আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة

ما وقع فيها من الأحداث

পৃষ্ঠা - ১০৩৯৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ ": إِنَّهُ سَقَطَ عِنْدَهُمْ بَرَدٌ كِبَارٌ كَالنَّارَنْجِ، وَمِنْهُ مَا وَزْنُهُ سَبْعَةُ أَرْطَالٍ، ثُمَّ عَقِبَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَظِيمَةٌ بِدِجْلَةَ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا أَصْلًا، فَخَرَّبَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْعُمْرَانِ وَالْقُرَى وَالْمَزَارِعِ حَتَّى الْقُبُورِ، وَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى الصَّحْرَاءِ، وَكَثُرَ الضَّجِيجُ وَالِابْتِهَالُ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَنَاقَصَتْ زِيَادَةُ الْمَاءِ فَلِلَّهُ الْحَمْدُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَمَّا الْمَوْصِلُ فَإِنَّهُ كَانَ بِهَا نَحْوٌ مِمَّا كَانَ بِبَغْدَادَ وَأَكْثَرُ، وَانْهَدَمَ بِالْمَاءِ نَحْوٌ مِنْ أَلْفَيْ دَارٍ ; وَاسْتُهْدِمَ بِسَبَبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَهَلَكَ تَحْتَ الْهَدْمِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ الْفُرَاتُ زَادَتْ زِيَادَةً عَظِيمَةً أَيْضًا، فَهَلَكَ بِسَبَبِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرَى، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ بِالْعِرَاقِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ ; وَوَقَعَ الْوَبَاءُ فِي الْغَنَمِ، وَأُصِيبَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ أَكَلَ مِنْهَا بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ السَّاعِي وَفِي رَمَضَانَ تَوَالَتِ الْأَمْطَارُ بِدِيَارِ بَكْرٍ وَالْمَوْصِلِ ; أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَرَوُا الشَّمْسَ فِيهَا سِوَى مَرَّتَيْنِ ; لَحْظَتَيْنِ يَسِيرَتَيْنِ، فَتَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَالْمَسَاكِنُ عَلَى أَهْلِهَا، وَزَادَتْ دِجْلَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ زِيَادَةً عَظِيمَةً، وَغَرِقَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَسَاكِنِ بَغْدَادَ وَالْمَوْصِلِ، ثُمَّ تَنَاقَصَ الْمَاءُ بِإِذْنِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
পৃষ্ঠা - ১০৩৯৭
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي رَجَبٍ وَصَلَ ابْنُ الْهَرَوِيِّ مِنْ نُورِ الدِّينِ وَمَعَهُ ثِيَابٌ مِصْرِيَّةٌ، وَحِمَارَةٌ مُلَوَّنَةٌ ; جِلْدُهَا مُخَطَّطٌ مِثْلُ الثَّوْبِ الْعِتَّابِيِّ. قَالَ: وَعُزِلَ ابْنُ الشَّاشِيِّ مِنْ تَدْرِيسِ النِّظَامِيَّةِ وَوَلِيَ أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ. قَالَ: وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ اعْتُقِلَ الْمُجِيرُ الْفَقِيهُ وَنُسِبَ إِلَى الزَّنْدَقَةِ وَالِانْحِلَالِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ تَعَصَّبَ لَهُ أُنَاسٌ وَزَكَّوْهُ فَأُخْرِجَ. وَذُكِرَ أَنَّهُ وَعَظَ بِالْحَرْبِيَّةِ ذَاتَ يَوْمٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا. قَالَ ابْنُ السَّاعِي وَفِيهَا سَقَطَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضِيءِ مِنْ قُبَّةٍ شَاهِقَةٍ إِلَى الْأَرْضِ فَسَلِمَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَكِنْ نَبَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَسَاعِدُ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَانْسَلَخَ شَيْءٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَكَانَ مَعَهُ خَادِمٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: نَجَاحٌ. فَلَمَّا رَأَى سَيِّدَهُ قَدْ سَقَطَ أَلْقَى هُوَ نَفْسَهُ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ. فَسَلِمَ أَيْضًا، فَلَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ النَّاصِرِ - وَهُوَ هَذَا الَّذِي قَدْ سَقَطَ - لَمْ يَنْسَهَا لِنَجَاحٍ هَذَا، فَحَكَّمَهُ فِي الدَّوْلَةِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ. وَفِيهَا سَارَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ نَحْوَ بِلَادِ الرُّومِ وَفِي خِدْمَتِهِ الْجَيْشُ وَمَلِكُ الْأَرْمَنِ وَصَاحِبُ مَلَطْيَةَ وَخَلْقٌ مِنَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ، وَافْتَتَحَ عِدَّةً مِنْ حُصُونِهِمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَحَاصَرَ قَلْعَةَ الرُّومِ فَصَالَحَهُ صَاحِبُهَا بِخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ; جِزْيَةً، ثُمَّ عَادَ
পৃষ্ঠা - ১০৩৯৮
إِلَى حَلَبَ وَقَدْ وَجَدَ النَّجَاحَ فِي كُلِّ مَا طَلَبَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مَسْرُورًا مَحْبُورًا. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ فَتْحُ بِلَادِ الْيَمَنِ لِلْمَلِكِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ النَّبِيِّ بْنُ مَهْدِيٍّ. قَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَتَسَمَّى بِالْإِمَامِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ سَيَمْلِكُ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَقَدْ كَانَ أَخُوهُ عَلِيُّ بْنُ مَهْدِيٍّ قَدْ تَغَلَّبَ قَبْلَهُ عَلَى الْيَمَنِ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِي أَهْلِ زَبِيدَ وَمَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ فَمَلَكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ هَذَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ سَيِّئَ السِّيرَةِ وَالسَّرِيرَةِ، فَعَزَمَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ، لِكَثْرَةِ جَيْشِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى إِرْسَالِ سَرِيَّةٍ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ شَمْسُ الدَّوْلَةِ شُجَاعًا مَهِيبًا بَطَلًا، وَكَانَ مِمَّنْ يُجَالِسُ عُمَارَةَ الْيَمَنِيَّ الشَّاعِرَ، فَكَانَ يَنْعَتُ لَهُ بِلَادَ الْيَمَنِ وَحُسْنَهَا وَكَثْرَةَ خَيْرِهَا، فَحَدَاهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ خَرَجَ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَوَرَدَ مَكَّةَ - شَرَّفَهَا اللَّهُ - فَاعْتَمَرَ بِهَا ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى زَبِيدَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبَدُ النَّبِيِّ فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ تُورَانْشَاهْ وَأَسَرَهُ وَأَسَرَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، وَكَانَتْ ذَاتَ أَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ فَاسْتَقَرَّهَا عَلَى أَشْيَاءَ نَفِيسَةٍ، وَذَخَائِرَ جَلِيلَةٍ، وَنَهَبَ الْجَيْشُ زَبِيدَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى عَدَنَ فَقَاتَلَهُ يَاسِرٌ مَلِكُهَا فَهَزَمَهُ تُورَانْشَاهْ وَأَسَرَهُ، وَأَخَذَ الْبَلَدَ بِيَسِيرٍ مِنَ الْحِصَارِ، وَمَنَعَ الْجَيْشَ مِنْ نَهْبِهَا، وَقَالَ: مَا جِئْنَا لِنُخَرِّبَ الْبِلَادَ وَإِنَّمَا جِئْنَا لِعِمَارَتِهَا وَمُلْكِهَا. ثُمَّ سَارَ فِي النَّاسِ سِيرَةً حَسَنَةً عَادِلَةً فَأَحَبُّوهُ، ثُمَّ تَسَلَّمَ بَقِيَّةَ الْحُصُونِ وَالْمَعَاقِلِ
পৃষ্ঠা - ১০৩৯৯
وَالْمَخَالِيفَ وَاسْتَوْسَقَ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ بِحَذَافِيرِهِ، وَأَلْقَى إِلَيْهِ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهِ وَمَطَامِيرِهِ، وَخَطَبَ فِيهَا لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْمُسْتَضِيءِ، وَقَتَلَ الدَّعِيَّ الْمُسَمَّى بِعَبْدِ النَّبِيِّ، وَصَفَتِ الْيَمَنُ مِنْ أَكْدَارِهَا، وَعَادَتْ إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ مِضْمَارِهَا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَخِيهِ الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُخْبِرُهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ فَكَتَبَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بِذَلِكَ إِلَى نُورِ الدِّينِ فَأَرْسَلَ نُورُ الدِّينِ بِذَلِكَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُبَشِّرُهُ بِفَتْحِ الْيَمَنِ وَالْخُطْبَةِ بِهَا لَهُ. وَفِيهَا خَرَجَ الْمُوَفَّقُ خَالِدُ بْنُ الْقَيْسَرَانِيِّ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَقَدْ أَقَامَ بِهَا الْمَلِكُ النَّاصِرُ حِسَابَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَمَا خَرَجَ مِنَ الْحَوَاصِلِ حَسْبَمَا رَسَمَ بِهِ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ كَادَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ - لَمَّا جَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ بِذَلِكَ - يُظْهِرُ شَقَّ الْعَصَا وَيُكَاشِرُ بِالْمُخَالَفَةِ وَالْإِبَاءِ، وَلَكِنْ عَادَ إِلَى طِبَاعِهِ الْحَسَنَةِ وَأَظْهَرَ الطَّاعَةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ، وَأَمَرَ بِكِتَابَةِ الْحِسَابِ وَتَحْرِيرِ الْكِتَابِ، فَامْتَثَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةُ الدَّوَاوِينِ وَالْحِسَابِ وَالْكُتَّابُ وَبَعَثَ مَعَ ابْنَ الْقَيْسَرَانِيِّ بِهَدِيَّةٍ سَنِيَّةٍ، وَتُحَفٍ هَائِلَةٍ هَنِيَّةٍ ; فَمِنْ ذَلِكَ خَمْسُ خَتَمَاتٍ شَرِيفَاتٍ مُغَطَّاتٍ بِخُطُوطٍ مُسْتَوَيَاتٍ، وَمِائَةُ عِقْدٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَاتِ، خَارِجًا مِنْ قِطَعِ الْبَلْخَشِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفُصُوصِ وَالثِّيَابِ الْفَاخِرَاتِ، وَالْأَوَانِي وَالْأَبَارِيقِ وَالصِّحَافِ الذَّهَبِيَّاتِ وَالْفِضِّيَّاتِ، وَالْخُيُولِ وَالْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي الْحِسَانِ وَالْحَسَنَاتِ، وَمِنَ الذَّهَبِ عَشَرَةُ صَنَادِيقَ مُقَفَّلَاتٍ مَخْتُومَاتٍ، مِمَّا لَا يُدْرَى كَمْ عِدَّةُ مَا فِيهَا مِنْ مِئِينَ أُلُوفٍ مِنَ الذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ
পৃষ্ঠা - ১০৪০০
الْمُعَدِّ لِلنَّفَقَاتِ. فَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لَمْ تَصِلْ إِلَى الشَّامِ حَتَّى كَانَتْ وَفَاةُ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ مَنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ وَأَعَادَهَا إِلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ مِنْهَا مَا عُدِيَ عَلَيْهِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ حِينَ وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ. مَقْتَلُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ زَيْدَانَ الْحَكَمِيِّ مِنْ قَحْطَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبُ بِنَجْمِ الدِّينِ الْيَمَنِيِّ الشَّاعِرُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ. وَسَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُءُوسِ الدَّوْلَةِ الْفَاطِمِيَّةِ، فَكَتَبُوا إِلَى الْفِرِنْجِ يَسْتَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِمْ، وَعَيَّنُوا خَلِيفَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ الْفَاطِمِيِّينَ وَوَزِيرًا وَأُمَرَاءَ، وَذَلِكَ فِي غَيْبَةِ السُّلْطَانِ بِبِلَادِ الْكَرَكِ ثُمَّ اتَّفَقَ مَجِيئُهُ فَحَرَّضَ عُمَارَةُ الْيَمَنِيُّ شَمْسَ الدَّوْلَةِ تُورَانْشَاهْ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْيَمَنِ ; لِيَضْعُفَ بِذَلِكَ الْجَيْشُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْفِرِنْجِ إِذَا قَدِمُوا لِنُصْرَةِ الْفَاطِمِيِّينَ، فَخَرَجَ تُورَانْشَاهْ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ عُمَارَةُ، بَلْ أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ يُفِيضُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُدَاخِلُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ الدُّعَاةِ إِلَيْهِ وَالْمُحَرِّضِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ ; وَذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ عُقُولِهِمْ وَكَثْرَةِ جَهْلِهِمْ فَخَانَهُمْ، أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهِ ; وَهُوَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ نَجَا الْوَاعِظُ، جَاءَ إِلَى السُّلْطَانِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا تَمَالَأَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَبِمَا انْتَهَى أَمْرُهُمْ إِلَيْهِ، فَأَطْلَقَ لَهُ السُّلْطَانُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَأَفَاضَ عَلَيْهِ حُلَلًا جَمِيلَةً، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُمُ السُّلْطَانُ وَاحِدًا وَاحِدًا فَقَرَّرَهُمْ فَأَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ، فَاعْتَقَلَهُمْ ثُمَّ اسْتَفْتَى الْفُقَهَاءَ فِي
