আল বিদায়া ওয়া আন্নিহায়া

পৃষ্ঠা - ১০১৬৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا كَانَتِ الْحُرُوبُ الشَّدِيدَةُ بَيْنَ السُّلْطَانِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ وَبَيْنَ عَمِّهِ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ بْنِ مَلِكْشَاهْ، فَكَانَ النَّصْرُ فِيهَا لِسَنْجَرَ، فَخُطِبَ لَهُ بِبَغْدَادَ فِي سَادِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقُطِعَتْ خُطْبَةُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ ثُمَّ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا وَرَسَمَ السُّلْطَانُ سَنْجَرَ أَنْ يُخْطَبَ لِابْنِ أَخِيهِ مَحْمُودٍ فِي سَائِرِ أَعْمَالِهِ. وَفِيهَا سَارَتِ الْفِرِنْجُ إِلَى مَدِينَةِ حَلَبَ فَفَتَحُوهَا عَنْوَةً وَمَلَكُوهَا وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِهَا خَلْقًا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُ مَارِدِينَ إِيلْغَازِي بْنُ أُرْتُقَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَهَزَمَهُمْ عَنْهَا، وَلَحِقَهُمْ إِلَى جَبَلٍ قَدْ تَحَصَّنُوا فِيهِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ هُنَالِكَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَأَسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِمْ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ رَجُلًا، وَقُتِلَ فِيمَنْ قُتِلَ سَرْخَالُ صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى بَغْدَادَ فَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَالَغَ مُبَالَغَةً فَاحِشَةً: قُلْ مَا تَشَاءُ فَقَوْلُكَ الْمَقْبُولُ ... وَعَلَيْكَ بَعْدَ الْخَالِقِ التَّعْوِيلُ
পৃষ্ঠা - ১০১৬৭
وَاسْتَبْشَرَ الْقُرْآنُ حِينَ نَصَرْتَهُ وَبَكَى لِفَقْدِ رِجَالِهِ الْإِنْجِيلُ وَفِيهَا قُتِلَ الْأَمِيرُ مَنْكُبِرْسُ الَّذِي كَانَ شِحْنَةَ بَغْدَادَ وَكَانَ ظَالِمًا غَاشِمًا سَيِّئَ السِّيرَةِ، قَتَلَهُ الْمَلِكُ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأُمُورٍ ; مِنْهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ سُرِّيَّةَ أَبِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَنِعْمَ مَا فَعَلَ، وَقَدْ أَرَاحَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ مَا كَانَ أَظْلَمَهُ وَأَغْشَمَهُ. وَفِيهَا تَوَلَّى قَضَاءَ قُضَاةِ بَغْدَادَ الْأَكْمَلُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّامَغَانِيِّ، وَفِيهَا ظَهَرَ قَبْرُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَبْرُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَشَاهَدَ ذَلِكَ النَّاسُ وَلَمْ تَبْلَ أَجْسَادُهُمْ، وَعِنْدَهُمْ قَنَادِيلُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْخَازِنِ فِي " تَارِيخِهِ " وَأَظُنُّهُ نَقَلَهُ مِنْ " الْمُنْتَظَمِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: ابْنُ عَقِيلٍ عَلِيُّ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَبُو الْوَفَاءِ، شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ بِبَغْدَادَ وَصَاحِبُ " الْفُنُونِ " وَغَيْرِهَا مِنَ التَّصَانِيفِ الْمُفِيدَةِ، وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى
পৃষ্ঠা - ১০১৬৮
وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ شِيطَا، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَتَفَقَّهَ بِالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ، وَقَرَأَ الْأَدَبَ عَلَى ابْنِ بَرْهَانَ، وَالْفَرَائِضَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَمَذَانِيِّ، وَالْوَعْظَ عَلَى أَبِي طَاهِرِ بْنِ الْعَلَّافِ صَاحِبِ ابْنِ سَمْعُونَ، وَالْأُصُولَ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْمُعْتَزِلِيِّ، وَكَانَ يَجْتَمِعُ بِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ، فَرُبَّمَا لَامَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَلَا يَلْوِي عَلَيْهِمْ، فَلِهَذَا بَرَزَ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَبَذَّ أَهْلَ زَمَانِهِ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ صِيَانَةٍ وَدِيَانَةٍ وَحُسْنِ صُورَةٍ وَكَثْرَةِ اشْتِغَالٍ، وَقَدْ وَعَظَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَقَدْ مَتَّعَهُ اللَّهُ بِجَمِيعِ حَوَاسِّهِ إِلَى حِينِ مَوْتِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بُكْرَةَ الْجُمُعَةِ ثَانِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ، وَكَانَتْ جِنَازَتُهُ حَافِلَةً جِدًّا، وَدُفِنَ قَرِيبًا مِنْ قَبْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إِلَى جَانِبِ الْخَادِمِ مُخَلِّصٍ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ حَمُّويَهِ أَبُو الْحَسَنِ الدَّامَغَانِيُّ، قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ وُلِدَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ،
পৃষ্ঠা - ১০১৬৯
وَاشْتَغَلَ وَبَرَعَ وَتَوَلَّى قَضَاءَ الْقُضَاةِ بَعْدَ أَبِيهِ، ثُمَّ عُزِلَ بِأَبِي بَكْرٍ الشَّاشِيِّ، ثُمَّ أُعِيدَ إِلَى الْحُكْمِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يُعْرَفُ حَاكِمٌ وَلِيَ الْحُكْمَ أَصْغَرُ سِنًّا مِنْهُ - يَعْنِي بِبَغْدَادَ - مِنْ قُضَاةِ الْقُضَاةِ. وَقَالَ: وَلَا يُعْرَفُ حَاكِمٌ وَلِيَ لِأَرْبَعَةٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ غَيْرُهُ إِلَّا شُرَيْحٌ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحَرِّيهِ وَتَوَقِّيهِ وَقُوَّتِهِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ وَلِيَ الْحُكْمَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، كَذَلِكَ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقَبْرُهُ عِنْدَ مَشْهَدِ أَبِي حَنِيفَةَ. الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو سَعْدٍ الْمُخَرِّمِيُّ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَنَاظَرَ وَأَفْتَى وَدَرَّسَ، وَجَمَعَ كُتُبًا كَثِيرَةً لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهَا، وَنَابَ فِي الْقَضَاءِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ، جَمِيلَ الطَّرِيقَةِ، سَدِيدَ الْأَقْضِيَةِ، وَقَدْ بَنَى مَدْرَسَةً بِبَابِ الْأَزَجِ، وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ الْحَنْبَلِيِّ، ثُمَّ عُزِلَ عَنِ الْقَضَاءِ وَصُودِرَ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ عِنْدَ قَبْرِ أَحْمَدَ.
