আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০৪৪২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالسُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ مُحَاصِرٌ حَلَبَ وَقَدْ أَشْرَفَ مِنْهَا عَلَى نَيْلِ الطَّلَبِ، فَسَأَلُوهُ وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَلَبُ وَأَعْمَالُهَا لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ فَقَطْ، فَكُتِبَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ، وَأُبْرِمَ الْحِسَابُ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ بَعَثَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ إِلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ يَسْأَلُ مِنْهُ زِيَادَةَ قَلْعَةِ عَزَازَ، عَلَى مَا شَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْإِعْزَازِ، وَأَرْسَلَ بِأُخْتٍ لَهُ صَغِيرَةٍ وَهِيَ الْخَاتُونُ بِنْتُ نُورِ الدِّينِ ; لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِ السُّؤَالِ، وَأَنْجَعَ لِحُصُولِ النَّوَالِ، فَحِينَ رَآهَا النَّاصِرُ قَامَ كَالْقَضِيبِ النَّاضِرِ، وَقَبَّلَ الْأَرْضَ، وَأَجَابَهَا إِلَى سُؤَالِهَا، وَأَطْلَقَ لَهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالتُّحَفِ مَا رَأَى أَنَّهُ عَلَيْهِ فَرْضٌ، ثُمَّ تَرَحَّلَ عَنْ حَلَبَ فَقَصَدَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا عَلَيْهِ فَحَاصَرَ حِصْنَهُمْ مِصْيَابَ فَقَتَلَ وَضَرَبَ وَسَبَى، وَأَخَذَ أَبْقَارَهُمْ، وَخَرَّبَ دِيَارَهُمْ، وَقَصَّرَ أَعْمَارَهُمْ، حَتَّى شَفَعَ فِيهِمْ خَالُهُ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ تِكِشَ صَاحِبُ حَمَاةَ ; لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ، فَقَبِلَ شَفَاعَتَهُ، وَقَدْ أَحْضَرَ إِلَيْهِ نَائِبُ بَعْلَبَكَّ الْأَمِيرُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُقَدَّمٍ -
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৩
الَّذِي كَانَ نَائِبَ دِمَشْقَ - جَمَاعَةً مِنْ أُسَارَى الْفِرِنْجِ الَّذِينَ عَاثُوا بِالْبِقَاعِ فِي غَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَاشْتِغَالِهِ بِحِصَارِ مِصْيَابَ، فَجَدَّدَ لَهُ الْعَزْمَ عَلَى غَزْوِ الْفِرِنْجِ وَالِانْبِعَاثِ فَصَالَحَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ أَصْحَابَ سِنَانٍ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى دِمَشْقَ فِي حِرَاسَةِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ تَلَقَّاهُ أَخُوهُ شَمْسُ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ فَتَسَالَمَا وَتَعَانَقَا وَتَنَاشَدَا الْأَشْعَارَ، وَلَمَّا دَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ فِي سَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ فَوَّضَهَا إِلَى أَخِيهِ شَمْسِ الدَّوْلَةِ تُوارَنْشَاهْ وَلَقَّبَهُ الْمَلِكَ الْمُعَظَّمَ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى السَّفَرِ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ الْقَاضِي كَمَالُ الدَّيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرُزُورِيُّ قَدْ تُوُفِّيَ فِي سَادِسِ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْقُضَاةِ، وَأَخَصِّ النَّاسِ بِنُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ، فَوَّضَ إِلَيْهِ نَظَرَ الْجَامِعِ وَدَارَ الضَّرْبِ وَعِمَارَةَ الْأَسْوَارِ وَالنَّظَرَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى بِالْقَضَاءِ لِابْنِ أَخِيهِ ضِيَاءِ الدِّينِ بْنِ تَاجِ الدِّينِ الشَّهْرُزُورِيِّ، فَأَمْضَى ذَلِكَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ ; رِعَايَةً لِحَقِّ الْكَمَالِ الشَّهْرُزُورِيِّ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ عَلَيْهِ ; بِسَبَبِ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِينَ كَانَ صَلَاحُ الدِّينِ شِحْنَةً بِدِمَشْقَ، وَكَانَ يُعَاكِسُهُ وَيُخَالِفُهُ، وَمَعَ هَذَا أَمْضَى وَصِيَّتَهُ لِابْنِ أَخِيهِ، فَجَلَسَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَلَى عَادَةِ عَمِّهِ وَقَاعِدَتِهِ وَرَسْمِهِ، وَبَقِيَ فِي نَفْسِ السُّلْطَانِ مِنْ تَوْلِيَةِ شَرَفِ الدِّينِ أَبَى سَعْدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ الْحَلَبِيِّ، وَكَانَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ فَوَعْدَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ قَضَاءَهَا، فَأَسَرَّ بِذَلِكَ إِلَى الْقَاضِي الْفَاضِلِ، فَأَشَارَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَلَى الضِّيَاءِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ مِنْ
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৪