পৃষ্ঠা - ১০৪০১
أَمْرِهِمْ فَأَفْتَوْهُ بِقَتْلِهِمْ وَتَبْدِيدِ شَمْلِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِصَلْبِ رُءُوسِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ، دُونَ أَتْبَاعِهِمْ وَغِلْمَانِهِمْ، وَأَمَرَ بِنَفْيِ مَنْ بَقِيَ مِنْ جَيْشِ الْعُبَيْدِيِّينَ إِلَى أَقْصَى الْبِلَادِ، وَأَفْرَدَ ذَرِّيَّةَ الْعَاضِدِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فِي دَارٍ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ إِصْلَاحٌ وَلَا إِفْسَادٌ وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ كِفَايَتَهُمْ، وَقَدْ كَانَ عُمَارَةُ مُعَادِيًا لِلْقَاضِي الْفَاضِلِ، فَلَمَّا أُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ، قَامَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ فَاجْتَمَعَ بِالسُّلْطَانِ لِيَشْفَعَ فِيهِ عِنْدَهُ فَتَوَهَّمَ عُمَارَةُ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مَوْلَانَا السُّلْطَانُ لَا تَسْمَعْ مِنْهُ. فَغَضِبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ وَخَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ، فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ شَفَعَ فِيكَ. فَنَدِمَ نَدَمًا عَظِيمًا. وَلَمَّا ذُهِبَ بِهِ لِيُصْلَبَ مَرَّ بِدَارِ الْقَاضِي فَطَلَبَهُ فَتَغَيَّبَ عَنْهُ فَأَنْشَدَ: عَبْدُ الرَّحِيمِ قَدِ احْتَجَبْ ... إِنَّ الْخَلَاصَ هُوَ الْعَجَبْ قَالَ ابْنُ أَبِي طَيٍّ: وَكَانَ الَّذِينَ صُلِبُوا ; الْمُفَضَّلَ بْنَ الْقَاضِي وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَامِلٍ قَاضِي قُضَاةِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ زَمَنَ الْفَاطِمِيِّينَ وَيُلَقَّبُ بِفَخْرِ الْأُمَنَاءِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صُلِبَ ; فِيمَا قَالَهُ الْعِمَادُ الْكَاتِبُ، وَقَدْ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى فَضِيلَةٍ وَأَدَبٍ وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي غُلَامٍ رَفَّاءٍ: يَا رَافِيًا خَرْقَ كُلِّ ثَوْبٍ ... وَيَا رَشًا حُبُّهُ اعْتِقَادِي
পৃষ্ঠা - ১০৪০২
عَسَى بِكَفِّ الْوِصَالِ تَرْفُو ... مَا مَزَّقَ الْهَجْرُ مِنْ فُؤَادِي وَابْنَ عَبْدِ الْقَوِيٍّ دَاعَيَ الدُّعَاةِ وَكَانَ يَعْلَمُ بِدَفَائِنِ الْقَصْرِ فَعُوقِبَ لِيُعْلِمَ بِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَاتَ وَانْدَرَسَتْ. وَالْعُورِيسَ الَّذِي كَانَ نَاظِرَ الدِّيوَانِ وَتَوَلَّى مَعَ ذَلِكَ الْقَضَاءَ. وَشُبْرُمَا كَاتِبَ السِّرِّ. وَعَبْدَ الصَّمَدِ الْقَشَّةَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ. وَنَجَاحًا الْحَمَّامِيَّ وَرَجُلًا مُنَجِّمًا نَصْرَانِيًّا أَرْمَنِيًّا كَانَ قَدْ بَشَّرَهُمْ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَتِمُّ بِعِلْمِ النُّجُومِ. وَعُمَارَةَ الْيَمَنِيَّ الشَّاعِرَ وَقَدْ كَانَ شَاعِرًا مُطَبِّقًا بَلِيغًا فَصِيحًا لَا يُلْحَقُ شَأْوُهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَلَهُ دِيوَانٌ مَشْهُورٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي " طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ " ; فَإِنَّهُ كَانَ يَشْتَغِلُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَهُ تَصْنِيفٌ فِي الْفَرَائِضِ وَكِتَابُ " الْوُزَرَاءِ الْفَاطِمِيِّينَ " وَكِتَابٌ جَمَعَ فِيهِ سِيرَةَ نَفِيسَةَ الَّتِي كَانَ يَعْتَقِدُهَا عَوَّامُّ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ أَدِيبًا فَاضِلًا فَقِيهًا فَصِيحًا، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى مُوَالَاةِ الْفَاطِمِيِّينَ، وَلَهُ فِيهِمْ وَفِي وُزَرَائِهِمْ وَأُمَرَائِهِمْ مَدَائِحُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَأَقَلُّ مَا نُسِبَ إِلَى الرَّفْضِ وَقَدِ اتُّهِمَ بَاطِنُهُ بِالْكُفْرِ الْمَحْضِ. وَذَكَرَ الْعِمَادُ فِي " الْخَرِيدَةِ " أَنَّهُ قَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِي أَوَّلِهَا: الْعِلْمُ مُذْ كَانَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَلَمِ ... وَشَفْرَةُ السَّيْفِ تَسْتَغْنِي عَنِ الْقَلَمِ وَهِيَ طَوِيلَةٌ جِدًّا فِيهَا كُفْرٌ وَزَنْدَقَةٌ كَثِيرَةٌ، قَالَ فِيهَا: قَدْ كَانَ أَوَّلُ هَذَا الدِّينِ مِنْ رَجُلٍ ... سَعَى إِلَى أَنْ دَعَوْهُ سَيِّدَ الْأُمَمِ
পৃষ্ঠা - ১০৪০৩