পৃষ্ঠা - ১০১৭০
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي النِّصْفِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ السُّلْطَانَيْنِ مَحْمُودٍ وَمَسْعُودٍ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ عِنْدَ عَقَبَةِ أَسَدَابَاذَ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ مَسْعُودٍ، وَأُسِرَ وَزِيرُهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَائِهِ، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بِقَتْلِ الْوَزِيرِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، فَقُتِلَ وَلَهُ نَيِّفٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي صِنَاعَةِ الْكِيمْيَاءِ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ مَسْعُودٍ الْأَمَانَ، وَاسْتَقْدَمَهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا اعْتَنَقَا وَبَكَيَا وَاصْطَلَحَا. وَفِيهَا نَهَبَ دُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ صَاحِبُ الْحِلَّةِ الْبِلَادَ وَرَكِبَ بِنَفْسِهِ إِلَى بَغْدَادَ، فَنَصَبَ خَيْمَةً بِإِزَاءِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَأَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الضَّغَائِنِ، وَذَكَرَ كَيْفَ طِيفَ بِرَأْسِ أَبِيهِ فِي الْبِلَادِ، وَتَهَدَّدَ الْمُسْتَرْشِدَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يُسَكِّنُ جَأْشَهُ، وَيَعِدُهُ أَنَّهُ سَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، فَلَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بَغْدَادَ أَرْسَلَ دُبَيْسٌ يَسْتَأْمِنُ، فَأَمَّنَهُ وَأَجْرَاهُ عَلَى عَادَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَهَبَ جَيْشَ السُّلْطَانِ، فَرَكِبَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بِنَفْسِهِ لِقِتَالِهِ، وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ أَلْفَ سَفِينَةٍ لِيَعْبُرَ بِهَا إِلَى الْحِلَّةِ، فَهَرَبَ دُبَيْسٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَالْتَجَأَ إِلَى إِيلْغَازِي فَأَقَامَ عِنْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْحِلَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَقْبَلَا مِنْهُ، وَجَهَّزَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ جَيْشًا فَحَاصَرُوهُ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي بِلَادِهِ لَا يَتَمَكَّنُ الْجَيْشُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ.
পৃষ্ঠা - ১০১৭১
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْكُرْجِ وَالْمُسْلِمِينَ بِالْقُرْبِ مِنْ تَفْلِيسَ، وَمَعَ الْكُرْجِ كُفَّارُ الْقُفْجَاقِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَغَنِمُوا أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَأَسَرُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ أَسِيرٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَنَهَبَ الْكُرْجُ تِلْكَ النَّوَاحِي وَفَعَلُوا أَشْيَاءَ مُنْكَرَةً، وَحَاصَرُوا تَفْلِيسَ مُدَّةً ثُمَّ مَلَكُوهَا عَنْوَةً، بَعْدَمَا أَحْرَقُوا الْقَاضِيَ وَالْخَطِيبَ حِينَ خَرَجُوا إِلَيْهِمْ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، وَقَتَلُوا عَامَّةَ أَهْلِهَا، وَسَبَوُا الذُّرِّيَّةَ، وَاسْتَحْوَذُوا عَلَى الْأَمْوَالِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَفِيهَا أَغَارَ جُوسْلِينُ الْفِرِنْجِيُّ صَاحِبُ الرُّهَا عَلَى خَلْقٍ مِنَ الْعَرَبِ وَالتُّرْكُمَانِ فَقَتَلَهُمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ. وَفِيهَا تَمَرَّدَتِ الْعَيَّارُونَ بِبَغْدَادَ، وَأَخَذُوا الدُورَ جِهَارًا لَيْلًا وَنَهَارًا، فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ ابْتِدَاءُ مُلْكِ مُحَمَّدِ بْنِ تُومَرْتَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، كَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ قَدِمَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ إِلَى بَغْدَادَ فَسَكَنَ النِّظَامِيَّةَ، وَاشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ فَحَصَّلَ جَانِبًا جَيِّدًا مِنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ عَلَى الْغَزَّالِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يُظْهِرُ التَّعَبُّدَ وَالزُّهْدَ وَالْوَرَعَ، وَرُبَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْغَزَّالِيِّ حُسْنَ مَلَابِسِهِ، وَلَا سِيَّمَا حِينَ لَبِسَ خِلْعَةَ التَّدْرِيسِ بِالنِّظَامِيَّةِ، ثُمَّ حَجَّ وَعَادَ إِلَى بِلَادِهِ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقْرِئُ النَّاسَ الْقُرْآنَ، وَيَشْغَلُهُمْ فِي الْفِقْهِ، فَطَارَ ذِكْرُهُ فِي النَّاسِ، وَاجْتَمَعَ بِهِ يَحْيَى بْنُ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسَ صَاحِبُ بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ
পৃষ্ঠা - ১০১৭২
فَعَظَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ وَسَأَلَهُ الدُّعَاءَ فَاشْتُهِرَ أَيْضًا بِذَلِكَ وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِلَّا رِكْوَةٌ وَعَصًا، وَلَا يَسْكُنُ إِلَّا الْمَسَاجِدَ، ثُمَّ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى دَخَلَ مَرَّاكُشَ، وَمَعَهُ تِلْمِيذُهُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَلِيٍّ، وَكَانَ وَقَدْ كَانَ تَوَسَّمَ فِيهِ النَّجَابَةَ وَالشَّهَامَةَ، فَرَأَى فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ أَضْعَافَ مَا رَأَى فِي غَيْرِهَا ; مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّجَالَ يَتَلَثَّمُونَ وَالنِّسَاءَ يَمْشِينَ حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، فَأَخَذَ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّهُ اجْتَازَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أُخْتُ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ بْنِ تَاشُفِينَ مَلِكِ مَرَّاكُشَ وَمَا حَوْلَهَا، وَمَعَهَا نِسَاءٌ رَاكِبَاتٌ حَاسِرَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، فَشَرَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِنَّ وَيَضْرِبُونَ الدَّوَابَّ، فَسَقَطَتْ أُخْتُ الْمَلِكِ عَنْ دَابَّتِهَا، فَأَحْضَرَهُ الْمَلِكُ وَأَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ، وَأَخَذَ يَعِظُ الْمَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَمَعَ هَذَا نَفَاهُ الْمَلِكُ عَنْ بَلَدِهِ، فَشَرَعَ يُشَنِّعُ عَلَيْهِ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى قِتَالِهِ، فَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَجَهَّزَ إِلَيْهِ ابْنُ تَاشُفِينَ جَيْشًا كَثِيفًا فَهَزَمَهُمُ ابْنُ تُومَرْتَ، فَعَظُمَ شَأْنُهُ وَارْتَفَعَ أَمْرُهُ وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَتَسَمَّى بِالْمَهْدِيِّ، وَسَمَّى جَيْشَهُ جَيْشَ الْمُوَحِّدِينَ، وَأَلَّفَ كِتَابًا فِي التَّوْحِيدِ وَعَقِيدَةً تُسَمَّى الْمُرْشِدَةُ، ثُمَّ كَانَتْ لَهُ وَقَعَاتٌ مَعَ جُيُوشِ ابْنِ تَاشُفِينَ، فَقَتَلَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْوَنْشَرِيسِيِّ، وَكَانَ ذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ وَعَلَّمَهُ الْقُرْآنَ وَ " الْمُوَطَّأَ " وَلَهُ بِذَلِكَ مَلَائِكَةٌ يَشْهَدُونَ بِهِ فِي بِئْرٍ سَمَّاهُ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِ وَكَانَ قَدْ أَرْصَدَ فِيهِ رِجَالًا، فَلَمَّا سَأَلَهُمْ وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ شَهِدُوا لَهُ
পৃষ্ঠা - ১০১৭৩
بِذَلِكَ، فَأَمَرَ حِينَئِذٍ بِطَمِّ الْبِئْرِ عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَلِهَذَا يُقَالُ: مَنْ أَعَانَ ظَالِمًا سُلِّطَ عَلَيْهِ. ثُمَّ جَهَّزَ ابْنُ تُومَرْتَ الَّذِي لَقَّبَ نَفْسَهُ بِالْمَهْدِيِّ جَيْشًا عَلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَعَبْدُ الْمُؤْمِنِ لِمُحَاصَرَةِ مَرَّاكُشَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَهْلُهَا فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا عَظِيمًا، فَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنْشَرِيسِيُّ هَذَا الَّذِي زَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُخَاطِبُهُ، ثُمَّ افْتَقَدُوهُ فِي الْقَتْلَى فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ دَفَنَهُ وَالنَّاسُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ حِينَ جَهَّزَ الْجَيْشَ مَرِيضًا مُدْنِفًا، فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَبَرُ ازْدَادَ مَرَضًا إِلَى مَرَضِهِ، وَسَاءَهُ قَتْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْوَنْشَرِيسِيِّ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ لِعَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَلَقَّبَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ كَانَ شَابًّا حَسَنًا حَازِمًا عَاقِلًا. ثُمَّ مَاتَ ابْنُ تُومَرْتَ وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ إِحْدَى وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَمُدَّةُ مُلْكِهِ عَشْرُ سِنِينَ، وَحِينَ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ عَلِيٍّ أَحْسَنَ إِلَى الرَّعَايَا، وَظَهَرَتْ مِنْهُ سِيرَةٌ جَيِّدَةٌ فَأَحَبَّهُ النَّاسُ، وَاتَّسَعَتْ مَمَالِكُهُ، وَكَثُرَتْ جُيُوشُهُ وَرَعِيَّتُهُ، وَنَصَبَ الْعَدَاوَةَ لِابْنِ تَاشُفِينَ صَاحِبِ مَرَّاكُشَ، وَلَمْ يَزَلِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَمَاتَ ابْنُ تَاشُفِينَ، فَقَامَ وَلَدُهُ تَاشُفِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَمَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَوَلِيَ أَخُوهُ إِسْحَاقُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ بْنِ تَاشُفِينَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، فَمَلَكَ تِلْكَ النَّوَاحِيَ وَفَتَحَ مَدِينَةَ مَرَّاكُشَ وَقَتَلَ هُنَالِكَ أُمَمًا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقُتِلَ مَلِكُهَا إِسْحَاقُ، وَكَانَ صَغِيرَ السِّنِّ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَكَانَ إِسْحَاقُ هَذَا آخِرَ مُلُوكِ الْمُرَابِطِينَ، وَكَانَ مُدَّةُ مُلْكِهِمْ سَبْعِينَ سَنَةً.