الْقَضَاءِ فَاسْتَعْفَى فَأُعْفِيَ، وَتُرِكَ لَهُ وَكَالَةُ بَيْتِ الْمَالِ، وَوَلَّى السُّلْطَانُ ابْنَ أَبِي عَصْرُونَ عَلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ أَبَا الْمَعَالِي مُحَمَّدَ بْنَ زَكِيِّ الدِّينِ، وَالْأَوْحَدَ، عَنْهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ سَنَوَاتٍ اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ مُحْيِي الدِّينِ ; أَبُو حَامِدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ شَرَفِ الدِّينِ ; بِسَبَبِ ضَعْفِ بَصَرِهِ. وَفِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَقَفَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ قَرْيَةَ حَزْمٍ عَلَى الزَّاوِيَةِ الْغَزَّالِيَّةِ، وَمَنْ يَشْتَغِلُ بِهَا بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَوْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْفَقِيهُ، وَجَعَلَ النَّظَرَ لِقُطْبِ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيِّ مُدَرِّسِهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْرِ تَزَوَّجَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ بِالسِّتِّ خَاتُونَ عِصْمَةِ الدِّينِ بِنْتِ مُعِينِ الدِّينِ أَنُرَ، وَكَانَتْ زَوْجَةَ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودٍ، فَأَقَامَتْ بَعْدَهُ فِي الْقَلْعَةِ مُحْتَرَمَةً مُكَرَّمَةً، وَوَلِيَ تَزْوِيجَهَا مِنْهُ أَخُوهَا الْأَمِيرُ سَعْدُ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ أَنُرَ، وَحَضَرَ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ الْعَقْدَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعُدُولِ، وَبَاتَ النَّاصِرُ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا، ثُمَّ سَافَرَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مِنَ الدُّخُولِ بِهَا، فَرَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَنَزَلَ بِمَرْجِ الصُّفَّرِ، ثُمَّ سَافَرَ فَعَشَا قَرِيبًا مِنَ الصَّنَمَيْنِ، ثُمَّ أَجَدَّ السَّيْرَ حَتَّى كَانَ دُخُولُهُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ يَوْمَ السَّبْتِ سَادِسَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ. وَقَدْ تَلَقَّاهُ أَخُوهُ
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৫
وَنَائِبُهُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عِنْدَ بَحْرِ الْقُلْزُمِ وَمَعَهُ مِنَ الْهَدَايَا شَيْءٌ كَثِيرٌ وَلَا سِيَّمَا الْمَآكِلُ الْمُتَنَوِّعَةُ، وَكَانَ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَدَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَشَرَعَ يَذْكُرُ مَحَاسِنَهَا، وَمَا اخْتُصَّتْ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْبُلْدَانِ، وَوَصَفَ الْهَرَمَيْنِ، وَشَبَّهَهُمَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّشْبِيهَاتِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ حَسْبَ مَا ذَكَرَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ ". وَفِي شَعْبَانَ رَكِبَ السُّلْطَانُ النَّاصِرُ بْنُ أَيُّوبَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأَسْمَعَ وَلَدَيْهِ الْأَفْضَلَ عَلِيًّا، وَالْعَزِيزَ عُثْمَانَ عَلَى الْحَافِظِ السَّلَفِيِّ، وَتَرَدَّدَ بِهِمَا إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ رَابِعَ رَمَضَانَ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ عَلَى الصِّيَامِ بِهَا، وَقَدْ كَمَّلَ عِمَارَةَ السُّورِ عَلَى الْبَلَدِ، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْأُسْطُولِ وَإِصْلَاحِ مَرَاكِبِهِ وَسُفُنِهِ وَشَحْنِهِ بِالرِّجَالِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِغَزْوِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَأَقْطَعَهُمُ الْإِقْطَاعَاتِ الْجَزِيلَةَ، وَأَرْصَدَ لِصَالِحِ الْأُسْطُولِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ شُئُونِهِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ فِي أَثْنَاءِ رَمَضَانَ فَأَكْمَلَ صَوْمَهُ بِهَا. وَفِيهَا أَمَرَ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ بِبِنَاءِ مَدْرَسَةٍ لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى قَبْرِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَجَعَلَ الشَّيْخَ نَجْمَ الدِّينِ الْخُبُوشَانِيَّ مُدَرِّسَهَا وَنَاظِرَهَا. وَفِيهَا أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَارَسْتَانِ بِالْقَاهِرَةِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ أَوْقَافًا كَثِيرَةً. وَفِيهَا بَنَى الْأَمِيرُ مُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ نَائِبُ قَلْعَةِ الْمَوْصِلِ جَامِعًا حَسَنًا وَرِبَاطًا وَمَدْرَسَةً وَمَارَسْتَانًا
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৬
مُتَجَاوِرَاتٍ بِظَاهِرِ مَدِينَةِ الْمَوْصِلِ وَقَدْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَلَهُ عِدَّةُ مَدَارِسَ وَخَانْقَاهَاتٍ وَجَوَامِعَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ دَيِّنًا خَيِّرًا فَاضِلًا حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ، يُذَاكِرُ فِي الْأَدَبِ وَالْأَشْعَارِ وَالْفِقْهِ، كَثِيرَ الصِّيَامِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ. وَفِيهَا أُخْرِجَ الْمَجْذُومُونَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ أَهْلِ الْعَافِيَةِ - نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ - وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ " عَنِ امْرَأَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ " كُنْتُ أَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَكَأَنَّ رَجُلًا يُعَارِضُنِي كُلَّمَا مَرَرْتُ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى هَذَا الَّذِي تَرُومُهُ مِنِّي إِلَّا بِكِتَابٍ، فَتَزَوَّجَنِي عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَمَكَثْتُ مَعَهُ مُدَّةً ثُمَّ اعْتَرَاهُ انْتِفَاخٌ بِبَطْنِهِ فَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ بِهِ اسْتِسْقَاءً فَنُدَاوِيهِ لِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَدَ وَلَدًا كَمَا تَلِدُ النِّسَاءُ، وَإِذَا هُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ الْأَشْيَاءِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: عَلِيُّ بْنُ عَسَاكِرَ بْنِ الْمَرْحَبِ بْنِ الْعَوَّامِ، أَبُو الْحَسَنِ الْبَطَائِحِيُّ الْمُقْرِئُ اللُّغَوِيُّ، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَأَسْمَعَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَوَقَفَ كُتُبَهُ بِمَسْجِدِ ابْنِ جَرْدَةُ بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي شَعْبَانَ وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৭