قَالَ الْعِمَادُ: فَأَفْتَى عُلَمَاءُ مِصْرَ بِقَتْلِهِ، وَحَرَّضُوا السُّلْطَانَ عَلَى الْمُثْلَةِ بِمِثْلِهِ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَيْتُ مَعْمُولًا عَلَيْهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ السَّاعِي شَيْئًا مِنْ رَقِيقِ شِعْرِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ يَمْدَحُ بَعْضَ الْمُلُوكِ: مَلِكٌ إِذَا قَابَلْتُ بِشْرَ جَبِينِهِ ... فَارَقْتُهُ وَالْبِشْرُ فَوْقَ جَبِينِي وَإِذَا لَثَمْتُ يَمِينَهُ وَخَرَجْتُ مِنْ ... أَبْوَابِهِ لَثَمَ الْمُلُوكُ يَمِينِي وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ يَتَغَزَّلُ: لِي فِي هَوَى الرَّشَأِ الْعُذْرِيِّ أَعْذَارُ ... لَمْ يَبْقَ لِي مُذْ أَقَرَّ الدَّمْعُ إِنْكَارُ لِي فِي الْقُدُودِ وَفِي لَثْمِ الْخُدُودِ وَفِي ... ضَمِّ النُّهُودِ لُبَانَاتٌ وَأَوْطَارُ هَذَا اخْتِيَارِي فَوَافِقْ إِنْ رَضِيتَ بِهِ ... أَوْ لَا فَدَعْنِي لِمَا أَهْوَى وَأَخْتَارُ وَمِمَّا أَنْشَدَهُ تَاجُ الدَّيْنِ الْكِنْدِيُّ فِي عُمَارَةَ الْيَمَنِيِّ حِينَ صُلِبَ: عُمَارَةُ فِي الْإِسْلَامِ أَبْدَى خِيَانَةً ... وَبَايَعَ فِيهَا بَيْعَةً وَصَلِيبَا وَأَمْسَى شَرِيكَ الشِّرْكِ فِي بُغْضِ أَحْمَدٍ ... فَأَصْبَحَ فِي حُبِّ الصَّلِيبِ صَلِيبَا وَكَانَ خَبِيثَ الْمُلْتَقَى إِنْ عَجَمْتَهُ ... تَجِدْ مِنْهُ عُودًا فِي النِّفَاقِ صَلِيبَا سَيَلْقَى غَدًا مَا كَانَ يَسْعَى لِأَجْلِهِ ... وَيُسْقَى صَدِيدًا فِي لَظًى وَصَلِيبَا قَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ: فَالْأَوَّلُ صَلِيبُ النَّصَارَى وَالثَّانِي بِمَعْنَى
পৃষ্ঠা - ১০৪০৪
مَصْلُوبٍ وَالثَّالِثُ بِمَعْنَى الْقَوِيِّ، وَالرَّابِعُ وَدَكُ الْعِظَامِ. وَلَمَّا صَلَبَ الْمَلِكُ النَّاصِرُ هَؤُلَاءِ - وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بَيْنَ الْقَصْرَيْنِ مِنَ الْقَاهِرَةِ - كَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ يُعْلِمُهُ بِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ وَمَا أَوْقَعَ بِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ، قَالَ الْعِمَادُ: فَوَصَلَ الْكِتَابُ بِذَلِكَ يَوْمَ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ قَتَلَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: قُدَيْدٌ الْقَفَّاصُ. قَدِ افْتَتَنَ بِهِ النَّاسُ وَجَعَلُوا لَهُ جُزْءًا مِنْ أَكْسَابِهِمْ حَتَّى النِّسَاءُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ فَأُحِيطَ بِهِ فَأَرَادَ الْخَلَاصَ، وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ. فَقُتِلَ أُسْوَةً بِمَنْ سَلَفَ، وَلَقَدْ كَانَ بِئْسَ الْخَلَفُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ. وَمِمَّا وُجِدَ مِنْ شِعْرِ عُمَارَةَ يَرْثِي الْعَاضِدَ وَدَوْلَتَهُ وَأَيَّامَهُ: أَسَفِي عَلَى زَمَنِ الْإِمَامِ الْعَاضِدِ ... أَسَفُ الْعَقِيمِ عَلَى فِرَاقِ الْوَاحِدِ جَالَسْتُ مِنْ وُزَرَائِهِ وَصَحِبْتُ مِنْ ... أُمَرَائِهِ أَهْلَ الثَّنَاءِ الَمَاجِدِ لَهْفِي عَلَى حُجُرَاتِ قَصْرِكَ إِذْ خَلَتْ ... يَا ابْنَ النَّبِيِّ مِنَ ازْدِحَامِ الْوَافِدِ وَعَلَى انْفِرَادِكَ مِنْ عَسَاكِرِكَ الَّذِي ... كَانُوا كَأَمْوَاجِ الْخِضَمِّ الرَّاكِدِ قَلَّدْتَ مُؤْتَمِنَ الْخِلَافَةِ أَمْرَهُمْ ... فَكَبَا وَقَصَّرَ عَنْ صَلَاحِ الْفَاسِدِ فَعَسَى اللَّيَالِي أَنْ تَرُدَّ عَلَيْكُمُ ... مَا عَوَّدَتْكُمْ مِنْ جَمِيلِ عَوَائِدِ
পৃষ্ঠা - ১০৪০৫
وَلَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَصِيدَةٍ: يَا عَاذِلِي فِي هَوَى أَبْنَاءِ فَاطِمَةٍ ... لَكَ الْمَلَامَةُ إِنْ قَصَّرْتَ فِي عَذْلِي بِاللَّهِ زُرْ سَاحَةَ الْقَصْرَيْنِ وَابْكِ مَعِي ... عَلَيْهِمَا لَا عَلَى صِفِّينَ وَالْجَمَلِ وَقُلْ لِأَهْلِهِمَا وَاللَّهِ مَا الْتَحَمَتْ ... فَيكُمْ قُرُوحِي وَلَا جُرْحِي بِمُنْدَمِلِ مَاذَا تَرَى كَانَتِ الْإِفْرِنْجُ فَاعِلَةً ... فِي نَسْلِ آلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِي وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ فِي " الرَّوْضَتَيْنِ " مِنْ أَشْعَارِ عُمَارَةِ الْيَمَنِيِّ وَمَدَائِحِهِ فِي الْخُلَفَاءِ الْفَاطِمِيِّينَ وَذَوِيهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَذَا الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ ابْنُ قُرْقُولَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَادِيسَ ابْنِ الْقَائِدِ الْحَمْزِيِّ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ قُرْقُولَ الْأَنْدَلُسِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ " مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ " الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى مِثَالِ كِتَابِ " مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ " لِلْقَاضِي عِيَاضٍ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ بِلَادِهِ وَفُضَلَائِهِمُ الْمَشْهُورِينَ، مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سَادِسَ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً ; قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ
পৃষ্ঠা - ১০৪০৬
فَصْلٌ فِي وَفَاةِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ زَنْكِيِّ بْنِ آقْ سُنْقُرَ التُّرْكِيِّ السَّلْجُوقِيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ مَسِيرَتِهِ الْعَادِلَةِ وَأَيَّامِهِ الْكَامِلَةِ هُوَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ نُورُ الدِّينِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ الْمَلِكِ الْأَتَابِكِ قَسِيمِ الدَّوْلَةِ عِمَادِ الدِّينِ أَبِي سَعِيدٍ زَنْكِيٍّ، الْمُلَقَّبِ بِالشَّهِيدِ بْنِ الْمَلِكِ آقْ سُنْقُرَ الْأَتَابِكِ الْمُلَقَّبِ بِقَسِيمِ الدَّوْلَةِ أَيْضًا التُّرْكِيُّ السَّلْجُوقِيُّ مَوْلَاهُمْ، وُلِدَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِحَلَبَ، وَنَشَأَ فِي كَفَالَةِ وَالِدِهِ صَاحِبِ حَلَبَ وَالْمَوْصِلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبُلْدَانِ الْكَثِيرَةِ وَتَعَلَّمَ الْفُرُوسِيَّةَ وَالرَّمْيَ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا ذَا هِمَّةٍ عَالِيَةٍ وَقَصْدٍ صَالِحٍ وَحُرْمَةٍ وَافِرَةٍ وَدِيَانَةٍ مَتِينَةٍ، فَلَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ جَعْبَرَ كَمَا ذَكَرْنَا صَارَ الْمُلْكُ بِحَلَبَ إِلَى ابْنِهِ هَذَا وَأَعْطَاهُ أَخُوهُ سَيْفُ الدِّينِ غَازِيٌّ الْمَوْصِلَ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ افْتَتَحَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ فَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا وَبَنَى لَهُمُ الْمَدَارِسَ وَالْمَسَاجِدَ وَالرُّبُطَ وَوَسَّعَ الطُّرُقَ وَالْأَسْوَاقَ، وَوَضَعَ الْمُكُوسَ بِدَارِ الْبِطِّيخِ وَالْغَنَمِ وَالْعَرْصَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَرَاءَ وَيُكْرِمُهُمْ وَيَحْتَرِمُهُمْ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيَقُومُ فِي أَحْكَامِهِ