পৃষ্ঠা - ১০১৭৪
وَالَّذِينَ مَلَكُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ: عَلِيٌّ وَوَالِدُهُ يُوسُفُ وَوَلَدَاهُ تَاشُفِينُ وَإِسْحَاقُ ابْنَا عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ. فَاسْتَوْطَنَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ مَدِينَةَ مَرَّاكُشَ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَظَفِرَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ بِدَكَّالَةَ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ عَظِيمَةٌ نَحْوُ مِائَتَيْ أَلْفِ رَاجِلٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ فَارِسٍ مُقَاتِلٍ مِنَ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ بِيعَتِ الْجَارِيَةُ الْحَسْنَاءُ بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ فِي سِيرَةِ ابْنِ تُومَرْتَ هَذَا مُجَلَّدًا فِي أَحْكَامِهِ وَأَيَّامِهِ، وَكَيْفَ تَمَلَّكَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَمَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُوهِمُ أَنَّهَا أَحْوَالٌ بَرَّةٌ، وَهِيَ مَحَالُّ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ فَجَرَةٍ، وَمَا قَتَلَ مِنَ النَّاسِ وَأَزْهَقَ مِنَ الْأَنْفُسِ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ السِّيبِيِّ، أَبُو الْبَرَكَاتِ، أَسْنَدَ الْحَدِيثَ، وَكَانَ يُعَلِّمُ أَوْلَادَ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَظْهِرِ، فَلَمَّا صَارَتِ الْخِلَافَةُ إِلَى الْمُسْتَرْشِدِ، وَلَّاهُ الْمَخْزَنَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْأَمْوَالِ وَالصَّدَقَاتِ، يَتَعَاهَدُ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَخَلَّفَ مَالًا كَثِيرًا حُزِرَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْصَى مِنْهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ لِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ صَدَقَةَ، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ.
পৃষ্ঠা - ১০১৭৫
عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ هَوَازِنَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ، قَرَأَ عَلَى أَبِيهِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَكَانَ ذَا ذَكَاءٍ وَفِطْنَةٍ، وَلَهُ خَاطِرٌ حَاضِرٌ جَرِيءٌ، وَلِسَانٌ مَاهِرٌ فَصِيحٌ، وَقَدْ دَخَلَ بَغْدَادَ فَوَعَظَ بِهَا، فَوَقَعَ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، فَحُبِسَ بِسَبَبِهَا الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي مُوسَى وَأَمَرَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَغْدَادَ لِإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ فَعَادَ إِلَى بَلَدِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ أَبُو حَامِدٍ الدِّينَوَرِيُّ، كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ وَالصَّدَقَاتِ، ذَا حِشْمَةٍ وَمُرُوءَةٍ وَوَجَاهَةٍ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ، وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ وَوَعَظَ، وَكَانَ مَلِيحَ الْإِيرَادِ حُلْوَ الْمَنْطِقِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالرَّيِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
পৃষ্ঠা - ১০১৭৬
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِيهَا أَقْطَعَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ الْأَمِيرَ إِيلْغَازِي مَدِينَةَ مَيَّافَارِقِينَ فَبَقِيَتْ فِي يَدِ أَوْلَادِهِ إِلَى أَنْ أَخَذَهَا صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ. وَفِيهَا أَقْطَعَ أَيْضًا آقْ سُنْقُرَ الْبُرْسُقِيَّ مَدِينَةَ الْمَوْصِلِ وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ الْفِرِنْجِ. وَفِيهَا حَاصَرَ بَلَكُ بْنُ بَهْرَامَ - وَهُوَ ابْنُ أَخِي إِيلْغَازِي - مَدِينَةَ الرُّهَا، فَأَسَرَ مَلِكَهَا جُوسْلِينَ الْفِرِنْجِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ رُءُوسِ أَصْحَابِهِ وَسَجَنَهُمْ بِقَلْعَةِ خَرْتَبِرْتَ. وَفِيهَا هَبَّتْ رِيحٌ سَوْدَاءُ، فَاسْتَمَرَّتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَهْلَكَتْ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ. وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ بِالْحِجَازِ، فَتَضَعْضَعَ بِسَبَبِهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ، وَتَهَدَّمَ بَعْضُهُ، وَتَهَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ.