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، أَبُو الْفَضْلِ، قَاضِي الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ، كَمَالُ الدَّيْنِ الشَّهْرُزُورِيُّ، الْمَوْصِلِيُّ، وَلَهُ بِهَا مَدْرَسَةٌ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ، وَأُخْرَى بِنَصِيبِينَ، وَكَانَ فَاضِلًا دَيِّنًا أَمِينًا ثِقَةً وَرِعًا، وَلِيَ الْقَضَاءَ بِدِمَشْقَ لِنُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ، وَاسْتَوْزَرَهُ أَيْضًا فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ السَّاعِي قَالَ: وَكَانَ يَبْعَثُهُ فِي الرَّسَائِلِ، كَتَبَ مَرَّةً عَلَى أَعْلَى قِصَّةٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَفِي: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّسُولُ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ تَحْتَ ذَلِكَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِ نُورُ الدِّينِ نَظَرَ الْجَامِعِ وَدَارَ الضَّرْبِ، وَعَمَّرَ لَهُ الْمَارَسْتَانَ وَالْمَدَارِسَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّاتِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِدِمَشْقَ. الْخَطِيبُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْوَزِيرِ أَبُو الْمَضَاءِ، خَطِيبُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَابْنُ وَزِيرِهَا، كَانَ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ بِدِيَارِ مِصْرَ لِلْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضِيءِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ، بِأَمْرِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، ثُمَّ حَظِيَ عِنْدَهُ حَتَّى جَعَلَهُ سَفِيرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ، وَكَانَ رَئِيسًا مُطَاعًا كَرِيمًا مُمَدَّحًا، يَتَرَامَى عَلَيْهِ الشُّعَرَاءُ وَالْأُدَبَاءُ. ثُمَّ جَعَلَ مَكَانَهُ فِي السِّفَارَةِ وَأَدَاءِ الرَّسَائِلِ ضِيَاءَ الدِّينِ ابْنَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّهْرُزُورِيَّ الْمُتَقَدِّمَ بِمَرْسُومٍ سُلْطَانِيٍّ، وَكَانَتْ وَظِيفَةً مُقَرَّرَةً.
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৮
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِبِنَاءِ قَلْعَةِ الْجَبَلِ وَإِحَاطَةِ سُورٍ عَلَى الْقَاهِرَةِ وَمِصْرَ يَشْمَلُهُمَا جَمِيعًا، فَعُمِّرَتْ قَلْعَةٌ لِلْمَلِكِ لَمْ يَكُنْ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِثْلُهَا وَلَا عَلَى شَكْلِهَا، وَوَلِيَ عِمَارَةَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ بَهَاءُ الدِّينِ قَرَاقُوشُ مَمْلُوكُ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ. وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الرَّمْلَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَفِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْهَا سَارَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ مِنْ مِصْرَ قَاصِدًا غَزْوَ الْفِرِنْجِ، فَانْتَهَى إِلَى بِلَادِ الرَّمْلَةِ فَسَبَى وَسَلَبَ وَغَنِمَ وَقَسَرَ وَكَسَرَ وَكَسَبَ، ثُمَّ تَشَاغَلَ جَيْشُهُ بِالْغَنَائِمِ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْقُرَى وَالْمَحَالِّ تَفَرُّقَ الْهَائِمِ، وَبَقِيَ السُّلْطَانُ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ مُنْفَرِدًا، فَهَجَمَتْ عَلَيْهِ الْفِرِنْجُ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، فَمَا سَلِمَ السُّلْطَانُ إِلَّا بَعْدَ جُهْدٍ جَهِيدٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ تَرَاجَعَ الْجَيْشُ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَوَقَعَتِ الْأَرَاجِيفُ فِي النَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَمَا صَدَّقَ أَهْلُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَمَا بَلَغَهُمْ مِنَ الْإِرْجَافِ وَالْإِرْهَابِ، وَصَارَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ:
পৃষ্ঠা - ১০৪৪৯
رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ وَمَعَ هَذَا دَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي الْبُلْدَانِ فَرَحًا بِسَلَامَةِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ تَجْرِ مِثْلُ هَذِهِ الْوَقْعَةِ إِلَّا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَذَلِكَ يَوْمَ حِطِّينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ السُّلْطَانُ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ ثَبَاتًا عَظِيمًا، وَأَسَرَ لِلْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ وَلَدُهُ شَاهِنْشَاهْ، فَبَقِيَ عِنْدَهُمْ سَبْعَ سِنِينَ، وَقُتِلَ ابْنُهُ الْآخَرُ، وَكَانَ شَابًّا قَدْ طَرَّ شَارِبُهُ، فَحَزِنَ عَلَى الْمَقْتُولِ وَالْمَفْقُودِ، وَصَبَرَ تَأَسِّيًا بِأَيُّوبَ، وَنَاحَ كَمَا نَاحَ دَاوُدُ، وَأُسِرَ الْفَقِيهَانِ الْأَخَوَانِ، ضِيَاءُ الدِّينِ عِيسَى، وَظَهِيرُ الدِّينِ، فَافْتَدَاهُمَا السُّلْطَانُ بَعْدَ سِنِينَ بِسَبْعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. وَفِيهَا تَخَبَّطَتِ الدَّوْلَةُ بِحَلَبَ، وَقَبَضَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُورِ الدِّينِ عَلَى الْخَادِمِ كُمُشْتِكِينَ، وَأَلْزَمَهُ بِتَسْلِيمِ قَلْعَةِ حَارِمٍ وَكَانَتْ لَهُ، فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَّقَهُ مَنْكُوسًا، وَدَخَّنَ تَحْتَ أَنْفِهِ حَتَّى مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَصَدَتِ الْفِرِنْجُ حَارِمًا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سُلِّمَتْ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ. وَفِيهَا جَاءَ مَلِكٌ كَبِيرٌ مِنْ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ يَرُومُ أَخْذَ الشَّامِ لِغَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَاشْتِغَالِ نُوَّابِهِ بِلَذَّاتِهِمْ. قَالَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ: وَمِنْ شَرْطِ هُدْنَةِ الْفِرِنْجِ أَنَّهُ مَتَى جَاءَ مَلِكٌ كَبِيرٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَيُؤَازِرُونَهُ وَيَنْصُرُونَهُ، فَإِذَا انْصَرَفَ
পৃষ্ঠা - ১০৪৫০
عَنْهُمْ عَادَتِ الْهُدْنَةُ كَمَا كَانَتْ ; فَقَصَدَ هَذَا الْمَلِكُ وَجُمْلَةُ الْفِرِنْجِ مَعَهُ مَدِينَةَ حَمَاةَ، وَصَاحِبُهَا شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودٌ خَالُ السُّلْطَانِ مَرِيضٌ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ مَشْغُولُونَ بِلَذَّاتِهِمْ، فَكَادُوا يَأْخُذُونَ الْبَلَدَ، وَلَكِنْ هَزَمَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَانْصَرَفُوا إِلَى حَارِمٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ أَخْذِهَا، وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا الْمَلِكُ الصَّالِحُ صَاحِبُ حَلَبَ وَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأُسَارَى مَا طَلَبُوهُ. وَتُوُفِّيَ صَاحِبُ حَمَاةَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ تِكِشَ، خَالُ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَلَدُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ بِنُزُولِ الْفِرِنْجِ عَلَى حَارِمٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ قَاصِدًا بِلَادَ الشَّامِ ; لِغَزْوِ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَانَ دُخُولُهُ إِلَى دِمَشْقَ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَصُحْبَتُهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَتَأَخَّرَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ بِمِصْرَ نَاوِيًا أَدَاءَ الْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ. وَفِيهَا جَاءَ كِتَابُ الْقَاضِي الْفَاضِلِ إِلَى النَّاصِرِ يُهَنِّئُهُ بِوُجُودِ مَوْلُودٍ لَهُ، وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ، وَبِهِ كَمَلَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ذَكَرًا، وَقَدْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَابْنَةٍ صَغِيرَةٍ اسْمُهَا مُؤْنِسَةُ، الَّتِي تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا الْمَلِكُ الْكَامِلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَادِلِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَرَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْعَامَّةِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّ مُؤَذِّنًا عِنْدَ كَنِيسَةِ الْيَهُودِ نَالَ مِنْهُ بَعْضُ الْيَهُودِ بِكَلَامٍ، فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُ، فَاقْتَتَلَا،
পৃষ্ঠা - ১০৪৫১
فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ يَشْتَكِي مِنْهُ إِلَى الدِّيوَانِ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ، وَكَثُرَتِ الْعَوَامُّ، وَأَكْثَرُوا الضَّجِيجَ، وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَنَعَتِ الْعَامَّةُ إِقَامَةَ الْخُطْبَةِ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ، وَخَرَجُوا مِنْ فَوْرِهِمْ، فَنَهَبُوا سُوقَ الْعَطَّارِينَ الَّذِي فِيهِ الْيَهُودُ، وَذَهَبُوا إِلَى كَنِيسَةِ الْيَهُودِ فَنَهَبُوهَا، وَلَمْ يَتَمَكَّنِ الشُّرَطُ مِنْ رَدِّهِمْ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِصَلْبِ بَعْضِ الْعَامَّةِ، فَأَخْرَجَ فِي اللَّيْلِ جَمَاعَةً مِنَ الشُّطَّارِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْحُبُوسِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ فَصُلِبُوا، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ هَذَا كَانَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَائِنَةِ. فَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِيهَا خَرَجَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ عَضُدُ الدَّوْلَةِ ابْنُ رَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ ابْنُ الْمُسْلِمَةِ قَاصِدًا الْحَجَّ، وَخَرَجَ النَّاسُ فِي خِدْمَتِهِ لِيُوَدِّعُوهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْبَاطِنِيَّةِ فِي صُورَةِ فُقَرَاءَ وَمَعَهُمْ قِصَصٌ، فَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ لِيُنَاوِلَهُ الْقِصَّةَ فَضَرَبَهُ بِالسِّكِّينِ ضَرَبَاتٍ، وَهَجَمَ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ فَهَبَرُوهُ وَجَرَحُوا جَمَاعَةً حَوْلَهُ، وَقُتِلَ الثَّلَاثَةُ مِنْ فَوْرِهِمْ وَحُرِّقُوا، وَرَجَعَ الْوَزِيرُ إِلَى مَنْزِلِهِ مَحْمُولًا فَمَاتَ فِي يَوْمِهِ، وَهَذَا الْوَزِيرُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ وَلَدَيِ الْوَزِيرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ وَأَعْدَمَهُمَا، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، جَزَاءً وِفَاقًا. {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: صَدَقَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْحَدَّادِ، قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ وَأَفْتَى، وَقَالَ الشِّعْرَ وَنَظَرَ فِي الْكَلَامِ وَنَاظَرَ، وَلَهُ تَارِيخٌ ذَيَّلَ فِيهِ عَلَى شَيْخِهِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ، وَفِيهِ غَرَائِبُ وَعَجَائِبُ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৫২
وَقَالَ ابْنُ السَّاعِي كَانَ شَيْخًا عَالِمًا فَاضِلًا وَكَانَ فَقِيرًا يَأْكُلُ مِنْ أُجْرَةِ النَّسْخِ، وَكَانَ يَأْوِي إِلَى مَسْجِدٍ بِبَغْدَادَ عِنْدَ الْبَدْرِيَّةِ يَؤُمُّ فِيهِ، وَكَانَ يَتَعَتَّبُ عَلَى الزَّمَانِ وَبَنِيهِ. وَرَأَيْتُ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ " يَذُمُّهُ وَيَرْمِيهِ بِالْعَظَائِمِ، وَأَوْرَدَ لَهُ مِنْ أَشْعَارِهِ مَا فِيهِ مُشَابَهَةٌ لِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ فِي الزَّنْدَقَةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ، وَرُوِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ غَيْرُ صَالِحَةٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَبُو الْمُظَفَّرِ الْحَنَفِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِالْمُشَطَّبِ، كَانَ مِنَ الْفُضَلَاءِ الْمَشَاهِيرِ، تَفَقَّهَ، وَدَرَسَ، وَأَفْتَى، وَنَاظَرَ. تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ. مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو مَنْصُورٍ الْعَطَّارُ، الْمَعْرُوفُ بِحَفَدَةَ، سَمِعَ الْكَثِيرَ وَتَفَقَّهَ وَنَاظَرَ وَأَفْتَى وَدَرَسَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ فَمَاتَ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مَحْمُودُ بْنُ تِكِشَ، شِهَابُ الدِّينِ الْحَارِمِيُّ خَالُ السُّلْطَانِ صَلَاحِ
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৩
الدِّينِ، مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ وَشُجْعَانِهِمْ، وَقَدْ أَقْطَعُهُ ابْنُ أُخْتِهِ حَمَاةَ حِينَ فَتَحَهَا، وَقَدْ حَاصَرَهُ الْفِرِنْجُ بِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَفَتَحُوهَا وَقَتَلُوا بَعْضَ أَهْلِهَا، فَرَدُّوهُمْ خَائِبِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَاطِمَةُ بِنْتُ نَصْرِ بْنِ الْعَطَّارِ كَانَتْ مِنْ سَادَاتِ النِّسَاءِ، وَهِيَ مِنْ سُلَالَةِ أُخْتِ صَاحِبِ الْمَخْزَنِ، وَكَانَتْ مِنَ الْعَابِدَاتِ الْمُتَوَرِّعَاتِ الْمُخَدَّرَاتِ، يُقَالُ: إِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهَا سِوَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهَا الْخَلِيفَةُ وَغَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৪
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا وَرَدَ كِتَابٌ مِنَ الْقَاضِي الْفَاضِلِ مِنْ مِصْرَ إِلَى السُّلْطَانِ وَهُوَ بِالشَّامِ يُهَنِّئُهُ بِسَلَامَةِ أَوْلَادِهِ الْمُلُوكِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، يَقُولُ فِي بَعْضِهِ: وَهُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ بَهْجَةُ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَرَيْحَانَةُ الْحَيَاةِ وَزَهْرَتُهَا، وَإِنَّ فُؤَادًا وَسِعَ فِرَاقَهُمْ لَوَاسِعٌ، وَإِنَّ قَلْبًا قَنِعَ بِأَخْبَارِهِمْ لَقَانِعٌ، وَإِنَّ طَرَفًا نَامَ عَنِ الْبُعْدِ عَنْهُمْ لَهَاجِعٌ، وَإِنَّ مَلِكًا مَلَكَ تَصَبُّرَهُ عَنْهُمْ لَحَازِمٌ، وَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ لَنِعْمَةٌ بِهَا الْعَيْشُ نَاعِمٌ، أَمَا يَشْتَاقُ جِيدُ الْمَوْلَى أَنْ يَتَطَوَّقَ بِدُرَرِهِمْ؟ أَمَا تَظْمَأُ عَيْنُهُ أَنْ تَتَرَوَّى بِنَظَرِهِمْ ; أَمَا يَحِنُّ قَلْبُهُ إِلَى قَلْبِهِ؟ أَمَا يَلْتَقِطُ هَذَا الطَّائِرُ بِتَقْبِيلِهِمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ حُبِّهِ؟ وَلِلْمَوْلَى - أَبْقَاهُ اللَّهُ - أَنْ يَقُولَ: وَمَا مِثْلُ هَذَا الشَّوْقِ تَحْمِلُ مُضْغَةٌ ... وَلَكِنَّ قَلْبِي فِي الْهَوَى يَتَقَلَّبُ وَفِيهَا أَسْقَطَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ الْمُكُوسَ وَالضَّرَائِبَ عَنِ الْحُجَّاجِ بِمَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ حُجَّاجِ الْغَرْبِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ حُبِسَ فَرُبَّمَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَعَوَّضَ أَمِيرَهَا بِمَالٍ يُقْطَعُهُ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَأَنْ يُحْمَلَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةُ آلَافِ إِرْدَبٍّ غَلَّةً إِلَى مَكَّةَ ; لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ وَلِأَتْبَاعِهِ، وَرِفْقًا بِمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْمُجَاوِرِينَ مِنَ ابْتِيَاعِهِ، وَقَرَّرَ لِلْمُجَاوِرِينَ أَيْضًا غَلَّاتٍ تُحْمَلُ إِلَيْهِمْ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৫