পৃষ্ঠা - ১০৪০৭
بِالْمَعْدِلَةِ الْحَسَنَةِ وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ الْمُطَهَّرِ وَيَعْقِدُ مَجَالِسَ الْعَدْلِ وَيَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الْقَاضِي وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُفْتُونَ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَيَجْلِسُ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ بِالْمَسْجِدِ الْمُعَلَّقِ الَّذِي بِالْكُشْكِ ; لِيَصِلَ إِلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَحَاطَ السُّورَ عَلَى حَارَةِ الْيَهُودِ، وَكَانَ خَرَابًا وَأَغْلَقَ بَابَ كَيْسَانَ وَفَتَحَ بَابَ الْفَرَجِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ هُنَاكَ بَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَظْهَرَ بِبِلَادِهِ السُّنَّةَ وَأَمَاتَ الْبِدْعَةَ، وَأَمَرَ بِالتَّأْذِينِ بِحَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِهِمَا فِي دَوْلَتِي أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَذَّنُ بِحَيِّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ; لِأَنَّ شِعَارَ الرَّفْضِ كَانَ ظَاهِرًا بِهَا. وَأَقَامَ الْحُدُودَ وَفَتَحَ الْحُصُونَ وَكَسَرَ الْفِرِنْجَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَاسْتَنْقَذَ مِنْ أَيْدِيهِمْ مَعَاقِلَ كَثِيرَةً مِنَ الْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ الَّتِي كَانُوا قَدِ اسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي السِّنِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَيَّامِهِ. وَأَقْطَعَ أُمَرَاءَ الْعَرَبِ إِقْطَاعَاتٍ ; لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لِلْحَجِيجِ، وَبَنَى بِدِمَشْقَ مَارَسْتَانًا حَسَنًا لَمْ يُبْنَ فِي الشَّامِ قَبْلَهُ مِثْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ أَيْضًا، وَوَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنْ يُعَلِّمُ الْأَيْتَامَ الْخَطَّ وَالْقُرْآنَ، وَجَعَلَ لَهُمْ نَفَقَةً وَكُسْوَةً وَعَلَى مَنْ يُقْرِئُ الْأَيْتَامَ وَعَلَى الْمُجَاوِرِينَ بِالْحَرَمَيْنِ. وَكَانَ الْجَامِعُ دَاثِرًا فَوَلَّى نَظَرَهُ الْقَاضِيَ كَمَالَ الدَّيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرُزُورِيَّ الْمَوْصِلِيَّ الَّذِي قُدِمَ بِهِ فَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ فَأَصْلَحَ أُمُورَهُ وَفَتَحَ الْمَشَاهِدَ الْأَرْبَعَةَ، وَقَدْ كَانَتْ حَوَاصِلُ الْجَامِعِ بِهَا مِنْ حِينِ احْتَرَقَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَأَضَافَ إِلَى أَوْقَافِ الْجَامِعِ الْمَعْلُومَةِ الْأَوْقَافَ الَّتِي لَا يُعْرَفُ وَاقِفُوهَا، وَلَا يُعْرَفُ شُرُوطُهُمْ فِيهَا وَجَعَلَهَا قَلَمًا وَاحِدًا، وَسَمَّاهُ مَالَ
পৃষ্ঠা - ১০৪০৮
الْمَصَالِحِ فَرَتَّبَ عَلَيْهِ لِذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَشَاكَلَهُ. وَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ حَسَنَ الْخَطِّ كَثِيرَ الْمُطَالَعَةِ لِلْكُتُبِ الدِّينِيَّةِ، مُتَّبِعًا لِلْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ، مُحَافِظًا عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ، كَثِيرَ التِّلَاوَةِ مُحِبًّا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، عَفِيفَ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، مُقْتَصِدًا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ، وَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ كَلِمَةُ فُحْشٍ قَطُّ فِي غَضَبٍ وَلَا رِضًا. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: لَمْ يَكُنْ فِي مُلُوكِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ وَلَا أَكْثَرُ تَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ مِنْهُ، كَانَ قَدِ اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي مِقْدَارٍ يَحِلُّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَانَ يَتَنَاوَلُهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. وَكَانَتْ لَهُ دَكَاكِينُ بِحِمْصَ قَدِ اشْتَرَاهَا مِمَّا يَخُصُّهُ مِنَ الْمَغَانِمِ، فَزَادَ كِرَاءَهَا لِامْرَأَتِهِ عَلَى نَفَقَتِهَا حِينَ اسْتَقَلَّتْهَا عَلَيْهَا. وَكَانَ يُكْثِرُ اللَّعِبَ بِالْكُرَةِ، فَعَاتَبَهُ بَعْضُ الصَّالِحِينَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ تَمْرِينَ الْخَيْلِ وَتَعْلِيمَهَا الْكَرَّ وَالْفَرَّ. وَكَانَ لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَيَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَرَكِبَ يَوْمًا مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَالشَّمْسُ فِي ظُهُورِهِمَا، وَظِلُّهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا لَا يُدْرِكَانِهِ، ثُمَّ رَجَعَا فَصَارَ الظِّلُّ وَرَاءَهُمْ، فَسَاقَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ وَظَلُّهُ يَتْبَعُهُ، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: قَدْ شَبَّهْتُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِالدُّنْيَا، تَهْرُبُ مِمَّنْ
পৃষ্ঠা - ১০৪০৯