পৃষ্ঠা - ১০১৭৭
وَفِيهَا ظَهَرَ رَجُلٌ عَلَوِيٌّ بِمَكَّةَ، كَانَ قَدِ اشْتَغَلَ بِالنِّظَامِيَّةِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ، أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَاتَّبَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، فَنَفَاهُ صَاحِبُهَا ابْنُ أَبِي هَاشِمٍ إِلَى الْبَحْرَيْنِ. وَفِيهَا احْتَرَقَتْ دَارُ السُّلْطَانِ بِأَصْبَهَانَ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَثَاثِ وَالْفِرَاشِ وَالْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سِوَى الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَقَبْلَ ذَلِكَ بِأُسْبُوعٍ احْتَرَقَ جَامِعُ أَصْبَهَانَ أَيْضًا، وَكَانَ جَامِعًا عَظِيمًا فِيهِ أَخْشَابٌ تُسَاوِي أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَفِي جُمْلَةِ مَا احْتَرَقَ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ مُصْحَفٍ ; مِنْ جُمْلَتِهَا مُصْحَفٌ بِخَطِّ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَفِي شَعْبَانَ مِنْهَا جَلَسَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَرْشِدُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ فِي أُبَّهَةِ الْخِلَافَةِ ; الْبُرْدَةُ عَلَى كَتِفَيْهِ وَالْقَضِيبُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَاءَ الْأَخَوَانِ الْمَلِكَانِ مَحْمُودٌ وَمَسْعُودٌ فَوَقَفَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَبَّلَا الْأَرْضَ، فَخَلَعَ عَلَى مَحْمُودٍ سَبْعَ خِلَعٍ وَطَوْقًا وَسِوَارَيْنِ وَتَاجًا، وَأُجْلِسَ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَوَعَظَهُ الْخَلِيفَةُ وَتَلَا عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] [الزَّلْزَلَةِ: 7، 8] وَأَمَرَهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الرَّعَايَا، وَعَقَدَ لَهُ الْخَلِيفَةُ لِوَاءَيْنِ بِيَدِهِ، وَقَلَّدَهُ الْمُلْكَ، وَخَرَجَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مُطَاعَيْنِ مُعَظَّمَيْنِ، وَالْجَيْشُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا إِلَى دَارِهِمَا فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ جِدًّا. وَحَجَّ بِالنَّاسِ نَظَرٌ الْخَادِمُ. وَقَدْ تُوُفِّيَ فِيهَا: ابْنُ الْقَطَّاعِ اللُّغَوِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
পৃষ্ঠা - ১০১৭৮
الْأَغْلَبِ السَّعْدِيُّ الصِّقِلِّيُّ ثُمَّ الْمِصْرِيُّ اللُّغَوِيُّ، مُصَنِّفُ كِتَابِ " الْأَفْعَالِ " الَّذِي بَرَزَ فِيهِ عَلَى ابْنِ الْقُوطِيَّةِ وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ قَدِمَ مِصْرَ فِي حُدُودِ سَنَةِ خَمْسِمِائَةٍ لَمَّا أَشْرَفَتِ الْفِرِنْجُ عَلَى أَخْذِ صِقِلِّيَةَ، فَأَكْرَمَهُ الْمِصْرِيُّونَ، وَبَالَغُوا فِي إِكْرَامِهِ وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى التَّسَاهُلِ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، أَوْرَدَ لَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ مِنْهُ قِطْعَةً جَيِّدَةً، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ: أَبُو الْقَاسِمِ شَاهِنْشَاهْ، الْأَفْضَلُ بْنُ أَمِيرِ الْجُيُوشِ بَدْرِ الْجَمَالِيِّ، مُدَبِّرُ دَوْلَةِ الْفَاطِمِيِّينَ بِمِصْرَ، وَإِلَى أَبِيهِ تُنْسَبُ قَيْسَارِيَّةُ أَمِيرِ الْجُيُوشِ، الْعَامَّةُ تَقُولُ: مَرْجُيُوشُ. وَأَبُوهُ بَانِي الْجَامِعِ الَّذِي بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِسُوقِ الْعَطَّارِينَ، وَمَشْهَدِ الرَّأْسِ بِعَسْقَلَانَ أَيْضًا، وَكَانَ أَبُوهُ نَائِبَ الْمُسْتَنْصِرِ عَلَى مَدِينَةِ صُورَ وَقِيلَ: عَلَى عَكَّا، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ، فَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَاسْتَنَابَهُ عَلَى دِيَارِ مِصْرَ، فَسَدَّدَ الْأُمُورَ بَعْدَ فَسَادِهَا، وَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَامَ فِي الْوَزَارَةِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْأَفْضَلُ هَذَا، فَكَانَ كَأَبِيهِ فِي الشَّهَامَةِ وَالصَّرَامَةِ.
পৃষ্ঠা - ১০১৭৯
وَلَمَّا مَاتَ الْمُسْتَنْصِرُ أَقَامَ الْمُسْتَعْلِي وَاسْتَمَرَّتِ الْأُمُورُ عَلَى يَدَيْهِ، وَكَانَ عَادِلًا حَسَنَ السِّيرَةِ، مَوْصُوفًا بِجَوْدَةِ السَّرِيرَةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. ضَرَبَهُ فِدَاوِيٌّ وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَتَلَهُ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَبِيهِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَكَانَتْ دَارُهُ دَارَ الْوَكَالَةِ الْيَوْمَ بِمِصْرَ، وَقَدْ وُجِدَتْ لَهُ أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا تَفُوقُ الْعَدَّ وَالْإِحْصَاءَ ; مِنَ الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ وَالنَّفَائِسِ، فَانْتَقَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْفَاطِمِيِّ، فَجُعِلَ فِي خِزَانَتِهِ، وَذَهَبَ جَامِعُهُ إِلَى سَوَاءِ الْحِسَابِ عَلَى الْفَتِيلِ مِنْ ذَلِكَ وَالنَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ. وَاعْتَاضَ عَنْهُ الْخَلِيفَةُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَطَائِحِيِّ وَلُقِّبَ الْمَأْمُونَ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ: تَرَكَ الْأَفْضَلُ مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ سِتَّمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَمِنَ الدَّرَاهِمِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إِرْدَبًّا، وَسَبْعِينَ أَلْفَ ثَوْبِ دِيبَاجٍ أَطْلَسَ، وَثَلَاثِينَ رَاحِلَةَ أَحْقَاقِ ذَهَبٍ عِرَاقِيٍّ، وَدَوَاةَ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرَةٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمِائَةَ مِسْمَارِ ذَهَبٍ ; زِنَةُ كُلِّ مِسْمَارٍ مِائَةُ مِثْقَالٍ، فِي عَشَرَةِ مَجَالِسَ ; عَلَى كُلِّ مِسْمَارٍ مَنْدِيلٌ مَشْدُودٌ بِذَهَبٍ، كُلُّ مِنْدِيلٍ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ مِنْ مَلَابِسِهِ، وَخَمْسَمِائَةِ صُنْدُوقِ كُسْوَةٍ لِلُبْسِ بَدَنِهِ. قَالَ: وَخَلَّفَ مِنَ الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْمِسْكِ وَالطِّيبِ وَالْحُلِيِّ مَا لَا يَعْلَمُ قَدْرُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَلَّفَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالْغَنَمِ مَا يُسْتَحْيَى مِنْ ذِكْرِ عَدِّهِ، وَبَلَغَ ضَمَانُ أَلْبَانِهَا فِي السَّنَةِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَتَرَكَ صُنْدُوقَيْنِ كَبِيرَيْنِ فِيهِمَا إِبَرُ ذَهَبٍ بِرَسْمِ النِّسَاءِ.