وَفِيهَا عَصَى الْأَمِيرُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُقَدَّمٍ بِبَعْلَبَكَّ، وَلَمْ يَجِئْ إِلَى خِدْمَةِ السُّلْطَانِ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَى ظَاهِرِ حِمْصَ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَخَا السُّلْطَانِ تُورَانْشَاهْ طَلَبَ بَعْلَبَكَّ مِنَ السُّلْطَانِ فَأَطْلَقَهَا لَهُ، فَامْتَنَعَ ابْنُ الْمُقَدَّمِ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا حَتَّى جَاءَ السُّلْطَانُ بِنَفْسِهِ، فَحَصَرَهُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، حَتَّى جَاءَتِ الْأَمْطَارُ وَالْبَرَدُ، فَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ فِي رَجَبٍ، وَوَكَّلَ بِالْبَلَدِ مَنْ يَحْصُرُهُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، ثُمَّ عَوَّضَ ابْنَ الْمُقَدَّمِ عَنْهَا بِتَعْوِيضٍ كَثِيرٍ خَيْرٍ مِمَّا كَانَ بِيَدِهِ، فَخَرَجَ مِنْهَا وَتَسَلَّمَهَا تُورَانْشَاهْ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَكَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ غَلَاءٌ شَدِيدٌ بِسَبَبِ قِلَّةِ الْمَطَرِ، عَمَّ الْعِرَاقَ وَالشَّامَ وَدِيَارَ مِصْرَ، وَاسْتَمَرَّ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَجَاءَ الْمَطَرُ وَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ، وَلَكِنْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ، وَعَمَّ الْبِلَادَ مَرَضٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ السِّرْسَامُ، فَمَا ارْتَفَعَ إِلَّا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ، فَمَاتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُمَمٌ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُمْ. وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا وَصَلَتْ خُلَعُ الْخَلِيفَةِ إِلَى الْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ، وَكَانَتْ سَنِيَّةً عَظِيمَةً جِدًّا، وَزِيدَ فِي أَلْقَابِهِ، مُعِزُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَخَلَعَ عَلَى أَخِيهِ تُورَانْشَاهْ وَلُقِّبَ بِمُصْطَفَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِيهَا جَهَّزَ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ ابْنَ أَخِيهِ فَرُّوخْشَاهْ بْنَ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ الَّذِينَ قَدْ عَزَمُوا عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَاثُوا فِي نَوَاحِي دِمَشْقَ وَقُرَاهَا، فَنَهَبُوا مِمَّا حَوْلَهَا وَأَرْجَاءَهَا، وَأَمْرَهُ أَنْ يُدَارِيَهُمْ حَتَّى يَتَوَسَّطُوا الْبِلَادَ، وَلَا يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يَقَدَمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا عَاجَلُوهُ بِالْقِتَالِ، فَكَسَرَهُمْ وَقَتَلَ مِنْ مُلُوكِهِمْ
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৬
صَاحِبَ النَّاصِرَةِ الْهَنْفَرِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ مُلُوكِهِمْ وَشُجْعَانِهِمْ، لَا يُنَهْنِهُهُ اللِّقَاءَ، فَكَبَتَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ فِي إِثْرِ ابْنِ أَخِيهِ فَمَا وَصَلَ إِلَى الْكُسْوَةِ حَتَّى تَلَقَّتْهُ الرُّءُوسُ عَلَى الرِّمَاحِ، وَالْغَنَائِمُ وَالْأُسَارَى، وَالْجَيْشُ فِي سُمْرِهِ وَبَيْضِهِ مِنَ الْبَنَادِقِ وَالصِّفَاحِ. وَفِيهَا بَنَتِ الْفِرِنْجُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - قَلْعَةً عِنْدَ بَيْتِ الْأَحْزَانِ لِلدَّاوِيَةِ، فَجَعَلُوهَا مَرْصَدًا لِحَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَطْعِ طَرِيقِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَنَقَضَتْ مُلُوكُهُمُ الْعُهُودَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَلَاحِ الدِّينِ، وَأَغَارُوا عَلَى نَوَاحِي الْبُلْدَانِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; لِيَشْغَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ، وَتَفَرَّقَتْ جُيُوشُهُمْ فَلَا تَجْتَمِعُ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَرَتَّبَ السُّلْطَانُ ابْنَ أَخِيهِ تَقِيَّ الدِّينِ عُمَرَ بِثَغْرِ حَمَاةَ وَمَعَهُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ مُقَدَّمٍ وَسَيْفُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَشْطُوبُ، وَبِثَغْرِ حِمْصَ ابْنَ عَمِّهِ نَاصِرَ الدِّينِ بْنَ أَسَدِ الدِّينِ شَيرَكُوهْ، وَبَعَثَ إِلَى أَخِيهِ سَيْفِ الدِّينِ أَبِي بَكْرٍ الْعَادِلِ نَائِبِهِ بِمِصْرَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ يَسْتَعِينُ بِهِمْ عَلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، وَكَتَبَ إِلَى الْفِرِنْجِ يَأْمُرُهُمْ بِتَخْرِيبِ هَذَا الْحِصْنِ الَّذِي بَنَوْهُ لِلدَّاوِيَةِ، فَامْتَنَعُوا إِلَّا أَنْ يَبْذُلَ لَهُمْ مَا غَرِمُوهُ عَلَيْهِ، فَبَذَلَ لَهُمْ سِتِّينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَلَمْ يَقْبَلُوا، فَوَصَلَهُمْ إِلَى مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَأَبَوْا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَخِيهِ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ: ابْذُلْ هَذِهِ فِي جُنُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَسِرْ إِلَى هَذَا الْحِصْنِ فَخَرِّبْهُ. فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ وَخَرَّبَهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَضِيءُ بِكِتَابَةِ لَوْحٍ عَلَى قَبْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فِيهِ