يَطْلُبُهَا وَتَطْلُبُ مَنْ يَهْرُبُ مِنْهَا. وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى: مَثَلُ الرِّزْقِ الَّذِي تَطْلُبُهُ ... مَثَلُ الظِّلِّ الَّذِي يَمْشِي مَعَكْ أَنْتَ لَا تُدْرِكُهُ مُتَّبِعًا ... فَإِذَا وَلَّيْتَ عَنْهُ تَبِعَكْ وَكَانَ فَقِيهًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَأَسْمَعَهُ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ مِنْ وَقْتِ السَّحَرِ إِلَى أَنْ يَرْكَبَ: جَمَعَ الشَّجَاعَةَ وَالْخُشُوعَ لَدَيْهِ ... مَا أَحْسَنَ الْمِحْرَابَ فِي الْمِحْرَابِ وَكَذَلِكَ كَانَتْ زَوْجَتُهُ عِصْمَتُ الدِّينِ خَاتُونُ بِنْتُ الْأَتَابِكِ مُعِينِ الدِّينِ أَنُرَ، تُكْثِرُ قِيَامَ اللَّيْلِ فَنَامَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ عَنْ وِرْدِهَا فَأَصْبَحَتْ وَهِيَ غَضْبَى، فَسَأَلَهَا عَنْ أَمْرِهَا فَذَكَرَتْ مَا حَصَلَ لَهَا مِنَ النَّوْمِ الَّذِي قَطَعَهَا عَنْ وِرْدِهَا، فَأَمَرَ بِضَرْبِ طَبْلَخَانَةٍ فِي الْقَلْعَةِ وَقْتَ السَّحَرِ ; لِيُوقِظَهَا وَأَمْثَالَهَا مِنَ النَّوْمِ لِقِيَامِ اللَّيْلِ: وَأَلْبَسَ اللَّهُ هَاتِيكَ الْعِظَامَ وَإِنْ ... بَلِينَ تَحْتَ الثَّرَى عَفْوًا وَغُفْرَانَا سَقَى ثَرًى أُودِعُوهُ رَحْمَةً مَلَأَتْ ... مَثْوَى قُبُورِهِمُ رَوْحًا وَرَيْحَانَا وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ بَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا يَلْعَبُ بِالْكُرَةِ إِذْ رَأَى رَجُلًا يُحَدِّثُ آخَرَ وَيُومِئُ إِلَيْهِ فَبَعَثَ الْحَاجِبَ ; لِيَسْأَلَهُ مَا شَأْنُهُ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مَعَهُ رَسُولٌ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ حَقًّا يُرِيدُ
পৃষ্ঠা - ১০৪১০
خَلْوَتَهُ وَإِيَّاهُ إِلَى الْقَاضِي، فَلَمَّا أَعْلَمَهُ الْحَاجِبُ بِذَلِكَ أَلْقَى الْجُوكَانَ مِنْ يَدِهِ، وَأَقْبَلَ مَعَ خَصْمِهِ إِلَى الْقَاضِي كَمَالِ الدِّينِ الشَّهْرُزُورِيِّ، وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنْ أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أَنْ لَا تُعَامِلَنِي إِلَّا مُعَامَلَةَ الْخُصُومِ، فَحِينَ وَصَلَا وَقَفَ نُورُ الدِّينِ مَعَ خَصْمِهِ حَتَّى انْفَصَلَتِ الْحُكُومَةُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلرَّجُلِ حَقٌّ بَلْ ثَبَتَ الْحَقُّ لِلسُّلْطَانِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ ذَلِكَ قَالَ السُّلْطَانُ: إِنَّمَا جِئْتُ مَعَهُ ; لِئَلَّا يَتَخَلَّفَ أَحَدٌ عَنِ الْحُضُورِ إِلَى الشَّرْعِ، فَإِنَّمَا نَحْنُ شِحْنَكِيَّةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدِي، وَمَعَ هَذَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ مَلَّكْتُهُ ذَلِكَ وَوَهَبْتُهُ لَهُ. وَأَرْسَلَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ رَسُولًا مِنْ جِهَتِهِ يُقَالُ لَهُ: سُوِيدٌ. لِيُحْضِرَ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ ; لِسَمَاعِ دَعْوَى مِنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ، فَبَلَّغَ سُوِيدٌ الرِّسَالَةَ إِلَى الْحَاجِبِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ وَيَقُولُ: لِيَقُمِ الْمَوْلَى إِلَى الْقَاضِي لِسَمَاعِ دَعْوًى. وَكَأَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَمَا لَكَ تَسْتَهْزِئُ بِذَلِكَ! ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِفَرَسِي. فَنَهَضَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51] وَذَهَبَ إِلَى الْحَاكِمِ وَكَانَ يَوْمًا مَطِرًا كَثِيرَ الْوَحْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ ابْتَنَى دَارًا لِلْعَدْلِ، فَكَانَ يَجْلِسُ فِيهَا فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: أَرْبَعَةٌ. وَقِيلَ: خَمْسَةٌ. وَيَحْضُرُ الْقَاضِي وَالْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَذَاهِبِ، وَلَا يَحْجُبُهُ يَوْمئِذٍ حَاجِبٌ بَلْ يَصِلُ إِلَيْهِ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ وَيَسْتَفْهِمُهُمْ وَيُخَاطِبُهُمْ بِنَفْسِهِ فَيَكْشِفُ الظَّالِمَ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنَ
পৃষ্ঠা - ১০৪১১
الظَّالِمِ، قَالَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَسَدَ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بْنَ شَاذِيٍّ كَانَ قَدْ عَظُمَ شَأْنُهُ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الْمَمْلَكَةِ، وَاقْتَنَى الْأَمْلَاكَ وَالْأَمْوَالَ وَالْمَزَارِعَ وَالْقُرَى ; فَرُبَّمَا ظَلَمَ نُوَّابُهُ جِيرَانَهُمْ فِي الْأَرَاضِي، وَكَانَ الْقَاضِي كَمَالُ الدِّينِ يُنْصِفُ كُلَّ مَنِ اسْتَعْدَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَرَاءِ إِلَّا أَسَدَ الدِّينِ هَذَا، فَلَمَّا ابْتَنَى الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ دَارَ الْعَدْلِ تَقَدَّمَ أَسَدُ الدِّينِ إِلَى نُوَّابِهِ أَنْ لَا يَدَعُوَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ ظُلَامَةً، وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا، فَإِنَّ زَوَالَ مَالِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرَاهُ نُورُ الدِّينِ بِعَيْنِ ظَالِمٍ، أَوْ يُوقِفَهُ مَعَ خَصْمٍ مِنَ الْعَامَّةِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا جَلَسَ نُورُ الدِّينِ بِدَارِ الْعَدْلِ مُدَّةً مُتَطَاوِلَةً لَمْ يَرَ أَحَدًا يَسْتَعْدِي عَلَى أَسَدِ الدِّينِ، فَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ بِصُورَةِ الْحَالِ فَسَجَدَ نُورُ الدِّينِ شُكْرًا لِلَّهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ أَصْحَابَنَا يُنْصِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأُمًّا شَجَاعَتُهُ فَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يُرَ عَلَى ظَهْرِ الْفَرَسِ أَحْسَنُ وَلَا أَثْبَتُ مِنْهُ. وَكَانَ يُحْسِنُ اللَّعِبَ بِالْكُرَةِ، وَرُبَّمَا ضَرَبَهَا ثُمَّ يَسُوقُ وَرَاءَهَا وَيَأْخُذُهَا مِنَ الْهَوَى بِيَدِهِ، ثُمَّ يَرْمِيهَا إِلَى آخِرِ الْمَيْدَانِ وَلَمْ يُرَ جُوكَانُهُ يَعْلُو عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا يُرَى الْجُوكَانُ فِي يَدِهِ ; لِأَنَّ الْكُمَّ سَاتِرٌ لَهَا، وَلَكِنَّهُ اسْتِهَانَةٌ بِلَعِبِ الْكُرَةِ. وَكَانَ شُجَاعًا صَبُورًا فِي الْحَرْبِ، يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدْ تَعَرَّضْتُ لِلشَّهَادَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَتَّفِقْ لِي ذَلِكَ. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا الْفَقِيهُ قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ: بِاللَّهِ يَا مَوْلَانَا السُّلْطَانُ لَا تُخَاطِرْ بِنَفْسِكَ ; فَإِنَّكَ لَوْ قُتِلْتَ قُتِلَ جَمِيعُ مَنْ مَعَكَ وَأُخِذَتِ الْبِلَادُ. فَقَالَ: اسْكُتْ يَا قُطْبَ الدِّينِ، مَنْ هُوَ