পৃষ্ঠা - ১০১৮০
عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ الطُّوسِيُّ ابْنُ أَخِي نِظَامِ الْمُلْكِ، تَفَقَّهَ بِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَأَفْتَى وَدَرَّسَ وَنَاظَرَ، وَوَزَرَ لِلْمَلِكِ سَنْجَرَ، وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. خَاتُونُ السَّفَرِيَّةُ حَظِيَّةُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ وَهِيَ أَمُّ السُّلْطَانَيْنِ مُحَمَّدٍ وَسَنْجَرَ، كَانَتْ كَثِيرَةَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، لَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ سَبِيلٌ يَخْرُجُ مَعَ الْحُجَّاجِ، وَفِيهَا دِينٌ وَخَيْرٌ، وَلَمْ تَزَلْ تَبْحَثُ حَتَّى عَرَفَتْ مَكَانَ أُمِّهَا وَأَهْلِهَا، فَبَعَثَتِ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةِ حَتَّى اسْتَحْضَرَتْهُمْ، وَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيْهَا أُمُّهَا كَانَ لَهَا عَنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً لَمْ تَرَهَا، فَأَحَبَّتْ أَنْ تَسْتَعْلِمَ فَهْمَهَا، فَجَلَسَتْ بَيْنَ جَوَارِيهَا، فَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّهَا كَلَامَهَا عَرَفَتْهَا، فَقَامَتْ إِلَيْهَا فَاعْتَنَقَا وَبَكَيَا، ثُمَّ أَسْلَمَتْ أُمُّهَا عَلَى يَدَيْهَا، جَزَاهَا اللَّهُ خَيْرًا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا. وَقَدْ تَفَرَّدَتْ بِوِلَادَةِ مَلِكَيْنِ فِي دَوْلَةِ الْأَتْرَاكِ وَالْعَجَمِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا نَظِيرٌ إِلَّا الْيَسِيرُ ; مِنْ ذَلِكَ: وَلَّادَةُ بِنْتُ الْعَبَّاسِ وَلَدَتْ لِعَبْدِ الْمَلِكِ الْوَلِيدَ وَسُلَيْمَانَ وَشَاهْفِرِنْدُ، وَلَدَتْ لِلْوَلِيدِ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمَ وَلِيَا الْخِلَافَةَ أَيْضًا، وَالْخَيْزُرَانُ وَلَدَتْ لِلْمَهْدِيِّ الْهَادِيَ وَالرَّشِيدَ. الطُّغْرَائِيُّ نَاظِمُ " لَامِيَّةِ الْعَجَمِ " الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ
পৃষ্ঠা - ১০১৮১
مُؤَيَّدُ الدِّينِ الْأَصْبَهَانِيُّ الْعَمِيدُ فَخْرُ الْكُتَّابِ الْمُنْشِئُ الشَّاعِرُ الْمَعْرُوفُ بِالطُّغْرَائِيِّ، وَقَدْ وَلِيَ الْوَزَارَةَ بِإِرْبِلَ مُدَّةً، أَوْرَدَ لَهُ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ الَّتِي أَلَّفَهَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فِي بَغْدَادَ، يَشْرَحُ فِيهَا أَحْوَالَهُ وَأُمُورَهُ، وَتُعْرَفُ بِلَامِيَّةِ الْعَجَمِ أَوَّلُهَا: أَصَالَةُ الرَّأْيِ صَانَتْنِي عَنِ الْخَطَلِ ... وَحِلْيَةُ الْفَضْلِ زَانَتْنِي لَدَى الْعَطَلِ مَجْدِي أَخِيرًا وَمَجْدِي أَوَّلًا شَرَعٌ ... وَالشَّمْسُ رَأْدَ الضُّحَى كَالشَّمْسِ فِي الطَّفَلِ فِيمَ الْإِقَامَةُ بِالزَّوْرَاءِ لَا سَكَنِي ... بِهَا وَلَا نَاقَتِي فِيهَا وَلَا جَمَلِي وَقَدْ سَرَدَهَا الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ بِكَمَالِهَا وَأَوْرَدَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ أَيْضًا.
