَوَائِرُ التَّقَدْيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ نَجَامَةٌ وَافَقَتْ إِصَابَةً، إِنْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ عِلْمِ الْحُرُوفِ، وَلَا مِنْ بَابِ الْكَرَامَاتِ ; لِأَنَّهَا لَا تُنَالُ بِحِسَابٍ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَدْرِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ الْوَقْتَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ لَعَلِمَ الْوَقْتَ الَّذِي يُرْفَعُ فِيهِ. قُلْتُ: ابْنُ بَرَّجَانَ ذَكَرَ هَذَا فِي تَفْسِيرِهِ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ أُوقِفَ عَلَى ذَلِكَ فَطَمِعَ أَنْ يَعِيشَ إِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ ; لِأَنَّ مَوْلِدَهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةِ، فَتَهَيَّأَ لِأَسْبَابِ ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ أَعَدَّ مِنْبَرًا عَظِيمًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذَا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الصَّخْرَةُ الْعَظِيمَةُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ أَزَالَ مَا حَوْلَهَا وَعِنْدَهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَالصُّوَرِ وَالصُّلْبَانِ، وَأَظْهَرَهَا بَعْدَمَا كَانَتْ خَفِيَّةً مَسْتُورَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ، وَأَمَرَ الْفَقِيهَ ضِيَاءَ الدِّينِ عِيسَى الْهَكَّارِيَّ أَنْ يَعْمَلَ حَوْلَهَا شَبَابِيكَ مِنْ حَدِيدٍ، وَرَتَّبَ لَهَا إِمَامًا
পৃষ্ঠা - ১০৫২০
رَاتِبًا، وَوَقَفَ عَلَيْهِ رِزْقًا جَيِّدًا، وَكَذَلِكَ عَلَى إِمَامِ مِحْرَابِ الْأَقْصَى، وَعَمِلَ لِلشَّافِعِيَّةِ الْمَدْرَسَةَ الصَّلَاحِيَّةَ وَيُقَالُ لَهَا: النَّاصِرِيَّةُ. أَيْضًا، وَكَانَ مَوْضِعُهَا كَنِيسَةً عَلَى صَنَدِ حَنَّةَ أَيْ قَبْرِ حَنَّةَ أُمِّ مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَوَقَفَ عَلَى الصُّوفِيَّةِ رِبَاطًا كَانَ دَارًا لِلتَّبَرُّكِ إِلَى جَنْبِ الْقُمَامَةِ، وَأَجْرَى عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ الْجَامَكِيَّاتِ وَالْجَرَّايَاتِ، وَأَرْصَدَ الْخَتَمَاتِ وَالرَّبَعَاتِ فِي أَرْجَاءِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، لِمَنْ يَقْرَأُ أَوْ يَنْظُرُ فِيهَا مِنَ الْمُقِيمِينَ وَالزَّائِرِينَ. وَتَنَافَسَ بَنُو أَيُّوبَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ لِلْقَادِمِينَ وَالظَّاعِنِينَ وَالْقَاطِنِينَ، فَجَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا أَجْمَعِينَ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى هَدْمِ قُمَامَةَ وَجَعْلِهَا دَكًّا لِتَنْحَسِمَ مَادَّةُ النَّصَارَى مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَتْرُكُونَ الْحَجَّ إِلَى هَذِهِ الْبُقْعَةِ، وَلَوْ تَرَكْتَهَا قَاعًا صَفْصَفًا، وَقَدْ فَتَحَ هَذِهِ الْبَلَدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَتَرَكَ هَذِهِ الْكَنِيسَةَ بِأَيْدِيهِمْ، فَلَكَ فِي ذَلِكَ أُسْوَةٌ. فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا عَلَى حَالِهَا تَأَسِّيًا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَحَدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ، وَلَمْ يَتْرُكْ بِهَا مِنَ النَّصَارَى سِوَى أَرْبَعَةٍ يَخْدُمُونَهَا، وَحَالَ بَيْنَ النَّصَارَى وَبَيْنَهَا، وَهَدَمَ الْمَقَابِرَ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ عِنْدَ بَابِ الرَّحْمَةِ، وَعَفَّى آثَارَهَا، وَهَدَمَ مَا كَانَ هُنَاكَ مِنَ الْقِبَابِ وَعَجَّلَ دَمَارَهَا. وَأَمَّا أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِالْقُدْسِ ; فَإِنَّ السُّلْطَانَ أَطْلَقَهُمْ، وَأَطْلَقَ لَهُمْ إِعْطَاءَاتٍ هَنِيَّةً، وَكَسَاهُمْ حُلَلًا سَنِيَّةً، وَانْطَلَقَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى وَطَنِهِ، وَعَادَ إِلَى أَهْلِهِ وَسَكَنِهِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ وَمِنَنِهِ.