পৃষ্ঠা - ১০৪১২
مَحْمُودٌ؟ مَنْ كَانَ يَحْفَظُ الْبِلَادَ قَبَلِي؟ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. قَالَ: فَبَكَى مَنْ حَضَرَ. وَقَدْ أَسَرَ بِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ بَعْضَ مُلُوكِ الْفِرِنْجِ فَاسْتَشَارَ الْأُمَرَاءَ فِيهِ ; هَلْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَأْخُذُ مَا يُبْذَلُ لَهُ مِنَ الْمَالِ فِي الْفِدَاءِ؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ ثُمَّ حَسُنَ فِي رَأْيِهِ إِطْلَاقُهُ وَأَخَذُ الْفِدَاءِ، فَحِينَ جَهَّزَ بَعْثَ الْفِدَاءِ، مَاتَ بِبَلَدِهِ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ نُورَ الدِّينِ وَأَصْحَابَهُ، وَابْتَنَى نُورُ الدِّينِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الْبِيمَارَسْتَانَ الَّذِي بُنِيَ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا بُنِيَ مِنَ الْبِيمَارَسْتَانَاتِ بِالْبِلَادِ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنَّهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يَعِزُّ وُجُودُهَا إِلَّا فِيهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، وَمَنْ جَاءَ مُسْتَوْصِفًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ شَرَابِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ إِلَيْهِ نُورُ الدِّينِ وَشَرِبَ مِنْ شَرَابِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قُلْتُ: وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّهُ لَمْ تَخْمُدْ مِنْهُ النَّارُ مُنْذُ بُنِيَ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ بَنَى الْخَانَاتِ فِي الطُّرُقِ وَالْأَبْرَاجَ، وَرَتَّبَ الْخُفَرَاءَ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَخُوفَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا الْحَمَامَ الْهَوَادِيَ الَّتِي تُطَالِعُ الْأَخْبَارَ فِي أَسْرَعِ مُدَّةٍ، وَبَنَى الرُّبُطَ وَالْخَانِقَاهَاتِ، وَكَانَ يَجْمَعُ الْفُقَهَاءَ عِنْدَهُ لِلْبَحْثِ، وَالْمَشَايِخَ وَالصُّوفِيَّةَ لِلزِّيَارَةِ، وَيُكْرِمُهُمْ وَيُعَظِّمُهُمْ وَقَدْ نَالَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ عِنْدَهُ مِنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ; وَهُوَ قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ، فَقَالَ لَهُ نُورُ الدِّينِ: وَيْحَكَ! إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْكَثِيرَةِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ مِمَّا يُكَفِّرُ عَنْهُ سَيِّئَاتِ مَا ذَكَرْتَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، عَلَى أَنِّي وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُكَ، وَإِنْ عُدْتَ ذَكَرْتَهُ أَوْ أَحَدًا غَيْرَهُ بِسُوءٍ لَأَدَّبْتُكَ. قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
পৃষ্ঠা - ১০৪১৩
وَابْتَنَى بِدِمَشْقَ دَارًا لِسَمَاعِ الْحَدِيثِ وَإِسْمَاعِهِ، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى دَارَ حَدِيثٍ، وَقَدْ كَانَ مَهِيبًا وَقُورًا شَدِيدَ الْهَيْبَةِ فِي قُلُوبِ أُمَرَائِهِ ; لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ يَجْلِسُ بِلَا إِذْنٍ سِوَى الْأَمِيرِ نَجْمِ الدِّينِ أَيُّوبَ ; وَأَمَّا أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ وَمَجْدُ الدِّينِ بْنُ الدَّايَةِ نَائِبُ حَلَبَ وَالْأَكَابِرُ وَغَيْرُهُمْ فَكَانُوا يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَعَ هَذَا إِذَا دَخَلَ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، قَامَ لَهُ وَمَشَى لَهُ خُطُوَاتٍ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَجَّادَتِهِ، وَشَرَعَ يُحَادِثُهُ فِي وَقَارٍ وَسُكُونٍ، وَإِذَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ ; أَضْعَافُ مَا أُعْطِيهِمْ، فَإِذَا رَضُوا مِنَّا بِبَعْضِهِ فَلَهُمُ الْمِنَّةُ عَلَيْنَا. وَقَدْ سُمِّعَ عَلَيْهِ جُزْءُ حَدِيثٍ وَفِيهِ: " «فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ» ". فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ مِنْ تَغْيِيرِ عَادَاتِ النَّاسِ، وَكَيْفَ يَرْبُطُ الْأَجْنَادُ السُّيُوفَ فِي أَوْسَاطِهِمْ وَلَا يَفْعَلُونَ هَذَا، ثُمَّ أَمَرَ الْجُنْدَ بِأَنْ لَا يَحْمِلُوا السُّيُوفَ إِلَّا مُتَقَلَّدِيهَا، ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى الْمَوْكِبِ وَهُوَ مُتَقَلِّدُ السَّيْفَ، وَجَمِيعُ الْجَيْشِ كَذَلِكَ، يُرِيدُ بِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَصَّ عَلَيْهِ وَزِيرُهُ مُوَفَّقُ الدِّينِ خَالِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ بْنِ صَغِيرِ ابْنِ الْقَيْسَرَانِيِّ الشَّاعِرُ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يَغْسِلُ ثِيَابَ الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتَبَ مَنَاشِيرَ بِوَضْعِ الْمُكُوسِ وَالضَّرَائِبِ عَنِ الْبِلَادِ، وَقَالَ: هَذَا تَفْسِيرُ رُؤْيَاكَ. وَكَتَبَ إِلَى النَّاسِ يَسْتَعْجِلُ مِنْهُمْ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا
পৃষ্ঠা - ১০৪১৪