পৃষ্ঠা - ১০১৮২
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ] [مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ] فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا رَجَعَ السُّلْطَانُ طُغْرُلُ إِلَى طَاعَةِ أَخِيهِ مَحْمُودٍ، بَعْدَمَا كَانَ قَدْ خَرَجَ عَنْهَا، وَأَخَذَ بِلَادَ أَذْرَبِيجَانَ. وَفِيهَا أَقْطَعَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ مَدِينَةَ وَاسِطٍ لِآقْ سُنْقُرَ مُضَافًا إِلَى الْمَوْصِلِ فَسَيَّرَ إِلَيْهَا عِمَادَ الدِّينِ زَنْكِي بْنَ آقْ سُنْقُرَ فَوَلِيهَا وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ بِهَا، وَأَبَانَ عَنْ حَزْمٍ وَكِفَايَةٍ. وَفِي صَفَرٍ مِنْهَا قُتِلَ وَزِيرُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ أَبُو طَالِبٍ السُّمَيْرَمِيُّ، قَتَلَهُ بَاطِنِيٌّ، وَكَانَ قَدْ بَرَزَ لِلْمَسِيرِ إِلَى هَمَذَانَ، وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ فِي مِائَةِ جَارِيَةٍ بِمَرَاكِبِ الذَّهَبِ، فَلَمَّا بَلَغَهُنَّ قَتْلُهُ رَجَعْنَ حَافِيَاتٍ حَاسِرَاتٍ قَدْ هُنَّ بَعْدَ الْعِزِّ. وَاسْتَوْزَرَ السُّلْطَانُ بَعْدَهُ شَمْسَ الْمُلْكِ عُثْمَانَ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ وَفِيهَا اتَّقَعَ آقْ سُنْقُرُ الْبُرْسُقِيُّ وَدُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ فَهَزَمَهُ دُبَيْسٌ، وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ جَيْشِهِ، فَاسْتَوْثَقَ السُّلْطَانُ مَنْصُورُ بْنُ صَدَقَةَ أَخَا دُبَيْسٍ وَوَلَدَهُ، وَرَفَعَهُمَا إِلَى قَلْعَةٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ آذَى دُبَيْسٌ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَنَهَبَ الْبِلَادَ، وَجَزَّ شَعْرَهُ وَلَبِسَ السَّوَادَ، وَنَهَبَ أَمْوَالَ الْخَلِيفَةِ أَيْضًا مِنَ الْبِلَادِ، فَنُودِيَ فِي بَغْدَادَ لِلْخُرُوجِ لِقِتَالِهِ،
পৃষ্ঠা - ১০১৮৩
وَبَرَزَ الْخَلِيفَةُ فِي الْجَيْشِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ أَسْوَدُ وَطَرْحَةٌ، وَعَلَى كَتِفَيْهِ الْبُرْدَةُ، وَبِيَدِهِ الْقَضِيبُ، وَفِي وَسَطِهِ مِنْطَقَةُ حَرِيرٍ صِينِيٍّ، وَمَعَهُ وَزِيرُهُ نِظَامُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ وَنَقِيبُ النُّقَبَاءِ عَلِيُّ بْنُ طِرَادٍ الزَّيْنَبِيُّ وَشَيْخُ الشُّيُوخِ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَلَقَّاهُ آقْ سُنْقُرُ الْبُرْسُقِيُّ وَمَعَهُ الْجَيْشُ، فَقَبَّلُوا الْأَرْضَ وَرَتَّبَ الْبُرْسُقِيُّ الْجَيْشَ، وَوَقَفَ الْقُرَّاءُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ، وَأَقْبَلَ دُبَيْسٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْإِمَاءُ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ، وَالْمَخَانِيثُ بِالْمَلَاهِي، وَالْتَقَى الْفَرِيقَانِ، وَقَدْ شَهَرَ الْخَلِيفَةُ سَيْفَهُ، وَكَبَّرَ وَاقْتَرَبَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ، فَحَمَلَ عَنْبَرُ بْنُ أَبِي الْعَسْكَرِ عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَلِيفَةِ فَكَسَرَهَا، وَقَتَلَ أَمِيرًا، ثُمَّ حَمَلَ مَرَّةً ثَانِيَةً فَكَشَفَهُمْ كَالْأُولَى فَحَمَلَ عَلَيْهِ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي بْنُ آقْ سُنْقُرَ، فَأَسَرَ عَنْبَرَ وَأَسَرَ مَعَهُ بُدَيْلَ بْنَ زَائِدَةَ فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ دُبَيْسٍ، وَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ، فَغَرِقَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِضَرْبِ أَعْنَاقِ الْأَسَارَى صَبْرًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحُصِّلَتْ نِسَاءُ دُبَيْسٍ وَسَرَارِيُّهُ فِي السَّبْيِ، وَعَادَ الْخَلِيفَةُ إِلَى بَغْدَادَ فَدَخَلَهَا فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنَ السَّنَةِ الْآتِيَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَمَّا دُبَيْسٌ فَإِنَّهُ نَجَا بِنَفْسِهِ وَقَصَدَ غُزَيَّةَ فَصَحِبَهُمْ إِلَى الْبَصْرَةِ فَدَخَلَهَا وَنَهَبَهَا وَقَتَلَ أَمِيرَهَا، ثُمَّ خَافَ مِنَ الْبُرْسُقِيِّ فَخَرَجَ عَنْهَا، وَسَارَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَالْتَحَقَ بِالْفِرِنْجِ وَحَضَرَ مَعَهُمْ حِصَارَ، حَلَبَ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ وَالْتَحَقَ بِالْمَلِكِ طُغْرُلَ أَخِي السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ. وَفِيهَا مَلَكَ السُّلْطَانُ حُسَامُ الدِّينِ تَمُرْتَاشُ بْنُ إِيلْغَازِي بْنِ أُرْتُقَ قَلْعَةَ
পৃষ্ঠা - ১০১৮৪
مَارِدِينَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ، وَمَلَكَ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ مَيَّافَارِقِينَ. وَفِيهَا ظَهَرَ مَعْدِنُ نُحَاسٍ بِدِيَارِ بَكْرٍ قَرِيبًا مِنْ قَلْعَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ. وَفِيهَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْوُعَّاظِ بَغْدَادَ فَوَعَظُوا بِهَا، وَحَصَلَ لَهُمْ قَبُولٌ تَامٌّ مِنَ الْعَوَامِّ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ نَظَرٌ الْخَادِمُ. [مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ] وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْأَشْعَثِ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَخُو أَبِي الْقَاسِمِ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا أَحَدَ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، صَحِبَ الْخَطِيبَ مُدَّةً، وَجَمَعَ وَأَلَفَّ وَصَنَّفَ وَرَحَلَ إِلَى الْآفَاقِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً. عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو طَالِبٍ السُّمَيْرَمِيُّ، نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِأَصْبَهَانَ، كَانَ وَزِيرَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَكَانَ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ وَالْفِسْقِ، وَأَحْدَثَ عَلَى النَّاسِ مُكُوسًا وَجَدَّدَهَا بَعْدَمَا كَانَتْ قَدْ أُزِيلَتْ، مِنْ مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ كَثْرَةِ الظُّلْمِ لِمَنْ لَا نَاصِرَ لَهُ، وَكَثْرَةِ مَا أَحْدَثْتُ مِنَ السُّنَنِ السَّيِّئَةِ. وَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى هَمَذَانَ أَحْضَرَ الْمُنَجِّمِينَ، فَضَرَبُوا لَهُ تَحْتَ رَمْلٍ لِسَاعَةِ
পৃষ্ঠা - ১০১৮৫
خُرُوجِهِ؛ لِيَكُونَ أَسْرَعَ لِعَوْدِهِ، فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ السُّيُوفُ الْمَسْلُولَةُ، وَالْمَمَالِيكُ بِالْعُدَدِ الْبَاهِرَةِ، وَمَعَ هَذَا جَاءَهُ بَاطِنِيٌّ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ بَعْدَمَا ضَرَبَهُ غَيْرَ مَا مَرَّةً فِي مَقَاتِلِهِ ثُمَّ ذَبَحَهُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَالْمَمَالِيكُ يَضْرِبُونَ بِالسُّيُوفِ وَالنِّبَالِ فِي ظَهْرِهِ وَلَا يُبَالِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; حَتَّى قَتَلَهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ، وَرَجَعَ نِسَاؤُهُ حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ ; قَدْ أَبْدَلَهُنَّ اللَّهُ الذِّلَّةَ بَعْدَ الْعِزَّةِ، وَالْخَوْفَ بَعْدَ الْأَمْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَلْخَ صَفَرٍ، وَمَا أَشْبَهَ حَالَهُنَّ بِقَوْلِ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ فِي الْخَيْزُرَانِ وَجَوَارِيهَا حِينَ مَاتَ الْمَهْدِيُّ: رُحْنَ فِي الْوَشْيِ وَأَصْبَحْنَ عَلَيْهِنَّ الْمُسُوحُ ... كُلُّ نَطَّاحٍ مِنَ النَّاسِ لَهُ يَوْمٌ نَطُوحُ لَتُمُوتَنَّ وَلَوْ عُمِّرْتَ مَا عُمِّرَ نُوحُ ... فَعَلَى نَفْسِكَ نُحْ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ تَنُوحُ الْحَرِيرِيُّ صَاحِبُ الْمَقَامَاتِ الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيُّ الْبَصْرِيُّ، مُؤَلِّفُ الْمَقَامَاتِ الَّتِي سَارَتْ بِفَصَاحَتِهَا الرُّكْبَانُ، وَكَادَ يُرْبِي فِيهَا عَلَى سَحْبَانَ، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَاشْتَغَلَ بِاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَبَرَزَ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ وَعَمِلَ صِنَاعَةَ الْإِنْشَاءِ مَعَ الْكُتَّبِ فِي بَابِ الْخَلِيفَةِ،
পৃষ্ঠা - ১০১৮৬
وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تُنْكَرُ بَدِيهَتُهُ وَلَا تَتَعَكَّرُ فِكْرَتُهُ وَقَرِيحَتُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَحَدَّثَ وَقَرَأَ الْأَدَبَ وَاللُّغَةَ، وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ بِالذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ وَالْفَصَاحَةِ، وَحُسْنِ الْعِبَارَةِ، وَصَنَّفَ الْمَقَامَاتِ الْمَعْرُوفَةَ، مَنْ تَأَمَّلَهَا عَرَفَ قَدْرَ مُنْشِئِهَا، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِالْبَصْرَةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا زَيْدٍ وَالْحَارِثَ بْنَ هَمَّامٍ لَا وُجُودَ لَهُمَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ مِنْ بَابِ الْأَمْثَالِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَبُو زَيْدٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ سَلَّارَ السَّرُوجِيُّ كَانَ لَهُ وُجُودٌ، وَكَانَ فَاضِلًا، وَلَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ بِاللُّغَةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ كَانَ اسْمُهُ الْمُطَهَّرُ بْنُ سَلَّارَ، وَكَانَ بَصْرِيًّا فَاضِلًا فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَ يَشْتَغِلُ عَلَى الْحَرِيرِيِّ بِالْبَصْرَةِ، وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ هَمَّامٍ فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ ; لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «كُلُّكُمْ حَارِثٌ، وَكُلُّكُمْ هَمَّامٌ» كَذَا قَالَ الْقَاضِي. وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الْمَحْفُوظُ: «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ» ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إِمَّا حَارِثٌ وَهُوَ الْفَاعِلُ أَوْ هَمَّامٌ مِنَ الْهِمَّةِ وَهُوَ الْعَزْمُ وَالْخِطْرَةُ، وَذَكَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَقَامَةٍ عَمِلَهَا الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ، وَهِيَ الْحَرَامِيَّةُ، وَكَانَ سَبَبَهَا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ رَجُلٌ ذُو طِمْرَيْنِ فَصِيحُ اللِّسَانِ، فَاسْتَسْمَوْهُ، فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ السَّرُوجِيُّ: فَعَمِلَ فِيهِ هَذِهِ الْمَقَامَةَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ، وَهُوَ جَلَالُ الدِّينِ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ، قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