পৃষ্ঠা - ১০৫২১
فَصْلٌ لَمَّا قَرَّرَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ مَا ذَكَرْنَاهُ انْفَصَلَ عَنْهَا فِي الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَمَرَ وَلَدَهُ الْعَزِيزَ بِالرُّجُوعِ إِلَى مِصْرَ، وَسَارَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ فَقَصَدَ مَدِينَةَ صُورَ وَكَانَتْ قَدْ تَأَخَّرَتْ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ النَّوَاحِي، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهَا بَعْدَ وَقْعَةِ حِطِّينَ رَجُلٌ مِنَ التُّجَّارِ يُقَالُ لَهُ: الْمَرْكِيسُ، فَحَصَّنَهَا وَضَبَطَ أَمَرَهَا وَحَفَرَ حَوْلَهَا خَنْدَقًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَجُمْهُورُهَا فِي الْبَحْرِ، وَجَاءَ السُّلْطَانُ بِجَيْشِهِ فَحَاصَرَهَا مُدَّةً، وَاسْتَدْعَى بِالْأُسْطُولِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي الْبَحْرِ، فَاحْتَاطَ بِهَا بَرًّا وَبَحْرًا، فَعَدَتِ الْفِرِنْجُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي عَلَى خَمْسِ شُوَانٍ مِنَ الْأُسْطُولِ، فَمَلَكَتْهَا وَنَكَبَتْهَا، فَأَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ وَاجِمِينَ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْبَرْدُ وَقَلَّتِ الْأَزْوَادُ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحَاتُ وَكَلَّ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْمُحَاصَرَاتِ، فَسَأَلُوا السُّلْطَانَ أَنْ يَنْصَرِفَ بِهِمْ إِلَى دِمَشْقَ فِي هَذَا الْوَقْتِ حَتَّى يَسْتَرِيحُوا ثُمَّ يَعُودُوا إِلَيْهَا بَعْدَ هَذَا الْحِينِ، فَأَجَابَهُمْ بَعْدَ تَمَنُّعٍ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ السُّورَ مِنْ صُورَ كَانَ قَدْ هُدِمَ أَكْثَرُهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْفَتْحُ وَالنَّجْحُ، فَتَوَجَّهَ إِلَى دِمَشْقَ وَاجْتَازَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى عَكَّا وَتَفَرَّقَتِ الْعَسَاكِرُ كُلٌّ إِلَى بَلَدِهِ وَرُسْتَاقِهِ، مُسْتَصْحِبًا كَثْرَةَ حَنِينِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ وَاشْتِيَاقِهِ. وَأَمَّا السُّلْطَانُ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَى عَكَّا نَزَلَ بِقَلْعَتِهَا وَأَسْكَنَ وَلَدَهُ الْأَفْضَلَ بُرْجُ الدَّاوِيَّةِ، وَوَلَّى نِيَابَتَهَا عِزَّ الدِّينِ جُرْدَيْكَ، وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى السُّلْطَانِ بِتَخْرِيبِ مَدِينَةِ عَكَّا خَوْفًا مِنْ عَوْدِ الْفِرِنْجِ إِلَيْهَا، فَكَادَ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَيْتَهُ فَعَلَ،
পৃষ্ঠা - ১০৫২২
بَلْ وَكَّلَ بِعِمَارَتِهَا وَتَجْدِيدِ مَحَاسِنِهَا بَهَاءَ الدِّينِ قَرَاقُوشَ التَّقَوِيَّ، وَوَقَفَ دَارَ الْإِسْبِتَارِ نِصْفَيْنِ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَجَعَلَ دَارَ الْأَسْقُفِ مَارَسْتَانًا وَوَقَفَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْقَافًا دَارَّةً، وَوَلَّى نَظَرَ ذَلِكَ لِقَاضِيهَا جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي النَّجِيبِ، وَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِآرَائِهِ مُصِيبٌ. وَلَمَّا فَرَغَ السُّلْطَانُ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوبِ، وَأَزَالَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ الْكُرُوبَ، وَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، أَبْهَجَ الْعُيُونَ وَسَرَّ الْقُلُوبَ وَجَاءَتْهُ رُسُلُ الْمُلُوكِ بِالتَّهَانِي مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ وَالْأَمْصَارِ بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا الَّتِي تَبْهَرُ الْأَبْصَارَ، وَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِ يَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا ; أَنَّهُ بَعَثَ فِي بِشَارَةِ الْفَتْحِ بِحِطِّينَ مَعَ شَابٍّ بَغْدَادِيٍّ كَانَ وَضِيعًا عِنْدَهُمْ، لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ، وَأَرْسَلَ بِفَتْحِ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ مَعَ نَجَّابٍ، وَلَقَّبَ نَفْسَهُ بِالْمَلِكِ النَّاصِرِ مُضَاهَاةً لِلْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ، فَتَلَقَّى الرَّسُولَ بِالْبِشْرِ وَاللُّطْفِ، وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُ إِلَّا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ مِمَّا وَقَعَ بِأَنَّ الْحَرْبَ كَانَتْ قَدْ شَغَلَتْهُ عَنِ التَّرَوِّي فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَأَمَّا لَقَبُهُ بِالنَّاصِرِ فَهُوَ مِنْ أَيَّامِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضِيءِ، وَمَعَ هَذَا فَمَهْمَا لَقَّبَنِي بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَتَأَدَّبَ مَعَ الْخَلِيفَةِ غَايَةَ الْأَدَبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ بَيْنَ الْمَلِكِ شِهَابِ الدِّينِ الْغُورِيِّ صَاحِبِ غَزْنَةَ وَبَيْنَ مَلِكِ الْهِنْدِ الْكَبِيرِ، فَأَقْبَلَتِ الْهُنُودُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْجُنُودِ وَمَعَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِيلًا، فَانْهَزَمَتْ مَيْمَنَةُ الْمُسْلِمِينَ وَمَيْسَرَتُهُمْ، وَقِيلَ لِلْمَلِكِ: انْجُ بِنَفْسِكَ. فَمَا زَادَهُ إِلَّا إِقَدْامًا، فَحَمَلَ عَلَى الْفِيَلَةِ فَجَرَحَ بَعْضَهَا - وَجُرْحُ الْفِيلِ لَا يَنْدَمِلُ - فَرَمَاهُ بَعْضُ الْفَيَّالَةِ بِحَرْبَةٍ فِي سَاعِدِهِ فَخَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَخَرَّ صَرِيعًا، فَحَمَلَتِ الْهِنْدُ عَلَيْهِ لِيَأْخُذُوهُ، فَجَاحَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ لِيَحْمُوهُ، فَجَرَتْ عِنْدَهُ حَرْبٌ لَمْ يُسْمَعْ بِشِدَّتِهَا فِي مَوْقِفٍ، فَغَلَبَ