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৭
آيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَبَعْدَهَا: هَذَا قَبْرُ تَاجِ السُّنَّةِ، وَحِيدِ الْأُمَّةِ، الْعَالِي الْهِمَّةِ، الْعَالِمِ الْعَابِدِ الْفَقِيهِ الزَّاهِدِ. وَذَكَرَ تَارِيخَ وَفَاتِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا احْتِيطَ بِبَغْدَادَ عَلَى شَاعِرٍ يُنْشِدُ لِلرَّوَافِضِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ قَرَايَا. يَقِفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَذْكُرُ أَشْعَارًا يُضَمِّنُهَا ذَمَّ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَبَّهُمْ، وَتَجْوِيرَهُمْ، وَتَهْجِينَ مَنْ أَحَبَّهُمْ، فَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ، وَاسْتُنْطِقَ فَإِذَا هُوَ رَافِضِيٌّ جَلْدٌ دَاهِيَةٌ، فَأَفْتَى الْفُقَهَاءُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ وَيَدَيْهِ، فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَطَفَتْهُ الْعَامَّةُ فَمَا زَالُوا يَرْمُونَهُ بِالْآجُرِّ حَتَّى أَلْقَى نَفْسَهُ فِي دِجْلَةَ، فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْهَا وَقَتَلُوهُ حَتَّى مَاتَ، فَأَخَذُوا شَرِيطًا وَرَبَطُوهُ فِي رِجْلَيْهِ وَطَوَّفُوا بِهِ فِي الْبَلَدِ يُجَرْجِرُونَهُ فِي أَكْنَافِهَا، ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بَعْضِ الْأَتُونَاتِ مَعَ الْآجُرِّ وَالْكِلْسِ، وَعَجَزَ الشُّرَطُ عَنْ تَخْلِيصِهِ مِنْهُمْ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَسْعَدُ بْنُ بَلْدَرْكَ أَبُو أَحْمَدَ الْجِبْرِيلِيُّ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ شَيْخًا ظَرِيفًا، حَسَنَ الْمُذَاكَرَةِ، جَيِّدَ النَّادِرَةِ، سَرِيعَ الْمُبَادَرَةِ، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. مُحَمَّدُ بْنُ نَسِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطُ، عَتِيقُ الرَّئِيسِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَيْشُونَ، سَمِعَ الْحَدِيثَ وَقَارَبَ الثَّمَانِينَ، سَقَطَ مِنْ دَرَجَةٍ فَمَاتَ.
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৮
قَالَ: أَنْشَدَنِي مَوْلَى وَالِدِي، يَعْنِي ابْنَ أَعْلَى الْحَكِيمَ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ عَيْشُونَ: الْقَارِئُ التَّشْرِيحَ أَجْدَرُ بِالتُّقَى ... مِنْ رَاهِبٍ فِي دَيْرِهِ مُتَقَوِّسِ وَمُرَاقِبُ الْأَفِلَاكِ كَانَتْ نَفْسُهُ ... بِعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ أَحْرَى الْأَنْفُسِ وَالْمَاسِحُ الْأَرْضِينَ وَهْيَ فَسِيحَةٌ ... أَوْلَى بِمَسْحٍ فِي أَكُفِّ اللُّمَّسِ أَوْلَى بِخَشْيَةِ رَبِّهِ مِنْ جَاهِلٍ ... بِمُثَلَّثٍ وَمُرَبَّعٍ وَمُخَمَّسِ الْحَيْصَ بَيْصَ سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْفَوَارِسِ الصَّيْفِيُّ، الشَّاعِرُ، لَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ مَشْهُورٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ خَامِسَ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَدُفِنَ بِبَابِ التِّبْنِ، وَلَمْ يُعْقِبْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمُرَاسَلَاتِ بَدِيلٌ، كَانَ يَتَقَعَّرُ فِيهَا وَيَتَفَاصَحُ جِدًّا، فَلَا تُوَاتِيهِ إِلَّا وَهِيَ مُعَجْرَفَةٌ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَسُئِلَ أَبُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُهُ إِلَّا مِنْهُ. فَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ يَهْجُوهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ ذَلِكَ: كَمْ تَبَادَى وَكَمْ تُطَوِّلُ طُرْطُو ... رَكَ مَا فِيكَ شَعْرَةٌ مِنْ تَمِيمِ فَكُلِ الضَّبَّ وَابْلَعِ الْحَنْظَلَ الْيَا ... بِسَ وَاشْرَبْ إِنْ شِئْتَ بَوْلَ الظَّلِيمِ لَيْسَ ذَا وَجْهُ مَنْ يُضِيفُ وَلَا يَقْ ... رِي وَلَا يَدْفَعُ الْأَذَى عَنْ حَرِيمِ
পৃষ্ঠা - ১০৪৫৯
وَمِنْ شِعْرِ الْحَيْصَ بَيْصَ الْجَيِّدِ: سَلَامَةُ الْمَرْءِ سَاعَةً عَجَبُ ... وَكُلُّ شَيْءٍ لِحَتْفِهِ سَبَبُ يَفِرُّ وَالْحَادِثَاتُ تَطْلُبُهُ ... يَفِرُّ مِنْهَا وَنَحْوَهَا الْهَرَبُ فَكَيْفَ يَبْقَى عَلَى تَقَلُّبِهِ ... مُسَلَّمًا مَنْ حَيَاتُهُ الْعَطَبُ وَمِنْ شِعْرِهِ أَيْضًا: لَا تَلْبَسِ الدَّهْرَ عَلَى غِرَّةٍ ... فَمَا لِمَوْتِ الْحَيِّ مِنْ بُدِّ وَلَا يُخَادِعْكَ طَوِيلُ الْبَقَا ... فَتَحْسَبَ الطُّولَ مِنَ الْخُلْدِ يَقْرُبُ مَا كَانَ لَهُ آخِرٌ ... مَا أَقْرَبَ الْمَهْدَ مِنَ اللَّحْدِ وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ " الْعِقْدِ "، وَهُوَ أَبُو عُمَرَ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي " عِقْدِهِ ": أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا غُضَارَةُ أَيْكَةٍ ... إِذَا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ وَمَا الدَّهْرُ وَالْآمَالُ إِلَّا فَجَائِعٌ ... عَلَيْهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلَّا مَصَائِبُ فَلَا تَكْتَحِلْ عَيْنَاكَ مِنْهَا بِعَبْرَةٍ ... عَلَى ذَاهِبٍ مِنْهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ حَيْصَ بَيْصَ هَذَا فِي " ذَيْلِهِ "، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَسَمَّعَ عَلَيْهِ دِيوَانَهُ وَرَسَائِلَهُ، وَأَثْنَى عَلَى رَسَائِلِهِ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ، وَقَالَ: كَانَ فِيهِ تِيهٌ وَتَعَاظُمٌ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا مُعْرِبًا، وَكَانَ فَقِيهًا شَافِعِيَّ
পৃষ্ঠা - ১০৪৬০
الْمَذْهَبِ، وَاشْتَغَلَ بِالْخِلَافِ وَعِلْمِ النَّظَرِ، ثُمَّ تَشَاغَلَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالشِّعْرِ، وَكَانَ مَنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِأَشْعَارِ الْعَرَبِ، وَاخْتِلَافِ لُغَاتِهِمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: الْحَيْصَ بَيْصَ ; لِأَنَّهُ رَأَى النَّاسَ فِي حَرَكَةٍ وَاخْتِلَاطٍ، فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ فِي حَيْصَ بَيْصَ. أَيْ فِي شِدَّةٍ وَهَرَجٍ، فَغَلَبَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ. وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ طَبِيبِ الْعَرَبِ. وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا. كَانَتْ لَهُ حَوَالَةٌ بِالْحِلَّةِ، فَذَهَبَ يَتَقَاضَاهَا، فَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
পৃষ্ঠা - ১০৪৬১
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ عُيُونٍ. اسْتُهِلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالسُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ نَازِلٌ بِجَيْشِهِ عَلَى تَلِّ الْقَاضِي بِبَانِيَاسَ، ثُمَّ قَصَدَهُ الْفِرِنْجُ بِجَمْعِهِمْ، فَنَهَضَ إِلَيْهِمْ نُهُوضَ الْأَسَدِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَوَاجَهَ الْفَرِيقَانِ وَاصْطَدَمَ الْجُنْدَانِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَعْدَاءَ وَحْدَهُ، فَفَرَّتْ أَلْوِيَةُ الصُّلْبَانِ ذَاهِبَةً، وَخَيْلُ اللَّهِ لِرِقَابِهِمْ رَاكِبَةٌ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَأُسِرَ مِنْ مُلُوكِهِمْ جَمَاعَةٌ، وَأَنَابُوا إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، مِنْهُمْ مُقَدَّمُ الدَّاوِيَّةِ، وَمُقَدَّمُ الْإِسْبِتَارِيَّةِ وَصَاحِبُ الرَّمْلَةِ وَصَاحِبُ طَبَرِيِّةَ وَقَسْطَلَانُ يَافَا وَآخَرُونَ مِنْ مُلُوكِهِمْ، وَخَلْقٌ مِنْ شُجْعَانِهِمْ وَأَبْطَالِهِمْ، وَمِنْ فُرْسَانِ الْقُدْسِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَسِيرٍ مِنْ أَشْرَافِ النَّصَارَى، فَصَارُوا يَتَهَادَوْنَ فِي قُيُودِهِمْ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى. قَالَ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ: فَاسْتَعْرَضَهُمُ السُّلْطَانُ فِي اللَّيْلِ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ عَلَى الظَّلْمَاءِ، وَصَلَّى يَوْمَئِذٍ الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ جَالِسًا لَيْلَتَئِذٍ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৪৬২
نَحْوِ الْعِشْرِينَ وَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُدَّةِ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ، ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى دِمَشْقَ ; لِيُعْتَقَلُوا بِقَلْعَتِهَا وَلِيَكُونُوا فِي كَنَفِ دَوْلَتِهَا، فَافْتَدَى ابْنُ الْبَارِزَانِيِّ صَاحِبُ الرَّمْلَةِ نَفْسَهُ بَعْدَ سَنَةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ صُورِيَّةٍ وَإِطْلَاقِ أَلْفِ أَسِيرٍ مِنْ بِلَادِهِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَا افْتَدَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ وَتُحَفٍ جَلِيلَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَاتَ فِي السِّجْنِ، فَانْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى سِجِّينٍ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِالْكَافِرِينَ. وَاتَّفَقَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي ظَفِرَ فِيهِ السُّلْطَانُ عَلَى الْفِرِنْجِ بِمَرْجِ عُيُونٍ، ظَهَرَ أُسْطُولُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَطْسَةٍ لِلْفِرِنْجِ فِي الْبَحْرِ وَأُخْرَى مَعَهَا فَغَنِمُوا مِنْهَا أَلْفَ رَأْسٍ مِنَ السَّبْيِ، وَعَادَ إِلَى السَّاحِلِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، وَقَدِ امْتَدَحَ الشُّعَرَاءُ السُّلْطَانَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ بِمَدَائِحَ كَثِيرَةٍ، وَكُتِبَ بِذَلِكَ إِلَى بَغْدَادَ فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِهَا فَرَحًا وَسُرُورًا بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ الْمُلْحِدِينَ. وَكَانَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ غَائِبًا عَنْ هَذِهِ الْوَقْعَةِ مُشْتَغِلًا بِمَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ قِلْجَ أَرَسْلَانَ بَعَثَ يَطْلُبُ حِصْنَ رُعْبَانَ، وَزَعَمَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ اغْتَصَبَهُ مِنْهُ، وَأَنَّ وَلَدَهُ قَدْ أَغْضَى لَهُ عَنْهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ السُّلْطَانُ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ إِلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَ صَاحِبُ الرُّومِ عِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ يُحَاصِرُونَهُ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ فِي ثَمَانِمِائَةِ فَارِسٍ مِنْهُمْ