صُرِفَ فِي قِتَالِ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْكَفَرَةِ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَلَعَنَهُمْ. وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى سَائِرِ مَمَالِكِهِ وَبُلْدَانِ سُلْطَانِهِ، وَأَمَرَ الْوُعَّاظَ أَنْ يَسْتَحِلُّوا لَهُ مِنَ التُّجَّارِ لِنُورِ الدِّينِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْعَشَّارَ الْمَكَّاسَ. وَقِيلَ: إِنَّ بُرْهَانَ الدِّينِ الْبَلْخِيَّ أَنْكَرَ عَلَى الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ فِي اسْتِعَانَتِهِ فِي الْحُرُوبِ بِأَمْوَالِ الْمُكُوسِ، وَقَالَ: كَيْفَ تُنْصَرُونَ وَفِي عَسَاكِرِكُمُ الْخُمُورُ وَالطُّبُولُ وَالزَّمُورُ؟! وَيُقَالُ: إِنَّ سَبَبَ وَضْعِهِ الْمُكُوسَ عَنِ النَّاسِ أَنَّ الْوَاعِظَ أَبَا عُثْمَانَ الْمُنْتَخَبَ بْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيَّ - وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْكِبَارِ - أَنْشَدَ نُورَ الدِّينِ: مَثِّلْ وُقُوفَكَ أَيُّهَا الْمَغْرُورُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ إِنْ قِيلَ نُورُ الدِّينِ رُحْتَ مُسَلِّمًا ... فَاحْذَرْ بِأَنْ تَبْقَى وَمَا لَكَ نُورُ أَنْهَيْتَ عَنْ شُرْبِ الْخُمُورِ وَأَنْتَ مِنْ ... كَأْسِ الْمَظَالِمِ طَافِحٌ مَخْمُورُ عَطَّلْتَ كَاسَاتِ الْمُدَامِ تَعَفُّفًا ... وَعَلَيْكَ كَاسَاتُ الْحَرَامِ تَدُورُ مَاذَا تَقُولُ إِذَا نُقِلْتَ إِلَى الْبِلَى ... فَرْدًا وَجَاءَكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ وَتَعَلَّقَتْ فَيكَ الْخُصُومُ وَأَنْتَ فِي ... يَوْمِ الْحِسَابِ مُسَحَّبٌ مَجْرُورُ وَتَفَرَّقَتْ عَنْكَ الْجُنُودُ وَأَنْتَ فِي ... ضِيقِ اللُّحُودِ مُوَسَّدٌ مَقْبُورُ وَوَدِدْتَ أَنَّكَ مَا وَلِيتَ وِلَايَةً ... يَوْمًا وَلَا قَالَ الْأَنَامُ أَمِيرُ
পৃষ্ঠা - ১০৪১৫
وَبَقِيُتَ بَعْدَ الْعِزِّ رَهْنَ حُفَيْرَةٍ ... فِي عَالَمِ الْمَوْتَى وَأَنْتَ حَقِيرُ وَحُشِرْتَ عُرْيَانًا حَزِينًا بَاكِيًا ... قَلِقًا وَمَا لَكَ فِي الْأَنَامِ مُجِيرُ أَرَضِيتَ أَنْ تَحْيَا وَقَلْبُكَ دَارِسٌ ... عَافِي الْخَرَابِ وَجِسْمُكَ الْمَعْمُورُ أَرَضِيتَ أَنْ يَحْظَى سِوَاكَ بِقُرْبِهِ ... أَبَدًا وَأَنْتَ مُبَعَّدٌ مَهْجُورُ مَهِّدْ لِنَفْسِكَ حُجَّةً تَنْجُو بِهَا ... يَوْمَ الْمَعَادِ لَعَلَّكَ الْمَعْذُورُ فَلَمَّا سَمِعَهَا الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ بَكَى وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْمُكُوسَاتِ وَالضَّرَائِبِ فِي سَائِرِ بِلَادِهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ عُمَرُ الْمَلَّاءُ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ قَدْ أَمَرَ الْوُلَاةَ بِهَا أَنْ لَا يَفْصِلُوا بِهَا أَمْرًا حَتَّى يُعْلِمُوهُ، فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ امْتَثَلُوهُ - وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الزَّاهِدِينَ، وَكَانَ نُورُ الدِّينِ يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يُرْسِلُ إِلَيْهِ بِفَتِيتٍ وَرُقَاقٍ فَيُفْطِرُ عَلَيْهِ - كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ الْمُفْسِدِينَ قَدْ كَثُرُوا وَيُحْتَاجُ إِلَى نَوْعِ سِيَاسَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجِيءُ إِلَّا بِقَتْلٍ وَصَلْبٍ وَضَرْبٍ، وَإِذَا أُخِذَ مَالُ إِنْسَانٍ فِي الْبَرِيَّةِ، مَنْ يَجِيءُ فَيَشْهَدَ لَهُ؟ فَكَتَبَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ عَلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَشَرَعَ لَهُمْ شَرِيعَةً وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ فِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةً فِي الْمَصْلَحَةِ لَشَرَعَهَا، فَمَا لَنَا حَاجَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: فَجَمَعَ الشَّيْخُ عُمَرُ الْمَلَّاءُ جَمَعَ النَّاسَ بِالْمَوْصِلِ وَأَقْرَأَهُمُ الْكِتَابَ، وَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى كِتَابِ الزَّاهِدِ إِلَى الْمَلِكِ، وَكِتَابِ الْمَلِكِ إِلَى الزَّاهِدِ!
পৃষ্ঠা - ১০৪১৬
وَجَاءَ إِلَيْهِ أَخُو الشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ يَسْتَعْدِيهِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ يَسُبُّهُ وَيَرْمِيهِ بِأَنَّهُ مُرَاءٍ مُتَنَامِسٍ، وَجَعَلَ يُبَالِغُ فِي شِكَايَتِهِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] فَسَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَشْتَرِيُّ مُعِيدُ النِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ - وَكَانَ قَدْ جَمَعَ سِيرَةً مُخْتَصَرَةً لِنُورِ الدِّينِ - قَالَ: وَكَانَ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي جَمَاعَةٍ بِتَمَامِ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ، وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا. قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ دَخَلُوا بِلَادَ الْقُدْسِ لِلزِّيَارَةِ أَيَّامَ الْفِرِنْجِ، فَسَمِعَ الْكُفَّارَ يَقُولُونَ: ابْنُ الْقَسِيمِ - يَعْنُونُ نُورَ الدِّينِ - لَهُ مَعَ اللَّهِ سِرٌّ ; فَإِنَّهُ مَا يَظْفَرُ عَلَيْنَا بِكَثْرَةِ جُنْدِهِ وَجَيْشِهِ، وَإِنَّمَا يَظْفَرُ عَلَيْنَا بِالدُّعَاءِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَرْفَعُ يَدَهُ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُوهُ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَسْتَجِيبُ لَهُ دُعَاءَهُ، وَيُعْطِيهِ سُؤْلَهُ، وَمَا يَرُدُّ يَدَهُ خَائِبَةً، فَيَظْفَرُ عَلَيْنَا. قَالَ: فَهَذَا كَلَامُ الْكُفَّارِ فِي حَقِّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَحَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَنَّ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ وَقَفَ بُسْتَانَ الْمَيْدَانِ ; - سِوَى الْغَيْضَةِ الَّتِي تَلِيهِ - نِصْفَهُ عَلَى تَطْيِيبِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يُقْسَمُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ; جُزْآنِ مِنْهَا عَلَى تَطْيِيبِ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالتِّسْعَةُ